صحافة دولية

كيف تقوم وسائل الإعلام البريطانية والأمريكية بتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم؟

أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية أن المتظاهرين المسالمين المؤيدين لفلسطين في لندن يقدمون "الدعم لحماس"- جيتي
أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية أن المتظاهرين المسالمين المؤيدين لفلسطين في لندن يقدمون "الدعم لحماس"- جيتي
هذه عينة صغيرة ممّا أطلق عليه المعلقون الذين تحدثوا إلى وسائل الإعلام الغربية، خلال الشهر الأخير من عدوان دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، من قبيل: "المصطلحات الحيوانية الطبيعية لوجهة نظر المستعمر عن مستعمَر".

كتب الفيلسوف السياسي، فرانز فانون، خلال الحرب الاستعمارية الفرنسية في الجزائر عن "جحافل الإحصاءات الحيوية"، و"الجماهير الهستيرية"، و"وجوه مجردة من الإنسانية جمعاء"، و"أطفال يبدو أنهم لا ينتمون إلى أحد"، حيث أن كل هذه مصطلحات يمكن أن تصف كيفية تغطية وسائل الإعلام الغربية لمعاناة الفلسطينيين.

 "موجة إنسانية... كتلة تعج بسكان غزة"، كما قالت هيئة الإذاعة البريطانية في 15 تشرين الأول/ أكتوبر. لقد أصبح كل هذا موضع تركيز بشكل حاد، منذ الهجوم الذي شنته حماس في تشرين الأول/ أكتوبر، والإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة.

حلّلنا تغطية الصفحة الأولى لحرب الاحتلال الإسرائيلي في غزة، من قبل خمس وسائل إعلام إخبارية أمريكية وبريطانية رئيسية، وهي: "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" و"الغارديان"، و"التايمز"، و"بي بي سي"، وذلك من خلال الإطلاع على الصفحة الرئيسية للأخبار في الساعة 7 صباحًا يوميًا، من يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر حتى 26 تشرين الأول/ أكتوبر.

خلال الأسابيع الثلاثة التي أعقبت هجوم حماس، ظهرت آليات قيام الصحافة الغربية بتجريد الضحايا من إنسانيتهم، بجعل الموت والحياة عملية سريرية وروتينية.

يُقتل الإسرائيليون ويموت الفلسطينيون
تبدأ عملية التجريد من الإنسانية (أو تنتهي) باستجواب من هو المسؤول عن الموت، وكيف يتم تصوير القاتل والضحيّة. في وسائل الإعلام الرئيسية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، يموت الإسرائيليون بنشاط. إنهم يُقتلون على يد حماس أو "بعد هجوم فلسطيني مفاجئ". كما يرمزون لـ "حماس" بـ "الفلسطينيين" باعتبارهم محررين مهملين أو أيديولوجيين، مثلما جاء في صحيفة "الغارديان" في 8 تشرين الأول/ أكتوبر.

وعلى النقيض من ذلك، يموت المدنيون الفلسطينيون بشكل سلبي، على اعتبار أنهم هم الذين تسببوا في معظم الوفيات منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، رغم أنهم أكثر من عشرة أضعاف عدد الإسرائيليين الذين قُتلوا.

لا يُقتل سكان غزة على يد القوات الإسرائيلية أو سياسات الحكومة الإسرائيلية؛ حيث "يموتون عطشا مع نفاد المياه النظيفة" (الغارديان، 18 تشرين الأول/ أكتوبر) بينما تستمر الغارات الجوية الإسرائيلية "في قصف الأراضي الفلسطينية".

في 9 تشرين الأول/ أكتوبر، نشرت هيئة الإذاعة البريطانية: "مقتل 700 شخص على الجانب الإسرائيلي، وأكثر من 400 ماتوا أيضًا في غزة"، وكأنه من المفترض أنهم استسلموا لصدمة أو لأمر الله. وفي 8 تشرين الثاني/ نوفمبر، أشارت صحيفة "التايمز" اللندنية إلى أن "الإسرائيليين أحيوا ذكرى مرور شهر منذ أن قتلت حماس 1400 شخص واختطفت 240، وبدأت حربًا يقال إن 10300 فلسطيني ماتوا فيها"، وهو أمر مشروط بالطبع.

اظهار أخبار متعلقة


إن الوفيات الفلسطينية طبيعية وغير متمايزة. وهذا ممكن فقط لأن وسائل الإعلام تتعامل مع الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة باعتباره منطقيًا ومتناسبًا وحتى مقيدًا.

