نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" تقريرا لمديرة مكتبها
بالقاهرة فيفيان يي قالت فيه؛ إن الدفع من أجل تحديث العاصمة
المصرية، خلف وراءه ضحايا
من الجواهر الثقافية والمساحات الخضراء.
فقد دمرت الحكومة المصرية المقابر التاريخية والمراكز الثقافية
ومحلات الحرف اليدوية والحدائق في عمليات التجديد الحضري. وقالت: "مقابر قديمة
حطمت، وحدائق اختفت، ومعها الكثير من أشجار
القاهرة. واختفى عدد من الأحياء التاريخية
المتهالكة، التي يعيش فيها أبناء الطبقة العاملة وسلمت للمقاولين لبناء عمارات من الإسمنت،
حيث دفعت العائلات التي عاشت لسنوات طويلة إلى أطراف العاصمة المصرية".
وقالت؛ إن قلة من المدن تعيش داخل العصور القديمة مثل القاهرة.
مدينة تحرقها الشمس وتعاني من اختناقات مرورية ويعيش فيها 22 مليون نسمة، لكن الرئيس
عبد الفتاح السيسي يقوم بتحديثها وبسرعة. وهو يحاول صقل تعقيداتها الجامحة وتحويلها
إلى مكان منسجم فعال، وتدجين حركة المرور والترويج لنهر النيل كمنطقة جذب سياحية، وتنظيف
الأحياء العشوائية والفقيرة وإسكان سكانها في شقق حديثة. ويعتبر الرئيس البناء أهم
إنجاز لفترته الرئاسية.
وأعلن السيسي متفاخرا: "لا يوجد مكان في مصر لم تصل إليه
يد التطوير". وعليه يجب أن يختفي الحجر القديم والطوب وطمره بالإسمنت. فالطرق
السريعة تتموج فوق المقابر القديمة، وتركب دعامات أفعوانية رمادية اللون وممشى تصطف
عليه مطاعم الوجبات السريعة على نهر النيل، لا يمكن للكثير من المصريين العاديين الشراء
منها؛ نظرا لنسبة التضخم التي تصل إلى 38%.
وتقول الصحيفة؛ إن الشوارع الجديدة والطرق الوعرة تظهر بسرعة، لدرجة لم يعد فيها سائقو السيارات قادرين على مواكبة التغيرات، ولا حتى "غوغل ماب".
والقاهرة لا يتم إعادة بنائها بل استبدالها. ويقوم السيسي
ببناء عاصمة إدارية جديدة بزوايا جديدة وأبراج عالية وفلل راقية في الصحراء خارج القاهرة.
وتقدر قيمة إكمال العاصمة الجديدة بحوالي 59 مليون دولار، إلى جانب مليارات أخرى مخصصة
لمشاريع إنشائية أخرى، مثل الطرق والقطار السريع الذي سيربط العاصمة الجديدة بالقديمة.
وكل المشاريع ممولة بالدين، وحجمها الضخم شل قدرة المصريين للتعامل مع الأزمة الاقتصادية
التي فاقمتها الحرب في أوكرانيا. وقبل أسابيع قليلة وصلت عملية التحديث للفسطاط، العاصمة
القديمة لمصر، التي بنيت منذ قرون قبل التفكير بالقاهرة.
وطرق مسؤول المنطقة على باب الفنان ممتاز نصر الدين، وأخبره
أن يبدأ بالخروج من درب 1718 وهو مركز ثقافي أنشأه نصر الدين قبل 16 عاما، لأن الحكومة
ستوسع الطريق خلفه من أجل إنشاء طريق سريع. وسيذهب الدرب ومجموعة من ورشات الأواني
الفخارية التي يعمل فيها حرفيون محليون إلى جانب مساكن قريبة. وكما هو الحال في مصر
اليوم، فالحكومة تقوم بالحفر والجرف في الممتلكات الخاصة، ودون أي إنذار أو معلومات
عن القرار. وقال نصر الدين، 61 عاما؛ إنه وأصحاب محلات الفخار لم يطلعوا على قرار الهدم
أو أي أوراق رسمية.
وقال محمود عابدين، 48 عاما وصاحب ورشة فخار: "كل يوم
تستيقظ فيه ولا تعرف ماذا سيحدث". وقال؛ إن ورشته التي ستهدم ظلت مصدر رزق لعائلته
ولأجيال منذ عشرينيات القرن الماضي. ودافع المعلق التلفزيوني المؤيد للسيسي، أحمد موسى
قائلا:"هذا هو التطوير الذي يجب على البلد مشاهدته".
ويرد الآخرون بأنهم لم يعودوا يتعرفون على مدينتهم. ويقول
محمود صقر، الخبير الحضري والمعماري: " لو تعرضت للغزو، فكل ما يهمك هو معالمك
وأشجارك وتاريخك وثقافتك" و"كل هذا دمر الآن ودون أي داع أو تفسير ودون
حاجة".
إظهار أخبار متعلقة
وفي معظم الأحيان، يخضع المصريون دون أي قوة أمام السلطة،
إلا أن نصر الدين قدم دعوى قضائية وأدار حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتقول السلطات؛ إنها تعيد التفكير بالمشروع دون أي ذكر عن وقت القرار. ويشرف الجيش على معظم مشاريع
الشوارع والطرق السريعة والجسور، وهو الجيش نفسه الذي يشرف على بناء العاصمة الجديدة
ودعم السيسي لتولي السلطة. ويقول القاهريون الذين حاولوا التواصل مع مسؤولي الحكومة
لمنع عمليات التطوير؛ إن المسؤولين عنها يرفضون النصيحة الاستشارية، ولا يهتمون بمصالح
السكان المحليين، ولم يتم حماية المعالم التاريخية إلا في حالات قليلة.
وأدت المشاريع التي يشرف عليها الجيش إلى انتشار نكتة ساخرة
عن "مذاق الجنرالات" الذي برز في المتحف الوطني المصري للحضارة الجديد،
حيث تم وضع معظم المومياءات القديمة فيه. وعملت الجرافات والآليات الضخمة لسنوات، ودمرت
أحياء الطبقة العاملة من أجل فتح مجال للمبنى الجديد، وسقطت كل الأشجار حول الموقع.
ومن المبالغة وصف القاهرة بأنها وافرة بالخضرة، لكن حكام
مصر في القرن التاسع عشر زينوا العاصمة بالحدائق العامة، واستوردوا الخضار الذي أصبح
جزءا من المدينة. واختفت الكثير من الحدائق في السنوات الماضية، وحلت محلها المطاعم
السريعة والمقاهي والطرق الجديدة، ومحطات الوقود التي يملكها الجيش، والمصطفة على ضفاف
النيل التي كانت خضراء، مثل الزمالك وهيلوبوليس.
ووسط التقارير السيئة في الداخل والخارج حول الهدم، قال رئيس
الوزراء المصري مصطفى مدبولي؛ إن حدائق ومتنزهات جديدة ستبنى على أنقاض ما كانت تعرف
بمدينة الموتى. وقالت صحيفة "الأهرام"؛ إن "حديقة الخالدين" ستبنى
وسيتم دفن بقايا الرموز التاريخية التي دمرت قبورهم الأصلية من أجل التطوير. ويقول
السكان المحليون؛ إنهم لا يعارضون التطوير، ولكنهم يعارضون الدمار الشامل.