ما زالت جرائم
الاحتلال ومجازره بحق المدنيين العزل في قطاع
غزة تتكشف يوما بعد يوما، مع دخول الهدنة يومها السادس والأخير، بعد عدوان مدمر وغير مسبوق تسبب في إزهاق أرواح الآلاف من
الفلسطينيين.
وروت السيدة كفاح حجازي في شهادة أدلت بها لـ"عربي21" تفاصيل مرعبة عاشتها لساعات في المستشفى الإندونيسي شمال قطاع غزة، حيث كانت ترافق ابنها الجريح، بعد أن اقتحمته قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم الجمعة الماضية الـ24 من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.
وقالت "حجازي"، إن قوات الاحتلال بدأت بشكل مفاجئ محاصرة المستشفى من كل الجهات مساء يوم الخميس 23 من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، عبر أرتال من الدبابات والجرافات العسكرية، الأمر الذي أحدث حالة من الرعب في صفوف المرضى والنازحين في المستشفى، خاصة بعد أن عمدت قوات الاحتلال إلى إطلاق النار صوب الأقسام الداخلية للمستشفى ومحيطه مستهدفة كل من يتحرك في المكان.
ولفتت إلى أن محاصرة دبابات الاحتلال للمستشفى دفعت النازحين إلى محاولة الهروب من القتل وإطلاق النار صوب المستشفى حيث بدأوا بالهرب من باب خلفي للمستشفى يطل على منطقة تل الزعتر شمال قطاع غزة، لكن طائرات مسيرة مسلحة من نوع "كواد كابتر" كانت في انتظارهم وأطلقت النار على كل من حاول التحرك من عبر هذا الباب محاولا النجاة والوصول إلى خارج المستشفى.
اظهار أخبار متعلقة
طريق الموت
تقول "حجازي" في شهادتها: "إن كل من حاول الخروج من المستشفى أطلقت قوات الاحتلال عليه النار فسقط العديد من الشهداء والجرحى في الساحة الخلفية للمستشفى، وكنت أشاهد ما يجري من
مجازر من نوافذ الطابق الثاني للمستشفى حيث يرقد ابني الجريح رفقة عدد كبير من الجرحى ينتظرون مصيرهم المجهول".
وتابعت: "تمكن عدد كبير من النازحين وبعض الجرحى من الهروب، لكن العديد منهم سقط بين جريح وشهيد عند أسوار المستشفى وفي الساحة الداخلية بين الباب الخلفي والأسوار، وترك العديد منهم ينزفون إلى فارقوا الحياة بفعل عدم قدرة الطواقم الطبية على إسعافهم أو سحبهم داخل مبنى المستشفى لعلاجهم".
وشددت "حجازي" على أن عددا من الجرحى ومرافقيهم ويبلغ تعدادهم نحو 150 شخصا معظمهم نساء وأطفال ومسنون تبقوا داخل المستشفى بسبب عدم قدرتهم على الهروب من المشفى، وظل هؤلاء في انتظار مصيرهم مع تواصل تقدم دبابات الاحتلال نحو المستشفى تحت غطاء كثيف من النيران والقذائف التي كانت تصيب المستشفى ومحيطه.
وأضافت: "تجمعنا نحن الجرحى ومرافقيهم وعدد قليل من الطاقم الطبي في طابق الاستقبال بسبب شدة القصف وإطلاق النار نحو الطوابق العليا من المستشفى".
وأكدت أنه عند الساعة الواحدة والنصف من فجر يوم الجمعة وأثناء جلوسها رفقة ابنها الجريح تفاجأت بدخول دبابة للاحتلال داخل قسم الاستقبال، بعد أن حطمت الجدار الخارجي، وسط إطلاق نار عشوائي في المكان، الأمر الذي تسبب بحالة غير مسبوقة من الفزع والرعب والصراخ داخل المكان.
عند هذه اللحظة، قالت "حجازي" إنها أدركت أن النهاية والموت أصبح قريبا جدا منها، فبدأت بترديد الشهادة وسط دموع حارة على مصير ابنها الجريح الذي لم يتجاوز 10 سنوات من عمره، الذي أصيب بجراح بالغة في رأسه وقدمه في مجزرة جباليا".
وتابعت: "سحبت سرير ابني الجريح إلى جهة أخرى خشية أن تدوسه الدبابة، وصرت أركض به رغم ثقله نحو الساحة الداخلية للمسشتفى، وسط صراخ وحالة من الهستيريا والخوف دبت في قلوب الجرحى وكل من تواجد في المكان".
اظهار أخبار متعلقة
إعدام أول شخص
وتابعت الشاهدة بالقول: "بدأت قوات الاحتلال عبر مكبر للصوت بالنداء على كل من يتواجد داخل قسم الاستقبال برفع يده عاليا، ودعت المتواجدين إلى فتح الباب الرئيسي، في هذه الأثناء ذهب أحد الرجال نحو الباب، وعند محاولته فتحه عاجله أحد جنود الاحتلال بإطلاق الرصاص صوب رأسه مباشرة، فسقط شهيدا".
وأردفت: "طلبت قوات الاحتلال من الموجودين التزام أماكنهم وقالت لنا عبر مكبرات الصوت أنها ستدخل طائرة مسيرة داخل القسم للتعرف على الموجودين، وعلى الجميع الركوع على ركبتيه ورفع يديه فوق رأسه (..)، دخلت طائرة مسلحة برشاش وطارت فوق رؤس الموجودين، وبدأت بإطلاق النار عشوائيا على كل الموجودين، فقتلت وأصابت أكثر من 10 أشخاص".
