تتوالى التقارير
الصحفية والتصريحات المثيرة من قبل شخصيات معتبرة عالميا حول ضغوط غربية على مصر،
وأدوار محتملة لرئيس النظام عبدالفتاح
السيسي، في ملف القضية الفلسطينة، مقابل
صفقات بتسهيلات مالية وحل أزمات مالية أو غض الطرف عن جرائم النظام الحاكم للبلد
العربي الأفريقي منذ أكثر من عقد.
ومنذ 7 تشرين الأول/
أكتوبر الجاري، وإطلاق المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى" التي تسببت
له في خسائر فادحة، يسعى قادته بدعم أمريكي وغربي لخيار توطين فلسطينيي
غزة في
سيناء المصرية، لإفساح المجال لترسانته العسكرية لإبادة المقاومة.
اظهار أخبار متعلقة
وعلى مدار نحو 30 يوما
يقوم جيش الاحتلال بقصف شمال غزة، في محاولة منه لتهجير نحو 1.1 مليون فلسطيني،
وسط أحاديث عن مخطط كامل لتهجير حوالي 2.3 مليون فلسطيني من القطاع إلى سيناء.
آخر التصريحات عن
اتفاقيات مثيرة بهذا الشأن، ما كشفه المدير السابق لمنظمة "هيومان رايتس
ووتش" كينيث روث، عن صفقة بين عبد الفتاح السيسي، والإدارة الأمريكية.
وتتغاضى بموجب تلك
الصفقة واشنطن عن جرائم القاهرة بملف حقوق الإنسان، مقابل فرض السلطات المصرية الحصار
الكامل على قطاع غزة الذي تستهدفه "إسرائيل" بكل أنواع القصف المحرم دوليا وبدعم
أمريكي وأوروبي، ووسط صمت عربي.
وعبر صفحته بموقع
"إكس"، قال روث، إن الصفقة القذرة التي تتم مع الرئيس المستبد لمصر- وهو
أكثر زعيم قمعي في تاريخ مصر المعاصر- هي "أن تتجاهل واشنطن انتهاكات السيسي لحقوق
الإنسان مقابل تطبيقه لحصار غزة".
ويأتي الحديث عن صفقة
بين
بايدن والسيسي، لاستكمال
حصار غزة، في الوقت الذي يطالب فيه الغزيون بفتح معبر
رفح الحدودي بين غزة ومصر ومنع حصار مصر للقطاع، حيث دعا رئيس المكتب السياسي
لحركة حماس، إسماعيل هنية، السلطات المصرية الجمعة، إلى فتح معبر رفح "بشكل كامل
ودون أي قيود".
"فورين بوليسي.. والمقايضة"
وفي السياق، أكد مقال
بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أن
"الفلسطينيين يدفعون حتى الآن، الثمن الأكبر لدعم واشنطن لإسرائيل"،
مستدركا بأن "السجناء السياسيين المصريين ستصيبهم أضرار جانبية أيضا".
وأشار إلى أنه مقابل
المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر البالغة 1.3 مليار دولار، فقد "لعبت مصر دورا
نشطا في فرض الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة منذ 16 عاما".
وأكد أنه "رغم
تمتع واشنطن بالنفوذ للتأثير على مصير السجناء السياسيين بمصر، إلا أن أفعالها ترقى
إلى مستوى المقايضة"، موضحا أنه "في مقابل إصلاحات طفيفة ومخادعة مقترنة
بالتعاون المستمر بشأن أمن إسرائيل، فإنها ستتجاهل انتهاكات الحكومة المصرية لحقوق
الإنسان".
"مخاوف وقمع ومنع"
الحديث الذي يثير
مخاوف مراقبين، أوضاع حقوق الإنسان بمصر خاصة مع ضمان السيسي، الصمت الغربي على
استخدامه القبضة الأمنية بحق المصريين، وضمانه الحصول على الولاية الثالثة لمدة 6
سنوات وحتى 2030، في انتخابات صورية تجرى الشهر المقبل، تمت قبلها إزاحة السياسي
المعارض أحمد الطنطاوي عنها.
وبالتزامن مع ذلك
الحديث تتواصل عمليات اعتقال نحو 100 من النشطاء الذين تظاهروا دعما لفسطين، برغم
سماح النظام بتلك المظاهرات الشهر الماضي، لينضموا لأكثر من 60 ألف معتقل يقبعون
بسجون السيسي، منذ عقد كامل، في ظروف غير إنسانية، بعد أحكام مغلظة صدرت في
محاكمات مسيسة، وفق حقوقيين.
