نشرت مجلة "
ايكونوميست" البريطانية، مقالا، قالت فيه "إن انتصار إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967 كان قد قوبل باللاءات الثلاث.. في القمة العربية التي انعقدت في الخرطوم: لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بها، لا مفاوضات".
ويقول المسؤولون الأمريكيون، إن "الحرب في
غزة يبدو أن لها تأثيرا معاكسا. إن السعودية، أهم دولة عربية، تقول نعم للسلام والمفاوضات والاعتراف بالدولة اليهودية، إذا وافقت إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، الذي احتلته عام 1967".
وتابعت
الصحيفة: "ربما يكون هناك نعمان آخران معروضان: نعم للضمانات الأمنية العربية لإسرائيل، علاوة على العلاقات الدبلوماسية السلمية؛ ونعم لمساعدة الدول العربية في إصلاح السلطة الفلسطينية المتمتعة بالحكم الذاتي حتى تكون قادرة على السيطرة على غزة".
وأوضحت أن هذه هي الرسالة التي حملها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني
بلينكن، إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، هذا الأسبوع، بعد جولته في المنطقة العربية، وهي جولته الإقليمية الخامسة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر؛ ولكن إذا حكمنا من خلال رد فعل رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، فإن "إسرائيل أصبحت الآن هي الرافضة".
واسترسلت: "تبدو التوقعات في الشرق الأوسط قاتمة. ويتبادل حلفاء إيران في لبنان إطلاق النار بشكل منتظم مع إسرائيل. ويهاجم الموجودون في سوريا والعراق واليمن القوات الأمريكية. وقبل يومين من وصول بلينكن، أصابت الضربات الأمريكية ضد القوات المدعومة من إيران 85 هدفا في المنطقة".
وفيما تشير التقارير إلى استشهاد أكثر من 27 ألف فلسطيني في غزة بعد أربعة أشهر من الحرب، مع نزوح معظم سكان القطاع ومواجهتهم المرض والجوع. تواجه دولة الاحتلال الإسرائيلي اتهامات بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية. وفي نظر كثيرين، تلطخت سمعة أمريكا أيضا بسبب الدعم العسكري والسياسي الذي يقدمه الرئيس، جو بايدن، لمساعي الاحتلال الإسرائيلي لتدمير حماس.
ومع ذلك، بينما يتنقل بين القصور العربية الرخامية، والمكاتب السياسية الرتيبة في دولة الاحتلال الإسرائيلي، يسعى بلينكن إلى تحويل كارثة غزة إلى فرصة للسلام. وبدا المسؤولون الأمريكيون مبتهجين بمحادثاتهم مع ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي محمد بن سلمان.
وأردفت: "لقد تم التعامل مع السعودية ذات يوم على أنها "منبوذة"، على حد تعبير بايدن السابق، وأصبحت شريكا رئيسيا في الاستراتيجية الدبلوماسية الأمريكية الطموحة. ويتضمن ذلك تأمين وقفة "ممتدة" للقتال في غزة من خلال تبادل الأسرى، وربما يؤدي ذلك بدوره إلى وقف دائم لإطلاق النار، وقبول إسرائيل للدولة الفلسطينية، واعتراف المملكة العربية السعودية بإسرائيل والتزامات أمنية أمريكية جديدة".
وتابعت: "يبدو بلينكن مقتنعا بأن اللحظة التي تعيشها إسرائيل اليوم، بدلا من عام 1967، أقرب إلى ما بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 والانتفاضة الفلسطينية في عامي 1987 و1991. وفي هذه الفترات، أدّت آلام الصراع، على التوالي، إلى معاهدة السلام مع مصر في عام 1979 واتفاقيات أوسلو في عام 1993 التي أدت إلى إنشاء السلطة الفلسطينية".
ومع ذلك، فإن "الطريق إلى اتفاق إقليمي ليس مضمونا على الإطلاق. فمن ناحية، فإن اتفاق الأسرى، وهي الخطوة الأولى الأساسية في الخطة الأمريكية، يرتكز على رجل يعزم الإسرائيليون على قتله: يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة. ويعتقد أنه يختبئ مع الأسرى في شبكة الأنفاق التي بنتها حماس تحت غزة".
اظهار أخبار متعلقة
وأردفت: "جلب بلينكن ما اعتقد أنها أخبار تبعث على الأمل على هذه الجبهة. في 6 شباط/ فبراير، أخبره أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، أنه تلقى للتو ردا من حماس على صفقة الأسرى التي صاغتها إسرائيل وأمريكا ومصر وقطر. لقد اعتبرت قطر الإجابة "إيجابية"، واعتبرتها أمريكا معيبة ولكنها قابلة للتطبيق. لكن نتنياهو وصفها بأنها "أوهام".
وأكدت: "إذا نجحت، فسيكون هناك الكثير من المساومة حول من سيتم إطلاق سراحه وبأي ترتيب. وتظل النقطة الشائكة الكبرى هي ما إذا كان القتال سيستمر بعد الهدنة، كما تقول إسرائيل. وتصر حماس على وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب إسرائيلي من غزة. الحل الوسط الأرجح هو التوصل إلى اتفاق على مراحل. وتأمل أمريكا أن يساعد حتى التوقف المؤقت، قبل بداية شهر رمضان المبارك في أوائل شهر آذار/ مارس، في تغيير عقلية الجانبين، مما يسمح لهما بالتفكير في "اليوم التالي".
