"وقف إطلاق النار لمدة أربعة أيام، ووقف كل الأعمال العسكرية لجيش الاحتلال في مناطق قطاع
غزة كافة" لعل هذه أبرز نقطة في "اتفاق
الهدنة الإنسانية" الذي كُشف اللثام عنه، فجر الأربعاء، بعد 47 يوما، من تواصل العدوان الأهوج، على قطاع غزة المحاصر.
وكشفت حركة "حماس" في بيان لها، على قناة "تلغرام"، أنه بموجب "اتفاق الهدنة" سوف يتم "تكثيف إدخال الشاحنات الخاصة بالمساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية والوقود، إلى كل مناطق قطاع غزة"، بالإضافة إلى "إطلاق سراح 50 من محتجزي الاحتلال من النساء والأطفال دون سن 19 عاماً، مقابل الإفراج عن 150 من النساء والأطفال من أبناء شعبنا من سجون الاحتلال دون سن 19 عاماً".
كما يشتمل الاتفاق، على "وقف حركة الطيران في (الجنوب) على مدار الأربعة أيام، ووقف حركة الطيران في (الشمال) لمدة 6 ساعات يوميا من الساعة 10:00 صباحا حتى الساعة 4:00 مساء" وأكد على "ضمان حرية حركة الناس خلال الهدنة، وعدم التعرض لهم وخاصة على شارع صلاح الدين بحيث يمكن التنقل من شمال القطاع إلى جنوبه".
وأكدت حماس على أن "بنود هذا الاتفاق قد صيغت وفق الرؤية التي تهدف إلى خدمة شعبنا وتعزيز صموده في مواجهة العدوان، وعينُها دوماً على تضحياته ومعاناته وهمومه"، مردفة: "كتائبنا المظفرة وسائر فصائلنا المقاومة ستبقى الدرع الواقي والمدافع عن شعبنا حتى دحر الاحتلال والعدوان".
"الهدنة الإنسانية".. جُهود من؟
بعد الكثير من الشد والجذب، وتفاقم "المعاناة الإنسانية" في قطاع غزة المحاصر، وتواصل الدعوات الدولية لوقف الحرب؛ أعلنت حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس، في الساعات الأولى من الأربعاء، عن صفقة لتبادل الأسرى، مع هدنة لأربعة أيام، لتمنح أهالي القطاع فجوة التقاط الأنفاس، واستجماع ما تبقى لهم من قوة، بعد شهر ونصف من استمرار القصف.
وأعلنت قطر، الأربعاء، عما وصفته بـ"نجاح جهود الوساطة المشتركة مع مصر والولايات المتحدة الأمريكية بين إسرائيل وحركة حماس"، لتُسفر عن التوصل إلى اتفاق الهدنة الإنسانية، مشيرة إلى أنه "سيتم الإعلان عن توقيت انطلاقها خلال 24 ساعة وتستمر لأربعة أيام قابلة للتمديد".
وقال المختص في القانون الدولي، عبد القادر العزة، إنه "عند الإشارة إلى هدنة وممرات إنسانية في قطاع غزة، فنحن نتحدث عن وقف مؤقت للأعمال القتالية أو تقليل للتصعيد العسكري بهدف تقديم المساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين. وتأتي الهدنة كجزء من الجهود الدولية لتحقيق الأمن والسلام الدوليين وتخفيف معاناة المدنيين والجرحى والنازحين".
وأوضح العزة، الحاصل على شهادة الدكتوراه في الحقوق القانونية والسياسية للاجئين
الفلسطينيين، في حديثه لـ"عربي21" أن "قطاع غزة المحاصر يعيش حالة إنسانية كارثية، نتيجة الحرب المستمرة لأكثر من 45 يوماً، وتفاقم الوضع بسبب نقص الموارد والرعاية الصحية والخدمات الأساسية".
واعتبر المختص في القانون الدولي، أن "تحقيق هذه الهدنة في الوقت الحالي خطوة مهمة للتخفيف من معاناة المدنيين وتوفير المساعدات الضرورية"، مشيرا إلى أهمية "تسليط الضوء على جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين، حيث يتعين على المنظمات الإنسانية ووسائل الإعلام تسليط الضوء على حجم المأساة الإنسانية في القطاع، لجذب انتباه المجتمع الدولي وتحفيزه على التدخل الفوري".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد العزة، في حديثه لـ"عربي21" على "الحاجة الماسة لتفعيل الشرعية والعدالة الدولية المتمثلة في تعزيز الالتزام بالقوانين الدولية، وفي مقدمتها القانون الدولي الإنساني، وبالتحديد اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 التي تشكل إطارا قانونياً مهماً لضمان حماية المدنيين والجرحى وتيسير توفير المساعدات، والسماح للمنظمات الإنسانية بالعمل بحرية داخل قطاع غزة لتقديم الرعاية والدعم الضروري".
