نشر موقع "
دويتشه فيله" في نسخته الإنجليزية تقريرا تحدث فيه عن النزاع التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، وكيف أثر هذا الصراع على الشرق الأوسط الذي تحاول بكين توسيع نطاق نفوذها فيه على حساب واشنطن.
وقال الموقع، في التقرير الذي أعدته كاثرين شاير، وترجمته "عربي21"، إن شركة "إنفيديا" الرائدة، التي تنتج رقائق الحاسوب الأكثر تقدما في العالم، أصدرت منذ أكثر من شهر إعلانا غامضا إلى حد ما قالت فيه إن "حكومة الولايات المتحدة تقيد تصدير رقائقها الأكثر تقدما إلى "بعض دول الشرق الأوسط".
ولم تذكر شركة "إنفيديا" الدول المقصودة أو أسباب التقييد، ولكن بالنسبة للعديد من المراقبين، كان ذلك علامة على وصول "الحرب التكنولوجية" بين
الصين والولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط.
وذكر الموقع أن الولايات المتحدة تحاول أن تتقدم على الصين عندما يتعلق الأمر بتطوير
تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تغير العالم. وفي محاولة لإبطاء تقدم الذكاء الاصطناعي الصيني، كانت الاستراتيجية الأخيرة تتمحور حول خنق قدرة الصين على الوصول إلى رقائق الحاسوب أو أشباه الموصلات اللازمة لنماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدما.
وأوضح الموقع أنه من الصعب للغاية تطوير الذكاء الاصطناعي دون هذه المواد، كما أنه يتم إنتاجها في الغالب من قبل شركات في الولايات المتحدة، بما في ذلك شركة "إنفيديا" الرائدة عالميا.
ولهذا السبب أعلنت وزارة التجارة الأمريكية السنة الماضية أنها تقيد صادرات الرقائق المتقدمة إلى الصين وروسيا، ويضيف إعلان آب/ أغسطس طبقة أخرى إلى قيود التصدير هذه، بحسب الموقع.
ما هي دول الشرق الأوسط المتضررة؟
اظهار أخبار متعلقة
لم تذكر حكومة الولايات المتحدة ولا شركة "إنفيديا" دول الشرق الأوسط المتضررة، ومع ذلك هناك بعض المرشحين المحتملين. وقد اقترح جون كالابريس، الأستاذ الذي يدرس السياسة الخارجية الأمريكية في الجامعة الأمريكية في واشنطن والذي كتب بانتظام عن الوجود الصيني في الشرق الأوسط، أن "إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هي أكثر الدول المتضررة".
وأضاف: "لقد أظهرت إيران مستوى عاليا من الكفاءة في "القرصنة"، بينما تمتلك السعودية والإمارات الإمكانات المالية، وربما تم ذكر قطر وإسرائيل أيضا. وفي كل هذه الحالات، فيبدو أن هناك مبررا معقولا للأمن القومي".
وبحسب الموقع، فإن دول الخليج الغنية بالنفط تعد من أكثر الدول إنفاقا في العالم على الذكاء الاصطناعي، وترى السعودية والإمارات وقطر أن التحول الرقمي المستمر لاقتصاداتها له أهمية كبيرة في التنويع بعيدا عن تصدير النفط.
وذكر الموقع أن دولة الاحتلال تقوم أيضا باستثمارات كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي؛ حيث يعمل جميع صانعي الرقائق الأكثر تقدما في العالم تقريبا هناك بالفعل. في الواقع؛ اشترت شركة "إنفيديا" في سنة 2020 شركة "ميلانوكس" الإسرائيلية، وقد أصبحت هذه الشركة التابعة حاليا أكبر قاعدة لها خارج الولايات المتحدة.
لماذا تريد الولايات المتحدة السيطرة على صادرات الرقائق إلى الشرق الأوسط؟
في هذا الصدد؛ قالت الحكومة الأمريكية، لدى إعلانها قيود التصدير، إن الرقائق التي تدعم الذكاء الاصطناعي هي "تقنيات تضاعف قوة التحديث العسكري وانتهاكات حقوق الإنسان".
