نشرت صحيفة
"
نيويورك تايمز" الأمريكية مقالا للكاتبة سالي هايدن، مؤلفة كتاب
"المرة الرابعة لي التي غرقنا فيها: البحث عن ملجأ في طريق
الهجرة الأكثر
دموية في العالم"، حيث كتبت من مدينة صفاقس
التونسية قائلة: "في
المدينة الساحلية بصفاقس، جلست هذا الشهر مع مجموعة من الرجال بمنتزه رملي تعصف به الرياح، ومع غروب الشمس، وضع أحدهم غطاء قنينة على الأرض، حيث صب منها
جزءا من الماء الثمين لقطة ضالة تقدمت نحوه. رجال فارون مما أسموه إبادة
جديدة في السودان، وشاهدوا المسلحين وهم يحرقون البيوت، وأحيانا قرى بكاملها، وفروا
من أجل البقاء أحياء".
وتابعت: "هناك
العشرات وربما المئات من السودانيين الذي يعيشون حاليا في المنتزه بصفاقس، وآلاف
آخرون يعيشون حول المدينة. وهم ينامون على الصناديق الكرتونية. ويفكرون بمصيرهم، ويثرثرون بهدوء حول تجاربهم، ويتساءلون عن كيفية الحصول عن الطعام. وفي الغالب، فهم
ينتظرون المال من الأقارب أو الأصدقاء، أو الحصول على عمل لكي يوفروا 647 دولارا
لشراء مكان على قارب أو فرصة للهرب".
وأضافت: "كل واحد
التقيته في صفاقس، التي تبعد 80 ميلا عن الجزيرة الإيطالية لامبيدسا، يريد
عبور البحر المتوسط إلى
أوروبا. وكلهم يعرفون أنهم قد يموتون في
المحاولة". ورغم كل هذا، يغادر الناس كل يوم، بعضهم يرسل رسائل مفعمة بالحماس
من إيطاليا، وآخرون يقذفهم الماء أمواتا على الساحل، "ففي نهاية الأسبوع حيث
جلست في المنتزه، غرقت ثلاثة قوارب على الأقل، تاركة أكثر من 80 شخصا أمواتا، وعثر
على 10 جثث ملقاة على الشواطئ القريبة. وفي الأسبوع الماضي، أعلن عن وفاة 44
شخصا، بعد تحطم سفينة قرب ساحل إيطاليا".
اظهار أخبار متعلقة
وعلقت الكاتبة أن
الموت الجماعي أصبح أمرا عاديا على حدود أوروبا. ومات واختفى أكثر من 27.800 شخصا
في البحر المتوسط منذ عام 2014، وهو رقم ليس حقيقيا. ويتجه العام الحالي لكي يكون
الأكثر دموية، حيث فقد أكثر من ألفي شخص حياتهم وهم يحاولون الوصول إلى أوروبا،
بمن فيهم 600 شخص ماتوا عندما غرقت سفينة قرب شاطئ اليونان في حزيران/ي ونيو، و"هذا هو ما يمكن مشاهدته عن حقوق الإنسان والأخلاق، وفوق كل هذا عدم المساواة
العالمية".
ومن تجمعوا في تونس
التي تعتبر نقطة المغادرة الأولى على طريق الهجرة الرئيسي إلى أوروبا، جاءوا من أصول اجتماعية وجنسيات مختلفة، حيث قابلت الكاتبة مهاجرين من بوركينا فاسو وغامبيا
ونيجيريا والصومال وإرتيريا وليبريا، والبعض مثل السودانيين الدارفوريين سيحصلون على الأرجح على وضعية اللاجئ ضمن الحماية الدولية، هذا لو تمكنوا من
اللجوء إلى بلد آمن، أما البقية، فلن يحصلوا، وهم هاربون من الفساد والفقر المستشري
وأماكن تعتبر فيها مراكز العلاج الصحي نادرة، ويموت فيها الأطفال بسبب أمراض يمكن
منعها.
وهم يبحثون عن فرصة
وأي حياة مستقرة. وجاءوا بشكل حصري من مستعمرات بريطانية وفرنسية سابقة. و"التقيت
مع أشخاص يتطلعون للمغادرة، وقد عاشوا في تونس عدة سنوات، وخسروا وظائفهم، وطردوا من
بيوتهم، بعد تعليقات من الرئيس التونسي، قيس سعيد. ففي شباط/ فبراير، وصف سعيد الأفارقة من دول الصحراء بأنهم جزء من مخطط إجرامي لتغيير التركيبة السكانية لتونس، ما فتح الباب أمام الاضطهاد والانتهاكات".
اظهار أخبار متعلقة
كل هذا لم يوقف
الاتحاد الأوروبي أمام البحث عن صفقة مع سعيد للحد من الهجرة، فمقابل "ترتيبات
الحدود" سيقدم الاتحاد الأوروبي إلى تونس 118 مليون دولار، والتزاما بتقديم
مساعدات إضافية. وبالنسبة للقادة الأوروبيين، فوحشية تونس، حيث تم تجميع
أكثر من 1.000 أفريقي بداية تموز/ يوليو، ورموا في الصحراء مع ليبيا دون ماء أو
طعام، لا تعني الكثير مقارنة مع استعدادها للتعاون.
وكانت عائشة بانغورا،
30 عاما من سيراليون، تجلس على فرشة تحت شجرة زيتون، وحولها كانت ابنتها
الصغيرة تلعب مع أطفال صغار في الرمل بعلب الطعام الفارغة.
وقالت إن زوجها مات في
صحراء ليبيا، التي مشوا فيها تسعة أيام متتالية. وفي سيراليون، البلد الذي لم
يتجاوز فيه الناتج المحلي العام 461 في العام الماضي، وكانت بانغورا تبيع
البرتقال، لكن الموسم جف: "لم أعمل، لم يكن لدي مال أو عمل". وفي السنوات
الماضية، ساء الوضع الاقتصادي في معظم أفريقيا، حيث فاقم وباء كورونا والحرب في
أوكرانيا من الأوضاع.
وتقول الكاتبة إنها
عاشت في شمال يوغندا مع الإغلاق الأول، و"شاهدت كيف بدأ الناس يجوعون بسرعة، حيث تبخر توفيرهم القليل. وفي العام الماضي، راقبت في سيراليون زيادة كلفة المعيشة، وكيف قادت لاحتجاجات قاتلة، كما زادت التغيرات المناخية من سوء الأوضاع. وفي
النيجر، فاقمت سوء التغذية، وساهمت في الصومال بالمجاعة".
وأمام هذه المعاناة،
يقوم العالم الثري بتقوية حدوده، ففي بريطانيا، مررت الحكومة قانونا تعسفيا لمنع
المهاجرين من التقدم بحقهم الدولي في الحماية، وتخطط بإسكان المهاجرين في سفينة
عائمة.
وختمت: "الهجرة
ورد الفعل الغربي عليها هي واحدة من القصص في عصرنا، وفي الوقت الحالي، فهي
حكاية عن الكارثة والموت والوحشية والتواطؤ، وعلينا وبشكل عاجل البحث عن نهج أفضل".