مع احتدام المعارك في
غزة حضر اليمن، كما لم يحضر أحد غيره بهذه القوة، فالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة لم تكن الوسيلة الوحيدة التي أعلن
الحوثيون بها دعمهم لغزة، بل كان إغلاق البحر الأحمر، بمثابة دخول للحرب من أوسع أبوابها وفرض اليمن كطرف رئيسي بالصراع.
لكن المشهد السياسي اليمني المعقد وحالة التفكك التي تغرق بها البلاد منذ سنين ألقت بظلالها أيضا على الموقف من
العدوان على غزة، وباتت جميع الأطراف تنظر للأخرى في حالة من الريبة تعكس انعدام الثقة الذي تسبب باستمرار الحرب منذ عام 2014.
الحوثيون
منذ اليوم الأول للعدوان على غزة أعلنت جماعة أنصار الله المسيطرة على صنعاء والقريبة من إيران وقوفها مع المقاومة الفلسطينية في غزة، وبدأت تدريجيا مشاركتها بالحرب من إطلاق الصواريخ تجاه إيلات والنقب، حتى إغلاق باب المندب أمام السفن المتجهة للاحتلال.
وفي 19 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أعلنت جماعة الحوثي، احتجاز سفينة لدولة الاحتلال، وهو ما نفته ’تل أبيب’ لاحقا مؤكدة أن "السفينة مملوكة لشركة بريطانية تشغلها شركة يابانية، نافية أن يكون على متنها إسرائيليون".
وذكرت الجماعة أن مصير السفينة "غالاكسي ليدر" المحتجزة لديها مرتبط بخيارات المقاومة في غزة، وفقا للناطق باسم الجماعة، محمد عبد السلام.
وقال محمد عبد السلام، إن "احتجاز السفينة تم تضامنا مع الشعب والمقاومة في غزة، ومصيرها مرتبط بخيارات المقاومة الفلسطينية، وبما يخدم أهدافها ضد العدو".
تطور موقف الحوثيين مع توحش العدوان على القطاع فأعلنوا السبت منع مرور السفن المتجهة إلى إسرائيل من أي جنسية كانت إذا لم يدخل لقطاع غزة حاجته من الغذاء والدواء.
كما أعلنوا مساء الأحد، أنهم نفذوا أول عملية ضد سفينة حاولت اختراق "حظر مرور السفن" المتجهة إلى موانئ دولة الاحتلال الإسرائيلي.
واستهدفوا الاثنين ناقلة نفط نرويجية، كانت متجهة إلى الاحتلال الإسرائيلي، بصاروخ بحري.
وأوضح الناطق باسم قوات الحوثيين العميد يحيى سريع، أنهم لم يلجأوا لإطلاق الصاروخ على الناقلة، إلا بعد رفض طاقمها كافة النداءات التحذيرية، بمنع مرورها باتجاه الاحتلال.
اظهار أخبار متعلقة
الحكومة اليمنية
كان موقف الحكومة اليمنية المعترف بها من العدوان التنديد بمجازر الاحتلال ثم أطلقت الشهر الماضي حملة رسمية وشعبية لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وقال رئيس الحكومة معين عبد الملك، إن هذه الحملة تأتي انطلاقًا من إيمان الشعب اليمني الكامل بالقضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن حملة دعم الشعب الفلسطيني تأتي في ظروف عصيبة.. وأن الشعب اليمني على المستوى الرسمي والشعبي ورغم الأوضاع الصعبة التي يعيشها جراء الحرب التي تشنها مليشيا الحوثي الإرهابية، يقف كعهده دائما إلى جانب الشعب الفلسطيني ومناصرة قضيته العادلة.
وعقب توسيع هجمات الحوثيين ضد السفن المتوجهة للأراضي المحتلة، تدرج الموقف، متأثرا بالصراع في اليمن، حيث هاجمت الحكومة اليمنية جماعة "أنصار الله" (الحوثي) واتهمتها بتهديد حركة الملاحة الدولية بدعم إيراني.
وقال رئيس الوزراء اليمني، معين عبد الملك، أواخر الشهر الماضي، "إن استمرار تهديد الحوثيين بدعم من النظام الإيراني لحرية الملاحة الدولية، له تداعيات على الاقتصاد اليمني، وسيفاقم الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم".
وأشار إلى "مواصلة الحوثي استهتارها بكافة الجهود الأممية والإقليمية والدولية لوقف الحرب وإنهاء معاناة الشعب اليمني، في تأكيد على مدى ارتهانها للنظام الإيراني وأجندته التخريبية في المنطقة".
وتماشى الموقف اليمني مع محاولة السعودية منع اتساع الحرب، حيث أفاد مصدران مطلعان لوكالة "رويترز"، أن السعودية طلبت من الولايات المتحدة ضبط النفس في الرد على هجمات جماعة "أنصار الله" الحوثية باليمن، لا سيما على السفن في البحر الأحمر.
وقال المصدران؛ إن "رسالة ضبط النفس التي وجهتها الرياض إلى واشنطن، تهدف إلى تجنب المزيد من التصعيد".
وأكدا أن "الرياض راضية حتى الآن عن الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع الوضع".
