مجمع سجون سري في سيناء.. لماذا يبني نظام السيسي معتقلات بأماكن نائية؟
القاهرة- عربي2125-Jan-2408:21 AM
0
شارك
ينضم مجمع السجون الجديد إلى 91 سجنا رئيسيا في البلاد بُنى منها في عهد السيسي 48 سجنا- جيتي
يواصل النظام المصري برئاسة عبدالفتاح السيسي، بناء المزيد من السجون، محملا الميزانية العامة للدولة المزيد من الأعباء، في وقت تعاني فيه مصر من أزمات مالية واقتصادية خانقة دفعت حكومتها لمواصلة الاستدانة من المؤسسات المالية الدولية، وأجبرتها على بيع بعض أصولها العامة ورهن عدد من السيادية منها.
والثلاثاء، كشفت "مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان"، المعنية بالشأن السيناوي في شبه الجزيرة المصرية، عن بناء الحكومة المصرية مجمع سجون ضخم على نحو "شبه سري"، بمنطقة صحراوية معزولة في شمال سيناء.
وينضم مجمع السجون الجديد، إلى 91 سجنا رئيسيا في البلاد، بُنى منها في عهد السيسي 48 سجنا، وذلك إلى جانب مقرات الاحتجاز في الأقسام والمراكز الشرطية التي تصل إلى 382 مقرا، بخلاف السجون العسكرية والأخرى السرية، مجهولة العدد والأماكن.
لكن المثير هو إنشاء مثل هذا المجمع الكبير من السجون في شمال سيناء التي لا يتعدى عدد سكانها نحو نصف مليون نسمة، ما يثير التساؤلات حول أسباب إنشاء مثل هذا السجن في شمال سيناء.
"مجمع سجون الجفجافة" ووفق الرسوم الهندسية التي اطلعت عليها "المؤسسة" والمعلومات التي حصلت عليها أكدت أن مجمع السجون الجديد يجري بناؤه قبل عامين وتحديدا منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2021، في منطقة صحراوية معزولة بالقرب من قرية "الجفجافة" التابعة لمدينة الحسنة، موضحة أنه يتبع وزارة الداخلية، وتشرف على إنشائه "الهيئة الهندسية للقوات المسلحة"، ويتسع لـ20 ألف سجين.
ولفتت إلى أن المجمع المقام على مساحة 6 كم مربع بطول نحو 3 كم وعرض 2 كم، ويتشابه في تصميمه مع مجمع سجون "وادي النطرون" بالصحراء الغربية الذي افتتحت عام 2021، تظهر الصور أن السلطات قامت بتجريف مزارع مملوكة لمدنيين لإنشائه.
واعتبرت المنظمة الحقوقية أن إقامة مجمع سجون الجفجافة بهذه القدرة الاستيعابية الكبيرة أمر مثير للاستغراب، خاصة أنه يبعد عن أقرب تجمعات عمرانية بمدينة بئر العبد، 65 كم.
وألمحت إلى أنه لا تربط المنطقة أي خطوط مواصلات عامة، ما يجعل النزلاء بمعزل عن العالم، مرجحة أن حجمه الكبير يدل على أنه سيستقبل سجناء من خارج سيناء، مشيرة إلى أن أي محاكمات تقام فيه ستعني صعوبة بالغة للمحامين وذوي المساجين في الوصول للسجن وزيارة ذويهم.
وعن بناء المجمع الذي يقع شرق "مطار البردويل" العسكري بنحو 8 كم، قالت "مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان"، إنه يشمل 6 سجون، 4 منها (نمطية)، كل منها بسعة 3360 نزيلا (مساحة 7794 مترا مربعا)، وثلاثة منها سجون رجال، وأحدها رجال ونساء.
وإلى جانب سجنين مشددي الحراسة، كل منهما بسعة 3312 نزيلا (مساحة 38400)، يوجد مجمعان للمحاكم، كل منهما 8 قاعات، بالإضافة إلى مبنيي سكن ضباط جماعي، سعة 48 ضابطا لكل منهما، ومبنيي سكن ضباط عائلي، 11 وحدة لكل منهما.