انتهاكات القانون الدولي
إن العقاب الجماعي، وهو ما تفعله إسرائيل في الأساس من خلال ضرب "أهداف" مدنية وحصار كامل، جعل القطاع "سجنا مفتوحا" بشكل كامل، وذلك على حد تعبير رئيس الوزراء السابق، ديفيد كاميرون؛ هو أيضًا غير قانوني. هذه هي وجهة نظر جوزيب بوريل، منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، وفولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وهيومن رايتس ووتش، وآخرين.

عندما أشار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى احتلال إسرائيل لفلسطين المستمر منذ عقود، ودعا إلى إنهاء الحصار، طالب ممثل إسرائيل لدى الأمم المتحدة، باستقالته. وقد استقال واحد على الأقل من زملاء غوتيريش، وهو كريغ مخيبر، رئيس مكتب نيويورك لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، من تلقاء نفسه، احتجاجًا على "الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل أمام أعيننا" في فلسطين.

مع ذلك، لم يتم ذكر الانتهاكات الإسرائيلية المتسلسلة للقانون الدولي، في أي من العناوين الرئيسية، والفقرات الرئيسية لوسائل الإعلام البريطانية الأمريكية الخمس، التي تم تحليلها في هذا المقال، خلال الأسابيع الثلاثة الأولى.

إن استبعاد هذا السياق من جرائم إسرائيل أمر مهم. كصحفيين، تم تدريبنا على مراعاة حقيقة أن معظم الناس لا يقرؤون أبعد من العناوين الرئيسية أو الفقرات الأولى. وخارج الصفحة الأولى، نشرت بعض وسائل الإعلام مقالات تحليلية منفصلة، مثل مقالة "إسرائيل وغزة وقوانين الحرب" في صحيفة نيويورك تايمز (12 تشرين الأول/ أكتوبر). ومن غير المستغرب أن هذا لا يقترب من وصف ما تفعله إسرائيل بأنه جرائم.

على الرغم من المناقشة المطولة حول كيفية عدم استهداف المدنيين أو إلحاق الأذى بهم بشكل غير متناسب لأغراض عسكرية، فإن أقرب ما وصلت إليه صحيفة "نيويورك تايمز" لانتقاد تصرفات جيش الدفاع الإسرائيلي، هو نقل رأي خبير في قانون الحصار. وكان ذلك أن الحصار الإسرائيلي هو "مثال واضح بشكل غير عادي على تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، والذي يعتبر انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي، وجريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب".

اظهار أخبار متعلقة


ويتبع ذلك وصف سريع: "الاختصاص القضائي على بعض جرائم الحرب سيعتمد على ما إذا كان الصراع القائم بين دول"؛ لذا فإن بعض الجرائم لا تعتبر جريمة طالما أن فلسطين أو الفلسطينيين غير موجودين، كما أكدت رئيسة الوزراء الإسرائيلية، غولدا مئير، قبل أكثر من 50 عامًا، وكررها السياسيون الإسرائيليون الحاليون. وعلى النقيض من ذلك، فإن تصرفات حماس، في نظر نفس الخبير المذكور "ليست نداءات قريبة".

الوفيات التي يمكن تفاديها
بالانتقال من عدم شرعية الحصار الإسرائيلي الكامل لغزة أو التجاهل الكامل له فإن وسائل الإعلام البريطانية والأمريكية، تصور المجاعة والوفيات التي يمكن منعها والتي تنجم مباشرة عن الحصار بلغة طبيعية سلبية بالكامل تقريبًا. فعلى سبيل المثال، هذا ما ورد في النسخة المطبوعة من صحيفة "واشنطن بوست" على الصفحة الأولى: "الأضرار التي لحقت بالمدنيين في غزة تلوح في الأفق مع زيارة بايدن، إن ارتفاع الخسائر البشرية الناجمة عن الهجمات يمكن أن يهدد الدعم العالمي لإسرائيل" (الضرر الناجم بالطبع عن الضربات الإسرائيلية).

في 13 تشرين الأول/ أكتوبر، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز": "300 ألف مشرد في غزة المنكوبة بسبب قلة الغذاء" (لأن إسرائيل تمنع دخول الغذاء إلى غزة) "المستشفيات مكتظة والوقود شحيح" (لأن إسرائيل تمنع الإمدادات الطبية والوقود من الوصول إلى غزة) "بينما ترد إسرائيل على حماس". لا بأس إذن فالقارئ يجب أن يشعر بالارتياح لأن سحق إسرائيل للمستشفيات هو مجرد عمل من أعمال "الدفاع عن النفس".

