أثار دخول
مصر
في مفاوضات جديدة مع
صندوق النقد الدولي من أجل زيادة حزمة الإنقاذ إلى 5 مليارات
دولار، تساؤلات حول استعداد السلطات المصرية لتنفيذ شروط الصندوق، وإتمام
المراجعات المتأخرة لبرنامجها الاقتصادي، وإمكانية فرض المزيد من الاشتراطات
الجديدة.
وبحسب خبراء
اقتصاد، فإن رغبة مصر في زيادة حجم برنامج الإنقاذ يؤشر على وجود أزمة حادة في
تدفقات أموال المستثمرين، وأزمة حادة أكبر من المتوقع في توفير النقد الأجنبي
لسداد التزامات مصر الخارجية من ناحية وتلبية احتياجاتها من ناحية أخرى.
وفي كانون
الأول/ ديسمبر 2022، وافق صندوق النقد الدولي على برنامج إنقاذ بقيمة 3 مليارات
دولار مدته 46 شهرا لمصر، على أن يخضع البرنامج لمراجعتين سنويا بإجمالي 8 مراجعات
حتى أيلول/ سبتمبر 2026، وبسبب عدم التزام مصر لم يجر الصندوق حتى الآن المراجعات
المقررة في آذار/ مارس وأيلول/ سبتمبر الماضيين.
وتُعدّ مصر هي
ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين، وتدين لصندوق النقد الدولي
بنحو 22 مليار دولار، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
فيما يقدر بنك
"مورغان ستانلي" احتياجات مصر التمويلية بنحو 24 مليار دولار في السنة
المالية المنتهية في حزيران/ يونيو 2024.
وقامت مصر بخفض
قيمة عملتها 3 مرات منذ آذار/ مارس 2022، وفقدت العملة أكثر من 75% من قيمتها بحسب
سعر الصرف في السوق الموازي، وأكثر من 50% بالسعر الرسمي، لكن يبدو أن هذا ليس
كافيا مع استمرار شح الدولار ودعم الجنيه من قبل البنك المركزي المصري.
مصر لا ترى مخرجا
غير زيادة الديون
وتعهّدت مصر
لصندوق النقد الدولي بالتحول إلى سعر صرف مرن دائم، وتتخارج الدولة بما فيها
مؤسسات الجيش من قطاعات اقتصادية واسعة، وتقليل الإنفاق على المشروعات القومية
الكبيرة التي لا تدر عوائد مالية وتستنفد احتياطيات البلاد من العملة الصعبة.
وهو ما أكدت
عليه المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، قبل أيام،
بالتحذير من أن مصر "سوف تستنزف" احتياطياتها من النقد الأجنبي ما لم
تخفض قيمة عملتها المحلية مرة أخرى.
ورغم إعلان وزير
المالية المصري محمد معيط، قيام مصر بسداد كل التزاماتها الخارجية، التي بلغت نحو
52 مليار دولار خلال العامين الماضيين، إلا أن حجم الدين الخارجي البالغ نحو 165
مليار دولار لا يتراجع، بل في زيادة ما يعني عدم قدرتها على سد الفجوة التمويلية
المتضخمة، بحسب مراقبين.
ولا تزال خطة
مصر، بحسب معيط، تعتمد على التوسع في إصدار أدوات الدين من خلال اللجوء إلى
الأدوات البديلة والأسواق المتنوعة في تدبير تمويلات إضافية مثل سندات الساموراى،
والصكوك، والسندات الخضراء، وقريبًا سندات الباندا، إضافة إلى برنامج الطروحات.
ما ثمن زيادة
حجم حزمة الإنقاذ؟
بشأن قدرة مصر
على الوصول إلى اتفاق جديد يسمح برفع حزمة الإنقاذ إلى 5 مليارات دولار بدلا من 3
مليارات دولار يقول خبير أسواق المال، الدكتور مصطفى النحاس، إن "أي اتفاق
جديد في هذا الصدد مرهون باستكمال صندوق النقد الدولي مراجعات برنامجه المتأخرة مع
مصر وتنفيذ كل متطلبات صندوق النقد وربما يتشدد في فرض المزيد".