وأورد الموقع نقلا عن كريستوفر ميلر، مؤلف كتاب "حرب الرقائق: الكفاح من أجل التكنولوجيا الأكثر أهمية في العالم"، قوله: "إن مصدر القلق الرئيسي هو أن الشركات الصينية قد تنظر إلى دول الشرق الأوسط كوسيلة للتهرب من القيود والوصول إلى الرقائق المتقدمة التي لا يمكنها شراؤها بطريقة أخرى".
وقال ميلر لموقع "دويتشه فيله" إن "الوجود المتزايد لشركات التكنولوجيا الصينية مثل "هواوي" في أسواق الشرق الأوسط هو جزء من أسباب هذه المخاوف".
ووجدت دراسة أجراها مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة في الولايات المتحدة سنة 2022، والتي بحثت في المكان الذي يحصل فيه الجيش الصيني على رقائق تمكين الذكاء الاصطناعي، أن معظم عمليات الشراء لم تتم بشكل مباشر ولكنها جاءت عبر وسطاء، "بما في ذلك الموزعون المرخصون رسميا والشركات الوهمية"، وفقا لما أورده الموقع.
اظهار أخبار متعلقة
وفي حزيران/ يونيو الماضي، تحدث صحفيو وكالة "رويترز" عن التجارة السرية في الرقائق المتقدمة في الصين. وقال البائعون الصينيون إنهم غالبا ما يحصلون على الرقائق من شركات مسجلة في دول أخرى، بما في ذلك الهند وتايوان وسنغافورة.
الشرق الأوسط يعمق العلاقات مع الصين
قد يكون هذا النوع من التسرب محتملا أيضا في الشرق الأوسط بحسب الموقع، لأن البلدان التي تستثمر بكثافة في الذكاء الاصطناعي عملت أيضا على تعزيز علاقاتها مع الصين على امتداد السنوات الخمس والعشر الماضية.
وكتب باحثون في مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي ومقرها واشنطن في دراسة نشرت في آب/أغسطس 2023، أن التعاون التكنولوجي والعلمي بين السعودية والصين أصبح أقوى منذ حوالي سبع سنوات.
وذكر الموقع أن هناك عددا كبيرا من الطلاب والمدرسين الصينيين في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وأشارت دراسة "كارنيغي" إلى أن التعاون بين جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ومختلف المنظمات البحثية في البر الرئيسي للصين نما بسبب الروابط الشخصية التي نشأت هناك.
ومن المفترض أن تحصل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية على 3000 شريحة إتش 100 المتقدمة من شركة "إنفيديا" بحلول نهاية هذه السنة. وتواجه الإمارات وضعا مماثلا في ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي. وقد أنشأت وزارة للذكاء الاصطناعي في عام 2017، ولديها بالفعل نموذج ذكاء اصطناعي متقدم خاص بها يسمى فالكون، وفقا للتقرير.
وأوضح الموقع أنه في الوقت نفسه اكتسب الإماراتيون سمعة غير موثوقة؛ ففي مطلع أيلول /سبتمبر، زار مسؤولون من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة البلاد لمحاولة ثني الدولة الخليجية عن إرسال البضائع الخاضعة للعقوبات إلى روسيا. ويبدو أن هذا يتضمن شرائح تمكين الذكاء الاصطناعي.
وقال محمد سليمان، مدير برنامج التقنيات الاستراتيجية والأمن السيبراني في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، لموقع "دويتشه فيله" إنه "لا شيء من هذا يعني أن الولايات المتحدة تعتقد أن الإمارات والسعودية ستقدمان هذه التكنولوجيا عمدًا إلى الصين وروسيا"، وأضاف أن الولايات المتحدة شريك مهم لكلا البلدين وأنهما لا يرغبان في إثارة التوترات.
وربما يكون المسؤولون الأمريكيون أكثر قلقا من أن تكون شرائح شركة "إنفيديا" أكثر عرضة للتجسس أو الهندسة العكسية أو النقل غير المقصود إلى روسيا أو الصين، نظرا للوجود المتزايد للدولتين الأخيرتين في دول الخليج، "دويتشه فيله".
