أثارت تصريحات رئيس النظام
المصري، عبد الفتاح
السيسي، بشأن عدم التسامح أو السماح بأي تهديد لدولة الصومال أو أمنها، في إشارة إلى الاتفاق الأخير بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال، التكهنات حول حدود هذه التحذيرات وخيارات مصر لدعم حكومة الصومال.
وأكد السيسي، خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، في القاهرة، الأحد، أن "مصر لن تسمح لأحد بتهديد الصومال أو أن يمس أمنها"، مضيفا: "محدش يجرب مصر (لا ينبغي لأحد) ويحاول يهدد أشقاءها، خاصة لو أن أشقاءها طلبوا منها التدخل".
ووقَّعت إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، مذكرة تفاهم، تسمح لأديس أبابا ببناء قاعدة عسكرية وتطوير ميناء بربرة التجاري على البحر الأحمر، مقابل الاعتراف بالأخيرة التي أعلنت استقلالها عن الصومال في عام 1991 في خطوة لم تحظ بأي اعتراف دولي.
وأدانت مقديشو الاتفاق، وأكدت أنها "ستتصدى لهذه الاتفاقية بكل الوسائل القانونية"، معتبرة إياها "عدواناً وانتهاكاً صارخاً لسيادتها"، فيما سارعت مصر، إلى رفضها وأكدت على "ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية على كامل أراضيها".
في المقابل، وصفت إثيوبيا الاتفاق بالتاريخي، حيث قال مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، عبر منصة "إكس" (تويتر سابقا) إن "الاتفاق سيفتح الطريق أمام تحقيق تطلّع إثيوبيا إلى تأمين وصولها إلى البحر وتنويع وصولها إلى الموانئ البحرية".
كذلك، وصف وزراء الخارجية العرب، خلال اجتماع طارئ، عُقد مؤخراً لدعم الصومال، اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال بأنه: "انقلاب صارخ على الثوابت العربية والأفريقية والدولية المستقرة، ومخالفة واضحة للقانون الدولي، والاتفاقيات الدولية النافذة".
خيارات مصر "الدبلوماسية"
بخصوص خيارات مصر لدعم الصومال، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير فؤاد معصوم، إن "مصر تَملك مجموعة متنوعة من الخيارات، مثل العمل الدبلوماسي المكثف من خلال عواصم الدول الكبرى والدول المؤثرة في القرار داخل القرن الأفريقي، فضلا عن الدول المطلة على البحر الأحمر، والتي قد تتأثر استراتيجيا مثل السعودية، خاصة أن هذه الاتفاقية مبنية دون أسس من القانون الدولي".
واستبعد معصوم، وهو ضابط سابق بالجيش المصري شارك في حربي 1967 و1973، في تصريحات لـ"عربي21" "أن يصل التهديد إلى مواجهة الاتفاقية من خلال أي عمل عسكري لأن هناك وسائل ضغط يمكن ممارستها على إثيوبيا وأرض الصومال، التي لا تحظى بأي اعتراف دولي، كما أن الاتفاقية واجهت رفضا واسعا، الأمر الذي يساعد على الحيلولة دون تنفيذ مذكرة التفاهم أو الاتفاقية لأنها ولدت ضعيفة دوليا ومن السهولة بمكان محاصرتها وإجهاضها".
وفيما يثار عن دور الإمارات في تمكين إثيوبيا من الوصول إلى ساحل البحر الأحمر، في ظل عدم امتلاكها الأموال الكافية لإقامة ميناء أو قاعدة عسكرية، أعرب معصوم عن اعتقاده بأن "التحركات الإماراتية في المنطقة يحوم حولها علامات استفهام كثيرة، وأظن أنها بحاجة إلى جهد دبلوماسي، لفهم وتقدير موقفهم أو تصحيح موقفهم إذا لزم الأمر، الإمارات لن تستطيع تحدي مصالح الدول العربية".
في 2018 وقعت الإمارات مع حكومة إقليم الصومال اتفاقية لتطوير مشروع منطقة اقتصادية حرة تتكامل مع مشروع تطوير ميناء "بربرة"، تحتفظ شركة موانئ دبي العالمية بموجبها بحصة تبلغ 51 في المئة من المشروع، الذي تم الانتهاء من المرحلة الأولى منه عام 2021، بجانب 30 في المئة حصة أرض الصومال، و19 في المئة حصة إثيوبيا.
