اقتصاد عربي

كيف سيؤثر "التعويم الرابع" للجنيه في عهد السيسي على المصريين؟

هل ستنخفض الأسعار في مصر بعد تحريك سعر صرف الجنيه؟ - جيتي
هل ستنخفض الأسعار في مصر بعد تحريك سعر صرف الجنيه؟ - جيتي
اتخذ البنك المركزي المصري ثلاثة قرارات اقتصادية مثيرة للجدل في اجتماع استثنائي صباح الأربعاء، معلنا عن التعويم الرابع للعملة المحلية في عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، ومذكرا بقرارات التعويم السابقة التي أضرت بحياة ملايين المصريين.

قرار التعويم المرتقب من فترة جاء بعد لحظات من قرار المركزي المصري برفع أسعار الفائدة بنسبة كبيرة وتكاد تكون غير مسبوقة في مرة واحدة حيث بلغت 6 بالمئة، في قرار تبعه طرح بنكا "الأهلي" و"مصر" الحكوميين، شهادة ادخار جديدة بفائدة 30 بالمئة.

وفي الاجتماع الاستثنائي وفي خطوة مهدت لقرار مرونة سعر الصرف؛ قرر المركزي المصري، رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية بواقع 600 نقطة أساس ليصل إلى 27.25 بالمئة، و28.25 بالمئة و27.75 بالمئة، على الترتيب، ورفع سعر الائتمان والخصم بواقع 600 نقطة أساس إلى 27.75 بالمئة، ما جعل مصر تسجل سادس أعلى معدل فائدة في العالم.

اظهار أخبار متعلقة


وبعد فترة من اللغط الكبير، بدأ البنك المركزي المصري، تخفيض سعر صرف الجنيه ليبلغ سعر الدولار 45 جنيها بحلول الساعة 10.30 بتوقيت القاهرة، وفق البنك التجاري الدولي -أكبر بنوك القطاع الخاص- ما يمثل تراجعا بنسبة 46 بالمئة.

وأعلن البنك السماح بتحديد سعر صرف الجنيه، وفقا لآليات السوق والعرض والطلب في البنوك، وسط رغبة حكومية في التخلص من الآثار السلبية للسوق الموازية على شح الدولار ببنوكها، وتعجيل وصول التضخم إلى مساره النزولي، وضمان انخفاض المعدلات الشهرية للتضخم.

ثالث قرارات صباح الأربعاء في الاجتماع الاستثنائي، جاءت بطرح البنك الأهلي المصري شهادة جديدة، ثلاث سنوات متناقصة بسعر سنوي 30 بالمئة السنة الأولى، 25 بالمئة للسنة الثانية، و20 بالمئة للسنة الثالثة، ويصرف العائد بدورية سنوية.

كما أنه تبع القرارات الثلاثة، إعلان البنك المركزي المصري عن مؤتمر صحفي مساء الأربعاء، والذي استبقته وسائل إعلام محلية بالحديث عن توقعات بإعلان اتفاق مصري مع صندوق النقد الدولي، نقلا عن مصدر مصري رفيع المستوى.

اظهار أخبار متعلقة


وقبل أيام، توقع ثلاثة خبراء مصريين في حديثهم لـ"عربي21"، حدوث تعويم وشيك، يطال اقتصادا متهالكا يعاني من أزمات هيكلية حادة، وأكثر من 106 ملايين نسمة يواجهون أسوأ أزمة تضخم، وأسواقا تشهد نقصا مزمنا بالعملة الأجنبية مع دين خارجي يقدر بـ165 مليار دولار، وضغطا مستمرا على الجنيه، وفي وضع يزداد تأزما بتراجع إيرادات قناة السويس بفعل التوترات الجيوسياسية جنوب البحر الأحمر.