"تنامي الاتصالات الإسرائيل الصينية"
وذكر الموقع أن دولة الاحتلال عمقت علاقاتها مع الصين، وتمتلك كل من شركة "هواوي" و"شاومي" مراكز أبحاث هناك، وقام المستثمرون الصينيون بتمويل شركات رأس المال الاستثماري التي تستثمر في شركات تصنيع الرقائق المحلية.
في الماضي القريب؛ يبدو أن شركات التكنولوجيا الأمريكية مثل "إنتل" قد استخدمت قواعدها الإسرائيلية كحل بديل لتتمكن من الاستمرار في تصدير الرقائق إلى الصين، كما كتبت دانيت غال، الباحثة التي تركز على التكنولوجيا، في ورقة بحثية سنة 2019 للمجلس في الولايات المتحدة بشأن العلاقات الخارجية.
وقالت إن "بحث الصين عن شركاء تجاريين بديلين في مجال التكنولوجيا التجارية في ضوء تشديد القيود التجارية الأمريكية يعد بمثابة نعمة اقتصادية غير متوقعة لإسرائيل"، ولكن الأمر لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، وأشارت غال إلى أن "أهمية الرقائق للتقدم التكنولوجي والاستخدام العسكري تعني أن موقف إسرائيل سيجذب انتباه واشنطن بلا شك".
وقد يتعين على إسرائيل الموازنة بين مستثمريها الصينيين واحتياجات حليفتها الأمريكية بعناية أكبر، لكن سليمان من معهد الشرق الأوسط لا يعتقد أن قيود التصدير المعلنة حديثا ستنطبق على ذلك البلد.
اظهار أخبار متعلقة
ونقل موقع "دويتشه فيله" عن سليمان قوله إن "إسرائيل تربطها علاقات أوثق مع الصين وروسيا مقارنة بالولايات المتحدة، ولكن إسرائيل والولايات المتحدة لا تزالان تعتبران بعضهما البعض حليفتين وثيقتين للغاية، حيث تتقاسم الولايات المتحدة بعضا من تقنياتها الدفاعية الأكثر تقدمًا وحساسية مع إسرائيل".
ومع ذلك، فإن من المحتمل أن تكون القيود المفروضة على تصدير الرقائق قد أثرت بالفعل على شركة "إنفيديا" في إسرائيل. وتنطبق قواعد التصدير الأمريكية مثل تلك المعلنة أيضا على المنتجات المصنوعة كليا أو جزئيا نتيجة للتكنولوجيا الأمريكية - أي أنه لا يهم إذا كانت شرائح "إنفيديا" مصنوعة في إسرائيل أو الولايات المتحدة، فإن نفس القواعد تنطبق، وتشير التقارير إلى أن الصين كانت بالفعل عميلا رئيسيا لشركة "إنفيديا" في إسرائيل.
ما مدى سياسية حظر التصدير؟
من جانبه قال أوين دانيلز، زميل مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة، إن حقوق الإنسان قد تلعب دورا في ذلك، وأشار إلى أن "الذكاء الاصطناعي الديمقراطي" مهم للولايات المتحدة وحلفائها، وهناك مخاوف من استخدام الدول الاستبدادية للذكاء الاصطناعي لممارسة القمع.
ومع ذلك؛ فإنه لم يعتقد دانيلز ولا الخبراء الآخرون الذين تحدثت معهم موقع "دويتشه فيله" في هذه القصة أن حدود التصدير كانت وسيلة لممارسة الضغط السياسي على دول الشرق الأوسط حول أنواع الصفقات الأكبر التي يتم التفاوض عليها حاليًا، مثل اتفاقية الدفاع السعودية الأمريكية أو التطبيع السعودي الإسرائيلي.
وأضاف دانيلز خلال حديثه مع موقع "دويتشه فيله" إنه "بدلا من ذلك، قد نفكر في هذه الضوابط على أنها ترسل رسالة إلى الشركاء الخليجيين حول الجدية التي تنظر بها الولايات المتحدة إلى المنافسة التكنولوجية مع الصين"، وأضاف أنه "سيكون من المهم تتبع التأثيرات طويلة المدى لهذه الضوابط على العلاقات بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية حول التكنولوجيا الناشئة".
وخلص إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يصبح مصدرا جديدا للاحتكاك بين الدول الديمقراطية والاستبدادية.