مدونات

الأجراس الصغيرة

محمد سرسك
الحب أن يظل في الصدر وهم، يتوقد وأتعب، أتناسى وأعيش ثم يرحل معي فيصير ترابًا بعد أن ينهس الدود قلبي، حبٌّ من تراب، أيليق؟ cco
الحب أن يظل في الصدر وهم، يتوقد وأتعب، أتناسى وأعيش ثم يرحل معي فيصير ترابًا بعد أن ينهس الدود قلبي، حبٌّ من تراب، أيليق؟ cco
الطفولة!

هذه معضلتي، فقد وجدت نفسي كبيرًا فجأة، وكنت أرافق ذلك الرجل كل صباح مبكّرين، نحمل صناديق وأكياس الخضار ثم نرجع ببعض النقود، لكنه ارتأى أن يريح ظهره وساقيه فمات، وبكت أمي قليلًا، فقد كنا نقتصد في الدموع أيضًا.

الريح تصْفُر وتنشر الرعب في الزوايا الدّامس ليلها، ينشلع قلبه من الصدر الصغير يعلو ويعلو ثم يهوي الى الطين، تُرى من أين هذا الصوت يأتي، وتطايرت أواني الصفيح، ارتطمت بقسوة على الحائط القريب، وانسحق القلب رعبًا وهمد الجسد يثقله الخوف. كنت أسألك:

ـ أبردانةٌ أنت؟

ـ بل خائفة.

فأحببتك بكل تناقضاتي، ونشرت قلوعك داخلي ثم انسكبتِ خلالي وتسرّبتِ حتى أفنيتكِ، حوّلتكِ أصدافًا ترْكن في الأعماق. لم يكن هناك من أحد يا صديقتي، ولم يعد هناك من أحد. ها أنت تختفين.. تذوبين. وحيدًا كان في الزقاق أتدركين؟

فات الأوان إنها غلطتك أنت أنّك جئتِ. ظل يبكي. ثم يجأر حتى غابت نبرة عويله وصار قلبه يردد عويل الريح فانطلق بلا دموع.

ـ سأمضي.. وستسعى إليّ.

ـ انتظري، ألا ترين أنه بلا دموع، كان يشتاق العناق لكنها لم تكن هناك!

ـ لماذا أصبحت تتجاهلينه، كنت ترتجفين معه أو تمسحين جبينه، والآن تتركينه؟!

....


لماذا يمْضِين هكذا بلا مبرر، بل إنهن ينتهين مع شمع الطاولة، فيعود الظلام وتنتشر الوحشة من جديد وأعود إلى طين الأزقة. "يا شقيّ" تُلقيها عليّ ويملؤني الأسى.

ـ ها أنتَ مرة أخرى تأوي إليّ!

وتفرّستَ وجهي، كان هامدًا قد ارتحلت منه السمات، ارتدّ العناق إلى المستحيل فظلّت واقفةً مكانها.. ثم استدركت:

ـ يا شقيّ، طوال أسبوع دون خبر!

هذا كل ما تبقى إذن "يا شقيّ". آه كم هو مرير وقاس هذا الفراق الذي يطارد القلب، إنه كالهزيمة ما تفتأ تنبش بحنق مخالبها الحادة داخلي، وعند ابتداء المعركة أنهار من اللحظة الأولى.

هل أظل متهدمًا دومًا؟!أم أن الهاجس الذي يلازمني مجرد فشل كنت قد وقعت به أول الأمر.

تبتدرني ثانية :

ـ ألن تجيب، حسنًا سأطلب قهوة لكلينا.

الأزقة معتمة واستوحشتْ لما غابت عنها قناديل الكاز التي اختبأت خلف الجدران، تخُبُّ القدمان في الطين وينهمر في العين المطر، التفت، فقط أتحسّس راجفًا أذنيّ.

مرّي عليهما براحتيك، دعيني أخفي رأسي من هذا البرد الذي يثقل الأطراف. دعيني قبل أن تصبح أذناي قطعتين من جليد ثم تسقطان.لا تتركيني لقد بدأ يجأر. إنه أنت الملومة، لا يدري هو ماذا يريد لكنه يجهل الحنان.

رجوْتُ لمستك تمرّ على الرأس لكنك الآن بعيدة بعيدة، تجلسين في وسط الظلمة وتشيّعين صرخاته تتلوى في الطين متأوّهة، تحترق الشموع وأنت تبسمين، يا للفظاعة!

لازلت معي وتتحدثين عن لقاء للعشق والفرح، والقلب مجدبًا من حنان واجفًا من ظلمة تنغر في الأزقة. اللعنة هذا الشرخ العميق يلازم كل النساء.

كيف تعطيني ونجواي لها يكشف عجزي؟

إعطاء مقابل وهْم؟

الحب أن يظل في الصدر وهم، يتوقد وأتعب، أتناسى وأعيش ثم يرحل معي فيصير ترابًا بعد أن ينهس الدود قلبي، حبٌّ من تراب، أيليق؟

بِتُّ كمن يتلفّظ بالغزل متوددًا لامرأة قد يبست شفتاها حتى أصبحت غير قادرة على البسمة وغير آبهةٍ لحبيب جديد. فلطالما انتظرت أحبة لكنهم نفضوا عن ذاكرتهم ضفائرها.

أوتراها تقول نعم؟

ستكون كلماتي فارغة وقد تأْنَف منها مسامعها.

الرّفض باق معتّق في عروقها، يضجّ في ذراعيها.. شفتيها، قلبها ونظرتها، في تراب أقدامها.

هي القوية دومًا، وأنا ما زلت ضعيفًا.
لم تُلقِ بالًا لِما يعتمل في قلبي، أوهكذا توحي إليّ ايماءاتها، ليكن. سأكفّ عن كل ذلك حتى يهجرنا الخريف، ويخرق الشوك ندبة مضمخة بالندى تروي هجير روحي، فتهتزّ الأجراس الصغيرة في فضاء نظيف وتعبُّ شوارع مدينتي هواء جديدًا.

حسنًا يا صديقتي أريد أن أقول:
-
ـ لا أحبك.

إنها الأشواك وما زلت أنتظر الندى يسيل من العروق.

أريد أن أقول:

ـ أحبك

تريدين فارسًا وليس عاشقًا، أفهم هذا، لكن كيف الفارس يكون عاشقًا؟

قلت لك، أحبك فبكيتِ.

قلت لك: لا أحبك فبكيتِ تارة أخرى.

وفي اليوم التالي لبِستْ ثوبًا طالما أحببته وأحببتها ترتديه، مطلًّا وجهها والثّوب أزرق بلا غيوم.

ـ لكن لباسًا أبديًا يُبشِّر بربيع يدوم.
التعليقات (0)