قال الصحفي الأمريكي ديفيد سانغر إنه بعد أربعة
أسابيع من الإرهاب والانتقام في "إسرائيل" وغزة، و20 شهرا من الحرب في
أوكرانيا، يواجه الرئيس
بايدن حدود
نفوذه في الصراعين الدوليين اللذين يحددان
رئاسته.
وأضاف في مقال بصحيفة "
نيويورك تايمز" أنه لمدة
10 أيام ظلت إدارة بايدن تحث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على السماح بـ
"توقف إنساني" في قصف غزة، على أمل أن تحمل المساعدات الأمنية الأمريكية
البالغة 3.8 مليار دولار سنويا تأثيرا كافيا على تكتيكات الزعيم الإسرائيلي. ولكن
ذلك لم يحصل.
ورفض نتنياهو مسعى بايدن لبذل جهود أكبر لتجنب سقوط
ضحايا من المدنيين في مكالمة هاتفية، الاثنين. وقد مضى قدما في ما أسماه
"الانتقام الأقوى" لهجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، مستخدما قنابل ضخمة
لتدمير شبكة أنفاق "حماس"، حتى لو أدت أيضا إلى انهيار أحياء بأكملها في غزة.
اظهار أخبار متعلقة
وفي أوكرانيا، تلفظ القائد العسكري الأعلى في البلاد،
الجنرال فاليري زالوزني، الأسبوع الماضي بكلمة تجنبها المسؤولون الأمريكيون بعناية
طوال الجزء الأكبر من العام: الجمود. ويتفق العديد من مساعدي بايدن على أن
أوكرانيا وروسيا متماسكتان، وغير قادرتين على تحريك الخطوط الأمامية للمعركة بأي شكل
مهم.
لكنهم يخشون من أن صراحة الجنرال زالوزني ستجعل من
الصعب إقناع الجمهوريين بالتصويت لصالح التمويل القوي للحرب، وقد تشجع الرئيس
الروسي فلاديمير بوتين على التمسك بموقفه، على أمل أن يتم انتخاب الرئيس السابق
دونالد ترامب أو جمهوري لديه وجهات نظر مماثلة العام المقبل وأن يُسحب الدعم
الأمريكي.
وفي كلتا الحالتين، يبدو تأثير بايدن على كيفية قيام
حلفائه بتطبيق تلك الحروب محدودا أكثر بكثير مما كان متوقعا، نظرا لدوره المركزي
كمورد للأسلحة والمعلومات الاستخبارية. ولكن لأن الولايات المتحدة مرتبطة ارتباطا
وثيقا بكلا الصراعين، باعتبارها أقوى حليف لـ"إسرائيل" وأفضل أمل لأوكرانيا في البقاء
دولة حرة ومستقلة، فإن إرث الرئيس مرتبط بكيف تتصرف تلك الدول، وكيف تنتهي الحروب.
وقال النائب سيث مولتون، وهو ديمقراطي من ولاية
ماساتشوستس وعضو سابق في مشاة البحرية خدم أربع جولات في العراق: "هناك تاريخ
طويل من إدراك الرؤساء الأمريكيين أنهم لا يملكون قدرا كبيرا من النفوذ على ’إسرائيل’ كما كانوا يعتقدون". وقال إن الأمر نفسه ينطبق على أوكرانيا،
"حيث إن هذه هي معركتهم أولا وقبل كل شيء، حتى لو كانت لدينا مصالح كبيرة في
النتيجة".
ويفصل التاريخ والجغرافيا والمصالح الوطنية الأمريكية
بين هذين الصراعين المختلفين جذريا، على الرغم من أن بايدن نفسه هو الذي انضم إليهما في خطاب ألقاه
للأمة قبل أسبوعين بعد عودته من زيارة إلى "إسرائيل"، حيث حزن على فقدان
1400 شخص في هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر
وتعهد بالانضمام إلى جهود تفكيك "حماس".
وقال في ذلك المساء: "إن ’حماس’ وبوتين يمثلان
تهديدات مختلفة، لكنهما يشتركان في هذا الأمر: كلاهما يريد تدمير الديمقراطية
المجاورة بالكامل؛ تدميرها بالكامل".