أي ترحيب دولي بالاتفاق؟
بمُجرّد الإعلان عن "الهدنة الإنسانية" في غزة، رصدت "عربي21" توالي ردود الفعل الدولية، حيث عبرت تركيا، الأربعاء، عن أملها في أن "يسهم اتفاق الهدنة في غزة في إنهاء الصراع بشكل كامل قريبا".
وقالت وزارة الخارجية التركية، في بيان لها، اطلعت عليه "عربي21" إننا "نأمل في أن تساعد هذه الهدنة الإنسانية على إنهاء الصراع بشكل كامل، في أقرب وقت ممكن، وإطلاق عملية نحو سلام عادل ودائم على أساس حل الدولتين".
من جهتها، دعت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، إلى "الاستفادة من هذا التوقف، من أجل تكثيف المساعدة الإنسانية في أسرع وقت ممكن". فيما رحبت الأمم المتحدة، بـ"الاتفاق"، مشيرة إلى أنه "لا يزال ينبغي القيام بالكثير".
أما وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، فقد أعربت عن أملها أن "يكون فرنسيون بين الأسرى الذين سيفرج عنهم، في إطار اتفاق الهدنة" منوهة بـ"جهود قطر خصوصا، التي أدّت دور الوسيط للتوصل إلى الاتفاق".
بدورها، رحّبت الخارجية الصينية بـ"الاتفاق"، بالقول إننا "نرحب بوقف إطلاق النار المؤقت، الذي توصل إليه الأطراف المعنيون، ونأمل أن يساعد في تخفيف وطأة الأزمة الإنسانية، ويساهم في خفض التصعيد والتوترات".
كذلك، رحّبت روسيا بـ"اتفاق الهدنة"، حيث قال الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن "روسيا ومعظم دول العالم كانت تدعو إلى وقف لإطلاق النار، وهدنة إنسانية، إذ إنهما ضروريان لأي تسوية دائمة للصراع".
ما بين "الهدنة الإنسانية" و"وقف إطلاق النار"
مع تواصل قصف الاحتلال الإسرائيلي، وتدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة المحاصر، اهتزت الشعوب في مظاهرات ومسيرات دولية، وتوالى التأكيد على أهمية "مقاطعة" منتجات الاحتلال؛ فيما استمرت دعوات واقتراحات الأطراف الدولية لـ"وقف التصعيد بالقطاع"، بين من يطالب بـ"وقف إطلاق النار"، وبين من يطالب بـ"هدنة إنسانية".
ما الفرق بينهما؟
في ظل غياب تعريف قانوني واضح أو معترف به بشكل صريح لمصطلح "وقف إطلاق النار"، يقول موقع "الأمم المتحدة"، إنه "تعليق القتال باتفاق بين أطراف النزاع، وهو عادة جزء من عملية سياسية"، إذ أن الغرض منه أن "يكون طويل الأمد ويغطي كامل المنطقة الجغرافية للصراع، بما يسمح للأطراف بالدخول في حوار، وإمكانية التوصل إلى تسوية سياسية دائمة".
وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن "وقف إطلاق النار" هو ما "يمثل في الأساس هدنة، أو تعليقا مؤقتا للحرب، وليس اتفاقا نهائيا لإنهاء القتال، على الرغم من أنها قد تؤدي في بعض الأحيان إلى سلام دائم"، حيث "يمكن الإعلان عن وقف إطلاق النار من جانب واحد، أو يتم التفاوض بشأنه بين أطراف النزاع المختلفة أو التوصل إليه عبر وساطة، أو يمكن فرضه بقرار من مجلس الأمن، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة".
اظهار أخبار متعلقة
إلى ذلك، فإنه من هذا المنطلق، فإن المغزى الأساسي من "وقف إطلاق النار" يبقى أشمل من "الهدنة الإنسانية" التي تتمثل في الإيقاف المؤقت للأعمال العدائية من أجل "أغراض إنسانية بحتة"، وذلك بحسب الموقع الأممي نفسه.