إن الجيش الإسرائيلي ليس من أشد المعجبين بمستشفيات غزة، فهو يقصفها بانتظام. وأمر بإخلاء 23 مستشفى في شمال غزة في 13 تشرين الأول/ أكتوبر، ويبدو أنها قامت بإخلاء هذه المستشفيات من المرضى منذ ذلك الحين.

ربما تكون إسرائيل قد ذهبت إلى أبعد من ذلك، كما فعلت بشكل شبه مؤكد في قصف المستشفى الأهلي العربي في 17 تشرين الأول/ أكتوبر. غطت معظم وسائل الإعلام القصف من خلال تكرار اتهامات "قال - قالت" التي وجهتها إسرائيل و"حماس" ضد الطرف الآخر. ومع ذلك، أعطت صحيفة "نيويورك تايمز" إنكار الجيش الإسرائيلي وزنًا أكبر عندما كتبت "فشلت حماس في إثبات أن إسرائيل قصفت المستشفى" في 23 تشرين الأول/ أكتوبر، وهو عنوان أكثر جاذبية من "لا نعرف، ولا نريد". لنعمل على حلها بأنفسنا".

نشرت صحيفة "التايمز" مقالًا بعنوان: "غارة جوية تقتل ما يصل إلى 500 شخص في غزة"، وأضافت بسرعة أن "إسرائيل تنفي مسؤوليتها وتلقي باللوم على الجهاديين"، دون تعليق من صوت فلسطيني.

عكس التناقض بين الكيفية التي يموت بها الفلسطينيون (بشكل سلبي، وفي كثير من الأحيان دون ذكر الأفعال الإسرائيلية) وكيف يموت الإسرائيليون (بشكل مباشر، والذي يُنسب بشكل مباشر إلى حماس أو التصرفات "الفلسطينية")، هو الطريقة التي تصف بها وسائل الإعلام الأطفال الضحايا من كلا الجانبين.

في مناقشة لتبادل الأسرى، وصف كاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست" "الأطفال الرهائن" في إسرائيل بينما أشار إلى الأطفال الفلسطينيين على أنهم "شباب". وبموجب الأمر العسكري رقم 1591، يمكن للحكومة الإسرائيلية احتجاز قاصرين لا تتجاوز أعمارهم 12 عامًا دون محاكمة، وربما إلى أجل غير مسمى في "الاعتقال الإداري"، وفقًا لتقارير اليونيسف.

عندما يُنظر إلى الوفيات بين المدنيين في غزة بسبب الحصار والضربات ضد البنية التحتية المدنية على أنها كوارث طبيعية لا مبرر لها، وليست جرائم حرب فإن أي وصول لسكان غزة إلى السلع الأساسية يصبح "مساعدة" أو "إغاثة"، وكل كمية ضئيلة يُسمح لها بالوصول إليهم هي عمل من أعمال الرحمة الإسرائيلية.

اظهار أخبار متعلقة


فعلى سبيل المثال، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" في تاريخ 19 تشرين الأول/ أكتوبر: "إن الصفقة تضع الأساس لوصول المساعدات إلى سكان غزة اليائسين". أو صحيفة "واشنطن بوست" (12 تشرين الأول/ أكتوبر): "الحدود المغلقة والقنابل المتساقطة تخنق غزة: آلاف الجرحى مع تضاؤل الإمدادات"، مضيفة أن "الأزمة الإنسانية في غزة تتفاقم" (بسبب الحصار الإسرائيلي، دعونا لا ننسى).

في صحيفة "واشنطن بوست" أيضًا عنوان لا يُصدق (16 تشرين الأول/ أكتوبر): "مع ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين، تبقى المساعدات عالقة في مصر"، كما لو أنها لا تستطيع الدخول فعليًا من الباب، وهو ما يتجاهل حقيقة أن إسرائيل منعت المساعدات من الدخول عبر رفح، مطالبين بإثبات عدم وصولها إلى حماس.

