ما أقبح أن يتحول
الطعام الذي هو بمثابة الحد الأدنى من ضرورات الحياة للبشر إلى سلاح يُشهر في
وجوههم، ليُخضعهم تحت سلطة الابتزاز، ويقيدهم بسلاسل الخنوع والخضوع لخدمة أغراض
وأجندات سياسية لأنظمة وحكومات مستبدة.
فبعيدا عن
مصطلحات الإنسانية وحقوق الإنسان والقانون الدولي، تلك المصطلحات التي كشفت حرب
غزة سوأتها وأسقطت عنها ورقة التوت الأخيرة، تتكشف حقيقة قوى الظلام الاستبدادية
العالمية التي تهيمن وتحكم العالم بأخس الأسلحة وهو الجوع لتحقق به ما لم تحققه
بجبروتها وسلاحها وعتادها.
فغزة هي المنطقة
الوحيدة داخل ما يسمى بالوطن العربي التي ما زالت ترفع راية المقاومة وتحارب من أجل
استقلالها الحقيقي، لذا ما زالوا يحاربونها بكل الوسائل؛ بداية من استخدام الأسلحة
المُحرّمة دوليا ووصولا إلى
التجويع حد الموت، وهو ما يحدث بالفعل بعد أن فشلت أمريكا
وإسرائيل ومعهما أوروبا والعرب في إخضاع أهل غزة بالسلاح والحصار والدمار؛
فاستبدلوا هذا كله بكسرة الخبز.
لكن حرب التجويع
لم تمارس على غزة وحدها.. نعم غزة تموت جوعا بالمعنى الحرفي للكلمة، ولكن لو
اقتربنا أكثر من الصورة لوجدنا على حدود غزة شعب أقدم دولة عرفها التاريخ، الدولة
التي أطعمت العالم وقت المجاعات، شعبها يموت جوعا لكن بصورة أبطأ من غزة.
مَن يُجّوع غزة استغل حربها ليغير ديموجرافيا وجغرافيا المنطقة خاصة مصر، وبخبث الشيطان دبّر الكيان الصهيوني ومعه النظام المصري كيف يلهون الناس ويفرغون هذا الغضب الهائل من النفوس الناتج عن تلك المشاهد المروعة للقتل والقصف والتنكيل بإخوة الدم والدين والعروبة، بل إنهم استغلوا تلك الحرب ليضربوا عدة عصافير بحجر واحد؛ فيمررون من خلال جريمة الإبادة تلك التي تتم في غزة عده كوارث تتم في مصر
مَن يُجّوع غزة
استغل حربها ليغير ديموجرافيا وجغرافيا المنطقة خاصة
مصر، وبخبث الشيطان دبّر
الكيان الصهيوني ومعه النظام المصري كيف يلهون الناس ويفرغون هذا الغضب الهائل من
النفوس الناتج عن تلك المشاهد المروعة للقتل والقصف والتنكيل بإخوة الدم والدين
والعروبة، بل إنهم استغلوا تلك الحرب ليضربوا عدة عصافير بحجر واحد؛ فيمررون من
خلال جريمة الإبادة تلك التي تتم في غزة عده كوارث تتم في مصر، ما كانوا يستطيعون أن
يمرروها، وتكفي واحدة منها لقيام ثورة عارمة لا تبقي ولا تذر، بل واستغلوا الحرب
لإخراج النظام من الزاوية التي كادت أن تطبق عليه.
ولكن كيف حدث
ذلك؟! هذا ما سنحاول إلقاء الضوء عليه..
بدايةً، عذرا
غزة سأتحدث عما يحدث في مصر، ولأن الكل موصول فإن تحرر أحدنا تحرر الآخر بل تحرر
العرب جميعا.
لقد شهدت مصر
خلال 5 أشهر هي عمر الحرب في غزة حتى هذه اللحظة؛ أحداثا وتطورات لا يمكن أن توضع
في خانة المنطق أو الطبيعي أو حتى الصدفة، فتقريبا ما يحدث هناك في غزة يحدث هنا
في مصر خطوة بخطوة مع اختلاف ردات فعل المواطنين..
