حاجة الإنسان للإيمان بالبعث والحياة بعد الموت
وباليوم الآخرة؛ ضرورية لاستقامة واستمرار حياة الإنسان في دار الضيافة الإلهية
المؤقتة في كوكب الأرض الصغير والضيق جدا مقارنة ببقية الكواكب.
ما هو الدليل العقلي المادي لحاجة الإنسان
إلى البعث ويوم القيامة؟ وما هو الدور الوظيفي لمفهوم البعث والآخرة؟
1- أمل المؤمن باليوم الآخر في
الغد وحياة أفضل من حياة الدنيا المحكومة بمقابل وتكاليف قد لا نمتلكها ولا نستطيع
الحصول عليها ومن ثم نُحرم من الكثير منها، وتكون محكومة
بحدود وقيود نظم وقوانين قد لا نستطيع تجاوزها بشكل صحيح، فنتعرض لعذاب الحرمان
وعاقبة التجاوز والإجرام، فلا بد من آخرة فيها حياة أفضل ومفتوحة النعم، ومقرونة
بتغير فطرة الإنسان الدنيوية المحدودة للنيل من كل ما يريد بحرية العطاء وحرية
الاستيعاب والاستفادة والتنعم.
2- ثقة واطمئنان المؤمن بتحقق العدل والوفاء بكامل حقوقه، حيث يتفاوت الناس في أرزاقهم من الخلق والنشأة
والصحة والعمر والرزق.. الخ، ومن العدل أن يُعوّض كل ناقص
عن حاجته، وأن يحاسب كل ذي نعمة عن نعمته حتى يقام العدل ويستقيم الأمر ويُحق
الله تعالى الحق.
3- سعادة وترقب المؤمن باليوم الآخر وسكينة نفسه وراحة باله بتشكل بئر الاحتساب العميق في أعماق ذاته؛ منتجا ذاتيا
مستقلا ومتحررا للسعادة من أعماق نفسه، يجري في نفسه الإحساس الدائم بالسعادة ويغسل
عنه كل هم وغم وكدر من شوائب الدنيا، ويمنح الإنسان المؤمن باليوم الآخر قانونا
خاصا به ومغايرا لقوانين الدنيا، وهو قانون كلما زاد الحرمان وزاد التعب والألم
والنصب زاد الجزاء والأجر وعظمت العاقبة، وعندها فقط تتحول مرارة الألم إلى لذة
ونعمة يتذوق حلاوتها المؤمن باليوم الآخر في عالمه الحقيقي الخاص المؤثق له بوعد
الله تعالى له "إِنَّمَا يُوَفي الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ" (الزمر: 10).
4- إحساس
ورضا المؤمن باليوم الآخر بنعم الله تعالى عليه والفرح والرضا بالقليل، إحساسه
بنعمة وجود الله الخالق من العدم، والرب الولي الراعي الأمين، وبنعمة الاهتداء إلى
الله تعالى والإيمان به والإجابة على كل أسئلته الأولية (من أنا؟ ومن خلقني؟
ولماذا خلقني؟ وماذا بعد الدنيا؟).. إدراك أن الدنيا حياة ومرحلة مؤقتة وجسر عبور إلى
الحياة الآخرة الدائمة الأبدية الحقيقية، فإدراك مسئولية الأحمال والأثقال وخطر
تعويقها له عن العبور الى الآخرة؛ يجعله بطبيعته
الإيمانية الذكية يتخفف من
الأحمال ويرضى بالقليل..
5- ثقة واعتزاز المؤمن باليوم الآخر بالله تعالى الخالق الرب الرحمن الرحيم الودود القريب المجيب الذي يؤمن به ويركن
ويتوكل عليه ويواليه ويؤيده وينصره، والاعتزاز بمعرفته بالله وخياره الإيماني والاعتزاز
بذاته الإيمانية بالله تعالى، والإحساس بالتمايز الإيماني والتناغم مع كل
المخلوقات المؤمنة بالله تعالى، وإعلان البراءة من المتمردين على الله والخارجين
عن كل المخلوقات؛ الكافرين بالله تعالى.
6- يجدّ المؤمن باليوم الآخر بحشد
كل تفكيره واهتماماته وأولوياته نحو بوصلة واحدة راسخة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل؛ هي
عبادة وإرضاء لله تعالى وحمل أعظم رسالة، ومهمة وهدف كبير في الحياة بنصرة وتمكين
دين الله تعالى في كوكب الأرض وأن يعيش رحمة للعالمين.