على
حسابها على منصة "إكس" اقترحت الكاتبة والمترجمة التركية المعروفة
آيتشين قانات أوغلو، تخصيص يوم الثالث والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر من كل عام،
يوما عالميا للأطفال
الشهداء، حيث يوافق ذلك اليوم
ذكرى ميلاد الطفلة الغزاوية
الشهيدة ريم، التي اشتهرت بلقب "روح الروح" بعد ظهورها في مقطع مصور
مؤثر عقب استشهادها في قصف إسرائيلي، يحملها جدها وهو يحتضنها، ويمسح على شعرها،
ويصفها بأنها روح الروح.
ثم
ظهر الجد لاحقا في مقطع آخر، ليقول إنها كانت الأقرب إليه من بين أحفاده، وأن يوم
ميلادها يتوافق مع يوم ميلاده، لذا كانا يحتفلان به سويا، مؤكدا أنه لن يحتفل به
بعد رحيل "ريم".
من
المفيد أن نذكر هنا، قبل الحديث عن مقترح قانات أوغلو، أن الجماعة اليهودية نجحت
في استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في الأول من تشرين الثاني/
نوفمبر عام 2005 باعتماد يوم 27 كانون الثاني/ يناير من كل عام "اليوم
الدولي لإحياء ذكرى ضحايا محرقة اليهود"، وذلك بعد عشرات السنين من انتهاء
الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي مكنهم من تذكير العالم كل عام بضحايا النازية
من اليهود، وما حدث لهم في معسكرات الاعتقال، إضافة إلى تعزيز تعليم تاريخ
"الهولوكوست" في جميع أنحاء العالم.
"الهولوكوست" الصهيوني بحق الأطفال الفلسطينيين
هذه الأفعال، التي ترقى إلى مرتبة "جرائم حرب" و"الإبادة الجماعية"، تحتاج إلى توثيق، لتذكير شعوب العالم دوما بما حدث خاصة للأطفال. فآلاف الأطفال الشهداء ليسوا مجرد أرقام، فخلف كل طفل منهم قصة وحكاية، وأسرة كانت ترسم له مستقبلا في مخيلتها، وتجتهد على أرض الواقع لتحقيقه
بلغ
عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على
غزة من الأطفال فقط حتى كتابة هذه السطور، نحو
تسعة آلاف طفل شهيد!! وهو عدد مرشح للزيادة على مدار اليوم.
فبحسب
وزارة الصحة الفلسطينية، فإن قوات الاحتلال تقتل طفلا وتصيب اثنين آخرين كل عشر
دقائق!! فيما قال السيناتور الأمريكي فان هولن "إن غزة شهدت مقتل10 أضعاف عدد الأطفال الذين قتلوا خلال نحو
عامين من الحرب في أوكرانيا".
فإسرائيل
وسّعت -وفق المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان- منذ انهيار الهدنة الإنسانية
المؤقتة "دائرة استهداف المدنيين بشكل صادم، بما في ذلك تصعيد تدمير كلي
للمربعات السكنية واستهداف مدارس تؤوي آلاف النازحين بغرض رفع الكلفة البشرية من
الضحايا".
ومن
هنا، فإن هذه الأفعال، التي ترقى إلى مرتبة "جرائم حرب" و"الإبادة
الجماعية"، تحتاج إلى توثيق، لتذكير شعوب العالم دوما بما حدث خاصة للأطفال. فآلاف
الأطفال الشهداء ليسوا مجرد أرقام، فخلف كل طفل منهم قصة وحكاية، وأسرة كانت ترسم
له مستقبلا في مخيلتها، وتجتهد على أرض الواقع لتحقيقه.
ريم
كانت واحدة من هؤلاء، وهناك يوسف "الأبيض أبو شعر كيرلي"، وطفل ثالث
يسأل الطبيب: "بضل عايش؟!"، ورابع يتحول إلى أشلاء ممزقة فيضعها شقيقه
الطفل في شنطة المدرسة ويهرع بها صوب المستشفى، وخامس راقد بين الحياة والموت وليس
على لسانه سوى: "الله أكبر"، وتلك الطفلة "هيا" التي كتبت
وصيتها ووزعت فيها نقودها وملابسها على أفراد أسرتها.. إلى آلاف القصص والحكايات
بعدد هؤلاء الشهداء.. حكايات لم تتوقف عليهم بل امتدت إلى عوائلهم، وفاجعة من بقى
منهم على قيد الحياة، حيث تحولت عبارات قالوها تحت وقع الصدمة إلى رموز إنسانية
عالمية بالغة التأثير.
