يلقي
العدوان الإسرائيلي بظلاله على جميع مناحي الحياة في قطاع
غزة بعد أن دمرت الهجمات
الإسرائيلية البنية التحتية وأجبرت مئات آلاف المدنيين على النزوح ووصلت معدلات
الجوع والمرض إلى أعلى مستوياتها.
يواجه
السكان في القطاع ظروفا إنسانية صعبة لتأمين المستلزمات الأساسية ومن بينها غاز
الطهي، في مدينة
رفح أقصى جنوبي القطاع غزة، يلجأ المواطنون إلى
الكتب الثقافية
الموجودة في مكتبة "البحرين"، التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين "أونروا" لاستخدامها في إشعال النيران لاستخدامها في طهي
الطعام أو التدفئة.
وبعد
57 من الحرب العدوانية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ونفاد جميع مصادر
الوقود وانقطاع الغاز فقد عاد السكان إلى الطرق القديمة في الطهي، إلا أنهم اتجهوا مؤخرا إلى الكتب
الثقافية لتحقيق هذا الهدف للاستمرار في الحياة بأقل المقومات.
وينبعث
الدخان الأسود الكثيف الناجم عن حرق الأوراق، ويتداخل مع دخان القصف الإسرائيلي
مسببا ما يصفه المواطنون بـ"ضبابية الرؤية" من غالبية مناطق القطاع
المكتظة بالسكان خاصة في الجزء الجنوبي.
رسائل
ماجستير ودكتوراه وقود للنار
قالت
الإعلامية الفلسطينية إسراء المدلل في منشور لها على مواقع التواصل الاجتماعي، إن
والدتها وشقيقيها اضطرا لحرق أطروحات الدكتوراه من أجل إعداد رغيف الخبز.
وأضافت
المدلل، أن "رسالة الدكتوراه لأمي السيدة نعيمة ولاثنين من أشقائي الدكتورين
عبد الله ومحمد، جمعوها هذا الصباح لإحراقها بدلا من الحطب والخشب الذي نفد، من
أجل رغيف الخبز وكوب شاي ساخن".
وتابعت:
"بعد أن خدمت أمي عمرها مع الأمم المتحدة كأول امرأة مديرة للمنطقة التعليمية
في رفح لوكالة "أونروا"، وبعد أن فتحت بيوت علم وربت أجيالا وأسست نهجا
تربويا هو الأول في الشرق الأوسط، تحرق كل رسائلها للماجستير والدكتوراه، وكذلك
فعل إخوتي بعد سياسة التجويع التي يطبقها العالم علينا، الكل مسؤول ومتخاذل ومشترك
بالجريمة".
وكذلك
فعلت الفلسطينية ربا أسليم، التي اضطرت لحرق رسالة الماجستير الخاصة بها، لإشعال
النار اللازم من أجل طهي القليل من المكرونة لأطفالها، وقد حصلت عليها كمساعدات.
وكلما
خفتت حدة النيران التي تشتعل تحت قدر الطعام، تمزق ربا أسليم المزيد من أوراق رسالتها
لضمان الاشتعال حتى ينضج الطعام.
وتقول
وهي تضيف المزيد من الأوراق للنيران المشتعلة في حديث لوكالة الأناضول: "لم
يعد لدينا خيارات، الإنسان احترق بفعل النيران الإسرائيلية، هل سنحزن لأجل هذه
الرسائل؟".
وتضيف:
"هذه الرسالة كانت دائما تشعرني بالفخر، لكن اليوم نحارب التجويع من خلال
إشعال النيران بأي وسيلة بعد نفاد الحطب الموجود لدينا، وارتفاع سعر الحطب
المتواجد في الأسواق لأرقام كبيرة".
كتب
ثقافية في مواقع الطهي
في
مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، لجأت مجموعة من المواطنين إلى الكتب الثقافية
الموجودة في مكتبة "البحرين"، التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين "أونروا" لاستخدامها في إشعال النيران.
هذه
المكتبة، التي شكلت دائما قبلة للمثقفين والقراء وللأنشطة الثقافية والفكرية،
تحولت إلى مصدر للوقود "الورقي" الذي يساهم في إشعال النيران لطهي
الطعام.
