قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن
غزة
التي لا تزيد مساحتها على الـ140 ميلا حولها
الاحتلال إلى مقبرة خشنة وفي كل مبنى أو
بناية دفن تحت ركامها بشر.
وأشارت الصحيفة في تقرير ترجمته
"عربي21" إلى أن آخر رقم موثق لعدد من دفنوا تحت الركام، هو 7 آلاف شخص،
لكن الرقم لم يحدث منذ تشرين الثاني/ نوفمبر وتقول وزارة
الصحة ومسؤولي الإغاثة، إن أعدادا أخرى أضيفت إلى الرقم، في الأسابيع والأشهر التي
تلت.
وتم دفن البعض بسرعة بدون تسجيل أسمائهم في
عداد الموتى، فيما تركت جثث الآخرين لتتعفن في العراء، نظرا لعدم الوصول إليها
بسبب خطورة الأوضاع. وهناك من اختفوا وسط الفوضى والقتال والاعتقال الإسرائيلي.
أما البقية فيحتمل أنهم لا يزالون عالقين تحت الأنقاض.
وتضاعفت أكوام الأنقاض منذ 7 تشرين
الأول/ أكتوبر، فبعد كل غارة جوية يتجمع المسعفون أو من يعتقد أنهم مسعفون، وهم
أفراد في الدفاع المدني وأفراد العائلة والجيران حيث إنهم يحاولون الحفر وسط حطام
البيوت والبنايات. إلا أن الآمال تتلاشى بسرعة، ويعثر عن الأشخاص الذين يبحثون
عنهم في الأنقاض بعد أيام وأسابيع أو بعد أشهر.
ويشكل المدفونون تحت الأنقاض حصيلة ظل في غزة
ونجمة رمادية في أرقام وزارة الصحة التي سجلت الحصيلة بأكثر من 32,000 ويظلون جرحا
مفتوحا لعائلاتهم التي تنتظر معجزة للعثور عليهم. وقد قبلت معظم العائلات بأن
المفقودين هم ميتون ومن غير الواضح إن كانت التقديرات الخاصة عن المفقودين
تنعكس في الأرقام الرسمية.
اظهار أخبار متعلقة
ومن الصعوبة بمكان البحث عن جثث في الحطام وسط
القصف المتواصل وتبادل إطلاق النار والغارات الجوية. وفي بعض الأحيان تكون عملية
البحث صعبة نظرا للمسافة البعيدة التي تفصل أفراد العائلة الذي غادروا بحثا عن
أماكن آمنة. وتظهر الصور التي جاءت من غزة، رغبة العائلات في استعادة الموتى يوما
ما، فقد كتب على بناية مدمرة "عمر الرياطي وأسامة بدوي تحت الأنقاض".
وقال سالم قاسم الذي فر من بيت حانون نحو
جباليا "عائلتي تحت الأنقاض منذ أربعين يوما ولا نستطيع الوصول إليهم".
وقال إنه سارع نحو بيت حانون ليكتشف أن بيت والده المكون من ثلاثة طوابق دمر
تماما. ولم يستطع العثور على والده ولا زوجة والده وأخواته وأخيه.
وحاول الحفر لكنه توقف بعد تعرض الحي لقصف
جديد، وحتى لو استطاع تجنب الجيش الإسرائيلي الموجود في المنطقة فإنه لن يعثر
على جثث ولكن على رماد، كما قال.
وعندما تنهار البنايات المتعددة الطوابق فمن
الصعب تمشيط تلة الأنقاض بدون آليات ثقيلة وغير المتوفرة في العادة. وتعاني غزة من
حصار شامل فرضته إسرائيل ومصر ويحظر دخول المعدات الثقيلة المستخدمة في عمليات
الإنقاذ بعد الكوارث الطبيعية مثل الزلازل أو الدمار الشامل.
