أن يجتمع قادة وممثلين عن 57 دولة (عربية،
إسلامية) بعد أكثر من شهر على
الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وارتفاع أعداد
الشهداء إلى أكثر من عشرة آلاف شخص، فهذا مؤشر ودليل ليس فقط على العجز العربي
الإسلامي في اتخاذ خطوات عملية تجبر إسرائيل والولايات المتحدة على وقف الحرب
والإبادة الجماعية بحق أهلنا في غزة، بل على عدم الرغبة في فعل ذلك.
في العلاقات الدولية تختلف طبيعة الإرادة
الجماعية التي تنشأ عن التجمعات الدولتية عن تلك التي تنشأ على مستوى المجتمع: في
الحالة الثانية، الإرادة الجماعية ليست مجموعا حسابيا لإرادات الأفراد الداخلين في
التجمع، لأن وعي وسلوك الفرد يختلف تماما حين ينتقل إلى العمل ضمن الجماعة، فهنا
تتشكل إرادة جماعية تتصف باللاواعية، وهذا هو السبب في توصيف علم النفس الاجتماعي
لهذه الإرادة الجديدة بأنها إرادة قطيعية تعبر عن مختلجات النفس اللاوعية، حيث
يميل الأفراد إلى اتباع أساليب من العنف لا يستخدمونها حين يكونوا منفردين.
في الحالة الثانية، حالة تجمعات الدول على
الصعيد العالمي، فإن الإرادة الجماعية هي بالضرورة مجموعا حسابيا لإرادات الدول
الداخلين في التجمع.
وهنا يطرح تساؤل هام، إذا كان الأمر كذلك،
فلماذا لم تتحول إرادة 57 دولة (أعضاء الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي)
إلى إرادة واحدة موحدة إذا كانت هذه الإرادة الجماعية هي مجموعا حسابيا لإرادات
الدول الداخلين في التجمع، وهي الدول التي أعلنت غالبيتها العظمى رسميا موقفها
ورغبتها في وقف الحرب الإسرائيلية على غزة وفك الحصار عن القطاع.
لا يعقل أن هذا التجمع الكبير غير قادر على
فعل شيئ إذا ما أراد فعلا، لكن الحقيقة أن الإرادة الجماعية هذه إرادة كاذبة، فهي
تعكس في الواقع ازدواجية سلوكيات معظم الدول الداخلة في التجمعين العربي
والإسلامي، من حيث إنها تقدم على المستوى الرسمي خطابا مناصرا لفلسطين، وفي السر
تبعث رسائل إلى الولايات المتحدة بأنها ليست في وارد تحديها.
ما يؤكد ذاك، خلو بنود البيان الختامي للقمة
من أي عقوبات على إسرائيل أو داعميها، وخلوه من التلويح بفرض عقوبات، بمعنى أن هذه
الدول ليست في وارد الانتقال من القوة إلى الفعل، ومهمتها كما تنظر هذه الدول أو
غالبيتها للدقة إلى نفسها، تكمن في الإدانة والشجب.
جاء البيان الختامي طويلا وفضفاضا إلى درجة
بدا غير مهم، وحتى في البند الثالث (كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات
إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل
فوري، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية، وتأكيد ضرورة دخول هذه
المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل، ودعم
وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين أونروا)، فإن البند لم
يوضح آليات عملية كسر الحصار، وهو ما بدا عكسته الأيام التالية على القمة حيث لم
يتغير الوضع.
حتى في البند الرابع (دعم كل ما تتخذه
جمهورية مصر العربية من خطوات لمواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة،
وإسناد جهودها لإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل فوري ومستدام وكاف)، فإنه جاء
خضوعا لرغبة مصرية، فهذه الفقرة كتبت بأيدي مصرية، لأن عملية إدخال المساعدات إلى
القطاع مرهونة بطبيعة الخطوات التي تقوم بها مصر، ونحن نعلم أن الخطوات المصرية
مرتبطة ارتباطا قويا بما تريده إسرائيل.
لقد بلغ الهوان والضعف العربي إلى حد دفع دولة عربية إلى الترحم على الأموات الإسرائيليين، ومساواة القتلى الفلسطينيين بالقتلى الإسرائيليين، ودفع دولا أخرى إلى دعم إسرائيل سرا في القضاء على حماس، فيما ربط آخرون استمرار مسيرة التطبيع مع إسرائيل بوقف الحرب على القطاع، وكأن التطبيع مسألة تكتيكية متعلقة بحرب هنا أو هناك، وليست مسألة مصيرية تتعلق بقضية العرب الأولى.
إذا كانت عملية الإدانة والشجب والتأكيد على
فك الحصار وإدخال المساعدات، عملية مهمة في السياسة الدولية لجهة تثبيت
المواقف
ولإعادة التأكيد على القضية الفلسطينية كأولوية عربية وإسلامية، إلا أن الفاجعة
التي تحل بقطاع غزة تتجاوز حالة الشجب والإدانة المعتادة، كما تتجاوز المطالب
الداعية إلى فك الحصار وإدخال المساعدات، إذ أننا اليوم أمام مشهد خطير قد يغير
الوضع الديمغرافي في القطاع، ويغير من آليات الصراع بشكل حاد لصالح إسرائيل بما
ينهي أو يقضي بشكل كلي على مقومات المقاومة في القطاع.
لقد بلغ الهوان والضعف العربي إلى حد دفع
دولة عربية إلى الترحم على الأموات الإسرائيليين، ومساواة القتلى الفلسطينيين
بالقتلى الإسرائيليين، ودفع دولا أخرى إلى دعم إسرائيل سرا في القضاء على حماس،
فيما ربط آخرون استمرار مسيرة التطبيع مع إسرائيل بوقف الحرب على القطاع، وكأن
التطبيع مسألة تكتيكية متعلقة بحرب هنا أو هناك، وليست مسألة مصيرية تتعلق بقضية
العرب الأولى.
لقد عبرت قمة الرياض عن سوريالية فجة
وقاسية، كان أحد جوانبها أن يلقي رئيس النظام السوري محاضرة عن الوحشية
الإسرائيلية، في وقت يتناسى هو ومعظم الحاضرين عمليات القتل التي نفذها نظامه بحق
الشعب السوري والفلسطيني في سورية.
غير أن أحد أهم جراحات
القمة العربية
الإسلامية أنها ساوت على مستوى الخطاب بين مصر والإمارات والنظام السوري من جهة
وخطاب قطر وتركيا على سبيل المثال من جهة ثانية، فاختبأت الدول الثلاث الأولى تحت
شعارات رنانة طمست الفوارق العامة بين وبين الدولتين الأخيرتين الداعمتين بحق
للشعب الفلسطيني.