كذلك، كل هذا يسلط الضوء على نتنياهو، الذي أعلن عن نيته القتال من أجل "النصر المطلق" ومعارضته لأي دولة فلسطينية. ويريد القادة العرب من أمريكا أن تمارس المزيد من الضغوط عليه.
في الوقت الحالي، وعلى الرغم من الخلاف العام المتزايد، تعتقد إدارة بايدن أن وقف تدفق الأسلحة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي لن يؤدي إلا إلى تشجيع حماس وأعضاء آخرين في "محور المقاومة" الإيراني.
وبدلا من ذلك، شدد بلينكن على "أهمية اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين في غزة، والسماح بدخول المزيد من الإمدادات الإنسانية. وفي الأول من شباط/ فبراير، فرضت أمريكا أيضا عقوبات على أربعة مستوطنين يهود متهمين بارتكاب أعمال عنف ضد الفلسطينيين"، وهو الأمر الذي انتقده نتنياهو ووصفه بأنه "إشكالي للغاية".
ويعتقد بلينكن أن المنطقة على مفترق طرق. أحد الطرق يقود إلى الخلاص، من خلال "مستقبل إيجابي وقوي للغاية.. يدمج إسرائيل بشكل حقيقي في المنطقة ويلبي احتياجاتها الأمنية الأكثر عمقا"، وأيضا "يستجيب لتطلعات الشعب الفلسطيني".
اظهار أخبار متعلقة
أما الطريق الآخر فيؤدي إلى الهلاك، مع استمرار القتال في غزة وتصاعد الحرب مع حلفاء إيران. وعلى الرغم من أنه لم يوضح ذلك، يبدو بلينكن قلقا بشأن احتمال تقدم قوات الاحتلال الإسرائيلية إلى رفح في الطرف الجنوبي من قطاع غزة.
ويتركز الفلسطينيون بشكل متزايد هناك، ويكمن الخطر في دفعهم عبر الحدود إلى سيناء. وفي محاولة لطمأنة رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، أعرب بلينكن عن "رفض أمريكا لأي تهجير قسري للفلسطينيين من غزة".
وتحث أمريكا، دولة الاحتلال الإسرائيلي، على الموافقة على "مسار عملي ومحدد زمنيا ولا رجعة فيه لإقامة دولة فلسطينية، كجزء من اتفاق رباعي الأطراف بين أمريكا وإسرائيل والسلطة الفلسطينية والسعودية". وستعرض أمريكا معاهدة دفاعية مع السعودية وتكنولوجيا نووية مدنية.
ومن أجل تحسين الصفقة بشكل أكبر، تفكر بعض الدول العربية في تقديم "ضمانات أمنية" إضافية لدولة الاحتلال الإسرائيلي. لم يتم تحديد هذه حتى الآن، على الرغم من أنه من غير المرجح أن تنطوي على معاهدة دفاع رسمية. ولا تمتلك دول الخليج جيوشا كبيرة، ولا تريد أن تكون في طليعة المواجهة الأمريكية الإسرائيلية مع إيران.
ولكن قد يكون هناك شيء أكثر مرونة في المستقبل القريب. وتشمل الخيارات المزيد من تبادل المعلومات الاستخبارية وإنشاء منطقة دفاع جوي مشتركة قوية. بل إن البعض يتحدث عن مناورات عسكرية مشتركة، وهو أمر غير معتاد. وقال بلينكن إن "هذه الدول العربية، مستعدة للقيام بأشياء مع إسرائيل ومن أجلها لم تكن مستعدة للقيام بها في الماضي".
اظهار أخبار متعلقة
علاوة على ذلك، تبدو الدول العربية مستعدة لمساعدة السلطة الفلسطينية في إصلاحها. من المقرر أن يجتمع وزراء خارجية السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن مع مسؤولين من السلطة الفلسطينية في الرياض يوم 8 شباط/ فبراير لمناقشة الحوكمة. وتشير بعض المصادر العربية إلى أن الأردن يمكن أن يساعد في تدريب قوات الأمن الفلسطينية، ويمكن للإمارات أن تساعد في تحسين إدارة السلطة الفلسطينية.
لقد أوضحت الدول العربية، أنها لن ترسل قوات حفظ السلام إلى غزة، إذا غادر الإسرائيليون غزة. ولن يدفعوا تكاليف إعادة بناء القطاع ما لم يكن هناك التزام إسرائيلي بإقامة دولة فلسطينية. ومع ذلك، يبدو أنهم يدركون أنهم بحاجة إلى تحمل مسؤولية أكبر فيما يتعلق بتسوية القضية الفلسطينية القديمة، أو المخاطرة باستغلال إيران وغيرها من المتطرفين لهذه القضية لصالحهم.
وختمت
الصحيفة، تقريرها، مستفسرة: "في السر، يقال إن نتنياهو أكثر مرونة مما يسمح به. فهل يستطيع أن يحمل نفسه على قول نعم للسعوديين؟ وإذا رفض فهل من سيحل محله سيكون أكثر استعدادا؟ لا بلينكن ولا أي شخص آخر متأكد من ذلك".