وقال أحمد أبو شهاب، من الدفاع المدني إنه لا
يعرف إلا عن آليتين متوفرتين للحفر. وفي غياب المعدات الثقيلة يعتمد عمال الإنقاذ
على المجارف والمثقاب وأيديهم، وهي مهمة قاتمة وطويلة يقوم بها رجال غاضبون أو
فاقدون لعائلتهم بدون طعام أو شراب أو فرصة للراحة.
وقال أبو شهاب إنه استخدم وفريقه في
الخريف جرافات وحفارات لإخراج العشرات من بناية متعددة الطوابق دمرها القصف،
وكانت عملية طويلة ولم يصلوا إلى العالقين في الأنقاض إلا بعد 48 ساعة وكانوا كلهم
قد فارقوا الحياة.
وأوضح أحمد إسماعيل، 30 عاما، من مخيم النصيرات أن
غارة جوية دمرت في نهاية تشرين الأول/أكتوبر بناية متعددة الطوابق ولم تستطع
الجرافات الوصول إلى المكان بسبب ضخامة الركام وصعوبة الطريق. ولم تنج عائلتان في
البناية المحاذية ومات العشرات بما فيهم الأطفال.
وقال إسماعيل الذي يعمل ممرضا إن قريبته كانت
من بين الموتى، وفرت العائلة الممتدة من حي الشيخ رضوان ولكنها قررت أن توزع نفسها
على عدة أماكن، بحسب قول إسماعيل. واستطاع المنقذون إخراج بعض الجثث من الطابق
الثاني عبر الحفر بأيديهم، إلا أن قريبة إسماعيل، سلوى، وأحد أولادها وشقيقها محمد
لا يزالون تحت الأنقاض، إضافة إلى خمسة أفراد من العائلة التي استضافتهم.
ولم تساعد الجرافة، فبعد أن نظفت الشارع أخبر
السائق المنقذين بأن الوقود قد نفد. ولم يعد الاتصال برقم 101، وهو مقابل 911
للطوارئ في أمريكا مجديا، لأن شبكات الاتصال ضعيفة ومتقطعة وغير عاملة. وبدلا من
ذلك فقد خاطر العديد من الناس بحياتهم وذهبوا بأنفسهم إلى الدفاع المدني طلبا
للمساعدة. وحتى لو وصلوا فإن نقص الوقود واستمرار القتال يعني أن سيارات الإسعاف
والدفاع المدني لن تكون قادرة على التحرك في غزة.
اظهار أخبار متعلقة
كما أن احتلال إسرائيل لشمال غزة ومدينة غزة
منع سيارات الإسعاف من الوصول إلى هناك، ولا يمكنهم عمل شيء للرد على مكالمات 101 من
تلك المناطق. وقالت المتحدثة باسم الهلال الأحمر الفلسطيني، نبال فرسخ: "للأسف نشعر بالعجز لأننا لا نستطيع الوصول إلى تلك المناطق ولا يزال آلاف
الأشخاص عالقين تحت الأنقاض وماتوا الآن على أكبر احتمال بسبب طول المدة".
وكانت نيفين المدهون، 40 عاما، في مدينة رفح في
الجنوب عندما علمت أن غارة إسرائيلية ضربت بناية كان فيها شقيقها مجد وعائلته في
الشمال. وشعرت بدافعية للذهاب والبحث في الأنقاض مستخدمة يديها، لكنها لم تستطع
لأن الجيش الإسرائيلي عزل الشمال عن الجنوب. وذهب أقارب آخرون للبحث حيث ناشدتهم
للعثور ولو على ناج واحد. وكانت العملية طويلة حيث عثر على سوار، 14 عاما، لاعبة
كرة السلة وكانت تحلم بأن تصبح مدربة.
وتقول: "عندما علمت أنهم ماتوا بدأت
بالبكاء والصياح لكن لا أحد يسمعك في مكان غريب" و"لكن عندما قالوا
إنهم أخرجوهم شعرت ببعض الراحة لأن الكثيرين لم ينتشلوا". ودفنوا جميعا في
مقبرة العائلة ببيت لاهيا، وتأمل في زيارتهم، يوما ما.