الأرقام
بعد اختزال الفلسطينيين إلى أرقام، تتمحور المهمة بعد ذلك في التشكيك في هذه الأرقام. وعندما بدأ تدمير إسرائيل لغزة يثير جدلا دوليا، صرح بايدن، أنه لا يثق في أن "الفلسطينيين" (أو حكومة حماس، لأن الاختلاف لا قيمة له) "يقدمون الأرقام الصحيحة حول عدد القتلى". وكان بيانه هو الأحدث في تقليد عريق يتمثل في تشكيك الإدارات الأمريكية، في عدد الوفيات التي أحدثها حلفاؤها في الخارج، من إندونيسيا في عهد سوهارتو، إلى فرق الموت السلفادورية في الثمانينيات والمملكة العربية السعودية اليوم، كما يشير المؤرخ برادلي سيمبسون.

لا أحد يشكك بجدية في أن أرقام وزارة الصحة في غزة، مرتفعة للغاية. وإذا كان هناك أي شيء، فمن المحتمل أن يكون هذا العدد أقل من العدد الحقيقي بالنظر إلى عدد الجثث العالقة تحت الأنقاض. ومع ذلك، أصبح إسناد الأرقام إلى "وزارة الصحة في غزة" في الوقت الراهن تقريبًا مسبوقا بعبارة "حكومة حماس" أو تليها عبارة "تسيطر عليها حماس".

قد يبدو هذا إهدارا غريبا للكلمات، مع الأخذ في الاعتبار أن الجميع، بدءا من الأمم المتحدة، وصولا إلى وزارة الخارجية الأمريكية، يستشهدون ببيانات الضحايا الصادرة عن وزارة الصحة في غزة، وحكومة غزة التي تديرها حماس.

لا يعتبر القتلى الفلسطينيون ببساطة ذوي أهمية بالنسبة لبعض وسائل الإعلام. حيث تطرقت صحيفة "نيويورك تايمز" للوفيات الفلسطينية في عناوينها بعد 11 يومًا من هجوم حماس بقول "الهجمات أودت بحياة 500 في غزة". وكانت الصحيفة قد نشرت في ذلك الوقت عدة مقالات في الصفحة الأولى عن ضحايا إسرائيليين محددين، بما في ذلك ملف تفصيلي (مع صورة) لعائلة تعيش في كيبوتس قُتلت بشكل مروع على يد الهجوم الذي قادته حماس.

من غير المستغرب أن تنشر صحيفة "التلغراف"، في 12 تشرين الأول/ أكتوبر، عدد الإسرائيليين الذين قتلوا في أحداث "11 أيلول/ سبتمبر" في رسم بياني مثير للاهتمام لم يكلف نفسه عناء تضمين تقديرات للوفيات الفلسطينية.

المعايير المزدوجة
بمجرد تجريد شعب ما من إنسانيته حقًا، يصبح من المنطقي، بل ومن الضروري، تطبيق معيار مختلف تمامًا من أجل تجريدهم من كرامتهم. وتتحدث وسائل الإعلام البريطانية والأمريكية عن الوفيات الفلسطينية بشكل سلبي، كما لو كان ذلك من خلال القضاء والقدر، وغالبا ما يتم التعبير عن الوفيات بلغة توحي بأن معظمهم كانوا ينتمون لحماس، أو يدعمون حماس، أو على الأقل أنهم كانوا متواجدين في مواقع استهداف الصواريخ بمحض الصدفة.

بالنسبة للفلسطينيين الذين ما زالوا على قيد الحياة، لا يكفي الهروب بطريقة أو بأخرى من القتل بفعل ما يقارب 6000 قنبلة أسقطتها إسرائيل في أيامها الستة الأولى لمعاقبة المنطقة المكتظة بالسكان، وهذا يفوق ما نشرته الولايات المتحدة، التي لا تُعرف عادة بضبط النفس، في سنة واحدة من حربها في أفغانستان.

اظهار أخبار متعلقة


يتعين على أي فلسطيني ظل على قيد الحياة ولم تطله صواريخ العدو أن يبرر استمرار حياته بالتنكر إلى انتمائه وولائه لحماس. وخير مثال على ذلك مقابلة "بي بي سي نيوزنايت" مع رئيس البعثة الفلسطينية إلى المملكة المتحدة، حسام زملط. حيث شعرت المذيعة كيرستي وارك، بالدهشة عندما سمعت زملط يصف بالتفصيل كيف قُتل أفراد من عائلته في الغارات الإسرائيلية، في الأيام السابقة قبل أن تطالب زملط مرارًا وتكرارًا بإدانة تصرفات حماس. 