"آثار سريعة"

وفي تأثير سريع وخلال ساعات لقرارات صباح الأربعاء الثلاثة، تهاوت قيمة الجنيه المصري مع وصول سعر الدولار رسميا حد الـ46 جنيها مرتفعا من نحو 30.80 جنيه وذلك خلال نحو ساعتين من القرار، ليتخطى معدل الـ50 جنيها رسميا في تعاملات الظهيرة بالبنوك، ووفقا لبيانات مجموعة من بورصات لندن.

وأكد أحد المتعاملين في سوق العملة الموازية لـ"عربي21": "كنا ننتظر القرار، والسوق السوداء مدركة لأبعاده وآثاره، بل وصار لدينا خبرة من التعويمات السابقة في عهد السيسي".

وأوضح أن "سعر الدولار في السوق المحيطة به يجري تداوله بنحو 46 جنيها عقب القرار، واليورو بنحو 49 جنيها"، متوقعا حدوث "موجة من النزول في السوق السوداء، يتبعها ارتفاع جديد للسوق"، دون أن يحدد موعدا متوقعا لنهاية موجة الهبوط وعودة انتعاش السوق الموازية.

اظهار أخبار متعلقة


لكنه في نهاية حديثه ربط الأمر، بما أسماه "استمرار الحكومة في توفير الدولار للتجار والمستوردين من السوق الرسمية من عدمه"، مبينا أن "نزول الدولار في السوق السوداء جاء بسبب توجيه حكومي بتوفير العملات للمستوردين، ما إن حدث غير ذلك تعود الأمور لسابقتها".

وكان لتلك القرارات الأثر السريع على البورصة المصرية التي حققت قمة تاريخية جديدة وقفزت 5 بالمئة بتداولات 5.6 مليار جنيه حيث ارتفعت مؤشرات البورصة في منتصف جلسة الأربعاء، وسط مشتريات من المؤسسات المحلية بقيمة 408.9 مليون جنيه.

كما أن قرارات توحيد أسعار الصرف أو السماح بمرونته في القطاع المصرفي الرسمي، دفع السندات المصرية إلى أعلى وفق وكالة رويترز.

لكنه، وبعد قرارات صباح الأربعاء، حدث شبه توقف في البيع والشراء بسوق الذهب الذي أصابه ارتباك كبير، وتوقفت حركة البيع في سوق السيارات الملاكي بشكل كامل لحين ثبات أسعار الدولار في البنوك مقابل الجنيه، وفق مواقع محلية.

وعلى الجانب الآخر، توالت تصريحات المسؤولين المصرفيين المصريين المتفائلة بآثار القرارات الثلاثة، والمبشرة بتدفق العملات الصعبة على البنوك المصرية واختفاء السوق الموازية.

وقال رئيس بنك مصر محمد الإتربي لفضائية "إكسترا نيوز" المحلية، إن "إحدى المؤسسات الأجنبية قامت بإيداع 25 مليون دولار بالبنك عقب قرارات المركزي اليوم".

ونفى رئيس مجلس إدارة البنك التجارى الدولى هشام عز العرب، وجود سلبيات لقرار تعويم اليوم، مؤكدا أن الإدارة الحالية تتعامل مع مشكلة الدولار من منظور مختلف عن الطريقة التي تم التعامل بها مع أزمة 2016، قائلا: "متفائلون، والإدارة الحالية تعطي رسالة طيبة للدول الخارجية".

وقال رئيس بنك "قطر الوطني" محمد بدير، في تصريحات صحفية: "البنوك وضعت سعرا مناسبا للدولار ولم تعد هناك حاجة للتعامل مع السوق الموازية".

"الأسعار.. أول الآثار"

وفي تعليقه، على قرار مرونة سعر الصرف أو التعويم الرابع في عهد السيسي، وتأثيره على الاقتصاد، والأسواق المحلية، وأسعار السلع، والسوق الموازية للعملات الصعبة، وتدفق الاستثمار الخارجي، وعلى قرض صندوق النقد الدولي، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب، إن "الأمر كان متوقعا أو كان منتظرا منذ فترة".

