بعد قرابة شهرين من عملية طوفان الأقصى وما تلاها من عدوان الكيان الصهيوني
الهمجي على
غزة والضفة الغربية، ما زال الكيان الصهيوني ومن ورائه الولايات
المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي الداعم له يبحثون عن
النصر المفقود، هذا النصر
الذي حدد نتنياهو معالمه مع بدء الحرب البرية بأنه يتمثل في هزيمة حماس عسكريا
والقضاء عليها وتحرير كافة الرهائن والمحتجزين.
اليوم ورغم المعارك الشرسة على حد وصف صحيفة الوول ستريت جورنال فإن الكيان
لم يصل إلى مبتغاه، فلا حماس هُزمت أو أعلنت استسلامها ولا الرهائن تم تحريرهم تحت
تهديد السلاح وفداحة الخسائر البشرية التي راح ضحيتها آلاف الشهداء أغلبهم من
النساء والأطفال، فإن ما تم تحريره من الرهائن كان عبر هدنة توسطت فيها أجهزة
استخبارات عالمية في مواجهة تفاوضية مع
المقاومة؛ التي يفترض أن ليس لديها أجهزة
استخبارات في حجم الموساد ولا المخابرات المركزية الأمريكية ولا الاستخبارات البريطانية
أو المخابرات المصرية، ومع ذلك نجحت المقاومة في فرض كلمتها ووضع شروط تبادل
الأسرى كما نجحت في استغلال هدنة التبادل من أجل دخول المساعدات -المعطلة- على
الحدود المصرية الشقيقة، أيضا تقديم صورة حضارية عن سلوك المقاومة المسلمة في
معاملة الأسرى على عكس البروباجندة الصهيونية الشائعة عن وحشية المقاومة الإسلامية.
إذن لم يتم تحرير الأسرى والرهائن رغم شراسة ووحشية القصف وهمجية آلة القتل
الصهيونية المدعومة غربيا بدعم واضح وفاضح، والمدعومة بموقف
عربي أحيانا ما يفضح عن نفسه وتفضحه مشاعره وسلوكياته على النحو الذي
نشاهده بعد اجتماع القمة العربية الإسلامية المشتركة، والتي كان من بين قراراتها
وقف الحرب وكسر الحصار. وكما نرى فلا الحرب توقفت ولا يبدو أنها ستتوقف في القريب
المنظور، فالعرب المتصهينون يريدونها حربا أخيرة ضد المقاومة وضد
فلسطين بشكل أعم، وهو ما قاله نتنياهو؛ من أن زعيما عربيا تواصل معه وطالبه بالتخلص من حماس،
وأكده السياسي الأمريكي وعضو الكونجرس الأمريكي السابق جو والش في تغريدة حديثة له
من أن بعض الدول العربية مثل مصر والأردن والسعودية وأخرى ترغب في التخلص من حماس،
ولكنها لا تفعل شيئا من أجل الشعب الفلسطيني، فهي تريد من الكيان الصهيوني أن يقوم
بتنفيذ هذه العملية القذرة (القضاء على حماس)
كل ذلك يؤكد لك أن المقاومة لا تواجه الكيان الصهيوني وحده؛ وإلا كان النصر
في المنظور والمقدور كما حدث في طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر
2023.
يزايد المزايدون من مناصري الكيان والمتشفين في أعداد الشهداء في غزة وعموم
فلسطين بأنه لولا عملية طوفان الأقصى ما جرى وما جرى ولما قامت دولة الكيان بما
قامت به، بمعنى أن حماس والمقاومة هما السبب، وهنا أعود بالجميع لتصريحات
أطلقها يوفال شتانيتس، وزير الطاقة في حكومة الكيان الصهيوني في عام 2020 والذي
يدير شركة أمنية حاليا، فقد أعلن أن الكيان الصهيوني يعد خطة للسيطرة على قطاع غزة،
وقال في نفس التصريحات إن الكيان الصهيوني سيسعى للسيطرة على غزة لعدة أسابيع لإسقاط
حماس وتدمير الصواريخ، وحين سئل عن تفاصيل الخطة قال "إنها كبيرة وصعبة
للغاية ومختلفة جدا عن كل الذي فعلناه في غزة من قبل".
وبالمناسبة، فإن يوفال شاينتس كان عضوا في الحكومة الأمنية المصغرة وكان
وزيرا للاستخبارات في ذات الحكومة (يعني أنه مطلع على أدق التفاصيل)، وهو أيضا
صاحب التصريح الشهير الذي قال فيه إن قائد الانقلاب الجنرال السيسي قام بهدم أنفاق
رفح من الناحية المصرية بناء على طلب الكيان الصهيوني في عام 2014.
