عندما ننظر إلى سياسة
تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط،
نرى أن الخطوات المتخذة في عملية التطبيع بدأت تؤتي ثمارها؛ حيث إن أخذ زمام
المبادرة في البحر الأبيض المتوسط لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التعاون مع دول
المنطقة.
ونشر موقع "
كريتر" التركي تحليلا للكاتب مراد
أصلان، ترجمته "عربي21"، قال فيه إن رياح شرق البحر المتوسط غيّرت
اتجاهها بعد الأخبار التي تفيد بأن تركيا وإسرائيل ستنفذان مشاريع طاقة مشتركة،
وبينما يتم إصدار توقعات حذرة، فإن الصورة الكبيرة في شرق البحر الأبيض المتوسط
تحتاج إلى إعادة النظر.
وأوضح الكاتب أنه من الضروري شرح استراتيجية تركيا في شرق
البحر الأبيض المتوسط. أولاً، بينما كان يجري وضع اللمسات النهائية على تطبيع
تركيا مع
إسرائيل ومصر في شرق البحر الأبيض المتوسط، كان التساؤل: "لماذا كنا
نتعامل عاطفيّاً في الماضي إذا كنا سنطبّع؟"؛ حيث يرى الكاتب أن بين حساسيات
تركيا السياسية وتوقعات المصلحة الذاتية، بدت الحساسيات العاطفية هي المهيمنة
أولاً، وعندما شكلت الدول المتصارعة كتلة، بدت المصالح هي المهيمنة، لافتاً إلى أن
التحلي بالمرونة والتصرف بعقلانية أصبح أكثر أهمية في منطقة ديناميكية مثل الشرق
الأوسط، وبما أن تركيا أكبر من قوة "إقليمية"، وتتمتع بقدرة تفوق القوة
العالمية، فإن المتعارضين على الجبهة العريضة يشكلون بسهولة كتلاً جديدة، ما يجعل
التطبيع ضروريّاً، وهو ما تحقق مع
مصر وإسرائيل بالتوازي مع دول الخليج.
الحسابات في لقاءات قريبة
وأشار الكاتب إلى أنه مع فترة "تكثيف" العلاقات
مع إسرائيل ومصر، بدأت إسرائيل ومصر، مثل تركيا، تشعران بفوائد مبدأ "ربح
الجانبين". ومع ذلك، فمن الضروري التعامل مع وجهات نظر هذه البلدان بتعاطف
وقراءة حساباتها الخلفية؛ حيث يبدو أن إسرائيل تفضل زيادة مستوى علاقاتها مع
اليونان والإدارة القبرصية اليونانية في جنوب قبرص، بالتوازي مع عملية التطبيع مع
تركيا. فخلال زيارة نتنياهو لقبرص اليونانية في الأسبوع الأول من شهر أيلول/
سبتمبر، تمت مناقشة الاقتراح القبرصي اليوناني لبيع
الغاز عن طريق التسييل عبر
قبرص مع ميتسوتاكيس وكريستودوليدس، وبينما ذكر نتنياهو بلغة دبلوماسية أن
"القبارصة اليونانيين يجب أن يقرروا كيفية تصدير الغاز"، فقد ظهرت
مسألتان مختلفتان.
وأوضح الكاتب أن تصريح نتنياهو يعني استحالة إنشاء خط
أنابيب عبر الإدارة القبرصية اليونانية- البحر الأبيض المتوسط- اليونان على المدى
القصير والمتوسط، وإذا قام القبارصة اليونانيون باستخراج الغاز وتسويقه، حتى في
المناطق المتنازع عليها، فإن نقل الغاز لن يكون بالأمر السهل.
ووفق الكاتب؛ فيبدو أن نتنياهو يريد تسويق الغاز الإسرائيلي
إلى ثلاثة، ويفضل أربعة، اتجاهات مختلفة، دون أن يقتصر على اتجاه واحد. إضافة إلى
ذلك، عندما تزداد كمية الغاز الإسرائيلي، الذي يتم إنتاجه حالياً بكميات محدودة،
قد تكون تركيا المورد الأقرب والأكثر استعداداً، لذا فإن إسرائيل لا تريد المجازفة
في الجغرافيا السياسية للطاقة.
ولفت الكاتب إلى أن المشروع اليوناني القبرصي يواجه مشكلة
أخرى مع مصر؛ التي تقوم حالياً بتسييل الغاز الإسرائيلي وتواجه صعوبات اقتصادية،
وتحصل على دخل من الغاز من خلال هذا التسييل، وإن كان محدوداً بسبب مشاكل البنية
التحتية، وإذا قدم القبارصة اليونانيون عرضاً منافساً لمصر، فمن المحتمل أن يدفع
ذلك مصر إلى إعادة النظر في قراراتها السابقة.
وفي هذا السياق، يمكن توقع مسارين لسياسة مصر بعد التطبيع
مع تركيا؛ الأول هو رغبة مصر، التي تمتلك أغنى احتياطيات في شرق البحر الأبيض
المتوسط، في الوصول إلى السوق التركية؛ حيث إن إدارة السيسي، التي تمر بفترة صعبة
للغاية على الصعيد الاقتصادي ولا تستطيع التخلص من قلق موجة الربيع العربي الثانية،
تعتزم بيع الغاز بطريقة أو بأخرى إلى أقرب سوق رئيسة، وهي تركيا. والمسألة الثانية
هي نية إعادة كتابة منطقة الاختصاص البحري التي فقدتها بالاتفاق مع الثنائي
اليوناني والقبرصي اليوناني في المعادلة الجديدة. وبعد جزيرتي تيران وصنافير التي
منحهما السيسي للسعوديين، تم بالفعل منح منطقة اقتصادية خالصة في البحر الأبيض
المتوسط لليونان والقبارصة اليونانيين.
وأكد الكاتب أنه لا ينبغي إهمال لبنان في جيوسياسية الغاز؛
حيث تشكل الحدود البرية، إلى جانب جغرافية قاع البحر، مدخلاً مهماً يحدد اتجاه
السلطات البحرية. ولذلك، يبدو أن المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل
ستستمر لبعض الوقت. من ناحية أخرى، بدأ استخدام الصلاحيات الممنوحة لتحالف توتال
وإيني وقطر للطاقة بشأن الحزمة التاسعة اعتباراً من أيلول/ سبتمبر. ويحتاج لبنان،
الذي لا يستطيع التغلب على عنق الزجاجة الاقتصادي بسبب مشاكله الهيكلية، إلى
استخراج الغاز والبدء في بيعه في أسرع وقت ممكن.
علاقات تركيا
وذكر الكاتب أنه فيما يخص اليونان والقبارصة اليونانيين،
فيعمل كونسورتيوم بقيادة شركة شيفرون الأمريكية على الاكتشافات التي أعلن عنها
القبارصة اليونانيون على الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات عليها، ولهذا فإن
اليونانيين، الذين ما زالوا غير قادرين على كسب الدخل، يريدون تسريع العملية.
ويبين الكاتب أن ما لا يأخذه القبارصة اليونانيون، الذين
يحلمون بنقل الغاز الإسرائيلي إلى جنوب قبرص وتحويله إلى طاقة كهربائية وبيعه
لأوروبا، في الاعتبار هو حجم الاستثمار الذي يجب القيام بهـ فلا تزال هناك تحديات
تتعلق بالبنية التحتية لجلب الغاز إلى السوق بعد تسييله و/أو تحويله إلى كهرباء.
وبالنظر إلى اليونان، يبدو أن القضية الأكثر أهمية في
التعاون في مجال الطاقة مع إسرائيل هي شركة إنرجيان، وهي شركة مسجلة في لندن وهي
في الواقع مبادرة يونانية، والتي تتابع عن كثب عملية التطبيع التركية الإسرائيلية؛
فإذا نفذت إسرائيل وتركيا مشاريع مشتركة لاستكشاف واستخراج الطاقة، فقد تضطر شركة
إنرجيان إلى الاكتفاء بالمشاريع القائمة.
وتساءل الكاتب بأنه بعد أن تجني تركيا ثمار التطبيع مع
إسرائيل ومصر، ما نوع الصدمة التي يمكن أن تعيشها اليونان وقبرص اليونانية، أو ما هي
الاحتياطات التي يمكن أن تعتمدا عليها معتبراً أن هذين السؤالين مهمان من حيث
معرفة أيهما سيهيمن على العلاقات التركية اليونانية في المنطقة؛ التعاون أم
المنافسة، فإذا قامت إسرائيل بإضفاء الطابع المؤسسي على تجارة الطاقة مع تركيا،
فإن الاحتكار اليوناني القبرصي، الذي سيشعر بالتهميش، قد يدخل فترة من التعثر،
ولهذا فإن إدارة أثينا حلت مشاكلها مع تركيا وقرأت بشكل صحيح التطورات في شرق
البحر الأبيض المتوسط، وانضمت إلى التآزر وارتبطت بأجندة إيجابية مع تركيا.
وشدد الكاتب على أنه لن يكون من الصحيح استكمال التحليل دون
الحديث عن ليبيا؛ حيث تم التوقيع على الاتفاقية بين تركيا وليبيا بشأن تحديد مناطق
الاختصاص البحري بتاريخ 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، ومذكرة التفاهم بشأن
التعاون في مجال المحروقات بين الجمهورية التركية وحكومة الوحدة الوطنية الليبية
بتاريخ 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، وهو ما فتح المجال أمام تركيا لتنفيذ مشاريع
الطاقة في منطقة السيادة البرية والبحرية الليبية.
وأوضح أن الديناميكيات الداخلية في ليبيا معقدة، وإذا تمكن
الليبيون، الذين يبدو أنهم منقسمون بالفعل، من التعلم من الكارثة التي وقعت في
درنة وفهم مدى أهمية وحدة البلاد في الواقع، فمن الممكن تنفيذ الاتفاقيات المبرمة
مع تركيا. ومن ناحية أخرى، لا بد من التذكير بأن الحكومات الألمانية والإيطالية
والفرنسية والبريطانية والروسية والأمريكية تحاول الحصول على حصة من ليبيا.
وخلص الكاتب إلى أنه عندما ننظر إلى سياسة تركيا في شرق
البحر الأبيض المتوسط، ينبغي لنا أن نرى أن الخطوات المتخذة في عملية التطبيع بدأت
تؤتي ثمارها؛ حيث إن النهج التركي الذي يضع إسرائيل ومصر في المركز دقيق. ومع
تنفيذ الاتفاقيات مع ليبيا، من المتوقع أن يتخذ الثنائي القبرصي واليوناني خطوات
مضادة. ومع ذلك، يبدو من المرجح أن تستخدم إسرائيل ومصر الثنائي اليوناني والإدارة
القبرصية اليونانية كوسيلة ضغط ضد تركيا. ومن أجل منع مثل هذا السيناريو، هناك
حاجة إلى إدارة عملية ذات طابع مؤسسي على أساس "ربح الجانبين".