خلال الأيام الماضية وبعد فوز رئيس النظام عبدالفتاح
السيسي بولاية رئاسية ثالثة، بدت مشاهد أمنية وقضائية مثيرة للجدل يرى فيها
مراقبون ومتحدثون لـ"عربي21"، مؤشرا على ما قد يشهده
المصريون خلال فترة
حكم السيسي الجديدة، من عمليات قمع أمني وسلب للحقوق والحريات وغلق للمجال العام.
وفي أحد هذه المشاهد ألغت كلية
الاقتصاد والعلوم
السياسية بجامعة القاهرة السبت الماضي، وبتعليمات أمنية، سيمنار علمي لأساتذة
القسم كان مخصصا لمناقشة الأحداث والتداعيات السياسية للحرب الإسرائيلية الدموية
على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وأكمل، السبت الماضي، نجل القيادي بجماعة الإخوان
المسلمين محمد البلتاجي المعتقل في السجون المصرية منذ العام 2013، أنس البلتاجي،
مدة 10 سنوات كاملة في السجن، الذي دخله في سن 19 عاما، ليصبح عمره الآن 29 عاما
دون أمل في الإفراج عنه.
والجمعة الماضي، جرى اعتقال قوة تابعة للجيش المصري،
للشيخ صابر حماد الصياح، أحد أبرز الرموز القبلية بمحافظة شمال سيناء وقبيلة
الرميلات، وإيداعه سجنا حربيا بعد مطالبته بعودة المهجرين قسريا من أبناء سيناء
لمناطق سكنهم التي غادروها مجبرين قبل سنوات.
اظهار أخبار متعلقة
والخميس الماضي، قضت الدائرة الجنائية في محكمة
النقض المصرية، بالإعدام شنقا في حكم قضائي بات، على المواطن حسن سيد أحمد حامد
عثمان، وتأييد الحكم الصادر بحقّه بالإعدام شنقا مطلع العام الجاري، في استمرار
للأحكام التي وصفت بالجائرة وشهدت رفضا حقوقيا.
ومنذ العام 2013 وحتى نهاية عام 2022، جرى تنفيذ 105
حالات إعدام، وبلغ إجمالي أحكام الإعدام واجبة النفاذ 97 حكما، بحسب رصد لمركز
"الشهاب لحقوق الإنسان"، فيما تأتي مصر بالمركز الثالث بحسب مؤشّر صدور
أحكام الإعدام، وبالمركز الأوّل بحسب مؤشّر تنفيذ تلك الأحكام، وفق منظمة العفو
الدولية.
والخميس الماضي أيضا، تم حبس الناشط الطبيب المعارض
هاني سليمان، بقرار من قاضي المعارضات بمحكمة جنايات القاهرة، 45 يوما، بسبب
تدوينة له عبر "فيسبوك"، انتقد فيها بذخ عائلة السيسي، وفقر ملايين
المصريين، وكانت سببا في اعتقاله في 27 آذار/ مارس الماضي.
وجرى الثلاثاء الماضي، إعادة تدوير كابو ألتراس
"وايت نايتس"، والمشجع الزملكاوي الشهير سيد مشاغب، في قضية جديدة،
بينما كان يُنتظر الإفراج عنه بعد انتهاء حكم حبسه بقضية "الدفاع
الجوي"، التي اعتقل على خلفيتها منذ آذار/ مارس 2015.
وقدرت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق
الإنسان"، عدد السجناء والمحبوسين احتياطيا والمحتجزين في مصر حتى بداية
آذار/ مارس 2021 بنحو 120 ألف سجين، بينهم نحو 65 ألف سجين ومحبوس سياسي.
ويرى مراقبون أنه يجري تجميد مخرجات "الحوار
الوطني"، الذي انطلق في آيار/ مايو الماضي، بعد عام من إعلان السيسي عنه،
وشارك فيه سياسيون ومعارضون من الداخل قدموا خلاله المئات من المقترحات والدعوات
لفتح المجال العام والإفراج عن
المعتقلين.
ويصر النظام على استمرار اعتقال 119 مصريا من
محافظتي القاهرة والإسكندرية تظاهروا استجابة لدعوة السيسي، للمصريين للتظاهر في
تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، رفضا للعدوان الإسرائيلي، ولسيناريوهات التهجير إلى
سيناء.
وهذه المشاهد وغيرها من الأحداث الأمنية والقضائية،
تثير تساؤلات حول الصورة الحقوقية التي قد تبدو عليه ولاية السيسي الثالثة، ومصير
الملف الذي أرق ملايين المصريين وهو الاعتقال السياسي.
وعبر صفحته بموقع "فيسبوك"، عبر الصحفي
المصري والمعتقل السياسي السابق حسن القباني، عن أمنيته في عام جديد يجري فيه
الإفراج عن زميله الصحفي المعتقل أحمد سبيع، قائلا: "يا رب عام حلو ومليان
سلام وعافية ويكون وش السعد على أحمد سبيع وكل سبيع".
وعن الصورة الحقوقية التي قد تبدو عليها ولاية
السيسي الثالثة، تحدث سياسيون وخبراء ومراقبون مصريون، مشيرين لتوقعاتهم لما قد
يحدث بملف المعتقلين السياسيين، وكيفية تحريكه خاصة في ظل الانشغال الدولي بملف فلسطين،
وفي ظل إعادة تدوير السيسي عالميا بعد أزمة الحرب الإسرائيلية في غزة.