وسائل مصر "غير العسكرية"
في تقديره يقول خبير الشؤون الأفريقية، ياسر محجوب الحسين: "لا يبدو أن خيارات مصر لدعم الصومال في مواجهة إثيوبيا قوية أو فاعلة، لا سيما إن اقتضى الأمر مواجهة عسكرية بين مقديشو وأديس أبابا".
وتابع بأنه "لعل تجرؤ إثيوبيا في خطوتها الأخيرة رغم علمها بغضب مصر كان بسبب ضعف تعاطي مصر مع أزمة سد النهضة حيث فرضت إثيوبيا قيام السد باعتباره أمرا واقعا حتى أوشك على الاكتمال، ولم تستطع مصر فرض وجهة نظرها حتى الآن بينما لا يعتبر تموضع إثيوبيا على ساحل البحر الأحمر عبر اتفاقها الأخير مع جمهورية أرض الصومال الانفصالية أكثر أولوية لمصر من سد النهضة".
ولكنه أضاف في حديثه لـ"عربي21": "بيد أن مصر يمكن أن تساعد الصومال كثيرا في تكثيف العمل ضد إثيوبيا على مسارين؛ الأول دبلوماسي والثاني قانوني. فمصر تستطيع تحريك الجامعة العربية في طريق دعم موقف مقديشو وفي ذات الوقت يمكن أن تحدث حراكا مماثلا داخل الاتحاد الأفريقي لا سيما وأن الخطوة الإثيوبية خطوة غير قانونية ولا تتماشى مع المواثيق الدولية ولا ميثاق الاتحاد الأفريقي. فضلا عن أن هناك رفضا للخطوة الإثيوبية أجمعت عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتجمع دول شرق أفريقيا باعتبارها انتهاكاً لسيادة ووحدة أراضي جمهورية الصومال الفدرالية".
واستدرك الحسين: "كذلك يمكن أن تسخّر القاهرة خبرتها الدولية في إطار قانوني ربما عبر محكمة العدل الدولية. ولعل لجوء مقديشو إلى مصر منذ اللحظات الأولى للأزمة قد ألقى أعباءً معنوية عليها. من ناحية أخرى ربما يفهم البعض من حديث رئيس النظام المصري بخصوص معاهدة الدفاع العربي المشترك أن مصر قد تبعث بقوات عسكرية إلى الصومال لكن يظل ذلك أمرا ضعيف الاحتمال إلا إن كان هناك تهديد مباشر وجدي للأمن القومي المصري، إذ أن السواحل التي سوف تستخدمها أديس أبابا تقع في مدخل البحر الأحمر المؤدي إلى قناة السويس، التي تعتبراً مصدراً رئيساً للدخل القومي المصري".
بشأن دعم الإمارات لإثيوبيا على طول الخط، أوضح الخبير في الشؤون الأفريقية، أن "هناك رغبة لدى الإمارات في السيطرة على المضائق الإستراتيجية مثل باب المندب، والموانئ البحرية على البحر الأحمر في جيبوتي وأرض الصومال تحت ستار الاقتصاد والاستثمار في الموانئ".
توتر مصري- إثيوبي
أصبحت إثيوبيا، وهي ثاني أكبر بلد أفريقي من حيث عدد السكان، دولة حبيسة دون سواحل بحرية بعد انفصال إريتريا المطلة على البحر الأحمر عنها عام 1993، وتعتبر جيبوتي منفذها الوحيد حيث يمر أكثر من 95 في المئة من وارداتها وصادراتها عبر ممر "أديس أبابا- جيبوتي" مقابل 1.5 مليار دولار سنويا.
واتسمت العلاقات بالتوتر بين القاهرة وأديس أبابا، على خلفية الخلافات بينهما بشأن سد النهضة الإثيوبي وفشلت مفاوضات الجولة الأخيرة بشأن السد نهاية الشهر الماضي والتي استؤنفت بعد أكثر من عامين من إعلان الفشل في التوصل إلى اتفاق ملزم بين دولتي المصب ودولة المنبع في نيسان/ أبريل 2021.
واتهمت مصر إثيوبيا بالتعنت وحملتها مسؤولية فشل الاجتماع الأخير منتقدة ما أسمته "استمرار ذات المواقف الإثيوبية الرافضة عبر السنوات الماضية للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسط التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث".