ملفات وتقارير

السيسي يواصل منح الجيش الأراضي.. 500 ألف فدان جديد في توشكي

وافق مجلس الوزراء على مشروع تخصيص 3 قطع أراض بمساحة إجمالية نحو 500 ألف فدان مملوكة للدولة لصالح الجيش المصري- الرئاسة المصرية
وافق مجلس الوزراء على مشروع تخصيص 3 قطع أراض بمساحة إجمالية نحو 500 ألف فدان مملوكة للدولة لصالح الجيش المصري- الرئاسة المصرية
تواصل رقعة أملاك القوات المسلحة المصرية من الأراضي المنزرعة والصحراوية في الاتساع، بفعل استمرار رئيس النظام عبدالفتاح السيسي وحكوماته منذ الانقلاب العسكري الذي قاده منتصف 2013، في منح ملايين الأفدنة ومساحات شاسعة من الأراضي حول أهم طرق ومحاور البلاد للجيش.

والأربعاء، وافق مجلس الوزراء على مشروع قرار رئيس الجمهورية بشأن تخصيص 3 قطع أراضي بمساحة إجمالية نحو 500 ألف فدان مملوكة للدولة ملكية خاصة بمنطقة توشكي، وذلك لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية أحد أهم الأذرع الاقتصادية للجيش المصري، لاستخدامها في مشروعات الاستصلاح والاستزراع.

قطعة الأرض الأولى في شرق منطقة الريف المصري، وبمساحة تبلغ حوالي 130 ألف فدان، والثانية بشرق آبار منطقة توشكي وتصل نحو 70 ألف فدان، والثالثة بجنوب منطقة الظاهرة بنحو 269 ألف فدان، ليصل مجموع ما حصل عليه الجيش هذه المرة من أراضي إلى حوالي 468 ألف فدان.



"حكاية توشكي"

ووسط دعاية واسعة من نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، تم افتتاح مشروع مفيض توشكي من بحيرة ناصر بنهر النيل لزراعة المنطقة الصالحة للزراعة جنوب مدينة أسوان بالصحراء الغربية، ومطلع 1997، تم تخصيص آلاف الأفدنة لشركات عربية، بينها للأمير السعودي الوليد بن طلال (100 ألف فدان)، وعدد كبير من الفنانين ورجال الأعمال.

إلا أن المشروع فقد بريقه ولم يحقق المرجو منه، رغم إنفاق مليارات الجنيهات، حتى إن الملياردير السعودي، في كانون الثاني/ يناير 2017، قرر بيع أملاكه في توشكي لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع المصرية، بعد خسارة أعلنتها شركة الوليد "كادكو" تجاوزت 89 مليون دولار.

إظهار أخبار متعلقة


ولكن السيسي، مطلع العام 2022، في محاولة منه لإعادة إحياء المشروع، تحت اسم "توشكي الخير"، أسند مساحات واسعة منه للجيش الذي يقوم بزراعة الكثير من المحاصيل، وفق ما أكده أحد السائقين الذين ينقلون تلك المحاصيل إلى بعض المصانع في مدن العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر شرقي وغرب القاهرة.

وأوضح السائق، في حديثه لـ"عربي21"، أن "الجيش يزرع محاصيل البرسيم لتهيئة الأرض نظرا لدور هذا المحصول في زيادة خصوبة التربة وإصلاحها، وذلك بجانب زراعة القمح، في الشتاء، والذرة في الصيف، وغيرها من المحاصيل التي يقوم على زراعتها المجندون، مثل الفول السوداني وبعض الفاكهة".

المثير هنا، أن تخصيص السيسي أراضي جديدة للجيش، يتنافى مع ما تعلنه الحكومة المصرية من توجه نحو تقليل ملكية الدولة والجيش، وفقا لـ"وثيقة سياسة ملكية الدولة" التي أعلنتها في أيار/ مايو 2022، وما تبعها من قرار ببيع نحو 35 شركة عامة منها شركات تابعة للجيش، وذلك تنفيذا لمطالب صندوق النقد الدولي.

وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، منح السيسي، وفقا لقرار جمهوري مثير للجدل حمل رقم (17 لسنة 2023)، نحو 15 ألف كيلومتر للجيش، حيث قرر تخصيص الأراضي الصحراوية الواقعة بعمق 2 كيلومتر على جانبي 31 طريقا رئيسيا بشمال وجنوب البلاد، لصالح القوات المسلحة، ما تبعه نزع ملكيات لأفراد وشركات.

