حق لهم أن يتساءلوا بعد تسونامي
فلسطين برمز
طوفان الأقصى: فكل ما سعى إليه أعداء
الإسلام انهار كقصور الرمال بلطمة سريعة ما كانت لتكون ممكنة لولا أن من سددها
اعتمد: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.
حق لهم أن يبشروا بما بشروا به لأنهم كانوا
ينطلقون مما سعوا إلى جعله يعد إسلاما سياسيا بمعنى السياسوي الذي يستعمل الإسلام بالقصد الفولتيري تماما كما
استعملت الكنيسة المسيحية للوساطة بين المؤمن وشأنه الأخروي وللوصاية بين الإنسان
وشأنه الدنيوي.
نعم الإسلام السياسوي انتهى فعلا: وحل محله
الإسلام الذي "بعم يتساءلون" جعل أغلى ما في حياة الإنسان ليس حياته بل
حياته الكريمة والحرة التي تقدمها على حياة العبيد لغير خالقهم: الحياة عزيرة لكن
حريتها وكرامتها أعز منها. وذلك هو الفرق القرآني في البقرة بين "حياة"
و"الحياة".
ذلك هما أساس تقديم حرية الإرادة اساسا للجهاد فرض عين ورجاحة الحكمة فرض عين
للاجتهاد: فالعبودية لله وحده فرض عين على المسلم وهو مصدر إرادته الحرة التي لا
تقهر وهي شرط الجهاد، وشرط فاعلية الجهاد الأداتية الاجتهاد كل بما يتميز بينه من صفات كيان
الإنسان الخمسة أي: الإرادة والرؤية والمعرفة والذوق..
وحصيلتها وأصلها في آن هي القدرة على رعاية
الذات والأهل وحمايتهما لأن معاني الإنسانية بلغة ابن خلدون هي "رئاسته
بالطبع بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له" وذلك هو معنى الإسلام السياسي الذي هو
عين شروط الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف.
وهو كذلك فرض عين لأنه غير المعنى الضيق
للاختصاص في الأقوال بل هو بالمعنى الواسع الذي يشمل أعمال. ولهذه العلة صنفت
البشر بالتخلي نهائيا عن المقابلة بين اصحاب النظر والعقد (الخاصة) وأصحاب العمل
والعقد (العامة) مع نسبة القيادة للأولين والتبعية للثانين.
نعم الإسلام السياسوي انتهى فعلا: وحل محله الإسلام الذي "بعم يتساءلون" جعل أغلى ما في حياة الإنسان ليس حياته بل حياته الكريمة والحرة التي تقدمها على حياة العبيد لغير خالقهم: الحياة عزيرة لكن حريتها وكرامتها أعز منها. وذلك هو الفرق القرآني في البقرة بين "حياة" و"الحياة".
فهذه من ثمرات مبدأين يونانيين: في نظرية
النفس والمعادن البشرية أي مثلث العقل والغضب والشهوة وفي المقابلة بين الاحرار
والعبيد بالطبع وليس بانحراف الطبائع الناتج عن رؤية العلاقة بين البشر بمنطق
العنف والتراتب العرقي والطبقي والجنسي.
وهما مبدآن يتنافيان مع كل قيم القرآن الذي
يعتبر البشر اخوة ومن نفس واحدة (النساء 1) ولا يميز بينهم بهذه الفروق التي هي
آيات إلهية بل بالتقوى لأنهم متساوون بالجوهر ومتفاضلون عند الله بالتقوى (الحجرات 13).
ولا يتحقق ذلك من دون ضميره أي فضيلة التنوع
بين البشر بمعيار مختلف عن المعيارين اليونانيين: وهو معيار تجهيز الإنسان بنفس
المقومات مع شبه تنويع يحقق وظائف التساخر
في الجماعة. وهذه المقومات هي الخمسة التالية:
1 ـ الإرادة الحرة
2 ـ الرؤية الحكيمة
3 ـ الأداة المعرفية المحققة لشروط التعمير
بقيم الاستخلاف: التقدير الذهني بنوعيه الرياضي والخلقي والأول للعلاقة بالطبيعة
والعلم وتطبيقاته والثاني للعلاقة بالتاريخ والعمل وتطبيقاته.
4 ـ الذوق الجميل المحقق لمعاني النصيب من
الحياة الدنيا أي الجمال والجلال وكلاهما ذوق يدرك العلاقة بين الحياة الدنيا وما
يتعالى عليها مما يضفي عليها المعنى.
5 ـ المشاركة في شروط الرعاية وفي شروط الحماية
بالإبداعين للثروة والتراث شرط كل قيام حر وكريم للفرد والجماعة وذلك بالمشاركة في
التساخر الذي يترتب عليه التواصل والتبادل في الجماعة.
وهذا التعدد في الوظائف يجعل الجميع مشاركين
في التساخر ولا تفاضل بين الأدوار فيه بحيث إن المقابلة بين خاصة وعامة لم يبق لها
معنى إلا في وهم من يتصورون أنفسهم مصطفين وقادرين على
الوساطة بين المؤمن وأخراه لوهم القدرة على الكشف والعلم المحيط بالغيب وبين المؤمن ودنياه لظنهم أنهم
أدرى بمصلحته.