يجلب بايدن
شغفا لهاتين المعركتين يعود إلى أيامه كرئيس للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ
ونائب للرئيس. ويقول مساعدوه إنه يعتقد أن التاريخ سيذكره بالطريقة التي دافع بها
عن الديمقراطية ضد قوى الفوضى والإرهاب والدكتاتورية.
وفي الوقت نفسه، يعتبر الرئيس لاعبا حذرا، وقد قال
مرارا وتكرارا في كلا الصراعين إن القوات الأمريكية لن تدخل المعركة مباشرة، طالما
أن الأمريكيين في الشرق الأوسط أو دول الناتو لا يتعرضون لهجوم مستمر.
فقد دخل عالم
السياسة عندما كانت أمريكا غارقة في حرب فيتنام، وهي تجربة مؤلمة بالنسبة له، وقد
أمضى قسما كبيرا من رئاسة أوباما وهو يدعو، دون جدوى، إلى انسحاب أمريكي أسرع
كثيرا من أفغانستان.
وهو عازم على عدم السماح للولايات المتحدة بالانجرار
إلى قتال مباشر مع روسيا المسلحة نوويا، وأمضى أول عامين من رئاسته في محاولة
الانسحاب من الشرق الأوسط والتركيز بشكل أكبر على منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وهكذا، وفي حين أن الأسلحة والاستخبارات الأمريكية
تعتبر عنصرا أساسيا في كلتا الحربين، فإن بايدن يعيش مع حقيقة مفادها أن القرارات العسكرية يجب أن تُتخذ في "تل أبيب" وكييف، وليس في الولايات المتحدة. وهذا غالبا ما يترك واشنطن في موقف غريب، حيث
تكون قادرة على اقتراح تقنيات لانهيار شبكات الأنفاق الضخمة في غزة أو اختراق
الخطوط الدفاعية الروسية، لكنها تنأى بنفسها عن القرارات وعواقبها.
وقال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي،
للصحفيين، الاثنين، عندما سُئل عن ما إذا كانت الولايات المتحدة، باعتبارها المزود
للعديد من سلاح "تل أبيب" تتحمل مسؤولية سقوط ضحايا من المدنيين: "نحن لسنا
جالسين معهم في الوقت الذين يضعون فيه قوائم الأهداف.. هذه هي معركتهم".
وعندما لا يتحدثون بشكل رسمي، يقول بعض مساعدي بايدن
إن الرئيس تفاجأ بعدم رغبة نتنياهو في الانحناء بشأن مسألة الهجمات على المناطق
الحضرية المزدحمة.
عندما وصل وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى "إسرائيل"
في أواخر الأسبوع الماضي وطرح مرة أخرى قضية التوقف الإنساني -وهي أفضل طريقة
لإيصال المساعدات إلى غزة، وإبعاد المدنيين عن خط النار وربما لتسهيل إطلاق سراح
بعض السجناء- رفض نتنياهو الدعوة جملة
وتفصيلا.
ويقولون إنه في بعض الأحيان، استجاب هو وحكومة الحرب
التابعة له للنصيحة العسكرية الأمريكية حول كيفية إدارة القتال في المناطق الحضرية
مع تقليل الخسائر في صفوف المدنيين إلى الحد الأدنى بالقول إنهم يقاتلون بالأسلحة
المتوفرة لديهم، قنابل زنة 1000 و 2000 رطل، وهي الأكبر في أي ترسانة عسكرية. ولم
يكن من المتصور قط استخدام هذه الأسلحة في منطقة حضرية كثيفة السكان، وتحاول
الولايات المتحدة إرسال قنابل أصغر بكثير إلى "إسرائيل"، وأكثر ملاءمة لاختراق
الأنفاق دون التسبب في قدر كبير من الأضرار الجانبية.
ولكن مع كل مجموعة جديدة من صور الأطفال المصابين أو
القتلى، يتزايد الضغط على بايدن، حيث يحثه بعض أعضاء حزبه على تبني وقف إطلاق
النار، وهو أمر مختلف تماما، وأطول أمدا، من "هدن إنسانية" عرضية. ومن
المرجح أن تتسارع هذه الدعوات بعد أن قدرت وزارة الصحة في غزة يوم الاثنين أن
الضربات الإسرائيلية قتلت حوالي 10,000 مدني فلسطيني، بما في ذلك حوالي 4000 طفل
ومراهق.
