قد يظنّ البعض
أنّ اتهام الولايات المتحدة بإطالة عمر الحرب في أوكرانيا هو مغالاة، أو ربّما
تحامل على إدارة الرئيس الأمريكي جو بادين، لكنّ الوقائع تظهر ما هو خلاف ذلك. هذه
الحقيقة لا يخجل المسؤولون الأمريكيون أنفسهم من قولها علنا، في المؤتمرات
الصحافية وأمام شاشات الكاميرات وبوضوح واضح وفاضح.
في معرض إرسال
التطمينات للناخب الأمريكي، كشفت نائبة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية
فيكتوريا نولاند، خلال حديث صحافي قبل أيام، أنّ "الجزء الأكبر من الأموال
التي تخصّصها واشنطن من أجل دعم كييف سيبقى ضمن الاقتصاد الأمريكي"، محاولة
من خلال ذلك عدم إثارة حساسية الناخبين الأمريكيين عشية انطلاق الحملات الانتخابية
للرئاسة الأمريكية.
في الوقت نفسه
أعربت نولاند عن ثقتها بأنّ مجلس النواب الأمريكي "سيدافع عن الحرية
والديمقراطية في جميع أنحاء العالم"، من خلال الموافقة على مخصصات إضافية في
الميزانية لدعم كييف، وغيرها مثل إسرائيل وتايوان، وذلك بعد انتهاء العطلة
البرلمانية بعد نحو أسبوعين،
إدارة بايدن لا تخسر شيئا من الحرب في أوكرانيا، بل على العكس فإنّها من خلال تلك الحرب تضخّ الأموال في سوق السلاح، وتخلق فرصَ عمل جديدة في الولايات الأمريكية، وفي الوقت نفسه تضغط على خصومها وحلفائها عبر تلك الحرب، التي تظهر الأحداث كم هي اليوم غير مجدية ولا طائل منها، خصوصا مع تقدم الجيش الروسي على الجبهات كافة، في مقابل تعثّر الجيش الأوكراني المنهك، والذي تحول إلى الدفاع بدلا من الهجوم
مذكّرة بأنّ "الجزء الأكبر من الأموال يعود
مباشرة وفورا إلى الاقتصاد الأمريكي من أجل إنتاج المزيد من الأسلحة"، وكذلك
يساهم الدعم المُقدم أمريكيا إلى أوكرانيا في "خلق وظائف جيدة الأجر في نحو
40 ولاية أمريكية".
باختصار شديد،
كشفت نولاند أنّ إدارة بايدن لا تخسر شيئا من الحرب في أوكرانيا، بل على العكس
فإنّها من خلال تلك الحرب تضخّ الأموال في سوق السلاح، وتخلق فرصَ عمل جديدة في
الولايات الأمريكية، وفي الوقت نفسه تضغط على خصومها وحلفائها عبر تلك الحرب، التي
تظهر الأحداث كم هي اليوم غير مجدية ولا طائل منها، خصوصا مع تقدم الجيش الروسي
على الجبهات كافة، في مقابل تعثّر الجيش الأوكراني المنهك، والذي تحول إلى الدفاع
بدلا من الهجوم.
وكانت الإدارة الأمريكية
قد أرسلت، في وقت سابق، طلبا إلى الكونغرس من أجل الحصول على مخصصات إضافية من
ميزانية السنة المالية الحالية 2024، والتي بدأت في الولايات المتحدة منذ الأول من
9 تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، وذلك من أجل تقديم المساعدة لإسرائيل وأوكرانيا
وكذلك لمواجهة الصين وروسيا في آسيا ومنطقة المحيط الهادئ.
وفي 13 شباط/ فبراير
الفائت، أقرّ مجلس الشيوخ بدعم من بعض الجمهوريين، نسخة بديلة لمشروع القانون الذي
ينصّ على تخصيص 95 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا وإسرائيل وتايوان. لكنّ المشروع
لا يتضمن بنودا من أجل تشديد الرقابة على الحدود الجنوبية الأمريكية، فتمّ رفضه من
مجلس النواب الذي دخل منذ 15 شباط/ فبراير في عطلة ستمتد إلى أسبوعين من دون
التصويت على مشروع القانون.
ومع كل يوم
تتأخّر فيه تلك
المساعدات والأسلحة عن أوكرانيا، يتكبّد الجيش الأوكراني خسائر
بشرية ويتراجع في الميدان صوب العمق الغربي، مما يجعل الأراضي الأوكرانية مفتوحة
أمام القوات الروسية.
ونتيجة لذلك،
استطاع الجيش الروسي في غضون الأيام القليلة الماضية من احتلال بلدة أفدييفكا
الواقعة في إقليم دونيتسك، وهو ما يعتبر نجاحا كبيرا لموسكو منذ الاستيلاء على
مدينة باخموت،
مع كل يوم تتأخّر فيه تلك المساعدات والأسلحة عن أوكرانيا، يتكبّد الجيش الأوكراني خسائر بشرية ويتراجع في الميدان صوب العمق الغربي، مما يجعل الأراضي الأوكرانية مفتوحة أمام القوات الروسية
في حين تحمّل كييف الإدارة الأمريكية مسؤولية ذلك، نتيجة غيابها عن
الجبهة منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبرر الفائت، أي منذ انطلاق الحرب في قطاع غزة
وتحوّل الاهتمام الأمريكي نحو الشرق الأوسط لدعم الجيش الإسرائيلي.
وفيما اعتبر وزير
الخارجية الأوكراني دميتري كوليبا أنّ المناطق التي خسرتها قوات بلاده ليست
"ذات أهمية استراتيجية"، أدان الرئيس الأوكراني فلاديمير
زيلينسكي "تآكل تضامن" المجتمع الدولي تجاه بلاده، وبدأ بالاعتراف بأنّ
الوضع بات "صعبا للغاية" في نقاط عدّة على خطوط المواجهة.
وتمكّن الجيش
الروسي من اختراق الدفاعات الأوكرانية في مدينة أفدييفكا مقتربا من الطريق الرئيسي
الذي تتلقى عبره القوات الأوكرانية إمداداتها، غير أنّ تقدم الجيش الروسي الأبرز
خلال اليومين الماضيين كان نحو البحيرة الزرقاء (أو بحيرة مقلع الحجارة). إذ أشارت
تقارير إلى أنّ القيادة الأوكرانية طلبت من قواتها الانسحاب خشية وقوعها في دائرة
الحصار، خصوصا أنّ القوات الروسية استطاعت التقدم نحو الجنوب الغربي في أفدييفكا
نحو آخر طريق إمداد للقوات الأوكرانية.
وأضافت التقارير
العسكرية إلى أنّ القوات الروسية بدأت تدخل بلدة برفومايسكا غربي أفدييفكا، الأمر
الذي مهّد لتطويق القوات الأوكرانية في أفدييفكا، التي شكلت مصدر إزعاج لمدينة
دونيتسك، حيث كانت مصدر إطلاق القذائف على عاصمة الإقليم منذ بدء العملية العسكرية
الروسية الخاصة في أوكرانيا.
كل ذلك يؤكد أنّ
الولايات المتحدة ليست متضررة من الحرب في أوكرانيا، بل على العكس فإنّها تستغلّ
تلك الفرصة داخليا وخارجيا لتحقيق أهداف استراتيجية واقتصادية، وكلما طال أمد
الحرب، تراكم واشنطن
المكاسب.