وتكون الهدنة الإنسانية عادة مؤقتة لـ"فترة ومنطقة جغرافية محددة يتم خلالها التدخل إنسانيا، من أجل تسهيل تقديم المساعدات المختلفة للمدنيين المتأثرين بالنزاع والرعاية الطبية والإغاثة".
وبمجرد الإعلان عن "الهدنة الإنسانية في غزة"، تداول عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، على العديد من المنصات، جُملة من المنشورات، من أجل التأكيد على مطلب: "إيقاف الحرب، وليس إعطاء مُسكّن للأهالي، بهدنة، قد يعود القصف الأهوج بعدها".
ماذا عن السيناريوهات القادمة؟
في الوقت الذي قال فيه مساعد وزير الخارجية المصري سابقا وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، رخا أحمد حسن، في وقت سابق، إن "تحقيق نجاح على صعيد الهدنة الإنسانية أو وقف إطلاق النار، مرهون بمدى الغطاء الأمريكي للجرائم الإسرائيلية"؛ كانت الصحف المصرية، تؤكد على "التخوف من التكلفة الإنسانية الكبيرة لاستمرار الصراع، التي قد تدفع سكان القطاع نحو النزوح لمصر".
وفي السياق نفسه، استقبل رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، السبت الماضي، رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لايين، لبحث مستجدات تصعيد الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، مؤكدا على "موقف مصر بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة وحماية المدنيين، وضمان إيصال المساعدات الإغاثية لأهالي القطاع الذين يتعرضون لمعاناة إنسانية هائلة".
وبحسب بيان رسمي، شدد السيسي على "الرفض القاطع لتهجير الفلسطينيين، سواء بالنزوح داخليا أو بالتهجير خارج أراضيهم لا سيما إلى الأراضي المصرية في سيناء"، وهو ما اتفقت معه رئيسة المفوضية الأوروبية، مؤكدة على الموقف الأوروبي بـ"رفض التهجير".
إلى ذلك، كان موقع "فاينانشال تايمز"، قد أشار، الشهر الماضي، إلى "تكثيف الاتحاد الأوروبي تحركاته لإبرام اتفاق اقتصادي مع مصر، خوفا من تدفق متوقع للاجئين فلسطينيين من غزة إلى دول الاتحاد، في ظل مؤشرات تصاعد الصراع بين إسرائيل وحماس إلى حرب إقليمية"؛ فيما أعلن وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، السبت الماضي، عن بدء أعمال اللجنة الوزارية المكلفة، من القمة العربية الإسلامية، والمعنية ببلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة.
اظهار أخبار متعلقة
ودعا البيان الختامي للقمة العربية، الدول الأعضاء في المنظمة والجامعة، لـ"ممارسة الضغوط الدبلوماسية والسياسية والقانونية، واتخاذ أي إجراءات رادعة لوقف جرائم سلطات الاحتلال الاستعمارية ضد الإنسانية"، مؤكداً على "الرفض المطلق والتصدي الجماعي لأي محاولات للنقل أو التهجير القسري أو النفي أو الترحيل للشعب الفلسطيني، سواء داخل قطاع غزة أو الضفة الغربية، بِعَدِّ ذلك خطاً أحمر وجريمة حرب".
وطالب البيان، جميع الدول بـ"وقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى سلطات الاحتلال، التي تستخدم في قتل الشعب الفلسطيني وتدمير مقدراته والبنى التحتية"، مؤكدا على "التمسك بالسلام بوصفه خيارا استراتيجيا، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وحل الصراع العربي الإسرائيلي، وفق القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة".
ويتواصل عدوان الاحتلال لليوم الـ47 على التوالي، على قطاع غزة، بعد أن واصلت قوات الاحتلال مجازرها الدامية في قطاع غزة، بشن المزيد من الغارات والأحزمة النارية، وتواصل قصف المنازل على رؤوس ساكنيها، بالتزامن مع إعلان هدنة إنسانية يتخللها تبادل أسرى ووقفًا مؤقتًا لإطلاق النار.
وتسبب العدوان في وقف معظم المستشفيات والمراكز الصحية عن العمل، إما بسبب القصف أو نفاد الوقود، وقد تحولت مستشفى الشفاء إلى ثكنة عسكرية للاحتلال بعد إخلائه، إضافة إلى إبلاغ المتواجدين في المستشفى الإندونيسي بضرورة الإخلاء اليوم الأربعاء تحت ذريعة استخدام المكان لأغراض عسكرية.