هل يمكن للمبدع أن يصل الواقع بالتاريخ قفزاً بعيداً عن أزمة ضيق الواقع
بالإبداع، بل فروغ صبره منه من ناحية وعدم ازدهار الكتاب الورقي المعتاد؟ وكم يكلف
الأمر من جهد وصولاً لحبكة ظاهرها واضح وباطنها أكثر إفصاحاً؟ وكيف يتوافق حينها
الشكل من حيل المعادل الموضوعي وما يندرج أسفله مع المضمون؟
ضمن سلسلة "إبداعات
قصصية" الصادرة شهرياً عن "الهيئة
المصرية العامة للكتاب"، برئاسة القاص والناقد سيد الوكيل وإدارة تحرير للقاص
والمترجم مصطفى نور الدين، صدرت مؤخراً الرواية السابعة للكاتب والروائي والناقد
المصري محمد ثابت توفيق. جاءت الرواية عبر 138 صفحة من القطع المتوسط و6 فصول
ومقدمة.
احتفت الرواية -أولاً- بتقنية السرد المنفصل جزئياً وكلياً، أما الأخير
فكونها واحدة من ثلاثية أنجزها الكاتب حتى الآن، تتماها روايتا "يكاد زيتها
يضيء" و"ارتعاشة بأعلى المنحدر"، وأما الأول (السرد المنفصل الجزئي)
فقوامه أن فصول كل رواية من أولاء تعتمد تقنية الشكل القابل للاكتفاء وعدم
الاستمرار في القراءة، أيضاً المواصلة، وهي سردية يعتقد الكاتب أنها تعين قارئ
اليوم على تجاوز إشكاليات جوهرية في حياته من الانشغال الدائم واللهاث خلف مشاغل
الحياة، على أن
الروايات الثلاثة تسعد بكونها أُبدعت خلال العام قبل الماضي،
فتجاوزت أولاها الأزمة الجزئية الخاصة بالنصوص التي تقرأ بعد مضي زمانها بوقت
طويل!
تسرد الرواية مفاصل رئيسة من حياة مصريين ضاق بهم المقام
بـ"الكنانة" خلال فترة حكم "الملك فاروق"، إذ انضووا تحت جناح
حركة "الغد المُزهر" التي كان مؤسسها اشتراكياً لكنه آثر في النهاية أخذ
الطابع الإسلامي المتصوف لنفسه والحركة. أوقع اختياره الأخير أتباعه في خلافات
جمّة في حياته في محاولة كل منهم لقراءة منهج الرائد المتداخل -كل على هواه- حتى أثناء
حياته، انتهازاً لفرصة عدم تدوينه أدبياتها بشكل جيد، فصار كل عضو مؤسس يرى وجوب
أن تكون على هواه لا كما رأى رائدها، وهو ما أدى لوفاة عدد منهم إثر رحلة البحث عن
وطن بديل، ضيّق "البوليس السياسي" الخناق على كبار الأتباع، اضطروا
للخروج لبلد عربي "مفترض" يُعاد تأسيسه لكن جاء الخروج بصورة سرية.
وبعيداً عن الوطن وفي غربة المناهج والآليات الأخلاقية ومتابعة السياق
والمسير تفاقمت الأزمات والصدامات مع كبار المسؤولين في الدولة الفتيّة الإدارة،
وضيّق كل معتقد في نفسه الفهم والتعقل على صغار الشباب ومعتقدي المنهج بإخلاص بعيداً
عن حصد المغانم، فكان أن أضطر "عم الراوي" أو "ائتلاف محمود
الفهد" لكتابة التماس (مفترض أيضاً) للرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعد يوليو
1952م طالباً العودة لمصر، خاصة بعد إصابته بـ"داء الصدر" كما كان يعرف
حينها.
وفي مسقط رأسه عانى الفهد آلامه الخاصة وخبو رايات الكفاح والنضال والإصلاح
المفترضة، مع ما يصله من رسائل وأخبار عن مستفيدي منظومة النضال والمقاتلين في
سبيله.
توعز الرواية للقارئ أنها تحتوي إطاراً سردياً وحوارياً داخل آخر، وهي حيلة
سار على نهجها أدباء عرب وأجانب كبار، فقصة "ائتلاف الفهد" وجدها حفيد
مطمورة داخل أراضيه الزراعية خوفاً من بطش نظام عبد الناصر فآثر نشرها إلا من
تدخلات طفيفة.
صدر للمؤلف من قبل 6 روايات هي على الترتيب: "مائتا كيلو متر جنوباً"/
الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة/ 1999م، "الطابية والحصان"/ الهيئة
العامة للكتاب/ 2002م، "ربوة بأعلى المنحدر"/ هيئة الكتاب 2003م،
"كنا هنا معاً"/ البشير للعلوم والثقافة/ 2016م، "لا ترحل بروحي"/
مبدعون للنشر والتوزيع/ 2019م، و"تركت قلبي بقربك"/ دار الصفاء للنشر والتوزيع
في أبو ظبي 2020م، بالإضافة لثلاث مجموعات قصصية أبرزها "على ما قُسِمَ"/
برنامج
نشر عام الهيئة المصرية للكتاب 2002م بإشراف الراحل الدكتور محمد عناني،
و"ألوان في طيف الحياة"/ سلسلة روافد/ وزارة الأوقاف الكويتية/ 2013م، أيضاً
ثلاث مجموعات إبداعية قصصية تاريخية في 25 كتاباً عن مكتبة العبيكان السعودية عامي
2001م و2002م.