ما
زالت الأوساط الأمنية والعسكرية
الإسرائيلية تضع يدها على الفشل الأمني الكبير على مستوى
الاستخبارات الاستراتيجية والآنية، وعلى مستوى الدفاع الإيجابي والسلبي، الذي
شهدته عملية طوفان الأقصى، وسيظلّ هناك وقت للجان التحقيق والمناقشات والإقالة. ولكن
في هذه المرحلة، وبعد أن أعلن الاحتلال حالة الحرب للمرة الأولى منذ 1973، فيبدو أن
النقاش الإسرائيلي يركّز على شيء واحد فقط وهو مستقبل الحرب.
عومر دوستري،
خبير الاستراتيجية والأمن القومي، قال إنه عقب الكارثة الأمنية الأكبر التي حلت
بدولة الاحتلال على الإطلاق، فإنه تغيّر التصور السياسي تجاه
غزة، لأنه في العقدين الأخيرين،
تعاملت حكومات الاحتلال المتعاقبة مع
حماس باعتبارها حكومة شرعية في القطاع، يمكن
"ترويضها"، والتعامل معها بعقلانية، وبوسائل دبلوماسية واقتصادية، عبر
المِنح المالية، ونقل الوقود، وإمدادات الكهرباء والمياه، وإدخال عشرات آلاف
العمال الغزيين إلى الداخل المحتل، وزيادة التجارة بين إسرائيل وغزة بهدف استرضاء الحركة
في غزة.
وأضاف
في مقال نشره موقع "
حركة الأمنيين" وترجمته "عربي21" أن "هجوم طوفان الأقصى كشف أن التصور الإسرائيلي خاطئ، وفشل فشلاً
ذريعاً ومدوياً، ليس فقط بسبب هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، بل لأنه على مدى عقدين كاملين
واجهت إسرائيل حماس في سلسلة من العمليات والجولات العسكرية المتكررة، وقد كان
عنوان هجوم الطوفان مكتوباً بالدم على الحائط، لكن قادة الدولة تجاهلوه، بما في
ذلك كبار مسؤولي الجيش، لأنهم اعتقدوا أنه من يمكنه تحويل الذئب إلى خروف قد يعيش
بجانبه، وهكذا فإن استراتيجية الردع الفاشلة في العقود الماضية قد اكتملت".
وتوقع
أن "تكون مهمة العملية البرية معقدة وصعبة للغاية، وينبغي للإسرائيليين فهم
نتائجها الخطيرة، لأنها ستؤدي لمقتل العشرات والمئات من الجنود في المعركة. ولعل أحد
أسباب عدم القيام بذلك حتى الآن هو نفس المخاوف والحساسيات المتعلقة بحياتهم، على
اعتبار أن غزة هي فخ الموت الذي لا يجب دخوله، لأن حماس والمنظمات الأخرى استعدت
لهذا اليوم بشكل جيد، باستخدام شبكات المخابئ والأنفاق، واختراق المناطق،
والكمائن، والحفر في البيئة المدنية الكثيفة، والمزيد".
وأكد
أن "المواجهة مع المنظمات المسلحة ستكون صعبة ومعقدة وطويلة ومؤلمة، وعلى الإسرائيليين
الاستعداد لهذا الواقع، وحشد قواهم، تحضيرا لإنشاء منطقة عازلة واسعة النطاق تمتد عدّة
كيلومترات، وإقامة المستوطنات في الأراضي القريبة من الحدود الحالية، والاستعداد
لاحتمال اندلاع حرب متعددة الجبهات منذ اللحظة التي تدخل فيها القوات البرية لغزة،
رغم أن شدة النيران، واستعداد الجيش، وصورة صاحب المنزل الذي جنّ جنونه، كلها
عوامل تؤثر في ردع حزب الله، وتقليل استعداده بشكل كبير للدخول في حملة متعددة
الساحات"، وفق تقديره.
وختم
بالقول إن الاحتلال يمرّ "بأيام صعبة لا تطاق، ومن المشكوك فيه أن يكون أحد
قد توقعها وتخيّلها، وقد لا يكون هذا الوقت المناسب لجلد الذات أو حتى الحداد، فلا
تزال الرحلة طويلة، والأوقات الصعبة تنتظرنا"، كما قال.
من
جهته، أشار الجنرال عوزي ديان، الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي، في مقابلة
نشرتها صحيفة "
معاريف"، إلى "صعوبة القتال في الجبهة الجنوبية مع حماس، رغم
أننا بحاجة لدخول غزة"، بزعم أنها الساحة الرئيسية الأولى، وأن هناك دعما
دوليا "ونحن بحاجة للاستفادة منه".
وانتقد
ديان "قرار إخلاء المستوطنات الواقعة على طول الحدود، لأنني كنت سأفعل ذلك
بشكل مختلف، لم أكن لأخليها جميعها، فقط النساء والأطفال، وسأسمح للرجال بالبقاء"،
وفق قوله.
أما محرر
الشؤون العربية آفي يسسخاروف، فقد حذر من أن كل يوم يمرّ، ينقلب الرأي العام في
العالم فيه على دولة الاحتلال، "ومما أسمعه وأراه من غزة، فإن حجم الهجمات داخلها
جنوني، وغير عادي"، وهذا ما قد يزيد من الضغوط الدولية ضد الاحتلال.
وقال:
"بتنا نشهد حاليا انقلابا في (الضغوط الدولية) من خلال رؤية المظاهرات في
لندن وإسطنبول وأماكن أخرى"، متحدثا عن "زيادة التحريض" ضد الاحتلال
عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن "الرأي العام، خاصة في أوروبا، يقف ضدنا".
وأضاف
يسسخاروف في مقابلة نشرها موقع "
كيكار"، وترجمت "عربي21" مقتطفات منها، أن "مشكلة التأخير في تنفيذ العملية
البرية تجعل العالم ينسى "السبت الأسود"، ويحل محلها الشكاوى المتوالية
باستمرار حول تدمير المنازل في غزة بسبب الهجمات الإسرائيلية"، بحسب تعبيره.