يختلف
المسيحيون في يوم ميلاد المسيح عليه السلام، حسب التقويم
الأوروبي، أو الشرقي، ففي الغرب الأوروبي يحتفلون به في يوم الخامس والعشرين من
ديسمبر، وفي المشرق كمصر وغيرها يوم السابع من يناير، وبغض النظر عن هذا الاختلاف
التاريخي عن تاريخ مولده، وهو اختلاف طبيعي يحدث مع كل الشخصيات الكبيرة،
فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم يجري حول مولده وهجرته اختلاف في اليوم وربما
الشهر كذلك، وهكذا كثير من أحداث التاريخ.
وبغض النظر عن يوم الميلاد، إلا أنه في هذه الأيام، وليس المهم هنا
الحديث عن احتفالهم به، بل المهم أين هم من تعاليمه فيما يجري على أرض
غزة، وما
يحدث فيها من مجازر يشاهدها العالم ليل نهار، بل يشارك في سفك دمائها ـ للأسف ـ هذا الغرب الذي ينتمي للمسيح عليه السلام.
رحم الله المفكر الإسلامي الكبير الأستاذ خالد محمد خالد، الذي كتب
كتابا بعنوان: معا على الطريق.. محمد والمسيح، حشد فيه النصوص التي تدل على وحدة
المواقف والمبادئ لدى الرسولين الكريمين، وكيف لا، وقد خرجت تعاليمهما من مشكاة
واحدة، وقد قال محمد صلى الله عليه وسلم: "الأنبياء إخوة، أمهاتهم شتى،
ودينهم واحد"، أي: تتعدد المسالك، لكن تتفق التعاليم والمبادئ.
لقد ساق نصوصا هائلة من تعاليم الرسولين العظيمين، في نظرتهما
للإنسان، وإقامة علاقة مع الله عز وجل، يرتقي فيها الإنسان بروحه وعقله ونفسه، حتى
يستحق أن يكون مخلوقا كرمه الله تعالى، وكيف كانت النظرة للحياة الإنسانية،
والحفاظ عليها، وملؤها بالخير والنماء، ومنع الشر والحرب، فنرى كيف تلتقي التعاليم
السماوية في هذه النظرة البناءة.
كان بودنا أن نتقدم بتهنئة الإخوة المسيحيين في الغرب والشرق بميلاد المسيح عليه السلام، لكن الحلوق مملوءة بالمرارة مما يجري مع أهل غزة، مع صمت مطبق يخالف كل تعاليم المسيح من كثير من أتباعه في الشرق والغرب، فضلا عمن ينتسبون إليه، ويمدون الباغين بالسلاح والمال والفيتو السياسي!!
يستدل خالد بما ورد في الإنجيل عن المسيح عليه السلام، حين قال
لتلامذته: (في تلك الساعة، تقدم التلاميذ إلى يسوع قائلين: فمن هو أعظم في ملكوت
السماوات؟ فدعا يسوع إليه ولدا وأقامه في وسطهم، وقال: الحق أقول لكم، إن لم
ترجعوا وتصيروا مثل هؤلاء الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات.. فمن وضع نفسه مثل
هذا الولد، فهو الأعظم في ملكوت السماوات.. ومن قبل ولدا واحدا مثل هذا، فقد
قبلني، ومن أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي، فخير له أن يعلق في عنقه حجر
الرحى، ويغرق في لجة البحر).
ثم يختم بفصل في غاية الأهمية، عن مساعي أعداء المسيح لقتله، وكيف
أنهم رفعوا لصا قاتلا عليه، وفضلوا أن يتم العفو عن اللص، ويقتل المسيح، فقد سيق
إلى الحاكم الروماني (بيلاطس) وقدموه للقتل، ولم يجد الحاكم سببا مقنعا لقتله،
ولاحت له فكرة تخرجه من هذا الحرج، فقال لهم: إننا الآن في العيد، وسنطلق - كما هي
العادة - واحدا من المحكوم عليهم، فليكن هو المسيح. فرفض الكهنة وصاحوا جميعا: لا،
لا، أطلق سراح (باراباس) أما المسيح فاصلبه. وكان باراباس كما يقول إنجيل يوحنا:
لصا، أو كما قال إنجيل لوقا: كان مطروحا في السجن لأجل فتنة وقتل!!
كأننا اليوم نرى نفس الخيار، ولكن على مستوى العالم كافة، وفي مقدمته
العالم المسيحي الذي يدين بالمسيحية في الغرب والشرق، ويحتفل بميلاد المسيح عليه
السلام، فيكون الاختيار: بين أطفال غزة ونسائها، وأهلها، وبين كيان سارق للأرض،
وسافك للدم، يختار العالم الحرية لباراباس اللص، وإن تجسد في آخرين في هذا الزمن،
ويختار القتل للأبرياء.
ونفاجأ في حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن المسيح عليه
السلام، بهذا الحديث: "والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم
مقسطا"، فترى ماذا نفهم من عودة المسيح في هذا النص؟ يجيب خالد محمد خالد،
فيقول: (إن الجواب يسير، إذا عرفنا ماذا كان المسيح. أكان ذلك الجسد الناحل..
والشعر المرسل.. والثلاثين عاما التي سجلتها له على الأرض سهادتا الميلاد
والوفاة؟! كلا، إن المسيح هو دعوته.. هو المثل الأعلى الذي تركه وأعطاه. هو الحب
الذي لا يعرف الكراهية.. هو السلام الذي لا يعرف القلق.. هو الخلاص الذي لا يعرف
الهلكة.. وعندما تتحقق هذه كلها على الأرض، تتحقق في نفس الوقت عودة المسيح).
كان بودنا أن نتقدم بتهنئة الإخوة المسيحيين في الغرب والشرق بميلاد
المسيح عليه السلام، لكن الحلوق مملوءة بالمرارة مما يجري مع أهل غزة، مع صمت مطبق
يخالف كل تعاليم المسيح من كثير من أتباعه في الشرق والغرب، فضلا عمن ينتسبون
إليه، ويمدون الباغين بالسلاح والمال والفيتو السياسي!!
[email protected]