ألقت قوات الأمن
المصرية القبض على عشرات المواطنين
الذين شاركوا في مظاهرة نادرة، الجمعة، في منطقة الدخيلة بمحافظة الإسكندرية على البحر
المتوسط تندد بالجوع والفقر والغلاء، بحسب منظمات حقوقية مصرية مستقلة.
وذكرت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان (مستقلة)، أن قوات الأمن فرقت المظاهرة التي رفعت شعار "جوعتنا يا سيسي"، واعتقلت عددا
غير معلوم من المشاركين بها، وأحالتهم إلى مقار الأمن الوطني في منطقة الدخيلة بحي
العجمي غرب محافظة الإسكندرية لاستجوابهم.
وطالبت منظمات حقوقية السلطات المصرية بالإفراج
الفوري عن المعتقلين، الذين خرجوا بشكل عفوي للتعبير عن غضبهم وسخطهم الشديدين من تردي
الأوضاع الاقتصادية التي تسببت بها سياسات النظام الخاطئة.
اظهار أخبار متعلقة
وقال سياسيون وحقوقيون إن تنديد المتظاهرين
بالجوع والفقر لا يمكن فصله عن المطالبة بالحرية وإسقاط النظام الذي فرط في مقدرات
البلاد، حيث ردد المتظاهرون: "ارحل يا عواد"، في إشارة إلى السيسي الذي تنازل عن ثروات المصريين.
واعتبر نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي،
زهدي الشامي، احتجاج مواطني الدخيلة "جرس إنذار"، وقال في منشور له على "فيسبوك"، إن المواطنين أصبحوا عاجزين عن تحمل التدهور الهائل للأوضاع الاقتصادية.
وأظهرت لقطات فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي
خروج مظاهرة نادرة في الإسكندرية، تندد بنظام السيسي، وتتهمه بـ"تجويع المصريين".
ورفع أشخاص لافتات كتبت بخط اليد:
"جوعتنا يا سيسي"، "ارحل يا عواد"، وتعني ذلك الذي باع أرضه.
"كسر حاجز الصمت"
وتصدر وسم (#جوعتنا_ يا سيسي) مواقع التواصل
الاجتماعي في اليوم التالي من انتشار صور وفيديو
التظاهرة، التي انتشرت بشكل واسع على
منصات التواصل.
ويعاني المصريون من أوضاع معيشية كارثية
بعد انهيار الجنيه مقابل الدولار، وارتفاع كبير للأسعار، حيث وصلت أسعار المواد الأساسية
إلى مستويات قياسية لم تشهدها مصر من قبل، فيما اختفت سلع أساسية مثل السكر.
ورغم أن السلطات المصرية تقدر عدد الفقراء
بنحو 29.7 بالمئة من عدد السكان أو نحو 35 مليون مواطن، فإن الإحصائية تعود إلى
عامي 2020/ 2021، ولا تتضمن آثار جائحة كورونا، ولا تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ولا خفض الجنيه 4 مرات قبل تحريره.
وانخفض الجنيه منذ آذار/ مارس 2022 من مستوى
15.5 جنيها إلى نحو 50 جنيها، أي بنسبة انخفاض أكثر من 300 بالمئة، دفعت الأسعار إلى
الارتفاع بنسب بلغت 500 بالمئة منذ ذلك الوقت؛ مثل اللحوم والدواجن والجبن والبيض والألبان
والبقوليات والزيوت، وغيرها من السلع الأساسية.
"لقمة العيش جزء من الحرية"
على المستوى الحقوقي، يقول مدير مركز الشهاب
لحقوق الإنسان، خلف بيومي: "ليست المرة الأولى التي يخرج فيها الناس منددين بالجوع
والفقر وارتفاع الأسعار، فقد سبق أن خرج الناس في مظاهرات في السبعينات بسبب ارتفاع
الأسعار، وساعدهم وقتها الجو العام في مصر أن تكون مظاهرة ضخمة أرغمت النظام على التراجع،
والتعامل الأمني مع التظاهرة جزء من فشل النظام".
وأضاف لـ"عربي21": "خروج
الناس يؤكد حجم ما يعانونه، وعدم قدرتهم على تلبية الحد الأدنى للمعيشة، وهذا أمر يتحمله
النظام، الذي أسرف في مشاريع وهمية وغير ضرورية، والتفت عن السعي لتحسين ظروف المعيشة،
وغر النظام سكوت الناس، ولا يجب أن نربط بين خروجهم بسبب الغلاء وعدم سعيهم للخروج
من أجل الحرية".
