مع كل انتقاد للاحتلال وممارساته، تصاب "إسرائيل" بهستيريا الغضب، وكأنها فوق النقد وفوق القانون، حتى أضحى انتقادها بفعل الدعم الغربي، يُجرم باسم معاداة السامية.
شن
الاحتلال حربا أقل ما يقال عنها إنها تدميرية على قطاع
غزة، حيث شهد العالم أجمع قصف المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء حتى وصلت الحصيلة إلى أكثر من 15 ألف شهيد، ورغم ذلك لا تقبل دولة الاحتلال حتى دعوات توخي الدقة لعدم الإضرار بالمدنيين خلال الحرب.
وكان استدعاء وزارة خارجية الاحتلال، أمس الجمعة، سفيري إسبانيا وبلجيكا لديها، آخر صيحات جنون الاحتلال الذي أثارته التصريحات التي أدلى بها رئيسا وزراء البلدين عند المعبر الحدودي مع قطاع غزة.
"إسرائيل" فوق النقد
استنكر مكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، في بيان صحفي عدم تحميل حركة حماس المسؤولية "عن المذبحة التي ارتكبتها ضد المدنيين الإسرائيليين واستخدامها الفلسطينيين كدروع بشرية".
وذكر البيان، "أن نتنياهو يدين بشدة تصريحات رئيسي وزراء
بلجيكا وإسبانيا، اللذين لم يحملا حركة حماس المسؤولية الكاملة عن الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها، بذبح مواطنين إسرائيليين واستخدام الفلسطينيين كدروع بشرية".
وتصاعدت حدة غضب الاحتلال حتى اتهم وزير خارجيته إيلي كوهين، رئيسا وزراء بلجيكا وإسبانيا بالكذب، وتوعد باستدعاء سفيري البلدين في "تل أبيب" وتوبيخهما بقسوة.
وزعم كوهين في منشور على منصة "إكس"، "أن إسرائيل تتصرف وفق القانون الدولي وتحارب منظمة إرهابية قاتلة أسوأ من داعش ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، وفق قوله.
يقول الكاتب والباحث السياسي نظير الكندوري، "إن الغضب الذي اعترى الكيان جراء
الانتقادات التي قامت بها حكومات بلجيكا وإسبانيا، نابع من خشيته أن يجر دولا أوروبية أخرى إلى نفس الموقف، لا سيما وأن المزاج الشعبي الأوروبي اليوم، هو مع الحق الفلسطيني ولم يعد يصدق الرواية الإسرائيلية".
وأضاف، في حديث لـ "عربي21"، "يخشى الاحتلال مواقف هاتين الدولتين، وكان رد فعله عنيفًا وبعيدًا عن اللياقة الدبلوماسية، لأنه يريد غلق هذا الباب الذي فُتح من قبل هاتين الدولتين، وإذا تساهل الكيان مع هذه المواقف الجديدة، فإن من الممكن أن تنضم دول أخرى مهمة لهذا الموقف، وتبدأ بتوجيه انتقاداتها للكيان، وهنا نقصد ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ولا ننسى الولايات المتحدة. فهذه الدول هي الأكثر أهمية بالنسبة للكيان الصهيوني".
اظهار أخبار متعلقة
هستريا الغضب
ليست المرة الأولى التي يخرق الاحتلال فيها بروتوكولات العلاقات الدولية، فما إن يخرج أي تصريح من زعيم غربي يتحدث عن المجازر في غزة حتى يكون عرضة لهجوم المسؤولين الإسرائيليين كما حدث مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المعروف بتأييده المطلق للاحتلال.
ومنتصف الشهر الجاري أعلنت الرئاسة "الإسرائيلية" أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال في اتصال مع نظيره الإسرائيلي إنه "لم يتهم إسرائيل بإيذاء المدنيين عمدا" في غزة، متراجعا عن تصريحات له في مقابلة مع "بي بي سي" البريطانية.