إظهار أخبار متعلقة


"فضيحة الصوب"
ويثير هذا التخصيص التساؤل، حول النتائج الاقتصادية لتلك القرارات، ومدى قدرتها على دعم الاقتصاد المصري وتلبية احتياجاته الزراعية، وتوفير حاجة واستهلاك أكثر من 105 ملايين مصري في الداخل، إذا تحققت مشروعات ناجحة، والتساؤل كذلك عن خسارة الاقتصاد المصري حال فشل تلك المشروعات.

وفي آب/ أغسطس الماضي، كشف اليوتيوبر المصري المعارض عبدالله الشريف، عن تسريب يؤكد فشل مشروع زراعي عملاق بقاعدة "محمد نجيب" العسكرية شمال غرب مصر، ثم تسريبا ثانيا عن فشل مشروع زراعي آخر للجيش في صعيد مصر.

ذلك التسريب كشف فشل مشروع الصوب الزراعية الذي دشنه السيسي عام 2019، بمساحة 16 ألف فدان، وبتكلفة بلغت نحو 16 مليار جنيه مصري بقاعدة "محمد نجيب العسكرية" (شمال غرب)، برعاية الجيش وباستخدام المجندين كأيد عاملة.

"إسناد للجيش وخنق للفلاح"
ومنذ توليه السلطة في البلاد، يواصل السيسي الإعلان عن مشروعات زراعية عملاقة، لكنها على الأرض لم تحقق المرجو منها اقتصاديا، أو حتى المعلن من قبل مسؤولي وإعلام النظام.

الأمر الذي يذكر بفشل مشروع استزراع "الصالحية الجديدة" شرق الدلتا بعهد الرئيس أنور السادات، وفشل مشروع "الوادي الجديد" غرب البلاد بعهد جمال عبدالناصر، في تحقيق الاكتفاء الذاتي للمصريين، أو تلبية احتياجاتهم من السلع الأساسية.

وأعلن السيسي عام 2014، عن مشروع زراعة 4.5 مليون فدان، لكنه قلص المساحة إلى 1.5 مليون فدان في 8 محافظات، في عمل أوكله للجيش في 30 كانون الأول/ ديسمبر 2015.

حينها نقلت وكالة أنباء "الشرق الأوسط"، الرسمية عن وزير الزراعة عصام فايد، قوله؛ إن مصر تسعى لتغطية 80 بالمئة من احتياجاتها من القمح ذاتيا بحلول عام 2018، وهو ما لم يتحقق رغم تدشين المشروع قبل 8 سنوات، فمازالت مصر تستورد نحو نصف حاجتها من سلعة القمح الاستراتيجية.

وفي مشروع آخر وصفه الإعلام المصري بالعملاق، أعلن السيسي في آذار/ مارس 2021، عن مشروع زراعي كبير أيضا بالتعاون مع الجيش، بمسمى "الدلتا الجديدة" وعلى مساحة مليون فدان، قرب منطقة محور الضبعة الشهير بالساحل الشمالي الغربي لمصر.

وهو المشروع الذي شكك خبراء بمدى وجاهته، حيث أوضح الأكاديمي المصري الدكتور سعيد سليمان في حديث سابق مع "عربي21"، أن المياه الجوفية هناك جيدة وتبلغ من 600 إلى 3500 جزء بالمليون، لكنها غير متجددة، وهو ما يستلزم توصيل مياه النيل للمشروع.

وفي مقابل منح السيسي الأراضي الزراعية للجيش، فإن البرلمان أقر قانونا بحبس الفلاحين لمن يخالف قرارات تحديد مساحات زراعة الأرز، ما اعتبره مراقبون تدميرا لمستقبل زراعة الأراضي الطينية في الوادي والدلتا، ويزيد الضغوط المادية والأعباء الاقتصادية على الفلاح.

إظهار أخبار متعلقة


"سياسات خاطئة"
وفي تعليقه، قال الأكاديمي المصري المتخصص في العلوم الزراعية الدكتور عبدالتواب بركات: "منذ استولى الجنرال السيسي على السلطة، نفذ سياسات وقرارات من شأنها تدمير الرقعة الزراعية وإفقار الفلاح المصري، عمود الاقتصاد الوطني".

الأستاذ المساعد في مركز البحوث الزراعية بالقاهرة، أشار في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "منها على سبيل المثال، شق ومد وإنشاء مئات الكيلو مترات من الطرق والكباري، وسط الأراضي الزراعية عالية الخصوبة في الرقعة الزراعية القديمة، وهي أراضي الدلتا التي لا يمكن تعويضها".