وفي حديثه لـ"عربي21" أضاف: "اتخذ البنك المركزي عدة قرارات يمكن وصفها بأنها تنفيذ لجزء من تعهدات مصر لصندوق النقد الدولي، بانتهاج سياسات سعر صرف مرن، وانتهاج سياسات من شأنها استهداف التضخم".

ولفت إلى أن "قرارات رفع سعر الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس بمقدار حوالي 27 بالمئة، وإصدار البنك الأهلي ومصر شهادات جديدة بعائد 30 بالمئة، وقرار مرونة سعر الصرف، دفعت سعر صرف الدولار  لما بين 45 و47 جنيها بعد ساعتين من القرار، وفي اعتقادي أنه بنهاية اليوم قد يصل 50 جنيها، وربما قبل نهاية الأسبوع ربما يصل إلى 55 أو 65 جنيه لكل دولار".

وحول قياس أثر هذه القرارات يعتقد عبدالمطلب، أنه "أمر يحتاج إلى بعض الوقت لتحقيق قياس دقيق؛ لكن أعتقد أنه قد يؤثر بشكل سلبي على الأسعار التي تراجع بعضها أو كان يُنتظر أن تتراجع، بل إنها قد ترتفع من جديد، خاصة أسعار السلع الغذائية في مقدمتها اللحوم والدواجن والبقوليات".

 وأضاف: "أيضا قد تؤدي هذه السياسات إلى تأجيل بعض مشروعات الاستثمار وخاصة الأجنبي المباشر منها؛ لحين بيان الموقف حتى وصول رسالة صندوق النقد الدولي، ويعلن أنه تمت المراجعات بنجاح والإفراج عن الشريحة الثانية والثالثة من القرض المقرر لمصر منذ نهاية 2022، أو حتى الإعلان عن اتفاق جديد مع الصندوق".

وفي قراءته لتأثير قراري رفع سعر الفائدة بهذه النسبة الكبيرة، وطرح بنكي الأهلي ومصر شهادة جديدة بفائدة 30 بالمئة، على الاقتصاد المصري، يعتقد الخبير المصري، أن "الكم الموجود حاليا لدى الناس من أموال لاستثماره في هذه الشهادات لن يكون بنفس الحجم الذي كان موجودا بشهادات 27 و25 بالمئة".

وأوضح أن "تلك الشهادات كانت قد استقطبت بالفعل جزءا كبيرا من أموال المودعين"، مبينا أن "مسألة أن يكون هناك كسر للشهادات السابقة لا أعتقد أن يحدث ذلك لأن الثقافة المالية تنتشر، ولذا أرى أنه الإقبال على الشهادات الجديدة لن يكون كبيرا".

وقال إن "الجهاز المصرفي المصري يعتقد أو لديه أمل أنه بعد تخفيض قيمة الجنيه أن تتجه الأرصدة الدولارية لدى الأفراد إلى الجهاز المصرفي الرسمي للاستفادة من سعر الصرف، وهذا قد يوفر سيولة من النقد المصري ما قد يذهب ببعض هذه السيولة للاستثمار بتلك الشهادات، خاصة أن العائد 30 بالمئة وهو عائد كبير بشكل واضح".

ويعني "تحرير سعر الصرف" أو "تعويم الجنيه"، عدم تدخل الحكومة أو البنك المركزي بتحديد سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية، الذي يحدده سوق العرض والطلب، فيما يكون التعويم حرا أو موجها.

وكان أول قرار تعويم للعملة المصرية عام 1977، بعهد الرئيس أنور السادات (1970- 1981)، ليتخذ حسني مبارك قرار التعويم الثاني عام 2003، ليضرب عهد السيسي، الرقم القياسي في مرات التعويم ومعدلاتها.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، كان القرار الأول بالتعويم الذي رفع قيمة الدولار من 7 جنيهات إلى معدل 19 جنيها ثم إلى نحو 14.5 جنيه، ليأتي التعويم الثاني للسيسي في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، فيهوي بقيمة الجنيه بنحو 15 بالمئة إلى 24.4 جنيه للدولار الواحد، ويجري التعويم الثالث مطلع 2023، ليسجل الدولار رسميا نحو 30 جنيها.

