نشر موقع "بوليتكو" مقالا للزميل في المجلس الأطلنطي مايكل
شوركين، قال فيه إن ساعة
فرنسا في
أفريقيا قد اقتربت، فإنها إن سحبت قواتها من القارة فستخسر موقعها الدولي إلا أن لديها أولويات أخرى تعكس مصالحها الحيوية.
وأضاف
المقال، أن على فرنسا إغلاق كل قواعدها العسكرية والخروج. والمشكلة بدت واضحة في الأحداث الأخيرة في النيجر، فمهما فعلت فرنسا، من حسن أو سيئ، فإنها تثير حساسية مفرطة من سكان تعودوا ولوقت
طويل على الشك بدوافعها وتوقع الأسوأ.
وسواء كانت المشاعر المعادية لفرنسا
منصفة أو غير ذلك، فهذا ليس مهما، فالعلاقات معها أصبحت قبلة الموت بالنسبة
للحكومات في أفريقيا، كما بدا في مصير رئيس النيجر محمد بازوم.
كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟
هي قصة طويلة تعود إلى مرحلة الاستعمار، وطوال العقود التي تبعت، ومرحلة التخلّص من آثار الاستعمار في عام 1960، وهناك الكثير من اللوم الذي يمكن توزيعه على الجميع. فالنخبة الأفريقية وفشلها عامل، وقد ربطها الرأي العام بفرنسا. كما أنه يمكننا الإشارة إلى الفقر في الأيديولوجيات السياسية الأفريقية والشعبوية، وكذا ظهور أجيال من الشباب المحبطين من الوضع الراهن، والذي صنعتْه فرنسا، كما يعتقدون.
ويجب علينا أن نضيف إلى هذا خطأ استراتيجيا ارتكبه القادة الفرنسيون من عام 1960 وحتى الوقت الحاضر، وكذا العلاقات الاقتصادية والسياسية التي أعاقت التنمية السياسية والاقتصادية في أفريقيا، وزاد غياب الاهتمام من الرئيس إيمانويل ماكرون الوضع سوءا.
اظهار أخبار متعلقة
ومهما حاول المرء توزيع اللوم، فإن حقيقة التدخل الفرنسي، بحسن نية أو بسوء نية، أصبح يؤدي إلى نتائج عكسية. وعليه، فالانسحاب من أفريقيا سيؤدي، بمستويات ما، إلى تلاشي الوضعية الدولية لفرنسا، إلا أن فرنسا لديها في الواقع - مثل بريطانيا - الكثير من ملامح القوة والأولويات الأخرى التي تعكس أحسن أولوياتها.
وكشفت وثائق فرنسا الوطنية، بما فيها القانون الذي مرر حديثا بشأن البرامج العسكرية على مدى خمسة أعوام، أن المصالح الحيوية لفرنسا كامنة في أوروبا، وبشكل ثانوي في منطقة المحيط الهندي-الهادئ، حيث تحتفظ بثاني أضخم محور اقتصادي حصري، بسبب المناطق التي تسيطر عليها وراء البحار.
ويعتبر محور المحيط الهندي-الهادئ المنطقة التي تدير فيها فرنسا تعاملات تجارية على قاعدة أوسع من تبادلها التجاري مع أفريقيا. وبحسب استراتيجية المحيط الهندي-الهادئ فإن تجارتها في المنطقة تمثّل ثلث التجارة الفرنسية خارج الاتحاد الأوروبي، وزادت بنسبة 49 بالمئة منذ العقد الماضي.
ولا تمثل الحصة الأفريقية من التبادل التجاري إلا نسبة صغيرة، وهي تتقلص، ولا تظهر إلا بالكاد في إحصائيات التجارة الفرنسية.
ويمكن
لفرنسا الاعتماد على قوتها الناعمة في منطقة الساحل وبقية أفريقيا، وعليها أن
تتعلم التنافس للحصول على مواقف محببة من الرأي العام وبطريقة فعالة. وهذا يحتاج إلى عمليات تواصل أفضل بل ودعاية، لكن ليس جنودا أو مقاتلات حربية.
ويجب على فرنسا التركيز على عمليات المعلومات بدلاً من البراعة العسكرية، التي مدحها الكاتب في الماضي، ونالت إعجاب القوات الأمريكية، وخاصة بعد التدخل الفرنسي في مالي عام 2013.
ومن جانب آخر، فإن فرنسا ترغب في تجهيز قواتها لكي تكون مستعدة لحرب عالية الوتيرة، وبهذا الشأن، فإن نشاطاتها العسكرية في القارة الأفريقية تعتبر إلهاءً لها.
اظهار أخبار متعلقة
وبالنسبة
لمكافحة الإرهاب، فإن الواقع الموضوعي يظهر أن القوى الخارجية لا تستطيع عمل أي شيء
بدون علاقات مثمرة مع دولة شريكة وأن سكان
البلد المهدد بالإرهاب هم القادرون على معالجة المشكلة، وإذا رفضوا المساعدة
الخارجية، فهذا شأنهم.
وفي الوقت ذاته، فإن التهديد النابع من ملء
روسيا الفراغ،
مبالغ فيه ويجب ألا يكون مبررا لمزيد من التدخل. وبالتأكيد، فجزء من الجاذبية
الروسية هي أن الكثير من الأفارقة يرون فيها ذلك النوع المعادي لفرنسا، وكلما غابت فرنسا عن المخيلة الجماعية قلت
الجاذبية الرمزية لروسيا.
كما أن الحكومات الأفريقية، ومالي واحدة منها، تبدو منجذبة لروسيا، لأنها تشعر بالإحباط من فرنسا وتحفظها لمساعدتهم في استراتيجية تستهدف عادة المجتمعات الإثنية، مثل الفولانيين والعرب والطوارق، وإذا كان هذا هو ما يريدون، فإن فرنسا وبقية القوى الغربية محقة في رفضها.
وحقيقة أن الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين، مثل ألمانيا، لا يثيرون نفس ردود الفعل، تفتح باباً لها لكي تملأ الفراغ، وتخرج روسيا، وتساعد دول أفريقيا. وهذا يستدعي منها أن تظهر العناية والإبداعية، أكثر مما أظهرت حتى الآن. وهذا يعني أن على فرنسا الثقة بهم لمتابعة إمبراطوريتها السابقة، وكانت هذه عقبة كأداء في التسعينيات من القرن الماضي، وعند هذه النقطة باريس جاهزة، لأنه ليس لديها أي خيار.