بدوره، قال المدون الفلسطيني حمزة أبو توهة في منشور على "فيسبوك" في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي: "
مكتبة البحرين المليئة بما لذ وطاب من كتب وموسوعات نشأتُ في أحضانها منذ تأسيسها قبل 13 عاما، مررت بجانبها اليوم فوجدت الناس قد فتحوها وأخذوا كل ما فيها من كتب وأرفف وأخشاب حتى يشعلوا نارا تصنع لهم الخبز بعد انعدام الغاز والوقود".
وأضاف: "جلست على ركبتي أبكي على مشهد الكتب والموسوعات التي يحملها الناس للحرق، بعد أن أحرق كثير منهم ملابس لهم لذلك الغرض".
وتحتوي
مكتبة البحرين التابعة لـ"أونروا"، والتي يتواجد منها فرعان، الأول
في جباليا شمال القطاع والثاني في رفح، آلاف الكتب كما أنها تضم مختبرا للحاسوب وقاعة
سينمائية ثلاثية الأبعاد.
مضاعفات
صحية
فضلا
عن أن هذه الكتب التي يتم حرقها تمثل خسارة معرفية، إلا أن الدخان المنبعث عنها
يسبب مضاعفات صحية خاصة في الجهاز التنفسي للأشخاص الذين يجلسون قبالته أو يتعرضون
له مباشرة.
النازحة
أم رائد أبو غالي، التي تعيش في إحدى خيام النزوح قرب الحدود المصرية الفلسطينية،
قالت للأناضول، إنها تشعل النيران بشكل يومي باستخدام الورق المأخوذ من كتب مدرسية.
وأضافت:
"ابنتي جلبت معها بعض الكتب المدرسية خلال رحلة النزوح من مخيم الشاطئ
للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة، فاستخدمتها في إشعال النيران لصناعة أكواب
الشاي الساخنة، وبعض الطعام وفق ما توفر لديها من مساعدات إنسانية يتم توزيعها".
وأوضحت
أنها قبل رحلة النزوح، كانت تستخدم الحطب من أجل إشعال النيران، لافتة إلى أن
استنشاقها المتكرر لدخان هذه المواد المحترقة أصابها بصعوبة في التنفس.
ويتعذر
على أبو غالي التوجه للمراكز الصحية أو المستشفيات التي تعمل وفق نظام الطوارئ من
أجل تلقي العلاج، معربة عن تخوفها من تفاقم وضعها الصحي.
وفي
نوفمبر الماضي، حذرت منظمة الصحة العالمية من انتشار الأمراض جراء اكتظاظ النازحين
في الملاجئ، وتعطل عمل النظام الصحي في بعض المناطق.
الاحتلال
يحارب الفلسطينيين بالتجويع
وقالت
منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية، إن استخدام الحكومة الإسرائيلية
"تجويع" المدنيين كسلاح في غزة، يعتبر بمثابة "جريمة حرب".
وأضافت
في تقرير لها: "الجيش الإسرائيلي يتعمد منع إيصال المياه والغذاء والوقود،
بينما يعرقل عمدا المساعدات الإنسانية، ويجرّف المناطق الزراعية، ويحرم السكان
المدنيين من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم".
ومن
جهته، قال عمر شاكر، مدير شؤون إسرائيل وفلسطين في المنظمة: "لأكثر من شهرين،
تحرم إسرائيل سكان غزة من الغذاء والمياه، وهي سياسة حث عليها مسؤولون إسرائيليون
كبار أو أيّدوها، وتعكس نية تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب".
وأضاف:
"تضاعف الحكومة الإسرائيلية عقابها الجماعي للمدنيين الفلسطينيين ومنع المساعدات
الإنسانية باستخدامها القاسي للتجويع كسلاح حرب".
وفي 6
ديسمبر الجاري، أفاد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أن 9 من كل 10
أسر في شمال غزة، وأسرتين من كل ثلاثة في جنوب غزة، أمضوا "يوما كاملا وليلة
كاملة على الأقل دون طعام".