نشرت
صحيفة "
التايمز" مقالا للصحفي ريتشارد سبنسر، قال فيه إن اقتراح إنهاء
الحرب في غزة الذي تدرسه
حماس يجعل الحرية أقرب للسجين السياسي الفلسطيني الأكثر
شهرة والأكثر إثارة للجدل، وهو الرجل الذي أشار استطلاع للرأي أجري مؤخرا إلى أنه
ينبغي أن يكون الرئيس المقبل للأراضي الفلسطينية.
وقال
متحدثون باسم حماس إن
مروان البرغوثي، وهو زعيم مخضرم في الضفة الغربية يرمز
تاريخه إلى خلاف السلطة مع "إسرائيل"، سيكون على رأس قائمتهم لأي تبادل
للأسرى مقابل رهائن إسرائيليين.
بالنسبة
للإسرائيليين، فهو العقل المدبر الإرهابي، أدين بخمس جرائم قتل، ويقضي عقوبة السجن
مدى الحياة. ولم تقل الحكومة الإسرائيلية إنها ستوافق على إطلاق سراحه، ولم تقبل
أن ذلك أصبح لا مفر منه الآن، وهو ما يعتقده العديد من المفاوضين.
اظهار أخبار متعلقة
لكن
أنصاره يقولون إنه نيلسون مانديلا الفلسطيني. وفي كل مرة تطالب "إسرائيل"
ومؤيدوها في جميع أنحاء العالم بوصف البرغوثي وغيره من قادة "المقاومة"
بـ"الإرهابيين"، يقولون إن القادة الغربيين وصفوا مانديلا ذات مرة بأنه
إرهابي أيضا.
وقال
نجله عرب البرغوثي في مكتب حملة والده في رام الله، عاصمة الضفة الغربية: "يتمتع
والدي بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين، وهناك سبب لذلك. لم يقدم والدي وعودا كبيرة
أبدا لبناء الطرق أو المدارس أو أفضل المباني. إنه مجرد شخص من الشارع الفلسطيني
اختار أن يكرس حياته للنضال من أجل القضية الفلسطينية".
وقد
كلف هذا النضال والده أكثر من عقدين من حياته.
تم القبض على مروان البرغوثي وسجنه في عام 2002
بتهمة القتل، بعد أن قضى أصلا فترات سابقة أقصر.
وبعد
صدور بيان باسمه يدعو إلى دعم حماس في الحرب الحالية، رغم أن زوجته تنكرت له، تقول
عائلته إنه تعرض لمعاملة وحشية في السجن، ونقل إلى الحبس الانفرادي، واحتجز في
الظلام، مع تشغيل موسيقى صاخبة لعدة أيام.
ولم
تعلق سلطات السجون الإسرائيلية على الاتهامات المحددة، لكنها تقول إنها "تعمل
بشكل صارم وفقا للقواعد والإجراءات". وقال متحدث باسم الشرطة: "لقد قدم
السجين شكوى رسمية، وسيتم النظر فيها من خلال الإجراءات المعتادة".
كفاح
البرغوثي أكسبه أيضا العداء الدائم من جانب العديد من الإسرائيليين العاديين،
الذين يعتبرونه الرجل الذي تخلى عن عملية السلام لقيادة الانتفاضة الثانية.
كان
الدور السياسي للبرغوثي آنذاك ولا يزال غامضا، ويرجع ذلك جزئيا إلى رفضه تقديم
الدفاع في محاكمته. لقد كان بالتأكيد أحد كبار قادة فتح، أكبر فصيل سياسي في
الأراضي الفلسطينية، وفي منظمة التحرير الفلسطينية، وقد قاد الانتفاضتين وبررهما.
الأولى
تضمنت عنفا أقل بكثير، وتألفت إلى حد كبير من الإضرابات والاحتجاجات. ويقول مؤيدو
فتح وحماس إن الانتفاضة المسلحة الثانية كانت ضرورية بسبب انهيار عملية السلام وما
يقولون إنها أعمال استفزازية من قبل اليمين الإسرائيلي، وخاصة رئيس الوزراء
الإسرائيلي الراحل أرييل شارون.
وحملت "إسرائيل"
جميع القادة الفلسطينيين، بما في ذلك البرغوثي، المسؤولية عن مئات القتلى من
المدنيين الإسرائيليين، واتهمت البرغوثي بالتدبير الشخصي لبعض من تلك العمليات.
وقال
أحمد غنيم، المقرب منه إن البرغوثي (64 عاما) كان يعارض دائما استهداف المدنيين،
لكن الفصائل الأخرى والمقاتلين الأفراد تصرفوا بشكل مستقل.