واستطردت: "سقط إلى جواري تماما مسن كان بعد أن أصيب برصاصة في رقبته، وإلى يساري أصابت رصاصة سيدة كانت ترافق ابنتها الجريحة، وعلى مرمى البصر كان هناك ما لا يقل عن 10 مصابين مضرجين بدمائهم، دون أن يتمكن أحد من اسعافهم أو سحبهم".
وأضافت: "بعد ذلك عمد أحد جنود الاحتلال الذي كان يقف عند مدخل المستشفى إلى تسليط الطائرة على وجوه الجميع، للتأكد من هوياتهم، وكان يتحكم بها عبر لوح الكتروني كان بيده، وكل من يتحرك في هذه اللحظات يتم إطلاق النار عليه دون رحمة".
وتابعت: "طلب جنود الاحتلال من أحد الشبان الموجودين بنزع كاميرا مراقبة كانت مثبتة على أحد جدران المستشفى، ولكنه لم يتمكن من ذلك، فما كان من جنود الاحتلال إلا وأن أطلقوا عليه النار فورا وأردوه في الحال، وتكررت هذه الجريمة حين طلب الاحتلال من أحد الموجودين النهوض والتحرك يمينا باتجاه أحد الممرات، وعندما هم بالنهوض من مكانه والسير وفق ما قيل له، أطلق جنود الاحتلال النار عليه وقتلوه في الحال".
في هذا التوقيت طلب جنود الاحتلال من الموجودين الاصطفاف في طابورين واحد للرجال وآخر للنساء، وبعد ذلك طلبوا من الرجال السير خارج القسم نحو الساحة الخارجية، وحين خرجوا، قالت حجازي: "سمعنا إطلاق النار، وصوت صراخهم في الخارج ، واتضح لاحقا أن معظمهم اما جرى اعتقاله أو قتله في المكان".
اظهار أخبار متعلقة
تنكيل وقتل أحد الجرحى
"في هذه الأثناء، طلب جنود الاحتلال من جريح يدعي "أبو الأمير" أن يلوح بيده، وحين تعرفوا عليه، انهالوا عليه بالضرب المبرح، خصوصا على قدميه الماصبتان بكسور وجروح، وبدأوا بسحبه على الأرض ممسكين بأسياخ المعدن "البلاتين" التي زرعت له لتثبيت كسور القدمين، في مشهد بشع وفظيع". والحديث للشاهدة.
وأضافت: "سحبوه نحو الخارج وواصلوا ضربه بعنف، وكنا نسمح صراخه، وبعد ذلك سمعنا إطلاق نار، وهدأ الصراخ، حينها علمنا أنهم أعدموه بدم بارد".
وأكدت حجازي أن هذ الحال "استمر حتى الساعة الخامسة من فجر الجمعة، أي قبل ساعتين فقط من دخول إطلاق النار حيز التنفيذ، وعقب ذلك انسحبت الدبابات من المكان، تاركة خلفها دمارا واسعا في المستشفى، وخسائر فادحة في الأرواح".
وأشارت إلى أنه "حين بدأ النهار بالبزوغ، خرج من تبقى أحياء من قسم الاستقبال في المستشفى إلى الساحة الخارجية، لنكتشف مجرزة مروعة ارتكبها الاحتلال،(..) عشرات من جثث الشهداء كانت ملقاة في الخارج وعليها آثار إطلاق نار، وكان بعض هؤلاء ما زال ينزف، فيما وجدنا رجلين مسنين مقيدين بالحبال".
وختمت حجاز شهاداتها لعربي21 بالإشارة إلى أنه "بعد بدء سريان الهدنة توافد الناس صوب المستشفى وبدأوا بالبحث عن ناجين، ليتبين أن معظم من وجودوا كان جرحى واستشهدوا بعد أن تركوا ينزفون، وجرى نقلهم إلى جانب عشرات الجثث التي تكدست في المستشفى على مدار أيام دون أن يتمكن ذووهم أو الطواقم المختصة من دفنهم بفعل ضراوة القصف".
وكشفت الهدنة الإنسانية الراهنة عن حجم الدمار الذي طال العديد من غرف المرضى والأقسام جراء القصف المدفعي وإطلاق النيران على المستشفى.
وتزعم دولة الاحتلال أنه توجد في مستشفيات بغزة مقرات لقيادة حركة "حماس" بالإضافة إلى أنفاق تحت الأرض تحتجز فيها الحركة أسرى إسرائيليين. وهو ما نفته "حماس" والطواقم الطبية.
وقال مدير عام وزارة الصحة الفلسطينية منير البرش في تصريحات سابقة، إن "جيش الاحتلال استهدف المستشفى الإندونيسي ودمر غرفة العمليات ومركز غسيل الكلى والعديد من سيارات الإسعاف".
البرش أضاف أن "الجيش دخل غرفة المصابين وقتل 12 فلسطينيا، كما أنه قصف مداخل ومخارج المستشفى".
ويشن الاحتلال حربا مدمرة على غزة قتلت حتى الآن أكثر من 15 ألف فلسطيني، بينهم 6150 طفلا وما يزيد على الـ4 آلاف امرأة، وتسبب في دمار هائل في البنية التحتية و"كارثة إنسانية غير مسبوقة"، وفقا لمصادر رسمية فلسطينية وأممية.
وبوساطة قطرية مصرية أمريكية، بدأت في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري هدنة إنسانية استمرت 4 أيام، وأُعلن مساء الاثنين تمديدها يومين إضافيين، ومن بين بنودها وقف مؤقت لإطلاق النار، وتبادل أسرى، وإدخال مساعدات إنسانية إلى غزة، حيث يعيش نحو 2.3 مليون فلسطيني.