ودعا ماكرون وقتها، "إسرائيل" لوقف القصف الذي يقتل مدنيين في غزة، قائلا "في الواقع اليوم ثمة مدنيون يُقصفون. هؤلاء الأطفال هؤلاء النساء هؤلاء الكبار في السن يتعرضون للقصف والقتل".
وذكرت رئاسة الاحتلال أن "تصريحات ماكرون تسببت بكثير من الألم والانزعاج في إسرائيل"، فيما وصفها نتنياهو "بأنها خاطئة لجهة الوقائع والموقف الأخلاقي".
كما سببت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أزمة سياسة بين الطرفين خصوصا أنه رفض وصف حركة حماس "بالإرهابية" أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
ورفضت دولة الاحتلال تصريحات أردوغان، حيث ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية “الإسرائيلية”، ليور هايات: "ترفض إسرائيل باشمئزاز التصريحات القاسية للرئيس التركي بشأن منظمة حماس الإرهابية".
واعتبر هايات أن "محاولة الرئيس التركي الدفاع عن التنظيم الإرهابي وكلماته التحريضية لن تغير من الفظائع التي شاهدها العالم أجمع".
ولم تقتصر ردود الفعل الإسرائيلية على تصريحات الغرب، بل شمل الأمر حتى الدول العربية، حيث طالب "الدول العربية بالتزام الصمت وانتقاد حماس فقط" في تصريحات منتصف الشهر الجاري.
غوتيريش "يدعم الإرهاب"
خلال جلسة لمجلس الأمن أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: "من المهم أن ندرك أن هجمات حماس لم تحدث من فراغ، وأن هذه الهجمات لا تبرر لإسرائيل القتل الجماعي الذي تشهده غزة".
وأكد غوتيريش أن "الشعب الفلسطيني تحت احتلال خانق منذ 56 عاما"، مضيفا: "أكرر دعوتي إلى وقف إطلاق نار إنساني فورا".
وأعرب عن "قلق عميق بشأن الانتهاكات الواضحة للقانون الإنساني الدولي التي نراها في غزة"، قائلا: "لنكن واضحين: كل طرف في أي نزاع مسلح ليس فوق القانون الإنساني الدولي".
وفجرت هذه الكلمات موجة غضب إسرائيلية طالبت غوتيريش بالاستقالة، واتهمته بمعاداة "إسرائيل"، حيث ذكر وزير خارجية الاحتلال إيلي كوهين: "لن ألتقي مع الأمين العام للأمم المتحدة".
وأضاف، أنه "بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول ليس هناك مجال لمقاربة متوازنة، يجب محو حماس من العالم".
من جانبه، دعا مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة جلعاد إردان غوتيريش إلى "الاستقالة فورا"، قائلا، "يجب على الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يظهر تفهما لحملة القتل الجماعي للأطفال والنساء والمسنين، أن يستقيل من منصبه، وليس هناك أي مبرر أو فائدة من الحديث مع شخص يظهر تفهما لأفظع الأعمال المرتكبة ضد مواطني إسرائيل، بل وأكثر من ذلك من قبل منظمة إرهابية معلنة! لا توجد كلمات. ببساطة لا توجد كلمات".
بدوره، قال بيني غانتس عضو "مجلس الحرب" الإسرائيلي: "الأيام التي يدعم فيها الأمين العام للأمم المتحدة الإرهاب هي أيام مظلمة بالنسبة للعالم. ولا توجد وسيلة لتبرير مذبحة بحق المدنيين الأبرياء، ومن ليس على الجانب الصحيح من التاريخ سيحكم عليه. ومن يبرر الإرهاب لا يستحق أن يتحدث باسم العالم".
حتى زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد لم يفوت فرصة مهاجمة غوتيريش، حيث ذكر، "لقد جلب غوتيريش العار للأمم المتحدة اليوم. لقد قدم خطابه مبررات وتبريرات للإرهاب الهمجي".
اظهار أخبار متعلقة
غضب أوروبي
ومن معبر رفح قال رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز،، إن "الهدنة الحالية في قطاع غزة ليست كافية، وهناك حاجة إلى وقف دائم لإطلاق النار".
وأضاف أن بلاده "قد تتخذ قراراها الخاص في ما يتعلق بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، إذا لم يوافق الاتحاد الأوروبي على ذلك".
من جانبه ذكر رئيس الوزراء البلجيكي، ألكنسدر دي كرو، الخميس، "أن لإسرائيل الحق في التصرف ومنع الهجمات المستقبلية لكن هذا لا يبرر أبدا حصار منطقة بأكملها، وحجب المساعدات الإنسانية.. هذا ليس عذرا لتجويع شعب".
وسبق موقف دي كرو، تصريحات أكثر جدية من نائبته بيترا دي سوتر، التي طالبت الأربعاء الماضي، حكومة بلادها بفرض عقوبات على إسرائيل والتحقيق في قصف المستشفيات ومخيمات اللاجئين في قطاع غزة.
وقالت دي سوتر لصحيفة نيوسبلاد المحلية: "حان الوقت لفرض عقوبات على إسرائيل، إسقاط القنابل كالمطر غير إنساني.. من الواضح أن إسرائيل لا تهتم بالمطالب الدولية الخاصة بوقف إطلاق النار".
وذكرت دي سوتر أن على الاتحاد الأوروبي تعليق اتفاق الشراكة مع إسرائيل فورا، والذي يهدف إلى تحسين التعاون الاقتصادي والسياسي.
وأضافت أيضا أنه يجب فرض حظر على استيراد المنتجات من الأراضي الفلسطينية المحتلة ومنع المستوطنين الذين ينتهجون العنف والسياسيين والجنود المسؤولين عن جرائم الحرب من دخول الاتحاد الأوروبي.
وفي 15 من تشرين الثاني/ نوفمبر، رفض البرلمان البلجيكي عرض فيلم دعائي للاحتلال عن عملية طوفان الأقصى، ما استدعى انتقادا من وزارة خارجية الاحتلال، حيث اعتبرت الخطوة "غضا للطرف عن جرائم الحرب التي ترتكبها حماس".
وامتد تغير المزاج الأوروبي من ممارسات دولة الاحتلال حتى وصل إلى بريطانيا التي تعتبر من أكثر الدول الداعمة للاحتلال.
وحذر وزير الخارجية البريطاني الجديد، ديفيد كاميرون دولة الاحتلال، من أنها لن تكون آمنة أبدا ما لم يكن هناك "سلامة وأمن واستقرار على المدى الطويل" للشعب الفلسطيني.
ورحب كاميرون في مقابلة تلفزيونية، بوقف القتال الجمعة في غزة وتنفيذ صفقة تبادل الأسرى، ودخول المساعدات الإنسانية، لكنه قال؛ إن الخسائر في صفوف المدنيين في غزة مرتفعة للغاية. مشددا على أن "القوات الإسرائيلية يجب أن تلتزم بالقانون الإنساني الدولي".
وحث كاميرون "إسرائيل" على اتخاذ إجراءات صارمة ضد العنف "غير المقبول على الإطلاق"، الذي يمارسه المستوطنون في الضفة الغربية المحتلة.
وأضاف، أنه من المهم بالنسبة لـ"إسرائيل" أن تدرك أنه "يجب عليها أن تتصرف بطريقة توفر أمنها على المدى الطويل"، وقال؛ إن ذلك سيعتمد في نهاية المطاف على "عيش الفلسطينيين في سلام واستقرار وأمن في هذه الأرض في الوقت نفسه".
يرى الكندوري، "أنه مع استمرار الكيان الصهيوني وبقيادة حكومة نتنياهو شديدة التطرف، من غير المرجح أن تبقى تلك الانتقادات على مستوى بلجيكا وإسبانيا، بل سيزداد عدد الدول التي توجه الانتقادات للكيان وربما تعقبها عقوبات دبلوماسية واقتصادية".