وأوضح في حديثه
لـ"عربي21": "هذه الإجراءات أو الشروط التي قد يفرضها صندوق النقد لن تقف
عند تحرير سعر صرف الجنيه، وستمتد إلى خفض فواتير الدعم التي تشمل الوقود
والكهرباء والتموين، وبالتالي زيادة الضغوط على المواطنين، كما أن مصر مُطالبة
حينها برفع مساهمتها في صندوق النقد ما يعني أن ما سوف تحصل عليه باليد اليمنى سوف
نضعه في الصندوق باليد اليسرى".
وأرجع النحاس
رغبة مصر في رفع حزمة الإنقاذ إلى "أن بعض الشركاء الدوليين والإقليميين
ينتظرون تأكيدات صندوق النقد حول قدرة الاقتصاد المصري على تحمل الضغوط الناجمة عن
الاحتياجات التمويلية من أجل تأمين أموالهم"، مشيرا إلى أن "اجتماعات
صندوق النقد مع المسؤولين المصريين الفترة المقبلة هو تأمين ضمان استرداد الأموال
التي مُنحت لمصر منذ عام 2016".
ورأى خبير أسواق
المال أن "موارد مصر الدولارية سوف تتراجع نتيجة تطورات الأوضاع الإقليمية
والحرب على غزة التي سوف تؤدي إلى تراجع إيرادات السياحة، والحكومة لا تطرح أي
حلول إيجابية أو جديدة على أرض الواقع، ما ينذر بأوضاع اقتصادية صعبة على الحكومة
والمواطنين وسوف تزداد صعوبة في عام 2024".
دائرة مفرغة في
غياب الحلول الإنتاجية
من جهته، يقول
رئيس منتدى التنمية والقيمة المضافة، الدكتور أحمد خزيم، إن "مصر مُطالبة
بسداد 1.4 مليار دولار مستحقات لصندوق النقد الدولي قبل نهاية 2023، ولا توجد
موارد دولارية للسداد لذلك تسعى مصر لزيادة حصتها والحصول على موارد دولارية
إضافية لسداد تلك المستحقات، وبالتالي نحن ندور في دائرة مفرغة في نهاية المطاف، ولن
يحل هذا الاتفاق الأزمة".
ورهن في حديثه
لـ"عربي21" أي اتفاق "بأنه يتوقف على تحرير سعر صرف الجنيه، وهو ما
أكدت عليه مديرة صندوق النقد الدولي وتحذيرها من تآكل احتياطي النقد الأجنبي
للبلاد، ولكن معضلة تحرير سعر الصرف أنه أصبح قرارا سياسيا نتيجة دخول انتخابات
الرئاسة نهاية العام".
وتوقع المستشار
الاقتصادي أن "يكون تحريك سعر صرف الجنيه الرسمي ما بين 37 جنيها و38 جنيها
على دفعة واحدة أو دفعتين، ولكن يكون هذا التحريك هو الأخير بل سيتبعه أكثر من
تحريك خلال الفترة المقبلة، لأنه لا توجد خطط واضحة لزيادة الموارد الدولارية
للحفاظ على قيمة الجنيه عند أي تخفيض، وهذا يؤكد أننا مازلنا بعيدين عن لب الأزمة
والدخول في القطاعات الإنتاجية من أجل توليد الدولار من تلك القطاعات المتعددة".
وخفّضت وكالة
"موديز"، قبل أيام، تصنيف الودائع طويلة الأجل لثلاثة بنوك حكومية، وهي
"البنك الأهلي المصري" و"بنك مصر" و"بنك القاهرة"،
بجانب أكبر بنوك القطاع الخاص وهو "البنك التجاري الدولي" إلى "Caa1" من "B3"، فيما خفضت تصنيف بنك الإسكندرية من "B3" إلى "B2".
ويعكس تخفيض
تصنيفات البنوك المصرية، بحسب "بلومبيرغ"، ضعف بيئة التشغيل، وحجم
الحيازات الكبير لهذه البنوك من السندات الحكومية، أحد أهم أدوات الدين لتمويل عجز
الموازنة.
كما خفضت عدة مؤسسات وبنوك دولية توقعاتها لنمو
الاقتصاد المصري، ورجح صندوق النقد الدولي، للمرة الثانية، تباطؤ الاقتصاد المصري
أكثر من المتوقع لعام 2024 إلى 3.6% من توقعاته السابقة البالغة 4.1% في تموز/
يوليو نزولا من 5%؛ بسبب نقص السيولة من النقد الأجنبي وتضاؤل ثقة المستثمرين.