- التجويع
التجويع في غزة
واضح للعيان لا يحتاج لشرح، أما في مصر بدأ الأمر بارتفاع غامض ومجنون لسعر
الدولار في السوق الموازية في الفترة الفائتة إلى أن وصل إلى 72 جنيها مصريا؛ ففي خلال
أسبوعين فقد أكثر من ثلث قوته، في هذه المدة الصغيرة جدا بل والمتناهية الصغر وللمرة
الأولى في التاريخ، مما ترتب عليه ارتفاع أسعار كافة السلع في الأسواق حتى تلك
التي لا ترتبط بالدولار ولا الاستيراد، فارتفعت أسعار كافة السلع الاستراتيجية مثل
الأرز والفول والزيوت والسكر والبصل والدجاج واللحوم ومنتجات الألبان والأدوية والذهب
والحديد.
كل شيء في مصر أصابه الجنون ووقف الناس عاجزين
أمام كل تلك الضربات المهولة التي لا يمكن تحملها.. الفقر يحوم حول الأسر المتوسط
والمستورة والأسعار في سعار وتجرى بسرعة، بل من يوم إلى آخر ومن ساعة إلى أخرى..
ليس هذا فحسب بل
بدأت بعض السلع تختفي من السوق المصري بالإضافة إلى شلل جزئي في حركة البيع
والشراء قبيل رمضان بسبب الأسعار التي لا يستطيع المواطن المصري إليها سبيلا، وبدا
أن الأزمة آخذة في التنامي، وأخذ الناس يصرخون في الشوارع والبيوت والفيديوهات غير
آبهين بظهور وجوههم أمام النظام القمعي المجرم الذي لا يرحم؛ فمع أقل اعتراض حتى
على الجوع يكون الثمن الاعتقال والسجن، وقد يكون أيضا مصادره ما تبقى من الأموال،
وربما القتل بالتعذيب داخل أقسام الشرطة والمعتقلات، ولكن امام جوع الأطفال خرج الأهل
يصرخون ويئنون ويطالبون إما بتوفير ضروريات الحياة من كسرات الخبز لسد جوع أولادهم
أو اعتقالهم، فلم يعد الآباء يستطيعون مواجهة أطفالهم الجائعين.
وضع النظام
المجرم الشعب تحت ضغط الفقر والجوع والعوز بلا بارقة أمل، وهذا ما نفذه بحذافيره
في غزه التي حاصرها بالجوع، وقرر يطبق نفس السيناريو على الشعب وهذا لعده أسباب..
أولها ألا يفكر
الشعب فيما يحدث في غزة فلا يثور من أجلها ومن تلك المشاهد والاستغاثات التي تحرك
الحجر من خلف تلك الأسوار الحاجزة بين الشعبين الشقيقين؛ فيحن عليها فيضغط على
النظام الذي يضيّق طوق الحصار ويقتل المرابطين على حدود وطنهم هناك جوعا، بحجة أن إسرائيل
تمنع مصر من سيادتها على معبر رفح وستقصف الشاحنات فلا تمكننا من إدخال المساعدات،
ولكنه يدخلها بالطائرات التي من الأسهل استهدافها، بل قرر العسكر استخدام سلاح
الجوع مع الشعبين في نفس الوقت.
أما السبب الثاني
فهو تأهيل الشعب وهو تحت خط النار لتعويم الجديد الذي أفقد الجنيه 65 في المئة من قيمته
(من ثلاثين جنيها إلى خمسين جنيها)؛ فقد استطاع النظام بعبقرتيه كبح جماح الدولار
فجأة فبدلا من سبعين جنيها للدولار أصبح خمسين.. وهكذا مر أكبر تعويم حدث في تاريخ
مصر بل وجعل الشعب فرحين ومهللين به.
وهكذا لعب العسكر
على قوت الشعب المسكين، وخفضوا قيمة الأصول والشركات التي سيبيعونها بحفنه قليلة
من الدولارات تستطيع أن تشتري عدة شركات؛ التي من كد الشعب وعرقة وماله ومستقبلة..
حكم عسكري أكل الأخضر واليابس، وما سيتبع هذا التعويم أشد ألما من السابق، حيث سوف
ترتفع الأسعار مره أخرى لأن الاستيراد سوف يكون على خمسين جنيها للدولار وليس ثلاثين
جنيها، إلى جانب أنه لم يُعد الثقة التي فقدها الجنيه وسيفقدها.