لذا،
من الضروري أن تتكاتف الجهود الرسمية والشعبية، لتخليد ذكرى هؤلاء الشهداء صغار
السن بشكل دائم ودوري، انطلاقا من التضامن الشعبي الواسع الذي نتابعه على مستوى
العالم ومثّل مفاجأة غير سارة للنظام العالمي وخاصة الولايات المتحدة ودول أوروبا.
لذا يعمل ذلك النظام من الآن على تبييض صورته وصورة إسرائيل، من خلال إنكار
استهداف الجيش الإسرائيلي للمدنيين، وتابعنا كيف أن وزارة الخارجية الأمريكية لم
تجد حرجا من الادعاء بأن حماس هي من تستهدف المدنيين وليس إسرائيل!!
هذا
الإنكار مؤشر لما قد يحدث عقب انتهاء العدوان، إذ يُتوقع تدشين حملة لتبييض صورة
الغرب وإسرائيل، وغسل أيديهم من دماء الأطفال والنساء وآلاف المدنيين في غزة.
مأساة أطفال غزة لا تتوقف عند الشهداء
إن
الدعوة إلى تخصيص يوم عالمي للأطفال الشهداء لا تهدف إلى التذكير فقط بالأطفال
الفلسطينيين المقتولين على يد الاحتلال الإسرائيلي فقط، بل دعم الأحياء منهم أيضا.
إن الدعوة إلى تخصيص يوم عالمي للأطفال الشهداء لا تهدف إلى التذكير فقط بالأطفال الفلسطينيين المقتولين على يد الاحتلال الإسرائيلي فقط، بل دعم الأحياء منهم أيضا
فمن
المتوقع أن يخلف العدوان الوحشي، آلاف الأطفال المعاقين، بنسب إعاقة مختلفة،
سيحتاجون معها إلى إعادة تأهيل. كما سيحتاج جميع أطفال غزة الباقين على قيد الحياة
إلى دعم نفسي مكثف، للخروج من الصدمة الهائلة التي تعرضوا لها، خاصة الذين فقدوا
آباءهم وأمهاتهم.
وهناك
تحدي "اليُتم" الذي سيلازم آلاف الأطفال، وبعض هؤلاء فقد عائلته بالكامل،
ويجب عليه أن يكمل مسيرة حياته بدون الأب والأم والشقيق والجد والجدة والعم والخال..
إلخ.
كما
حرم العدوان هؤلاء الأطفال من السكن الآمن بعد التدمير الهائل الذي أصاب معظم بيوت
القطاع، أيضا التعليم الجيد بعد استهداف إسرائيل معظم المدارس، ولن يجدوا -ربما
لفترة طويلة- رعاية صحية ولو في حدها الأدنى، بعد انهيار القطاع الصحي. فقدر أطفال
غزة أن يتقاسم الأموات والأحياء تفاصيل المأساة سواء بسواء.
الطريق إلى "اليوم العالمي للأطفال الشهداء"
إن
انتزاع قرار كهذا من الأمم المتحدة ليس بالأمر السهل، بل يحتاج إلى مشوار طويل من
جهد التوثيق والتدوين بعدة لغات، ثم الحصول على الدعم الشعبي والإعلامي، وصولا إلى
طرح فكرة القرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
هذا
الجهد لن يتم إلا من خلال عمل مؤسسي، محاط برعاية عربية رسمية، ومن الطبيعي أن
يناط ذلك العمل برقبة الجامعة العربية، وإن تعذر ذلك كما هو متوقع، فمن خلال الدول
العربية المعروفة بدعمها للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها دولة قطر. فهي الدولة
العربية الوحيدة التي بادرت بإرسال أحد وزرائها إلى غزة، حيث زارت السيدة لولوة
الخاطر، وزيرة الدولة للتعاون الدولي بوزارة الخارجية القطرية، قطاع غزة خلال
الهدنة الإنسانية، وهي المسؤول العربي الوحيد الذي وصل القطاع، وتابع الجميع
جهودها الإنسانية الرائعة في إدخال المساعدات، وإجلاء بعض الغزاويين إلى الدوحة.
أُدرك
تعقيدات المشهد، وتطوراته بالغة الصعوبة، من هنا كان التنسيق بين الدول العربية
والإسلامية "المهتمة" ضروريا لإنجاز ملفات إنسانية وحقوقية ملحة. المهم
ألا ندع النسيان يطوي تلك الصفحة بكل ما فيها من جرائم ومآس، كما لم يسمح اليهود
إلى وقتنا الحالي بطي صفحة "المحرقة".