وبحسب المنظمة، فإن هناك مبنيين سكن أفراد وعاملين، سعة 360 فردا لكل منهما، ومبنى كتيبة مجندين سعة 600 مجند، ووحدة خيالة سعة 10 أحصنة، وحدة كلاب سعة 30 كلبا، و 14 برج مراقبة ارتفاع 25 مترا، و358 برج حراسة ارتفاع 9 أمتار.
وألمحت إلى استغلال المنطقة المحيطة بالمجمع وعساكر الأمن المركزي والمسجونين للزراعة، "في نمط متصاعد للنشاط الاقتصادي غير الشفاف لوزارة الداخلية"، وفق وصف المؤسسة، وذلك بعد إزالة كيلو متر مربع من الأراضي الزراعية، ونزع ملكيتها دون تعويض أصحابها، وفقا لمقابلتين أجرتهما المؤسسة مع سكان محليين.
تقرير جديد تكشف فيه مؤسسة سيناء عن مجمع سجون انشأته الهيئة الهندسية التابعة للجيش المصري، لصالح وزارة الداخلية، بشكل شبه سري في منطقة صحراوية معزولة وسط سيناء، عقب تهجير سكان محليين من المنطقة وتجريف مزارعهم.
نشطاء سيناويون، وخبراء أمن مصريين، تحدثوا مع "عربي21"، عن رؤيتهم لأسباب إنشاء ذلك المجمع من السجون في منطقة نائية بشمال سيناء، وهدفه من ذلك، وتوقعاتهم لمن يتم إعداد وتجهيز ذلك المجمع الضخم، وما إذا كان لنقل السجناء من محافظات مصر كما يجري في مجمع وادي النطرون بالصحراء الغربية.
اظهار أخبار متعلقة
"تبتلعها الرمال" الناشط السيناوي مسعد أبو فجر، قال لـ"عربي21"، إن "ما أعرفه هو أن الفرعون (رئيس النظام) طوال تاريخه يبني في الصحراء مبان تبتلعها الرمال، هذه نقطة"، مضيفا أن "النقطة الثانية هي خلال سيطرة الفرعون النادرة على سيناء لا يقدم شيئا سوى الدمار".
من جانبه، قال الناشط السيناوي والحقوقي المصري أشرف أيوب، لـ"عربي21"، إن "عدم الإعلان عن بناء مجمع سجون الجفجافة، أعتقد أنه يرجع لسببين".
أكد أن "السبب الأول هو التعتيم المستمر على كل ما يتعلق بسيناء، والتعتيم على أهداف التدابير التي ترسم الواقع بشبه الجزيرة".
وأضاف أن "السبب الثاني، أن يكون مجمع السجون هذا حربيا، حيث إن ما صدر من قوانين وقرارات، تصب في احتكار سيناء وثرواتها ملكية خاصة للجيش".
ونفى أيوب، أن يكون لبناء هذا المجمع "علاقة بما يحدث في قطاع غزة من حرب إبادة دموية وتحديث عن تهجير الفلسطينيين لسيناء"، معتقدا أنه "لا علاقة له بهذا الشأن لأنه يقع في المنطقة (ب) حسب الملاحق الأمنية، لاتفاقية (كامب ديفيد)".
"للحماية والتضييق" وفي رؤيته، قال الباحث المصري في الشؤون الأمنية أحمد مولانا، إن "الحديث عن هذا المجمع بدأ منذ نحو 3 سنوات وليس جديدا، وذلك ضمن سياسة بناء سجون في مناطق نائية".
وفي حديثه لـ"عربي21"، شرح أهداف النظام من بناء سجون نائية، بأنها لـ"تيسير حمايتها، وللتضييق على السجناء وعائلاتهم"، موضحا أنه "مثلما يوجد سجن في الوادي الجديد حاليا (وادي النطرون)".
وأشار إلى أنه "قد كان هناك معتقل قديم في مدينة (الطور) خًصص لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين بعد حرب فلسطين عام 1948".
وأكد مولانا، أن "السجن الجديد لا علاقة له بالحرب في غزة"، مبينا أن "العمل فيه بدأ منذ بضعة سنوات".
