شهد
الخطاب الإعلامي
المصري تحولا لافتا في تغطية عملية "طوفان الأقصى" التي
أطلقتها المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين أول/ أكتوبر الجاري ضد قوات الاحتلال
الإسرائيلي وما تلاها من عملية "السيوف الحديدية" الإسرائيلية التي استهدفت
بالأساس المدنيين في غزة بشكل كبير حيث تفيد جميع التقارير الصحفية أن غالبية الضحايا
من المدنيين.
حظيت
الأحداث الساخنة منذ بدايتها في قطاع غزة والأراضي المحتلة بتغطية واسعة من قبل الإعلام
المحلي المصري، وخاصة قناة القاهرة الإخبارية المحسوبة على جهاز المخابرات العامة،
والتي تعد القناة الإخبارية الرسمية المتحدثة باسم السلطات المصرية.
وحرصت
القناة على ملء الشاشة بالعواجل والأخبار الحصرية التي تصل إلى مسؤولي القناة في قسم
الأخبار بشكل مباشر من قبل مكتب مدير المخابرات العامة، اللواء عباس كامل، كما أنه أوفد
مراسلين لها إلى معبر رفح الحدودي المصري لنقل صور المساعدات الإنسانية والإغاثية.
اظهار أخبار متعلقة
ولا
تزال قوافل المساعدات رابضة في استاد العريش القريبة من الحدود مع قطاع غزة، منذ
10 أيام، حيث لم تستطع مصر إدخال أي مساعدات بانتظار موافقة الجانب الإسرائيلي الذي
يرفض بشكل قاطع دخولها لإغاثة المدنيين المنكوبين.
وفي
30 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، أطلقت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، قناة القاهرة
الإخبارية، بتمويل سعودي، بعد الشراكة مع المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام.
بدا
واضحا حرص السلطات المصرية على تغطية تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة،
والاجتماعات المكوكية بين المسؤولين المصريين و الإقليميين والدوليين، ونقلها بشكل
مباشر على الهواء بما فيها اجتماع رئيس النظام الحالي عبد الفتاح السيسي مع وزير خارجية
أمريكا أنتوني بلينكن.
وفي
سابقة من نوعها، قدم الإعلام المصري (بروموهات وفلرات) مقاطع قصيرة مصورة ومقاطع إعلامية
تضمنت مشاهد من المقاومة والعدوان الإسرائيلي ومآسي المنكوبين بعدة لغات من بينها الإنجليزية
والألمانية على خلفية أغاني تدعم المقاومة الفلسطينية.
"تحول
غريب لكنه محمود"
في تقديره
لهذا التغير اللافت في الموقف الإعلامي الرسمي من الحرب في الأراضي الفلسطينية والعدوان
عليها، قال مدير عام قنوات "مكملين" الفضائية المعارضة بالخارج، الدكتور
أحمد الشناف: "هذا التحول وإن بدا غريبا على النظام المصري وسياساته في ما سبق
في القضايا المشابهة، إلا أنه محمود ويستحق الإشادة هنا لدعم صمود أهل غزة ومنع التهجير
والحفاظ على حدود مصر".
ولكنه
استدرك بالقول في تصريحات لـ"عربي21": "ويبقى على النظام دور وقرار
هام أيضا من خلال فتح معبر رفح وتسهيل دخول المساعدات والقوافل الإغاثية من مصر والدول
المختلفة وربما نقل المصابين إلى مستشفيات مصرية لتلقي العلاج اللازم خاصة العمليات
الجراحية الكبرى".
ودعا
الشناف إلى ضرورة السماح للمصريين بالتضامن مع أشقائهم في الأراضي الفلسطينية، قائلا:
"يجب أن يسمح للمصريين بالتعبير عن آرائهم وتضامنهم مع أشقائهم في فلسطين من
خلال التظاهرات والنقابات ورفع العلم الفلسطيني في الحفلات والمناسبات المختلفة كأحد
أشكال التضامن، والتي تعد رسائل قوية للجانب المحتل ويعمل لها ألف حساب".
"تحول
إعلامي بحسابات سياسية"
رئيس
المرصد العربي لحرية الإعلام، الكاتب الصحفي قطب العربي، اعتبر أن "هذا التحول
الإعلامي هو انعكاس للتحول السياسي للنظام والذي أبدى موقفا مختلفا عن مجمل سياساته
وخطابه طيلة السنوات العشر الماضية، وهذا التحول السياسي والذي تبعه تحول إعلامي ينطلق
من حيثيات تكتيكية وأخرى استراتيجية".
وقال لـ"عربي21": "مثال الأولى محاولة كسب شعبية وعلاج أضرار لحقت بسمعة
النظام بعد انتشار رواية أنه قدم معلومات استخبارية للعدو عن استعداد حماس للقيام بعملية
كبرى قبل أيام من انطلاق عملية طوفان الأقصى وهو الأمر الذي لم ينفه النظام رسميا حتى
الآن".
وتابع
الكاتب الصحفي بأن "من الأسباب الاستراتيجية المخاوف التي تحيط بالأمن القومي بسبب
تحركات ومساعي تهجير أهل غزة وتسكينهم في سيناء وهو الأمر المرفوض مصريا رسميا وشعبيا
حفاظا على بقاء القضية الفلسطينية وعدم تصفيتها".
لكن
هناك شكوك، بحسب العربي، في مدى صدق الموقف الرسمي المصري الحالي تنطلق من تماهي النظام
ومنذ وقت مبكر مع خطة صفقة القرن التي ظهر مصطلحها لأول مرة على لسان السيسي نفسه خلال
لقائه مع ترامب في 2019، وقد قام النظام بتهجير أهل سيناء من شريط حدودي بعمق خمسة كيلومترات
يتوقع أن يكون استعدادا لقبول التهجير، كما أن النظام قد يقبل الضغوط الأخيرة عليه
تحت إلحاح الأزمة الاقتصادية ومشكلة الديون التي قد يكون تلقى وعدا بحلها حال موافقته
على التهجير".
اظهار أخبار متعلقة
الإعلام
المصري ما بين التشفي والتغطية
تأتي
هذه التغطية الإخبارية مغايرة تماما لنهج القنوات الإخبارية السابقة خلال عمليات العدوان
المتكررة على قطاع غزة، والتي تخللتها اتهامات واضحة ومباشرة للمقاومة الفلسطينية وتحميلها
مسؤولية استفزاز قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وفي صيف
عام 2014، شهد الإعلام المصري حالة غير مسبوقة من العداء للشعب الفلسطيني، وصلت إلى
حد الشماتة والتشفي في ضحايا العدوان الإسرائيلي على القطاع، والمطالبة بضرب غزة لمساعدة
الاحتلال الإسرائيلي في حربه على "حماس".
وزعم
الإعلامي توفيق عكاشة، أن مصر كانت الأحق بضرب قطاع غزة في تلك الأيام بدلا من "إسرائيل"،
لكن النظام المصري وعلى رأسه عبد الفتاح السيسي أضاع هذه الفرصة.
وطالبت الكاتبة لميس جابر، حينها، بطرد كل الفلسطينيين المقيمين في مصر، ومصادرة أملاكهم
وأموالهم، بل واعتقال كل المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، في مشهد لم تعرفه مصر منذ
بدء اليهود باحتلال فلسطين في بدايات القرن العشرين.