ومن آخر مظاهر تغول
القبضة الأمنية والاعتداء على الحريات وحقوق الإنسان وممارسة القمع التي رصدتها
"عربي21"، كان منع السلطات الأمنية المصرية الجمعة الماضية، آلاف
المصريين من الوصول للجامع الأزهر ومسجد الإمام الحسين، وإغلاق جميع الشوارع
المؤدية إليهما، وفق شهود عيان.
أحد الصحفيين الذين
اعتادوا الصلاة في الجامع الأزهر منذ تفجر القضية الفلسطينية والحرب على غزة بهدف
التظاهر ضد الجرائم الإسرائيلية بحق القطاع، ورفضا لمحاولات تهجير الغزيين إلى
سيناء، أكد لـ"عربي21"، أنه تم إغلاق جميع الطرق المؤدية إلى الجامع
الأزهر، مع تواجد كثيف لقوات الأمن المركزي.
وأكد أحد أعضاء الطرق
الصوفية لـ"عربي21"، أن قوات الأمن منعت المحتفلين بمولد الحسين
بالقاهرة، من الوصول إلى المسجد المقابل للجامع الأزهر، للاحتفال لعدة ساعات خوفا
من تحول الاحتفال لمظاهرات داعمة لغزة، موضحا أنها فتحت الطرق قرب صلاة العصر
للمحتفلين.
"حالة لا صفقة"
وحول توصيفه للصفقة
التي تحدث عنها الحقوقي الأمريكي السابق في "هيومان رايتس ووتش"، اعترض
الحقوقي المصري، هيثم أبوخليل، على كلمة "صفقة"، مؤكدا أنها "ليست
صفقة بل حالة مستمرة للحالة الحقوقية في مصر".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، تحدث عن جرائم النظام المصري الحاكم للبلاد من 2013 وحتى
اليوم من "قمع للمصريين، وإغراق مصر في قضية الديون، وإفراغ سيناء من أهلها،
وحصار غزة"، موضحا أن "المقابل هو مساندة اللوبي الإسرائيلي بأمريكا
وبأوروبا للسيسي، ونظامه مساندة كاملة".
وأشار أبوخليل، إلى ما
قاله المتحدث باسم التيار المدني عماد جاد، في مقالته الشهيرة بجريدة
"الوطن"، 22 أيلول/ سبتمبر 2017، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو،
أرسل وفودا بعد 3 تموز/ يوليو 2013، لدعم السيسي في أمريكا وأوروبا للتأكيد أن ما
حدث ليس انقلابا وأنها كانت ثورة شعب.
وجزم الحقوقي المصري،
بأن "أسوأ فترة شهدتها حقوق الإنسان في مصر هي العقد الأخير، نتيجة تواطؤ
النظام العالمي ومنظمات حقوق الإنسان والهيئات الأممية مع هذا النظام، وغض الطرف
عن هذا الكم الهائم من أحكام الإعدام والمحاكمات لعشرات الآلاف من المعتقلين بينهم
أسماء سياسية كبيرة ورموز نظيفة".
اظهار أخبار متعلقة
ولفت إلى قضية حبس
الناشر الدولي والأمين العام للتيار الحر المعارض هشام قاسم، مبينا أنه "تم
تلفيق قضية له أقل ما يقال عنها أنها عبثية وساذجة، ورغم أنه يحمل الجنسية
الأمريكية تم غض الطرف عن التنكيل به".
ويرى أبوخليل، أن
"ما حدث لقاسم، من صمت أمريكي في سبيل أن هذا النظام المجرم يحاصر غزة، وينفذ
ما يطلب منه، مقابل غض الطرف الأمريكي عما يفعله من إجرام"، في إشارة إلى
استفادة السيسي من الحرب في غزة في الحصول على دعم وتأييد وصمت الغرب على جرائمه.
"نقطة ضعف"
وفي تعليقه قال
الحقوقي المصري، محمد زارع، إن "موضوع فلسطين معقد ولا أحد يمكنه التنبؤ بما
قد يحدث، ولكننا في قلب المعركة وهناك ترتيبات من دول كبيرة، وهناك إرادة من الشعب
الفلسطيني، وغضب شعبي عربي، يقابلهما انبطاح من الدول العربية".
رئيس "المنظمة
العربية للإصلاح الجنائي"، أضاف لـ"عربي21"، أن "المؤكد وجود
محاولة لتصفية القضية وترحيل الفلسطينيين من الضفة وغزة للأردن ومصر"، موضحا
أنه "في سبيل هذا يحاولون تقديم إغراءات ومنح أموال.