ويرى أنه "يأتي ضمن سياسة التوسع في بناء السجون لاستيعاب أعداد كبيرة من السجناء بالأخص السياسيين، في حال حدوث احتجاجات على تردي الأوضاع الاقتصادية".
"ولمعالجة مشكلة الاكتظاظ في السجون الحالية، وإخلاء السجون الموجودة داخل المدن لبيع أراضيها والاستفادة بثمنها، وفق قول الباحث المصري.
اظهار أخبار متعلقة
"تبعات الشرعية" وفي تقديره، قال السياسي المصري، رضا فهمي، إن "السيسي أسوأ وأخطر من حكم مصر منذ العهد الملكي، لأن من سبقوه كان لديهم شكل من أشكال الشرعية، فجمال عبدالناصر لديه شرعية القيام بثورة ضد (ملك فاسد)، وأنه أنقذ الشعب من الملك، وقاد الضباط الأحرار، وحول مصر لنظام جمهوري، فلديه معطيات اكتساب الشرعية".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "وأنور السادات كان لديه شرعية كنائب لعبدالناصر، وطبيعي أن يأتي محله، بجانب شرعية انتصار (حرب 1973) بغض النظر عن تقييمنا لمآلات الحرب، وحسني مبارك جاء بعد وفاة السادات، وكان نائبا له، وأكمل مساره، ونجح بعملية التحكيم الدولي مع إسرائيل حول طابا".
عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري سابقا، أكد أن الوضع مختلف شكلا وموضوعا بالنسبة للسيسي، فلم يكن نائبا للرئيس المدني المنتخب محمد مرسي، بل إنه قام بانقلاب عليه، وبالتالي فإن قضية الشرعية تصنع له هواجس ومخاوف أن يبتزه الآخر من خلالها".
"تمكين المشروع الإسرائيلي" ولفت إلى أن "المقدمة السابقة تقول إن السيسي، يدفع أثمان ضخمة مقابل بقائه، وليس لديه خيارات غير إرضاء أمريكا وإسرائيل بشكل كامل، ولذا كان جزءا من صفقة القرن التي تبناها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب".
وأوضح أنه "لذلك فهناك مدينة كاملة بناها في شمال سيناء، تسع عدة ملايين وبها مطار وميناء بحري ومخطط لها منطقة تجارة حرة، وبقى مجمع سجون يستقبل من يقوم بالشغب أو من يرفض الوضع المفروض، تماما كما هو مصير أكثر من 60 ألف معتقل يقوم السيسي، بتدويرهم في السجون منذ منتصف 2013".
وقال فهمي: "بالتالي فأرى أن مجمع السجون هذا مرتبط ببعدين: الأول، هو خطة تهجير الفلسطينيين لرفح، وثانيا، لحالات التمرد التي قد تنشأ عن هذا الوضع بين أهالي سيناء الذين تم تهجيرهم من رفح ومحيطها، فالموضوع لم يمت ولم يخفت ومتوقع حدوث انفجار بأي لحظة من الأهالي الذين أجبروا قبل سنوات على ترك منازلهم وأراضيهم".
ويعتقد أن "فكرة بناء مجمع السجون لنقل بعض المعتقلين المصريين احتمال قائم، ولكنه ليس أساسا، فالمجمع يعد جزءا من البنى التحتية لخدمة مشروع تهجير الفلسطينيين لسيناء، خاصة أن أهل سيناء أهل شكيمة ومقاومة ولن يسلموا بهذه البساطة وسيرفضون عملية التهجير وسيتعامل معهم تعاملا خشنا وسيكونون بين خيارين بين الموت بسلاح الجيش أو أن يبقوا بالسجون".
وخلص السياسي المصري للقول إن "وضع المجمع بتلك المنطقة مستهدف به الفلسطينيين ضمن مشروع صفقة القرن، والتهجير، وأيضا لأهل سيناء المتوقع منهم حدوث انتفاضة أو ثورة أو عصيان مدني".