بعبارة أخرى، لعكس هذا الوضع، فإن مطالبة كل إسرائيلي فقد أحد أفراد أسرته في هذا الصراع بأن يبدأ أولاً بإدانة جرائم القتل الإسرائيلية والعقاب الجماعي للمدنيين في غزة، سوف يُنظر إليه بحق باعتباره أمراً شائنا. ومن غير المستغرب أننا لم نر أي أمثلة على ذلك في الصحافة الغربية. 

تعزز الصحافة البريطانية والأمريكية الفكرة القائلة إن دعم الفلسطينيين يعني دعم حماس، في حال شكك أي شخص في هذه الادعاءات. وأعلنت هيئة الإذاعة البريطانية أن المتظاهرين المسالمين المؤيدين لفلسطين في لندن يقدمون "الدعم لحماس".

 وتراجعت في وقت لاحق عن تعليقاتها "سيئة الصياغة". ولم يكن أداء "سكاي نيوز" أفضل من ذلك في استخدام صور المتظاهرين المسالمين الذين يحملون الأعلام الفلسطينية لمرافقة مناقشتها للجهود التي تبذلها شرطة العاصمة لندن "لمواجهة التطرف".

تُعتبر هذه المغالطات ضئيلة مقارنة بالعبارات المسيئة بشدة التي أطلقها ضيوف برامج هيئة الإذاعة البريطانية على الفلسطينيين، دون مواجهة أي اعتراض من مضيفهم على الإطلاق. فعلى سبيل المثال، استضافت "بي بي سي عربي"، المخضرم السابق في المخابرات الإسرائيلية الذي تحول إلى أكاديمي، موردخاي كيدار، الذي رفض الاعتراف بالعنصرية الإسرائيلية الشعبية تجاه الفلسطينيين، مدعيا أن المقارنات الوحشية بين الفلسطينيين هي "إهانة للحيوانات". 

ومن المثير للاهتمام أن مذيعة "بي بي سي العربية" لم تطرد كيدار، من المقابلة، ولم تنذره أو تطالبه بالاعتذار. وبدلاً من ذلك، نأت المضيفة بنفسها عن العبارات المحرضة على الإبادة الجماعية التي يستخدمها كيدار بتعليق "هذا رأيك".

منصة للتبريرات الإسرائيلية
أشار الموقع إلى أن وسائل الإعلام البريطانية والأمريكية لجأت إلى نشر مقالات تروج للمبررات الإسرائيلية لتصرفات القوات الإسرائيلية عندما أصبح من الصعب الكتابة عن العدد المذهل من القتلى المدنيين في غزة. ورد في الصفحة الأولى لنسخة نيويورك من صحيفة نيويورك تايمز في 26 تشرين الأول/ أكتوبر "كيف يبرر الإسرائيليون نطاق الضربات الجوية" وأعادت صياغة هذا العنوان في وقت لاحق على النحو التالي: "الضربات الإسرائيلية على غزة هي من بين أكثر الضربات كثافة في هذا القرن".

من غير المتصوّر أن تنشر صحيفة غربية، مقالاً، بالعبارات الحميدة أو المحايدة ذاتها للغضب الفلسطيني، أو ما هو أسوأ من ذلك، مبررات جرائم حماس. وهناك اتجاه آخر يتمثل في تطبيع تصرفات إسرائيل من خلال التركيز ليس على تداعياتها على حياة سكان غزة، ولكن على نواياها التي تظهر بالطبع على أنها حميدة. (تجدر الإشارة إلى أن النوايا غير مهمة في قوانين الحرب).

بعد ثلاثة أيام من الحصار الإسرائيلي غير القانوني الشامل على غزة، تساءلت هيئة الإذاعة البريطانية في 14 تشرين الأول/ أكتوبر: "هل يمكن أن يحقق الغزو البري الإسرائيلي لغزة أهدافه؟". ووصفت صحيفة "نيويورك تايمز"، نتنياهو، بأنه "يكره المخاطرة" (مما لا شك فيه بحياة إسرائيليين، وليس الفلسطينيين)، وكتبت "الحرب الشاملة هي أرض غير مختبرة"، وذلك للإشارة إلى القراء أن "الضربات المحدودة في الماضي كانت آمنة من الناحية السياسية".