وأكد أنه "كان يمكن المحافظة على هذه الأراضي وحل مشكلة الطرق برفع كفاءة الطرق والكباري القديمة"، مبينا أنه "كانت النتيجة تٱكل الرقعة الزراعية وتراجع الإنتاج الزراعي وزيادة أسعار الغذاء وافتقار الفلاح ومعاناة الأسر، وزيادة واردات الأغذية".

"وأصبحت مصر أكبر مستورد للقمح في العالم بمعدل 12 مليون طن، وثالث أكبر مستورد للذرة بمعدل 11 مليون طن، ونستورد 95 بالمئة من احتياجات الزيوت، ونستورد 4 مليون طن من فول الصويا".

وكذلك أصدر قرارات رئاسية بتحويل مئات الآلاف من الأفدنة الزراعية في الوادي والدلتا إلى مناطق سكنية، ونقل ملكيتها من وزارة الزراعة إلى وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، لبناء الأبراج السكنية عليها لتربيح الجيش وكسب الولاء".

الخبير الزراعي المتخصص في بحوث التنمية الزراعية وسياسات الأمن الغذائي، لفت كذلك إلى "جرف عشرات الآلاف من الأفدنة الزراعية وحولها إلى صحراء جرداء في مدينتي رفح والشيخ زويد".

وذكّر بـ"نزع ملكية مئات الآلاف من الأفدنة الزراعية، وطرد الفلاحين من أراضي غرب المنيا وغرب غرب المنيا والوادي الجديد والنوبارية، وملكها للقوات المسلحة لتتربح منها على حساب صغار المزارعين وشباب الخريجين".

المستشار الأسبق بوزارة التموين والتجارة الداخلية في مصر، أكد أن "النتيجة كانت فشل المشروع وتبوير الأراضي وإهدار مليارات الجنيهات من المال العام، وخراب بيت الفلاحين المنتجين للخضروات".

وكذلك "طرد الصيادين وحرمهم من الصيد في بركة غليون، 30 ألف فدان، ومن بقية البحيرات السمكية، وسلمها لقادة خط البلطي والجمبري بالجيش المصري؛ بحجة الاكتفاء الذاتي من الأسماك وخفض الأسعار والتصدير، وكانت النتيجة ارتفاع أسعار سمك البلطي من 11 جنيها إلى 75 جنيها للكيلو".

وأضاف: "وأصدر قرارا جمهوريا بتخصيص الأراضي الزراعية حول الطرق بعمق 2 كيلو متر لصالح القوات المسلحة، واستولى على مئات وملايين الأفدنة الزراعية بسبب القرار، أضف إلى ذلك، هدم بيوت الفلاحين بحجة البناء دون ترخيص؛ ما أدى إلى تدمير الثروة العقارية وخراب بيوت الفلاحين".

وتابع: "وأخيرا الاستيلاء على أراضي توشكي لصالح القوات المسلحة، وإنفاق المليارات على المشروع وتسويقه باعتباره مشروعا قوميا للأمن الغذائي، رغم توقع امتداد فشل المشروع منذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك".

بركات أرجع فشل السياسية الزراعية في عهد السيسي أكثر من الفشل في ظل الرؤساء السابقين، إلى "إسناد المشاريع السمكية وتمليك الأراضي الزراعية للجيش الذي ليس لدى أفراده خبرة في الاستثمار الزراعي، من أجل كسب الولاء على حساب صغار المزارعين وشباب الخريجين".

وخلص للقول؛ إنه "للخروج من هذه الكبوة وعلاج الفشل ووقف إهدار المال العام، يجب إعادة توزيع تلك الأراضي التي استولى عليها الجيش للفلاحين وشباب الخريجين، ودعم الإنتاج الزراعي بشراء المحاصيل الزراعية من الفلاحين بأسعار مجزية، كما تنص المادة 29 من الدستور، وتشجيع البحوث الزراعية وتوفير التقاوي عالية الإنتاج والمقاومة للتغيرات المناخية، ووقف سياسات تدمير الرقعة الزراعية".

إظهار أخبار متعلقة


"الأرقام تجيب"

وتجيب الأرقام الرسمية عبر نشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الصادرة في حزيران/ يونيو الماضي، عن مدى نجاح أو فشل إسناد السيسي للجيش مشروعاته الزراعية، حيث سجلت واردات مصر من السلع الزراعية 1.86 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الجاري.

وتستحوذ واردات القمح والذرة على أكثر من 87.4 بالمئة من إجمالي قيمة فاتورة استيراد السلع الزراعية خلال الربع الأول، بنحو 1.626 مليار دولار

وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، كشفت وزارة الزراعة، أن إجمالي واردات السلع الزراعية خلال العام 2022 بالكامل سجل 28.5 مليون طن، ويتربع القمح والذرة والصويا على رأس الواردات خلال العام المنتهي.