وأكد جون فاينر، نائب مستشار الأمن القومي، في مقابلة
مع برنامج "واجه الأمة" على شبكة "سي بي إس"، الأحد، أن
الولايات المتحدة تستخدم نفوذها، ولكن بهدوء. وقال: "إننا نبني ضمانات قانون
الصراع المسلح في أي وقت نقوم فيه بنقل المساعدة الأمنية إلى أي دولة، بما في ذلك ’إسرائيل’.. وعندما نرى الظروف والأحداث التي تهمنا، فإننا نطرحها
بشكل مباشر للغاية مع حكومة ’إسرائيل’. ومرة أخرى، سنواصل القيام بذلك مع تطور هذا
الصراع".
إن التحدي المتمثل في حرب أوكرانيا مختلف تماما،
ولكنه معقد بنفس القدر. وهنا الضغط على بايدن ليس من اليسار؛ وحتى بعض الأعضاء الأكثر تقدمية في حزبه يدعمون إرسال
عشرات المليارات من الدولارات من الأسلحة وغيرها من أشكال الدعم لحكومة الرئيس فولوديمير
زيلينسكي، لتمكينها من صد الغزو الروسي قبل 20 شهرا.
لكن على اليمين، يتآكل الدعم لهذه المساعدة بسرعة.
وتواجه الإدارة صعوبة في توضيح ماهية الخطوة التالية، بعد أن فشل "هجوم
الربيع" الموعود منذ فترة طويلة ضد روسيا في تحريك خطوط المعركة أكثر من بضعة
أميال.
اظهار أخبار متعلقة
وقال الجنرال زالوزني إن الأمر سيتطلب تقدما
تكنولوجيا كبيرا في مجال الأسلحة لإنهاء الجمود على الأرض، وأضاف أنه "على
الأرجح لن يكون هناك تقدم عميق". لكن من غير الواضح كيف ستبدو هذه القفزة
التكنولوجية.
ويقول مساعدو بايدن إنهم أعطوا الآن زيلينسكي كل أنظمة الأسلحة التي طلبها، وآخرها
"ATACMS"، وهي أنظمة الصواريخ طويلة المدى التي قاوم بايدن تقديمها
منذ فترة طويلة لأنه كان يخشى أنها قد تتجاوز "الخط الأحمر" الذي يمكن
أن يؤدي إلى أن يقوم بوتين باستخدام الأسلحة النووية. الخوف الآن بشأن أنظمة "ATACMS" هو أنها لن تحدث فرقا كبيرا لأن الروس يتعلمون كيفية
إيقاف طائراتهم بعيدا عن متناول الأسلحة.
وبخ زيلينسكي جنراله بسبب وصفه الوضع "بالجمود"
خلال عطلة نهاية الأسبوع، واشتكى مجددا من أن الكثير من المعدات الأمريكية وصلت
متأخرة جدا بحيث لا يمكنها إحداث التأثير الذي يحتاجه (يشكك مساعدو بايدن في ذلك،
قائلين إنهم قدموا الأسلحة عندما كان بوسع القوات الأوكرانية استخدامها). لكن
مسؤولين أمريكيين يقولون إن أوكرانيا تجاهلت نصيحة البنتاغون بشأن تركيز قواتها
لاختراق معقل أو اثنين في شبكة الخنادق الروسية وحقول الألغام، بدلا من نشرها على
مساحات واسعة.
والآن، يحاول بايدن التخلص من التعب والإحباط من الحرب في أوكرانيا، نتيجة الشعور
المتزايد بأن مليارات الدولارات من الأسلحة والمساعدات وجمع المعلومات الاستخبارية
الأمريكية قد فشلت ببساطة في التغلب على الثقل المتراكم للقوات الروسية المتخندقة.
وقال دوغلاس لوت، الجنرال المتقاعد الذي لعب دورا
محوريا في وضع استراتيجية أفغانستان في إدارتي بوش وأوباما، في فعالية أقيمت في
الأكاديمية العسكرية الأمريكية في وست بوينت الأسبوع الماضي: "ما يقلقني هو
أننا نعطيهم ما يكفي للبقاء في القتال، ولكن ليس ما يكفي للانتصار".