ولفت إلى أن
"التقارير الإسرائيلية تتحدث عن ترحيل أهالي غزة لمصر وتسكينهم بمدن العاشر
من رمضان والسادس من أكتوبر شرق وغرب القاهرة، وأنه تم حصر الشقق الفارغة
بالمدينتين، وتقدير قيمتها، ومقابل تقديم الأموال للحكومة المصرية".
أحدث سيناريوهات
التوطين، كشف عنها المدير والباحث في معهد "مسجاف" للأمن القومي
الاستراتيجية الصهيونية، أمير وايتمان، الشهر الماضي، تحت مسمى "برنامج
لإعادة التوطين والتأهيل النهائي في مصر لكافة السكان"، مؤكدا أنه سيناريو
"يتوافق مع المصالح الاقتصادية والجيوسياسية لإسرائيل، ومصر، وأمريكا
والسعودية".
وبحسب الوثيقة التي
تكشف تفاصيل الخطة التي وصلت "عربي21" نسخة منها، فإنه في عام 2017، تم رصد
10 ملايين وحدة سكنية شاغرة بمصر، بمدينتي السادس من أكتوبر، والعاشر من رمضان،
الصناعيتين، تملكها الحكومة والقطاع الخاص، بجانب أراضي بناء كافية لإسكان 6
ملايين نسمة.
لكن نائب رئيس
الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان سابقا، أشار إلى أن "موقف النظام المصري
المعلن حتى الآن هو رفض الترحيل"، متسائلا: "هل سيظل نفس موقفه
للنهاية؟ وهل هناك إرادة تمنع ذلك؟ أم سيحدث شيء دراماتيكي يوقف كل هذا؟".
وتابع: "لكن
بالطبع ستظل الأنظمة العربية لديها أزمة الديمقراطية وحقوق الإنسان وخاصة مصر، وهي
نقطة ضعف يتم الضغط على القاهرة بها"، متسائلا مجددا: "هل سيستجيب
الرئيس السيسي، أم ستكون عنده إرادة ورفض لهذه السيناريوهات؟".
وألمح زارع، إلى أنه
"ليس لديه شعبية جارفة، ولكنه لو اتخذ موقفا مناهضا لهذا السيناريو فأظن أن
الشعب سيقف معه، خاصة أن المستقبل القريب سيكون نقطة مفصلية فإما أن نشهد نكبة
جديدة أو صحوة للقضية الفلسطينية، وجميعنا على المحك".
وقال إن "المؤكد
أن السيسي، استفاد كثيرا من الحرب على غزة، وتقريبا لن تكون هناك انتخابات حقيقية
وستتم بشكل صوري، ومع ذلك فليس لديه أي نوع من التراجع عن سياساته وقبضته الأمنية،
فيرفع الأسعار ويقبض على الشباب، وما زال نظامه الأمني يمارس نفس الإجراءات ضد
المعارضين، ولا أظن أن لديه رغبة بالتغيير للأفضل حقوقيا".
وأعرب الحقوقي المصري
عن أمنيته بأن "يكون لدى السيسي، قدر من الوطنية ويحافظ على أرض مصر ولا يسمح
بتصفية قضية فلسطين ويمنع تهجير الفلسطينيين لمصر مقابل بعض الأموال، التي صرف
أضعافها من الخليج على طرق وكباري لم تغير من وضع الشعب شيئا"، فيما يرجو
"ألا يزعم أن قضية فلسطين ضاعت بسبب ثورة يناير 2011، كما يدعي بكثير من
الملفات المحلية".
ويعتقد زارع، أن
"هذه فرصة ذهبية ليستعيد السيسي، علاقته بالشعب، ويفهم ما يريده المصريون،
ويؤكد على الأشياء التي يطالبون بها مثل عدم تصفية قضية فلسطين، ومحاولة استعادة
دور مصر بعد تقزيمه لصالح أمريكا والسعودية والإمارات".
وعبر مواقع التواصل
الاجتماعي، تتواصل الانتقادات لأدوار السيسي، بالقضية الفلسطينية وحول جرائمه في
حق المصريين.
وقال وزير الخارجية
التونسي الأسبق، الدكتور رفيق عبدالسلام، إن "أكبر نقطة ضعف في الملف
الفلسطيني والوضع العربي عامة، هي سيسي مصر، الذي يعد بمثابة سيف مسلول في قلب
المصريين والفلسطينيين".