وقال
غنيم: "كنا نقاتل الجيش الإسرائيلي، الذي كان يهاجم بلدنا، ويهاجم قرانا،
ويقتل شعبنا.. لكننا لم نستهدف المدنيين أبدا."
وكانت لدى عرب البرغوثي (33 عاما)
رسالة أبسط. وقال: "لقد فقدت إسرائيل مصداقيتها فيما يتعلق بتحديد من هو
القاتل".
إن قصة حياته هي في حد ذاتها تذكير
بغموض موقف والده السياسي. وتنظر إليه العديد من الدول الغربية بهدوء على أنه زعيم
فلسطيني محتمل، على الرغم من سجله.
عرب البرغوثي، الابن الأصغر من أربعة
أبناء ، يتحدث الإنجليزية بطلاقة بعد أن درس للحصول على درجة الماجستير في العلوم
المالية في كاليفورنيا.
ويقول إن السبب وراء شعبية والده
الكبيرة، كما يقول أنصاره، وخوف "إسرائيل" الشديد منه، هو أنه يتمتع
بجاذبية نادرة لدى مختلف أجنحة الرأي العام الفلسطيني.
وباعتباره زعيما لفتح، يمثل البرغوثي
الجناح التقليدي والعلماني للقضية الفلسطينية، والذي يطلق عليه غالبا
"المعتدل".
لقد قبل عملية السلام واتفاقيات أوسلو
التي تفاوض عليها زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس الوزراء
الإسرائيلي إسحاق رابين، قبل مقتل الأخير على يد متطرف يميني. وهذا يعني أنه قبل
بوجود دولة "إسرائيل"، وهو يتماشى سياسيا مع الدعوات الغربية لحل
الدولتين.
لكن دوره في الانتفاضة الثانية كقائد
للجناح العسكري لفتح، كتائب شهداء الأقصى، منحه الشرعية لدى "المقاومة"،
تلك الفصائل التي لا تزال في حالة حرب مع "إسرائيل".
وفي الضفة الغربية، مكان قاعدته
الشعبية، تعني إقامته الطويلة في السجن أنه تجنب الوصمة المرتبطة بزملائه في فتح،
بما في ذلك الرئيس عباس، المتهم بالفساد في الإدارة اليومية للأراضي وبتقديم
التنازلات لـ"إسرائيل" مقابل عائد ضئيل.
وأشار استطلاع للرأي بين الفلسطينيين
أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في كانون الأول/ ديسمبر، وهو
مؤسسة بحثية محترمة، إلى أن البرغوثي سيحصل في اقتراع ثلاثي للرئاسة على 47 بالمئة
من الأصوات، مقابل 43 بالمئة لإسماعيل هنية، زعيم حماس، الذي ارتفعت مكانته منذ
بدء الحرب. وسيحصل عباس (88 عاما) على 7 بالمئة فقط.
ويقول غنيم إن جاذبية البرغوثي لكل من
الضفة الغربية وغزة هي السبب وراء مخاوف "إسرائيل" من إطلاق سراحه.
وقال: "إن إسرائيل تحكمها حكومة يمينية أصولية لا تريد أن ترى عنوانا موحدا
للشعب الفلسطيني".
أشارت تقارير الليلة الماضية إلى أن
حماس كانت على وشك الرد على عرض وقف إطلاق النار الذي سيتضمن تبادل تدريجي للأسرى
بالرهائن على مدى ستة أسابيع.
وتريد الولايات المتحدة وحلفاؤها في
العالم العربي أن يتبع الاتفاق مفاوضات لتشكيل حكومة جديدة في غزة، ويفضل أن
تقودها سلطة فلسطينية موحدة تحت قيادة متغيرة، مع تهميش حماس.
ولا توجد آلية واضحة لإقالة عباس
واستبداله. ومع ذلك، يعتقد عدد قليل من الدبلوماسيين أنه قادر على تحقيق التغيير
الذي طالبت به "إسرائيل" أو الفلسطينيون أو المفاوضون لأسباب مختلفة.
ولن ترغب "إسرائيل" في قبول
البرغوثي كبديل أيضا. لكن عرب البرغوثي قال إن من مصلحة "إسرائيل" أن
تفعل ذلك، وأن تقبل تسوية للنزاع قبل أن ينقلب الرأي العام العالمي ضدها بشكل حاسم
ومع زعيم مثل والده الذي قبل بوجودها.
وقال: "إن والدي يقدر السلام. لم
يطالب قط بتدمير أي دولة، بما في ذلك إسرائيل. لقد قال دائما إنه يريد أن يعيش
الناس بكرامة، وألا يكون الشعب الفلسطيني استثناء".