على مدى عامين كاملين، حرصت حركة
حماس على التخطيط
لهجومها بهدوء، وأوهمت
إسرائيل أنها ليست مهتمة بالحرب بينما كان مقاتلوها يتدربون
على العملية في مستوطنة وهمية أقيمت في
غزة.
وبحسب تقرير لرويترز نقل رواية مصدر قالت إنه مقرب من
حماس، فقد جاءت عملية "طوفان الأقصى" التي نفذها مقاتلو حركة حماس فجر
السبت، واقتحموا خلالها مستوطنات ومواقع على حدود غزة، وبينما كانت إسرائيل
تعتقد أنها تحتوي حماس التي أنهكتها الحرب من خلال توفير حوافز اقتصادية للعمال في
غزة، كان المقاتلون يتدربون وربما على مرأى من الإسرائيليين.
ووفق المصدر، فقد "استخدمت حماس تكتيكا
استخباراتيا غير مسبوق لتضليل إسرائيل خلال الأشهر الماضية، من خلال إعطاء انطباع
عام بأنها غير مستعدة للدخول في قتال أو مواجهة مع إسرائيل أثناء التحضير لهذه
العملية" الأضخم منذ حرب 1973.
ومن بين العناصر الأكثر لفتا للانتباه في الاستعدادات
للعملية، لجأت حماس لبناء مستوطنة إسرائيلية وهمية في غزة، لتدريب مقاتليها على الإنزال
الجوي واقتحام المستوطنة، وأوضح المصدر أن المقاتلين قاموا بتصوير مقاطع فيديو لهذه
التدريبات.
وبحسب المصدر فإنه "من المؤكد أن إسرائيل رأتهم،
لكنهم (الإسرائيليين) كانوا مقتنعين بأن حماس لم تكن حريصة على الدخول في
مواجهة".
كما سعت حماس إلى إقناع إسرائيل بأنها مهتمة أكثر
بضمان حصول العمال في غزة، على فرص العمل عبر الحدود، وأنه ليس لديها مصلحة في بدء
حرب جديدة.. "لقد تمكنت حماس من بناء صورة كاملة بأنها غير مستعدة لمغامرة
عسكرية ضد إسرائيل".
فمنذ حرب عام 2021، سعت إسرائيل إلى توفير مستوى أساسي
من الاستقرار الاقتصادي في غزة من خلال تقديم حوافز تشمل آلاف التصاريح حتى يتمكن
سكان غزة من العمل في إسرائيل أو الضفة الغربية، حيث يمكن أن تصل الرواتب في وظائف
البناء أو الزراعة أو الخدمات إلى 10 أضعاف مستوى الأجور في غزة.
وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي: "اعتقدنا أن
حقيقة مجيئهم للعمل وجلب الأموال إلى غزة ستخلق مستوى معينا من الهدوء، ولكننا كنا
مخطئين".
واعترف مصدر أمني إسرائيلي بأن حماس خدعت الأجهزة
الأمنية الإسرائيلية، وقال: "لقد جعلونا نعتقد أنهم يريدون المال"، لكنهم
"طوال الوقت كانوا يشاركون في التدريبات ".
وخلال تخطيطها للهجوم الكبير، امتنعت حماس عن القيام
بعمليات عسكرية ضد إسرائيل في العامين الماضيين، حتى عندما شنت حركة الجهاد
الإسلامي سلسلة من الهجمات الصاروخية.
وبحسب المصدر، فإن ضبط النفس الذي أبدته حماس وأثار
انتقادات علنية من بعض المؤيدين، كان بهدف خلق انطباع بأن لديها مخاوف اقتصادية ولا
تريد حربا جديدة.
وفي الضفة الغربية، اتهمت حركة فتح التي يترأسها
الرئيس محمود عباس، في بيان صدر في حزيران/ يونيو 2022، قادة حماس بالفرار إلى
العواصم العربية للعيش في "فنادق وفيلات فاخرة" تاركين شعبهم للفقر في
غزة.
وقال مصدر أمني إسرائيلي آخر إنه كانت هناك فترة
اعتقدت فيها إسرائيل أن زعيم الحركة في غزة يحيى السنوار كان منشغلا بإدارة غزة
"بدلا من قتل اليهود"، فيما حوّلت إسرائيل تركيزها بعيدا عن حماس واندفعت
للتوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع السعودية.
وكان الحرص على سرية الخطة ومنع التسريبات جزءا حاسما
من التخطيط للعملية. وقال المصدر إن العديد من قادة حماس لم يكونوا على علم بالخطة،
كما أن نحو ألف مقاتل كانوا يتلقون التدريب لم تكن لديهم أي فكرة عن الهدف
الدقيق من التدريبات.
وعندما جاء اليوم، تم تقسيم العملية إلى أربعة أجزاء،
تمثلت الخطوة الأولى في إطلاق وابل من ثلاثة آلاف صاروخ من غزة، بالتزامن مع
توغلات قام بها مقاتلون استخدموا طائرات شراعية لعبور الحدود.
وبمجرد وصول المقاتلين بالطائرات الشراعية إلى الأرض،
قاموا بتأمين الأرض حتى تتمكن وحدة كوماندوز من النخبة من اقتحام الجدار
الإلكتروني والإسمنتي المحصن الذي يفصل غزة عن المستوطنات والذي بنته إسرائيل لمنع
التسلل.
واستخدم المقاتلون المتفجرات لاختراق الحواجز ثم
عبروها مسرعين على دراجات نارية، ووسعت الجرافات الفجوات ودخل المزيد من المقاتلين
بسيارات رباعية الدفع.
وهاجمت وحدة كوماندوز مقر قيادة الجيش الإسرائيلي في
جنوب غزة وشوشت على اتصالاته، ومنعت الأفراد من الاتصال بالقادة أو ببعضهم البعض.
أما الجزء الأخير من العملية فقد شمل نقل الأسرى إلى
غزة، وهو ما تم تحقيقه في الغالب في وقت مبكر من الهجوم.
وفي إحدى عمليات احتجاز الرهائن التي حظيت بتغطية
إعلامية واسعة، احتجز المقاتلون رواد حفلة أثناء فرارهم بالقرب من كيبوتس رعيم قرب غزة، وأظهرت لقطات متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي عشرات الأشخاص
يركضون في الحقول وعلى الطريق مع سماع أصوات أعيرة نارية.
تساءل مصدر أمني إسرائيلي: "كيف يمكن أن يحدث هذا
الحفل بهذا القرب (من غزة)؟".
وقال المصدر الأمني إن القوات الإسرائيلية لم تصل إلى كامل قوتها في الجنوب قرب غزة بسبب إعادة انتشار
بعضها في الضفة الغربية لحماية المستوطنين الإسرائيليين بعد تصاعد أعمال العنف هناك.
وقال إن حماس استغلت هذا.
وقال الجنرال المتقاعد ياكوف عميدرور، مستشار الأمن
القومي السابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، للصحفيين يوم الأحد إن الهجوم يمثل
"فشلا كبيرا لنظام المخابرات والجهاز العسكري في الجنوب".
وأوضح عميدرور، الذي كان رئيسا لمجلس الأمن القومي من
نيسان/ أبريل 2011 إلى تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، وهو الآن زميل كبير في معهد
القدس للاستراتيجية والأمن، أن بعض حلفاء إسرائيل كانوا يقولون إن حماس اكتسبت
"المزيد من المسؤولية"، وقال: "لقد بدأنا بغباء نعتقد أن هذا
صحيح"، مضيفا: "لذلك ارتكبنا خطأ، لن نرتكب هذا الخطأ مرة أخرى وسندمر
حماس ببطء ولكن بثبات".
من جانبه، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الرائد
نير دينار: "هذا هو 11 أيلول/ سبتمبر"، في إشارة إلى الهجمات على
نيويورك وواشنطن في 2001. وتابع: "لقد تمكنوا منا (..) لقد فاجأونا وجاؤوا
بسرعة من مواقع عدة؛ من الجو أو الأرض أو البحر".
من جهته، أوضح ممثل حماس في لبنان أسامة حمدان أن
الهجوم يظهر أن
الفلسطينيين لديهم الإرادة لتحقيق أهدافهم "بغض النظر عن قوة
إسرائيل وقدراتها العسكرية".