ويشير إلى "أن سبب ذلك، هو أن جميع الحكومات الأوروبية وكذلك الولايات المتحدة، هي أنظمة حكم ديمقراطية تعتمد أحزابها في الوصول للسلطة على أصوات الناخبين".
وأردف، "ومؤخرًا رأينا كيف أن تغييرًا كبيرًا حدث في مزاج الناخب الأوروبي والأمريكي من القضية الفلسطينية، وإذا لم تراع تلك الأحزاب هذه التغييرات على المستوى الشعبي في بلدانها، فمن المؤكد أنه لن يكون لها حظ بالوصول إلى السلطة".
اظهار أخبار متعلقة
الضغط الدولي
يتخوف الاحتلال من تزايد الضغط الدولي بسبب المجازر التي يرتكبها في غزة وبدا ذلك واضحا في تغير مواقف عدة دول تجاه العدوان، بالتزامن مع عجز الاحتلال عن إثبات رواياته وانكشاف زيف بعضها، بدءا من قصة قتل الأطفال الرضع وانتهاء بادعائه وجود مقر قيادة لحماس في مجمع الشفاء الطبي.
ومنتصف الشهر الجاري قال وزير خارجية الاحتلال، إيلي كوهين، إن الضغط الدولي على إسرائيل في الفترة الحالية ليس كبيرا، وأمامنا أسبوعان أو ثلاثة أسابيع قبل أن يتصاعد الضغط الدولي علينا بشأن الحرب في غزة.
وأضاف كوهين أن العالم لا يزال حتى الآن يتقبل موقف إسرائيل بأنها لن تتوقف حتى يتم إطلاق جميع الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية في غزة.
وتابع، بأن قضية الأسرى هي ما تعطي إسرائيل الشرعية لمواصلة القتال، بحسب تعبيره، مؤكدا على أن دولة الاحتلال تسعى لتقليل "الأضرار" الناجمة عن الحرب، وأن تل أبيب تحاول اتخاذ خطوات لتقليل الإجراءات الدبلوماسية ضدها من بلدان مثل بوليفيا، وتركيا، وجنوب أفريقيا، والأردن، وكولومبيا، وتشيلي، وهندوراس، وتشاد.
وأضاف أن هنالك عددا من البلدان قد ترغب بقطع العلاقات مع إسرائيل أو إعادة السفراء مقدرا عددها بـ 13-14 دولة وصفها بـ"المتأرجحة".
وأوضح أن وزارته تجري اتصالات وثيقة من أجل منع الإضرار بالعلاقات.
وقطعت عدة دول علاقتها مع الاحتلال من بينها كولومبيا وهندوراس وبوليفيا، بالإضافة لاستدعاء البحرين والأردن سفراءها من "تل أبيب"، كما عقدت تصريحات أردوغان العلاقات بين الاحتلال وتركيا.
وبين الباحث السياسي نظير الكندوري، "إن إسرائيل تراهن كثيرًا على جعل روايتها هي السائدة في العالم الغربي لتفسير ما يحدث بالأرضي الفلسطينية المحتلة، واعتمدت على ذلك طيلة العقود الماضية من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين".
وأوضح، في حديثه لـ "عربي21"، "في سبيل ذلك سخَّرت وسائل الإعلام في دول أوروبا والولايات المتحدة لتكريس هذه الرواية وتعميقها، وغض النظر عن الجرائم التي ترتكبها".
وأكد، "أن الاحتلال استفاد كثيرًا من سيطرته على وسائل الإعلام، فمن خلالها، استطاع التحكم بالمزاج الشعبي في دول الغرب، الأمر الذي أسفر عن وصول حكومات في تلك البلدان، لا تستطيع توجيه نقد أو اتهامات للكيان الصهيوني جراء ما يفعله في الأراضي الفلسطينية من جرائم، خشية عدم حصولهم على نتائج جيدة بصناديق الاقتراع في تلك البلدان".
وبحسب الكندوري، فإن ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، جعل الاحتلال عاجزا عن ترويج الزيف الذي كان يعتمد عليه في السابق.