يعمل جيش الاحتلال الإسرائيلي على تعقيد عودة 70 بالمئة من أهالي شمال قطاع
غزة إلى بيوتهم، بعد تهجيرهم منها قسرا، من خلال استهدافها وتدميرها بشكل مباشر وممنهج.
وتم حصر ما لا يقل عن 165 ألف وحدة سكنية تضررت، و20 ألف وحدة سكنية هدمت كليا أو باتت غير صالحة للسكن، منذ بداية العدوان الأهوج للاحتلال. فيما تضررت 50 بالمئة من الوحدات السكنية، إما بالهدم الكامل أو بأضرار جزئية متفاوتة.
ووثقت "عربي21" شهادات لعدد من
الفلسطينيين ممّن يسكنون مدينة غزة المُحاصرة، وتلقوا أخبار تدمير منازلهم، بعدها نزحوا عنها قسريا في اتجاه الجنوب.
"سوّي بالأرض"
"بالتقسيط وصلنا الخبر، أولا عرفنا أن المنطقة كلها تدمرت باستثناء البرج الذي نسكن فيه، ثم عرفنا بعدها بيومين أنه سوّي بالأرض، بالتأكيد هناك غصة وحزن"، تقول أم حازم (56 عاما).
تضيف أم حازم، في حديثها لـ"عربي21" إنها كانت تتوقع تدمير منزلها، نظرا للقصف العنيف المتواصل، والدمار الكبير الذي لحق بمنطقة المخابرات، شمال غرب مدينة غزة، حتى قبل أن تغادرها في اللحظات الأخيرة الحرجة.
وتتابع بالقول إنها سكنت في شقتها المدمرة حديثا منذ ثماني سنوات، وقبل حوالي عشرة شهور فقط، انتهت من سداد أقساط ثمنها ضمن "مرابحة" أجريت بهدف شرائها.
اظهار أخبار متعلقة
وتذكر أم حازم، أن ابنها الأكبر خسر أيضا شقته التي كانت تحت التجهيز، في ذات البرج المدمر، حيث كان يجهز نفسه للزواج، بعد سنوات طويلة من العمل والادخار، قبل اندلاع الحرب.
وتشير إلى أن الجزء الأكبر من الحزن لا يكون على الخسارة المادية، إنما على الذكريات والمناسبات الفريدة التي مرّت بها عائلتها داخل هذا المنزل، مؤكدة أن الاحتلال سيفشل في سياسة تهجيرهم، وأنها ستعود وتتمسك بأرضها وحقها.
"بأظفر أولادي"
بيسان (32 عامًا) وهي أم لطفلين، تلقّت خبر تدمير منزلها في برج "الظافر 4"، بعدما سوّاه الاحتلال بالأرض. وتقول لـ"عربي21": "نحتسب ونحمد الله على أقداره.. والله ولا بأظفر واحد من ولادي.. هلقيت بفكرش غير بإنه ربنا يسلمنا".
وتضيف بيسان، أن زوجها متماسك رغم القهر الكبير، وهو الذي "أعاد تهيئة البيت بأثاث جديد بعد عدوان 2021، في محاولة لتخفيف حدّة ما تركته فينا من ألم وتعب نفسي وجسدي، لكن ما زلنا تحت القصف، وهو ما يجعله مضطرًا لضبط النفس، في الوقت الراهن".
وتوضح المتحدثة لـ"عربي21" أن ابنتها ذات العشر سنوات عرفت الخبر من أقرانها الصغار، ما أصابها بحالة حزن شديدة، مشيرة: "لكن تعاملنا معها بحرص واهتمام، وهي الآن بخير".
واعتبرت بيسان أن فقدان البيت، بكل ما يحمله من ذكريات، وما يعنيه من أمان واستقرار، هو: "أقل الخسائر الآن.. مقابل ما نعيشه كل لحظة، من خوف وموت ودمار متواصل لليوم 15 على التوالي، بات يمسح عائلات بأكملها من الوجود".
"البيت سأعيد بناؤه"
من جهته، يقول أبو مهدي (70 عاما) الذي يعيش على الحدود الشرقية لمدينة غزة، إن "هذه المرة الثالثة التي يدمر فيها الاحتلال منزله".
ويضيف أبو مهدي في حديثه لـ"عربي21" أن بيته تدمر أول مرة خلال عام 2008، ثم مرة أخرى خلال عدوان 2014، والآن هي المرة الثالثة، مؤكدا أن بيته تضرر أيضا مرات عدة خلال تصاعد العدوان في مناسبات أخرى خلال السنوات الماضية.
ويكشف: "لا يهمني الحجار.. البيت سأعيد بناءه كما اعتدت، لكن أنا بزعل على الشجر والزيتون في الأرض.. سابقا كان عندي زيتونة أكبر من دولة الاحتلال الإسرائيلي نفسها، حرقوها في 2008".
ويقول أبو مهدي، في ختام حديثه لـ"عربي21": "قلبي بنحرق على الزرع اللي بموت بدون مي.. الشجر زي ولادي، لكن الله يعين ويرحم الناس ما أجت على الشجر، لأنه الناس بتموت في كل وقت".
اظهار أخبار متعلقة
وقال مكتب الإعلام الحكومي بغزة، الأحد، إن 50 بالمئة من الوحدات السكنية داخل القطاع تضررت بشكل كُلي أو جزئي، بسبب غارات الاحتلال المستمرة منذ أكثر من أسبوعين، مضيفا في بيان مُقتضب: "50 بالمئة من الوحدات السكنية بالقطاع تضررت بشكل كلي أو جزئي نتيجة العدوان الإسرائيلي".
وارتفعت حصيلة الشهداء في غزة، منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على القطاع في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، إلى 4741 شهيدا، وفق ما أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، مع دخول الحرب أسبوعها الثالث.
وقالت الوزارة على لسان المتحدث باسمها، أشرف القدرة: "بلغ إجمالي ضحايا العدوان الإسرائيلي منذ بدء العدوان 4741 شهيدا، بينهم 1873 طفلا، و1023 سيدة، و187 مسنا بالإضافة إلى 15898مواطنا أصيبوا بجروح مختلفة".
إلى ذلك، لا تزال غارات الاحتلال الإسرائيلي مُستمرة على رؤوس أهالي غزة، في انعدام أماكن الاختباء الآمنة، لليوم السادس عشر على التوالي، وسط صمت عربي رسمي، إلا من عدد من البيانات وكلمات على وسائل الإعلام، كان آخرها في قمة "السلام"، السبت، في العاصمة المصرية القاهرة.