البحث عن النصر المفقود ليس الشغل الشاغل لنتنياهو ولا حكومة الحرب التي
حضر اجتماعاتها كل من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بايدن ووزير خارجية ثم وزير
دفاعه، بل هو الصداع المستمر في رؤوس بعض الحكام العرب الذين يصيبهم التوتر والقلق
مع سماع الأخبار الجيدة عن المقاومة في فلسطين، وأقول إنني أكاد أرى بعضهم أو أتخيله
وهو يتحرك في ردهة قصره الممتد لكيلومترات والمحاط بحراسة أمريكية متطورة والمزروع
بكاميرات المراقبة 24/24 ساعة، وهو يمضغ بعض المواد المخدرة وآخر ينفث دخان غليونه
أو سيجاره الطويل كطول أنفه، ويصرخ في مستشاريه: فشلة فشلة، فين النصر اللي
وعدتوني به.. متى ننتصر؟ متى تهزم حماس؟؟
ما ذكرته ليس تخمينا، فقد كشف الصهاينة عن طبيعة العلاقات المتطورة بينهم
وبين الدول العربية "المعتدلة"، والتي كانت على وشك أن تضع مولودا
اقتصاديا عملاقا يفيد الكيان الصهيوني من أموال الخليج وخيراته على حساب القضية
الفلسطينية والشعب المحاصر عربيا؛ تماما كما هو محاصر إسرائيليا.
مع طول زمن الحرب وقلة الحيلة والعجز العربي، تتم الاستعانة ببعض الدجالين
ممن يسمون خطأ برجال الدين ممن يرون أن المقاومة بدون إذن ولي الأمر المشغول
بالمهرجانات الفنية ومسابقات الكلاب ومعارض الموضة ومباريات الملاكمة على الطراز
الغربي؛ تعتبر خروجا عن الحاكم بأمر الله، أو يخرج آخر ليطالب أبا عبيدة بالدعوة
إلى التمسك بالسنن ويترك الجهاد، حيث أن من وجهة نظره أن الجهاد لا يصح أن يقوم به
أبو عبيدة ورفاقه وأنه يتعين أن ينتظر الإذن من ولي الأمر والمتصرف في شئون الأمة.
ومع طول زمن انتظار "النصر المفقود" وتململ النظم العربية
المتخاذلة ستسمع عن مبادرات من هنا وهناك، وليس آخرها تلك المبادرة الحلزونية التي
جاءت على لسان قائد الانقلاب في مصر والتي طالب فيها بدولة فلسطينية منزوعة السلاح،
وكأنه يقول ما لم تحصل عليه دولة الكيان بالقتال سنمنحه لها من خلال مشروع الدولة
منزوعة السلاح وبدون قتال، هكذا وببساطة أو بسذاجة أو ببلاهة أو بعمالة وخيانة
واصطفاف مع العدو: "سلموا أسلحتكم وسنمنحكم دولة بلا موانئ ولا شطآن ولا
سلطة ولا حدود ولا سلاح، المهم أن يصبح لديكم دولة"، ونسي الجنرال أن
مفاوضات شاقة دارت بعيد انتفاضة الأقصى 2000 وامتدت على مدار عامي 2001 و2002 وكان
الهدف منها إقامة دولة منزوعة السلاح ومنزوعة المبادئ وبلا تاريخ، ورغم ذلك لم
تتحقق لأن أرييل شارون رفض المضي قدما في التفاوض وكذلك يفعل نتنياهو، أطول وزراء
الكيان بقاء في السلطة، والذي يرى أن مكان الفلسطينيين هو المقابر وليس على قيد
الحياة؛ لا في فلسطين ولا حتى خارجها.
وفي خضم البحث تراجعت الأهداف الكبرى، ويتحدثون اليوم والأمس عن ضرورة
اغتيال قائد حماس في فلسطين يحيى السنوار أو اغتيال بعض القادة والرموز في الخارج
حتى يُرضوا طموح وغرور قادة الكيان الصهيوني أمام الرأي العام، بعد أن فشلوا في
تحقيق أهدافهم الكبرى والتي أعلنوا عنها جهارا نهارا ولم ولن تتحقق بمشيئة الله
تعالى.
منذ اليوم الأول لانقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 في مصر وكل المؤشرات
تشير إلى أنه تم ترتيبه في داخل الكيان الصهيوني وتسريب خطته لبعض دول الخليج
وتحديدا السعودية والإمارات، وقد قامت الدول الثلاثة مجتمعة بتمرير الانقلاب وتثبيت
أركانه مقابل التعاون المشترك والوثيق بين تلك الدول من أجل تثبيت وضع دولة الكيان
والمحافظة عليها في مواجهة المقاومة الفلسطينية والشعوب العربية على وجه العموم. وما نراه اليوم هو رد الجميل للكيان الغاصب، ولا أتوقع
ولا يجب أن يفرط أحدنا في التوقع بأن هذه الحكومات ستغير موقفها من العدوان ولا من
المقاومة الفلسطينية، وكل ما يجب أن نعول عليه بعد الله هو صمود المقاومة ومواصلة
دورنا كشعوب حرة أو باحثة عن الحرية في دعم المقاومة بكل الوسائل المتاحة والممكنة،
وأن نحاول إيجاد وسائل مقاومة تناسب الظروف المحيطة بنا.