وهي إذن خرافات موروثة عن اليونان وتاثيرهم
في اليهودية والمسيحية وثلاثتها بقيت مؤثرة فحرفت علوم الملة الخمسة: في النظر والعقد، الكلام، الفلسفة،
في العمل والشرع، الفقه، الزهد، وأصلها جميعا:
تأويل آيات القرآن المتشابهة (آل عمران 7)
والمقابلة بين النقل والعقل بزعم العلم المحيط والعمل التام بحيث إن
"عقل" الإنسان صار معادلا لـ"عقل" الرب. وبدلا من فهم ما يجعل
ذلك علة لمرض القلوب وابتغاء الفتن التي تبعد عن رؤية آيات الله في الآفاق وفي
الأنفس (فصلت 53).
فيلغي الغيب ويجعل الدنيا مكتفية بنفسها.
ولهذه العلة اخترت عنوان "عم يتساءولون" الذي يشير إلى النبأ العظيم أي
الأخرة والبعث. وكل زاعمي العلم المحيط نفاة للغيب وملحدون دون وعي لأنهم يرددون
جوهر التحريف المسيحي التوراتي بصيغتيه الهيجلة بتذويت الجوهر السبينوزي
والماركسية أكثر وضوحا بالاستغناء عنه عودة صريحة للطبيعة الطابعة.
ومثلهم علماء الملة الذين تبنوا الأفلاطونية
والأرسطية لأن نسبة أرسطو إلى أفلاطون هي عين نسبة ماركس لهيجل: والحصيلة في
الحالتين هي القول بالمطابقة بين ما في الأذهان من المعاني وما في الأعيان الوجود.
ووهم المطابقة يترتب عليه زعم العلم
الإنساني محيطا وزعم العمل الإنساني تاما. فتكون النتيجة الحتيمة إلغاء الغيب ووهم
الدنيا المكتفية بنفسها والغنية عن ربا يوجدها ويأمرها.
ولهذه العلة اخترت عنوان "عم
يتساءلون" الذي يشير إلى "النبأ العظيم" وهو وجود الآخرة والبعث
اللذين من دونهما تصبح الدنيا وكأنها محتشد يسجن الوجود في العدم فلا يبقى له معنى.
فقدان هذه المعاني في رؤية المبشرين بنهاية
الإسلام السياسي هم إذن من لا يستطيعون فهم الترادف بين كلمة إسلام وكلمة سياسة.
فالسياسة بهذا المعنى هي استراتيجية تحقيق شروط المناعة العضوية في علاقة بالطبيعة
وشروط تحقيق المناعة الروحية في علاقة بالتاريخ.
وهما شرطا في العيش المشترك السلمي بين الإنسان
والإنسان وبينه بين العالمين الطبيعي والتاريخي أي جوهر المعاني التي يشير إليها
القرآن في كل أدلته على فضل الله على الإنسان الذي لم يخلق إلا لعبادة الرحمن بهذا
المعنى: ولا يكون ذلك من ذون التحرر من معوقات رعاية قيامه العضوي (الاستعمار في
الأرض) وحماية قيامه الروحي (الاستخلاف فيها).
ولا يمكن تحقيق شروط الرعاية من دون التساخر
في التواصل بالتفاهم الصادق وفي التبادل بالتعاوض العادل: وذلك هو النظام السياسي
في الرؤية القرآنية.
ولأن علوم الملة قلبت العلاقة بين السبابة
وما تشير إليها صاروا يؤولون السبابة بدل البحث في المشار إليه بها: فكانت نتيجة
هذا التحريف قلب النهي عن تأويل المتشابه وكأنه أمر به (آل عمران 7).
وصار قلب الأمر برؤية آيات الله في الآفاق
وفي الأنفس وكأنها منهي عنها (فصلت 53).
ما أسميه شروط الاستئناف هو الوعي بهذين
الانقلابين اللذين هما عين الرد أسفل سافلين بعد التقويم الأحسن وهو رد عرفته سورة
العصر بكونه عين الخسر الذي لا مخرج منه من دون الوعي أولا ثم تحقيق ثمرات هذا
الوعي الأربع:
ـ الإيمان بالله ولا رب سواه.
ـ العمل الصالح نهيا عن المنكر وامرا
بالمعروف دليلين على الإيمان الصادق.
ـ التواصي بالحق لإبداع أدوات الرعاية
الحماية شرط ثمرتي الإرادة الحرة والحكمة الراجحة وهو الاجتهاد.
ـ التواصي بالصبر لحماية الغايات شرط ثمرتي
تقديم معاني الحياة على مجرد حياة وذلك هو الجهاد بالمعنى القرآني العميق.
ذلك هو ما مثلته
الحرب الأخيرة في فلسطين صاعقا يحرك
الأمة فيخرجها من السبات الذي طال وآن أوان الاستئناف الذي سيعيد حريتها وكرامتها
بإزالة تفتيت جغرافيتها وتشتيت تاريخها فتتحقق شروط رعايتها وشروط حمايتها، فلا
يكون لأحد سلطان على الإنسان والعالم في الرؤية القرآنية غير الله الذي هو المعبود
الوحيد في الرؤية الإسلامية التي هي في آن نظر وعقد وعمل وشرع: والأول اجتهاد لإبداع
الأدوات المادية والروحية والثاني جهاد لتحقيقها الفعلي في التاريخ.
ذلك هو ما يتساءل أعداء الإسلام في الداخل
والخارج عن سر تحرك الصاعق والخوف مما سيتلوه: الاستئناف.