أما السبب الثالث
والأخطر فهو القبول الشعب بأي حل يظهره السيسي ونظامه لمشكلة الجوع التي ضربت ربوع
مصر.. بيع رأس الحكمة؛ حل الحكومة العبقري الذي أطل علينا من العدم "صفعة"
أو كما يسميها النظام صفقة رأس الحكمة، الصفقة التي ظهرت وتمت ومُضي عقودها في أقل
من أسبوع ليخرج الإعلام الحكومي ورئيس الوزراء يهللان ويتمايلان ومعهما كل ضعاف
النفوس الذين وافقوا على البيع تحت مسمى الاستثمار من أجل المن والعسل الذي وُعدوا
به وقت التوقيع، وبعده بأيام تحول المن والعسل لمجرد كسرات خبز، فأموال الصفقة
التي روجوا لها بأنها الحل الأمثل عادوا ليخبروا الشعب أنها لن تكفي لتحقيق أحلامه،
ولكن لا تقلقوا هناك بيع ثان وثالث آتٍ في الطريق ربما.. ربما يطعمكم.
"رأس الحكمة" ليست جريمة بيع لأرض
الوطن فقط، بل أيضا جريمة تهجير قسري لأهلها.. وهذا هو التشابه الثاني لمجريات الأحداث
مع غزة.
- التهجير
فتهجير أهل "رأس
الحكمة" لم يكن التهجير القسري الأول في مصر، فقد سبقه تهجير أهل سيناء
والوراق وضاحية الجميل و7 قرى في مرسى مطروح، والكثير الكثير من مناطق مصر حيث صار
هذا دأب النظام العسكري، فأي مكان يريده المستثمر الاستراتيجي (الامارات) يتم إخلاؤه
قسرا وتسليمه للوسيط الأجنبي.
ما يحدث في مصر هو ما يحدث في غزة بالضبط مع اختلاف شكل المنفذ، ففي غزة المنفذ احتلال صهيوني، وفي مصر احتلال عسكري مصري خاضع للصهيونية
ما يحدث في مصر
هو ما يحدث في غزة بالضبط مع اختلاف شكل المنفذ، ففي غزة المنفذ احتلال صهيوني،
وفي مصر احتلال عسكري مصري خاضع للصهيونية.
لكن الغريب هو ردة
الفعل المختلفة للشعبين؛ ففي مصر تعرض الناس للجوع والتهجير ولكن قبلوا بيع الأرض
بل ورحبوا بذلك هربا من شبح الجوع، أما في غزة، تحت القصف الهمجي والجوع حد الموت،
ما زال الشعب هناك صامدا يأبى الرحيل عن أرضه وتركها نازحا لسيناء كما يريد
الصهاينة ويؤيدهم العالم.
كشفت "رأس
الحكمة" الفساد الفج الذي تغرق فيه مصر، فبعد ساعات من إمضاء عقد البيع ينخفض
سعر الدولار وتبقى الأسعار على حالها!! ينخفض سعر الذهب رغم زيادة سعره
عالميا!!
من رأس الحكمة
وصولا لرأس جميلة بالإضافة للمطارات والموانئ والمصانع والشركات التي أصبحت الإمارات
المالك الأكبر لها في مصر، تليها السعودية وقطر، فليخبرنا السيسي وحكومته أين الأمن
القومي المصري بل أين هي مصر؟ هل ستصبح مصر اسم على خريطة لا يملك المصريين منها
شيئا؟
ولا يحدثنا أفّاق
عن أن هذه الدول لن تأخذ تلك الأرض وتسير بها مبتعدة، فها هي أرض شنقول التي بُني
عليها سد النهضة الذي منع عنا الماء ولا نملك سبيلا لحل أزمته التي تسبب بها أيضا
السيسي ونظامه؛ هي أرض سودانية كانت تحت التاج المصري وأعطتها بريطانيا كحق انتفاع
لإثيوبيا لـ99 سنه فاحتلت بوضع اليد بل واستخدمتها إثيوبيا ضد مصر والسودان، وأصبحت
أرضا إثيوبية قانونا، ويبدو أن هذا ما ينتظر أرض مصر التي فرّط فيها السيسي وجنوده.