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح بيومي: "الناس خرجوا مئات المرات
من أجل الحرية، ودفعوا أثمانا باهظة، ولعلنا لا ننسى أن من مطالب وهتافات الشعب في
25 يناير كان منها العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، الناس لم تخرج من أجل لقمة العيش
فقط؛ لأن الحصول على الحرية حق، وكذلك الحصول على العيش والشعور بالكرامة والعدالة أيضا
حق".
وحمل بيومي النظام "المسئولية كاملة
عن فشله وعدم قدرته على تحسين مستوى معيشة الناس"، مؤكدا دعمه "لكل تحرك
من أجل حق مشروع".
"الثورة الفرنسية .. ثورة جياع"
من جهته، اعتبر السياسي المصري، حاتم أبو
زيد، أن "السعي لتأمين الحياة الكريمة هو سعي في سبيل الحرية، فمن لا يملك لقمة
عيشة ولا يستطيع تأمينها لا يملك حريته، فهو تحت ضغط الحاجة والاضطرار، ويمكن أن يبيع
إرادته، ثم الثورة الفرنسية التي يعتبرونها ثورة حرية ورسخت لمفهوم العقد الاجتماعي
وأنشأت الجمهورية كانت ثورة جياع".
ورأى في حديثه لـ"عربي21" أن
"لدى الناس وعيا سياسيا، فهم رفعوا شعار "جوعتنا يا سيسي"، بما يعني أنهم
يحملون مسؤولية ما هم فيه على المسؤول السياسي الأول في البلد، ثم رفعوا أيضا شعار
"ارحل"، بما يعنى أنهم يعلمون أن حل مشكلتهم المعيشية حل سياسي متعلق بتغيير
السلطة".
وأوضح أبو زيد: "كما تعاملت السلطات
مع هذه المظاهرات بمنتهى الجدية، يجب أيضا على من يسعى للتغيير في مصر أن يتعامل بنفس
الجدية معها، فهذه بداية يمكن أن يعقبها أفعال مماثلة، بعد أن فاض الأمر وطفح الكيل، كما يقول المصريون، حالة الغضب لدى المصريين تمت، ولن تجدي أي محاولات لامتصاصها، خاصة
وهم يرون السلطة لا تأبه بهم ولا تراهم، كما أنه لا يفكر في امتصاص غضب الناس، بل لا
يرى إلا مزيدا من الضغط في مواجهة أي محاولة للتمرد على الأوضاع السيئة القائمة".
"ثورة أم جوع على الأبواب"
في سياق تعليقه، يقول المحلل السياسي، عزت
النمر، إن "الحرية والغذاء صنوان، والفقر المحض يجعل النهوض الروحي أمرا غير ميسور،
وربما تنكسر إرادة قطعان فقيرة من الشعوب، فتنحسر إرادتها في المطالبة برغيف الخبز وليس
شيء سواه، أو ربما هناك فئات قليلة الثقافة تحبس مطالبها فقط في الغذاء؛ مخافة أن تصنف
على أنها من الإخوان، بعدما شيطن النظام الإخوان، وأقر أن كل من يطالب بالحرية أو الكرامة
أو الحفاظ على الهوية ومقدرات الوطن هم من الإخوان".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف لـ"عربي21": "ومع
كل هذا، أعتقد أن مظاهرة الدخيلة ومن خلال الشعارات التي رفعت والهتافات التي قيلت،
من غير الإنصاف أن نقول إنها فقط اعترضت على الجوع، إذ كان من بين الشعارات "ارحل
يا عواد"، وهي كناية عن بيع مقدرات البلد، وبالأخص التنازل عن تيران وصنافير، وهذا
معنى وطني خالص يحسب على الحرية ولا يحسب على الجوع".
وأعرب النمر عن اعتقاده بأن "المصريين
لم يتوقفوا منذ 2013 عن المطالبة بالحرية، والشعب المصري دفع أثماناً باهظة في هذا
السبيل من شهداء ومعتقلين ومطاردين يتجاوز عددهم مئات الألوف، وحينا نصل إلى الفئات
البسيطة التي خرجت تندد بالجوع، فإننا نكون أمام المنعطف الأخير الذي يجد الشعب نفسه
لا ترهبه الآلة الأمنية والاعتقالات، وأنه لم يعد لدى هؤلاء البسطاء ما يخشونه، وهذا
نذير أن الثورة الشاملة على الأبواب، وأن غباء السيسي وفساد نظامه وجنرالاته هو من
سيدعو الشارع للانفجار، بغض النظر عن الدوافع والأسباب".