وأكد أن "السيسي يعمل لحساب تمكين المشروع الإسرائيلي أو (الشرق الأوسط الجديد) الذي بشر به الرئيس الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز في كتابه الشهير، بالإضافة لصفقة ترامب التي كانت قبلة حياة للسيسي، وأوقفها مجيء الحزب الديمقراطي للحكم في واشنطن".
وأشار إلى أن "السيسي، كما في بعض استطلاعات الرأي، متلهف لعودة ترامب للبيت الأبيض، كطوق نجاة له من مأزقه الحالي، لأن تهجير الفلسطينيين لسيناء سيكون له ثمن مادي ضخم سواء بإلغاء ديون مصر أو بدفع مبالغ أخرى، كما حدث في عهد مبارك عند مشاركته أمريكا بغزو العراق".
اظهار أخبار متعلقة
"سجون أشد قسوة" ومنذ الانقلاب العسكري الذي ضرب البلاد منتصف 2013، وأطاح بأول تجربة ديمقراطية شهدتها البلاد، ويقود السيسي، (وزير الدفاع حينها)، حملة أمنية على أنصار أول رئيس مدني منتخب الراحل محمد مرسي، طالت بعض أطياف المعارضة الأخرى.
وقدرت منظمة العفو الدولية في كانون الثاني/ يناير 2021، عدد المعتقلين في مصر بنحو 114 ألف سجين، فيما أكدت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، أن عدد السجناء والمحبوسين احتياطيا والمحتجزين حتى آذار/ مارس 2021، نحو 120 ألف سجين، بينهم نحو 65 ألف سياسي.
ومع الأعداد الهائلة للمعتقلين لأكثر من 10 سنوات ونصف تقريبا، قام السيسي ببناء 48 سجنا، أهمها وأكثرها اتساعا مجمع سجون "وادي النطرون" النائي بالصحراء الغربية، ومجمع سجون "بدر"، قرب العاصمة الإدارية الجديدة، شمال شرق القاهرة.
ورغم شكاوى آلاف المعتقلين من أوضاعهم السيئة داخل السجون المصرية، إلا أن شكاواهم من أوضاع أشد صعوبة في السجون الجديدة وخاصة سجون بدر، أثارت الجدل حول إصرار النظام على مواصلة الانتهاكات بحق المعتقلين برغم دعاية بنائها على أحدث طرز معمارية واشتراطات دولية.
والمثير أنه وفق "مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان"، فإن مجمع "سجون الجفجافة"، يضم مجمع محاكم، وذلك ضمن سياسة انتهجها النظام، بإقامة المحاكمات بالقضايا السياسية في السجون، ما يحرم المعتقلين من رؤية الشارع المصري ورؤية ذويهم بقاعات المحاكم العامة، ويفرض قيودا على المحامين ولجان الدفاع عن المتهمين.
"أهداف اقتصادية" لكن، مراقبين، يرون أن للسيسي، هدفا اقتصاديا من بناء السجون الجديدة، بنقل المسجونين من السجون المركزية، وتلك التي تحتل أماكن حيوية وذات قيمة اقتصادية، ونقل ملكيتها للصندوق السيادي المصري، ومن ثم بيعها أرضا خالية للمستثمرين أو تطويرها وتأجيرها.
"الصندوق"، الذي آلت إليه أغلب مباني القاهرة التاريخية والتراثية ومباني الوزارات والهيئات التي جرى نقلها للعاصمة الإدارية الجديدة، ضم إلى ممتلكاته في آذار/ مارس 2023، مبنى وزارة الداخلية المصرية وسط مدينة القاهرة، وبداخله "جهاز أمن الدولة" السابق، والمعروف باسم "سلخانة لاظوغلي".
وفي 5 كانون الأول/ ديسمبر 2022، جرى نقل ملكية 10 سجون ومراكز احتجاز بمناطق حيوية بمساحات شاسعة وسط الكتل السكنية لعواصم المحافظات من ملكية وزارة الداخلية لوزارة المالية.
وهو ما اعتبره مراقبون خطوة من النظام لبيع تلك المساحات الشاسعة من المباني والأراضي، وتمهيدا لطرحها للبيع للمستثمرين المصريين والعرب والأجانب أو استغلالها في بناء عقارات سكنية وتجارية.