وأشارا إلى أن "السعودية تسعى إلى دفع عملية السلام في اليمن، على الرغم من اشتعال الحرب في غزة؛ خشية امتدادها إلى هناك".
اظهار أخبار متعلقة
المجلس الانتقالي
في الجنوب لم يختلف الأمر كثيرا، حيث توازى موقف المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات.
والأحد الماضي أفادت قناة كان 11 العبرية، أن عضو مجلس القيادة الرئاسي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، أكد أنهم أبدوا استعدادهم "للوقوف بوجه تهديد الحوثيين".
وذكرت القناة، أن الزبيدي أجرى العديد من الاتصالات والمناقشات مع مسؤولين محليين ومسؤولين في الإمارات بالإضافة إلى مسؤولين أمريكيين للتباحث في التعامل مع التصعيد الحوثي.
ونقلت عن مسؤول وصفته بالمقرب من الزبيدي، لم تسمّه، قوله إنهم "في المجلس الانتقالي في جنوب اليمن مهتمون بالتصدي للحوثيين والحصول على دعم دولي بما في ذلك الدعم من قبل إسرائيل".
وأواخر تشرين الثاني/نوفمبر نشرت صحيفة "
نيزافيسيمايا" الروسية تقريرا تحدثت فيه عن إمكانية مواجهة جماعة أنصار الله اليمنية "الحوثيين" مبينة أن حلفاء الإمارات يمنعون فتح جبهة معادية لـ"إسرائيل" في اليمن.
وحسب خبراء أمريكيين فإن البنتاغون قد يجهّز المجلس الانتقالي الجنوبي بالأسلحة، مشيرة إلى الدعم الذي يحظى به الجنوبيون من الإمارات، باعتبارها حليفة الولايات المتحدة.
اظهار أخبار متعلقة
يقول المحلل السياسي اليمني محمد الأحمدي، "إن ثمة إجماعا وطنيا في اليمن لا يختلف عليه اثنان على دعم القضية الفلسطينية والتنديد بجرائم العدوان الصهيوني الغاشم على غزة".
وأضاف في حديث لـ "عربي21"، "أن الأمر يبدو أقل وضوحا على صعيد الخارطة السياسية، في ضوء الانقسامات التي يشهدها اليمن منذ الانقلاب واشتعال فتيل الحرب في البلاد والتدخلات الإقليمية والدولية التي ألقت بظلالها على مواقف القوى والكيانات حسب ارتباطاتها وولاءاتها الإقليمية".
وتابع، "بالنسبة للحكومة اليمنية فإن موقفها واضح في رفض العدوان والتنديد بجرائم الإبادة في غزة وكذلك القوى والأحزاب السياسية المؤيدة للحكومة المعترف بها، عدا المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات والذي يبدو موقفه نشازًا، وهو تبع لمواقف أبو ظبي وسياساتها التطبيعية مع المحتل الصهيوني".
وحول إمكانية توحد موقف الأطراف اليمنية تجاه فلسطين، قال الأحمدي، "إن الوقوف مع غزة واجب إنساني وأخلاقي وقومي وقبل ذلك ديني، ولا يعذر أحد بالتخلف عن مساندة الشعب الفلسطيني بكل ما بوسعه، لكن في الظروف الراهنة وحالة التشظي في اليمن، لا يمكن التعويل على موقف فاعل ومؤثر، حتى التحركات الحوثية لم تلحق أي ضرر ملموس بالكيان الصهيوني حتى هذه اللحظة".
ويرى الأحمدي، "أن تنديد البعض بهجمات الحوثيين ليس المقصود منه منع الوقوف مع شعبنا الفلسطيني في غزة ولكن لأن تحركات الحوثيين بنظر هؤلاء مجرد ذريعة لتدويل المياه الإقليمية اليمنية والإضرار بمصالح مصر في قناة السويس، وجلب الاحتلال الإسرائيلي إلى منظومة أمن مائي جديدة أعلنت عنها الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا".
وتابع، "هذا فضلا عن أن الهجمات الحوثية ليست سوى إنفاذ لرغبة إيرانية ومحاولة للتكسب من وراء مزاعم دعم القضية الفلسطينية والتحشيد المحلي وحصد منافع سياسية وابتزاز المجتمع الدولي للاعتراف بالحوثيين كسلطة"، وفق قوله.
وأشار الأحمدي، "إلى أن اليمن لم يشهد في تاريخه حالة من الاستلاب ومصادرة القرار الوطني كما هو عليه الآن، واليمنيون فقدوا قدرتهم على إدارة قضاياهم بفعل هذا الواقع الذي أفرزته الحرب وتداعيات الانقلاب وتفكيك الدولة اليمنية، لكن ما يتعلق بالقضية الفلسطينية لا تزال الحكومة اليمنية المعترف بها والقوى السياسية المؤيدة لها على موقفها في دعم ومساندة كفاح الشعب الفلسطيني وإن كان هذا الموقف دون المستوى المطلوب".
ووفقا للأحمدي، "فقد كان من الواجب على الحكومة أن تبادر إلى اتخاذ قرارات جريئة وشجاعة في هذا السياق وليس الاكتفاء بمجرد البيانات".