"لتمرير القرض"

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور أحمد ذكرالله: "بالطبع هي خطوات متوقعة لها إرهاصات كبيرة؛ وما قبل هذه الخطوة كان مجرد محاولات من الحكومة للبحث عن مصادر دولارية، بل وقالت الحكومة الفترة الماضية إنه لا يمكن التعويم إلا بعد الحصول على مصادر دولارية، وإن هذا التعويم لن يكون له أثرا".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أنه "بالتالي كانت صفقة مشروع (رأس الحكمة) المعلنة بين مصر والإمارات في 23 شباط/ فبراير الماضي، وما أعلن عقبها من مشروعات أخرى بغض النظر عن جديتها أو كونها مذكرات تفاهم حتى الآن".

وتابع: "ثم أيضا ما قيل عن حلحلة في اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي بقيمة 15 إلى 20 مليار دولار بغض النظر عما سيقدمه الصندوق من قرض جديد سواء بـ10 أو 15 مليار دولار ، فلا أحد يعرف حتى الآن".

وقال: "إذا فهناك مصادر دولارية؛ إما دخلت بالفعل الاقتصاد المصري أو منتظر أن تدخل، وبغض النظر عن كميتها؛ وبالتالي فمن وجهة نظر الحكومة والبنك المركزي أصبح المناخ مواتيا لكي يتم هذا التعويم الجديد".

وأكد ذكرالله، هنا على عدة نقاط "الأولى: أن قرار اليوم ليس تعويما بالمفهوم الكامل، ولكنه تعويم مدار كما حدث من قبل في 2022، بمعنى أن هذا الانخفاض في سعر الجنيه سيكون مدارا من قبل الحكومة، وأنها لن تسمح بتعويم كامل على إطلاقه، لاسيما أن الموارد الدولارية الجديدة لم تدخل حتى الآن السوق المصري".

ولفت إلى أنه "من المنطقي أن يتوازى مع ذلك قرار برفع سعر الفائدة لكي لا تحدث عملية جديدة من عمليات الدولرة أو تحويل الودائع المصرية من الجنيه إلى الدولار"، مضيفا أنه "بالتالي نحن أمام متوالية لا نهائية بين خفض الجنيه ورفع سعر الدولار، ثم النزول بشهادات بنكية جديدة بقيم فائدة أعلى".

وفي نهاية حديثه، يعتقد الخبير المصري، أن "كل هذا لن يحل المشكلة الاقتصادية في مصر؛ فالمشكلة أعمق من هذه الإجراءات التي ربما تساهم في الحلحلة أو في حل على المستوى الجزئي، وربما تخفيف الأزمة الحالية بشكل أو بآخر حتى لا تكون المعضلة الكبيرة التي استمرت منذ عامين تقريبا وحتى الآن؛ ولكن الأزمة مستمرة حتى إشعار آخر".

"عزاء الجنيه"

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أثارت تلك القرارات الكثير من الجدل خاصة مع ما عانى منه المصريون من أزمات مالية ومعيشية بعد التعويم الأول في عهد السيسي، تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وما تبعه من تفاقم لأسعار جميع السلع والخدمات بنسب تاريخية لم تتوقف عن الصعود منذ ذلك الحين.

وكتبت صفحة "جمال مبارك رئيسا لمصر": "البقاء لله في الجنيه.. شكرا البنك المركزي".

وقال الكاتب الصحفي جمال سلطان، عبر موقع "إكس": "الاقتصاد لا ينهض بالترقيع، وإنما بحزمة إجراءات متكاملة وشجاعة، لذلك لا أنتظر أي انفراجة في أزمة الدولار في مصر بعد تحرير سعر الصرف، القرار اتخذ فقط لتمرير اتفاق صندوق النقد الدولي، وليس لحل أزمة، إجراء مرحلي، الترمومتر أن تذهب إلى البنك وتشتري الدولار بالسعر المعلن في البنك نفسه".


التعليقات (0)