"لا
بوادر لانفراجة"
بدوره، قال السياسي المصري الدكتور ثروت نافع:
"في الحقيقة وبعيدا عن التفاصيل والأشخاص لا توجد بوادر انفراجة سياسية، خاصة
بعد تدهور الحالة الاقتصادية بمصر، وبعد أحداث غزة وأزمة سد النهضة".
وأكد نافع في حديثه لـ"عربي21" أنه ليس
هناك أي مؤشرات على وجود انفراجة حقيقية، معتقداً أن الدولة المصرية تأمل في إحداث
انفراجة اقتصادية بعيداً عن أي توافق سياسي أو توافق مجتمعي.
ولفت إلى أن العام الجديد يدخل على مصر والقبضة
الأمنية تزداد والحالة الاقتصادية باتت منهارة.
وفي تقديره للموقف، قال السياسي المصري والبرلماني
السابق الدكتور عز الدين الكومي، إن "ملف حقوق الإنسان ملف مهمل على
المستويين الداخلي والخارجي"، موضحا أنه "داخليا يتلاعب النظام بالملف،
ويصدر للخارج دائما أنه لا يوجد معتقلين سياسين ولكن فقط جنائيين".
عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان المصري سابقا، أكد
في حديثه لـ"عربي21"، أنه "على فرض صحة هذا القول، هل السجين
الجنائي ليس له حقوق؟، فكيف والحالة يعلمها الجميع بأن هناك أكثر من 60 ألف معتقل".
وأضاف: "بالنسبة للخارج فقد رأى العالم ما حدث
في مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة وما سبقهما وما تلاهما عام 2013، وما
حدث للرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، ورأى العالم وخاصة أوروبا ما حدث للباحث
الإيطالي جوليو ريجيني من تعذيب وقتل".
وتابع: "لكن الطريف أن من قام بالمجازر في
رابعة وأخواتها، ومن أجرم بحق الرئيس المنتخب، ومن ارتكب جريمة ريجيني، أفلت
جميعهم من الحساب".
الكومي، يرى أنه ولهذا فإن "ما يحدث من
انتهاكات في ملف الحقوق والحريات مستمر، ولن يتوقف في ظل غض الغرب الطرف عن
الانتهاكات، ووقوف المنظمات الحقوقية الدولية موقف العاجز أمام سطوة الحكومات
الغربية الداعمة للنظام في مصر".
وأشار في ختام حديثه عن حالة العجز التي دامت لأكثر
من 10 سنوات عن "وقف المئات من أحكام الإعدام، وآلاف المحاكمات الجائرة التي
تفتقد أبسط قواعد العدالة، ناهيك عن العجز التام عن حماية المعتقلين، أو تبيض
السجون".
"منطق
عصابة لا دولة"
ويعتقد الخبير بالقانون الدولي الدكتور سعيد عفيفي،
أن "فوز السيسي، الهزلي بولاية رئاسية ثالثة، وما تلاه من مشاهد أمنية
وقضائية مثيرة للجدل من قمع وسلب للحقوق والحريات يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن
هذا النظام يتعامل بمنطق العصابات، وليس بأسلوب الدول والنظم السياسية المستقرة".
عضو مجموعة "تكنوقراط مصر"، الناشط
المعارض بأمريكا أضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن "العصابات دائما ما
تتعامل بمنطق الوجود، والقبضة الحديدية، حتى لا يتجرأ أحد لا على المنافسة أو حتى
مجرد التشكيك في قوتها".
وأكد أن "هذا ما يقوم به السيسي، وكافة
الأجهزة"، مضيفا: "لا أقول الأجهزة الأمنية فقط بل كافة أجهزة الدولة
التي تتعامل مع المواطنين وتعمل بمنطق الإخضاع والخنوع حتى في أقل المؤسسات تعاملا
مع الجمهور".
وتابع: "تراهم يُمعنون في إذلال المواطن بشكل
مهين، حتى لا يتجرأ على التصدي لهذا الجبروت، ناهيك عن التضييق على الشعب في مصدر
رزقه، فهذا مقصود حتى يلهث الجميع وراء لقمة العيش ليسد رمقه ولا يجد لديه متسع من
الوقت لمجرد التفكير في محاولة تغيير النظام بأي شكل من الأشكال".
ولفت إلى أن "ما يقوم به القضاء من تنفيذ أجندة
النظام وإضفاء الشكل القانوني عليها يمكن تلخيصه بالقول إنه لا يوجد في مصر ما
يسمى بسلطة قضائية مستقلة أو شبه مستقلة"، مبينا أن "هذه المنظومة يتعين
نسفها بداية من القوانين التي تحكم سير العمل حتى القائمين عليها".
قسوة كبيرة
وتابع قائلاً: "في تقديري فإن الصورة الحقوقية
في ولاية السيسي الثالثة؛ لن تختلف عن السنوات العشر السابقة، بل أكثر قسوة، كي
يفرض واقعا يمكن لبعض تابعية أن يطالبوا بتغيير الدستور ليتولى الحكم مدى الحياة،
وهو ما جرى بنهاية حكم الرئيس أنور السادات".
واستبعد أن يتم الإفراج عن أحد من المعتقلين، مشدداً
في الوقت ذاته على أن الأمر يحتاج إلى دول تقف بثقلها وراءالتصدي لهذا النظام
وبقوة في المحافل الدولية.
ويعتقد أن "ما تقوم به المعارضة في الداخل
والخارج يمكن البناء عليه في ظل التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه مصر والذي سيؤدي
إلى انفجار بالتاكيد"، منوهاً إلى أن نظام السيسي سينتهي بأدوات اقتصادية خلال
2024.