"لهذا لم ولن تنجح"
وفي إجابته على السؤال: هل نجحت قرارات السيسي بمنح الجيش أراض زراعية في توفير الأمن الغذائي للمصريين، يعتقد السياسي المصري طارق مرسي، أن "ثمة إشكاليات عديدة في هذا السؤال، أولها أن الواقع الحالي يؤكد أن الدولة المصرية بأراضيها بل وبشعبها باتت ملكية خاصة للجيش".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "وما تم من تخصيص جديد، إنما هو توجيه مما يملكه الجيش من أراض لصالح أحد قطاعاته، وهو ما اصطلح على تسميته جهاز الخدمة الوطنية".

وأكد أن "الإشكالية الأخرى في السؤال، هي إرادة توفير الأمن الغذائي للمصريين، وهي إرادة منعدمة لدى السيسي والنظام الحالي".

وقال: "لا أبالغ أن من أقوى أسباب الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، هو حرمان مصر من مشروعه المتمثل في توفير الغذاء والدواء والسلاح، وهي إرادة عداة مصر ومن أجلها كان الانقلاب، وهي المهمة الرئيسية التي ينفذها السيسي بضراوة".

ويرى البرلماني المصري السابق أن توسعات الجيش في توشكي لم تنجح، كما فشل مشروع توشكي العملاق جنوب البلاد في عهد مبارك، وباع الملياردير السعودي الوليد بن طلال ما يملكه من أراض بالمشروع للجيش المصري.

وأكد أن "توسعات الجيش في توشكي لم تنجح ولن تنجح، وكلها مشروعات أقيمت بقرار الفرد وقامت عليها أجهزة لا تبحث عن النجاح ولا تستهدف حاجة الدولة ولا متطلبات التنمية، إنما تملكتها إرادة منافقة الحاكم وعمل بروباجندا لتلميعه، فانحصرت في برامج إعلامية وأغان وطنية تمجد الرئيس، وتنسب له نجاحات زور لا علاقة لها بالواقع ولا بالغذاء ولا بحاجة المصريين".

وعن رؤيته لأسباب الفشل وسبل النجاح لتلك المشروعات الزراعية التابعة للجيش، قال مرسي؛ إنها "أسباب كثيرة ومتعددة، وأولها أنها ما أقيمت لتنجح ولا لتحقق نجاح، إنما هي سبوبة يتم من خلالها سرقة مقدرات الأوطان وتوزيعها على محاسيب الجيش وجنرالاته لتثرى وتمتلئ كروش القطط السمان".

وأضاف: "ثانيا، أن الجيش ليس متخصصا في هذه المجالات المدنية، ولو تركت لخبرات مصر الزراعية لنمت وأنبتت، لكنه عطاء من لا يملك لمن لا يستحق ولا يفهم، لذا يكون الفشل هو النتيجة الحتمية لها".

ولفت إلى أنه "من الأسباب كذلك، أنه عمل يتم وأموال تنفق بلا رقابة أو محاسبة، إذ من ذا الذي يراقب الجيش، وهو السلطة الأعلى في البلاد، هذا الأمر يطلق أيادي الجنرالات كلٌ يغرف ويغتني منه قبل مغادرة منصبه".

وبشأن منح السيسي الجيش تلك المساحات الواسعة من الأراضي وفي المقابل حرمان ملايين المصريين منها، قال السياسي المصري؛ إن "هذا السؤال كاشف لكل ما سبق، وللإجابة عليه فتش عن إرادة التنمية وإرادة الفساد والتربح".

وأضاف: "لو وزعت هذه الأراضي على فلاحي مصر ومزارعيها وخريجي التخصصات الزراعية الجامعية والثانوية وغيرها، وانحصر دور الدولة في الدعم والإرشاد من خلال وزارة الزراعة والجمعيات الزراعية، لربت هذه الأراضي وأنبتت الخير لمصر وشعبها؛ لأن كل صاحب قطعة أرض سيتفانى لنفسه".

وختم بالقول: "لكن الهدف هو مزيد من حرمان المصريين وإفقارهم وسرقة مقدراتهم حتى تتهاوى الدولة المصرية، وتصبح أسيرة وذليلة تطلب العون والمعونات من أعدائها وتتسول قوتها، ويتم رهن قرارها السياسي والاستراتيجي والعسكري طالما تمد يدها وتشحت قوتها"، مؤكدا أن "هذا ما يحدث وهذا ما أتى له السيسي".
التعليقات (0)