الأصوات المعارضة لا تلقى آذانا صاغية
انتقد الصحفيون في هيئة الإذاعة البريطانية ووكالة "فرانس برس" تحيز وكالتهم ضد حياة الفلسطينيين والتقليل من جرائم الحرب الإسرائيلية، إذ لا يوجد مجال لمناقشة المخاوف التحريرية. وقد شهد المعلقون الفلسطينيون حذف مقاطعهم من البرامج الإخبارية السائدة. أفاد الأمريكيون الفلسطينيون بأنه تم إلغاء فعالياتهم بينما أطلق عليهم اسم أنصار حماس. وفي الوقت نفسه، دعا أحد كبار المحررين في مجلة "نيوزويك" الأمريكية إلى تسوية غزة بالأرض، لتشبه مواقف سيارات دون أن ينتقده أحد.

اظهار أخبار متعلقة


في مكان آخر من النظام الإعلامي، تعرض المسؤول في هيئة تنظيم الاتصالات في المملكة المتحدة، فادزاي مادينجيرا، للإيقاف بسبب مشاركته منشورا على مواقع التواصل الاجتماعي انتقد فيه دعم المملكة المتحدة لـ "التطهير العرقي والإبادة الجماعية للفلسطينيين" و"هذا التحالف الاستعماري الخسيس".

لا يخرج أي من هذه النقاط، وحقيقة أن إسرائيل ربما ترتكب إبادة جماعية، أو أنها تواصل تطهير الأرض الفلسطينية عرقيا، أو أن إسرائيل تأسست كمشروع استعماري لا يزال يستخدم البؤر الاستيطانية لتعزيز سيطرتها على الأراضي، عن نطاق التحليل المعقول للحقائق التاريخية لتبدو مثل بداية (أو نهاية، اعتمادًا على نقطة البداية) للإبادة الجماعية.

أصدر الجيش الإسرائيلي تعليماته لجميع الفلسطينيين بالفرار جنوب منطقة وادي غزة "حفاظًا على سلامتهم" من الضربات الإسرائيلية. وأصيب البعض أثناء إخلائهم وما زال الفلسطينيون يتعرضون للقصف من قبل القوات الإسرائيلية في مناطق اللجوء الجنوبية.

يضع الجنود الأعلام الإسرائيلية على شواطئ غزة، في حين تطرح وكالة الاستخبارات الإسرائيلية فكرة طرد سكان غزة بشكل دائم إلى سيناء المصرية كحل مفضل. يستشهد نتنياهو بفقرة من الكتاب المقدس حيث يأمر الله بني إسرائيل "بقتل الرجال والنساء والأطفال والرضع" في مملكة العدو. في المقابل، لا تزال صحيفة نيويورك تايمز (13 تشرين الأول/ أكتوبر) تقدم نتنياهو دون انتقاد على أنه "يسعى إلى وضع نهاية دائمة للتهديد وليس إعادة الاحتلال" (13 تشرين الأول/ أكتوبر).

أصبحت الكوميديا السوداء، التي يعبر من خلالها البعض عن معارضتهم، مستهدفة. طُرد مايكل آيسن، محرر مجلة "آي لايف" العلمية، لنشره على منصة "إكس" (تويتر)، مقالاً من موقع الفكاهة "ذا أونيون" بعنوان "انتقاد سكان غزة المحتضرين لعدم استخدام الكلمات الأخيرة لإدانة حماس". ولم يقع تجديد عقد رسام الكاريكاتير في صحيفة "الغارديان"، ستيف بيل، بعد أن اعتُبر رسمه لنتنياهو وهو يستعد لإجراء عملية جراحية على بطنه مع مخطط تفصيلي لغزة، واستخدام عبارة "رطل من اللحم" المجازية، معاد للسامية. 

في هذه الأثناء، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" رسماً كاريكاتوريا لمسؤول في حماس، مع أطفال ونساء في غزة مقيدين به ويقول "كيف تجرؤ إسرائيل على مهاجمة المدنيين؟". وحذف منذ ذلك الحين بعد شكاوى بشأن العنصرية.

اظهار أخبار متعلقة


مع ذلك، لا يزال رسام الكاريكاتير ينشر أعماله في وسائل الإعلام الرئيسية. في الأسبوع الماضي، نشر رسما كاريكاتوريا آخر في مجلة لاس فيغاس تظهر فيه امرأة (سمينة سوداء) ترتدي قميصا يحمل شعار "حياة السود مهمة" وتحمل لافتة كتب عليها "حياة الإرهابيين مهمة: ألقوا اللوم على إسرائيل، وادعموا حماس". لكن لسائل أن يسأل كيف تجرؤ إسرائيل على مهاجمة المدنيين بالفعل؟
التعليقات (0)