في
الأيام القليلة الماضية تبارت الأموال هطولا على الحكومة
المصرية في ظل أزمة
اقتصادية عاصفة كان الاقتصاد المصري منها على عتبة الإفلاس، وقد غرّ البعض هذا
الهطول وهو لا يدري أو يدري أن حُمرة الخجل لا تصنعها بعض المساحيق المجلوبة، والأزهار
الصناعية لا يمكن أن تفوح برائحة طبيعية.
فقد أعلنت الحكومة المصرية أنها استلمت من الإمارات 10
مليارات دولار الخاصة بمشروع تطوير رأس الحكمة، وتم تحويل 5 مليارات دولار من
الوديعة الإمارتية في البنك المركزي إلى الجنيه المصري، وفي غضون شهرين سوف يتم استكمال
مبلغ 35 مليار دولار الخاصة بالصفقة مع شركة "إيه دي كيو القابضة" (صندوق أبو ظبي السيادي).
غرّ البعض هذا الهطول وهو لا يدري أو يدري أن حُمرة الخجل لا تصنعها بعض المساحيق المجلوبة، والأزهار الصناعية لا يمكن أن تفوح برائحة طبيعية
وما إن جاءت الأموال حتى
ظهر مصطلح "هبرة" من الرئيس المصري وتوجه 10 مليارات جنيه منها بدون
دراسة وتخطيط إلى صندوق "قادرون باختلاف"، ولم يختلف الأمر كثيرا حينما
طالب السيسي وزيرة التضامن الاجتماعي، نيفين القباج، بأخذ حقها لصندوق دعم الأسرة
المصرية وصندوق دعم كبار السن من رئيس الوزراء.
ومع
انعقاد صفقة رأس الحكمة كانت الحكومة المصرية مع موعد آخر مع صندوق النقد الدولي
الذي كانت بعثته في القاهرة لتحيي قرض الثلاثة مليارات ويتم الإعلان عن قرض موسع
قيمته 8 مليارات دولار، وقد تبعت ذلك زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون
دير لاين إلى مصر بصحبة وفد تضمن رؤساء حكومات اليونان وإيطاليا وبلجيكا،
والمستشار النمساوي، والرئيس القبرصي، للإعلان عن حزمة
قروض ومنح واستثمارات من
الاتحاد الأوروبي لمصر بقيمة إجمالية 7.4 مليار يورو حتى عام 2027، تتضمن
المساعدات التالية: 5 مليارات يورو قروض ميسرة تهدف إلى دعم الإصلاحات الكلية، و1.8 مليار
يورو استثمارات إضافية ضمن الخطة الاقتصادية والاستثمارية لدول الجوار الجنوبي، و600
مليون يورو كمنح منها 200 مليون يورو للتعامل مع ملف الهجرة.
وقد تم
تقديم تلك المساعدات بموجب اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة قائمة على ستة محاور
رئيسة للمصالح المشتركة، من بينها العلاقات السياسية، والاستقرار الاقتصادي،
والاستثمار والتجارة، والهجرة والتنقل، والأمن وإنفاذ القانون، والتعاون في مجالات
التعليم والبحث، كما صرحت بذلك رئيسة المفوضية الأوروبية.
وفي وقت
سابق أعلن وزير المالية محمد معيط في أن مصر قد تحصل على تمويلات خارجية بقيمة
إجمالية 20 مليار دولار، مبينا أن مصر حصلت حتى الآن على 16.1 مليار دولار، تضمنت
قرض صندوق النقد الدولي الموسع البالغة قيمته 8 مليارات دولار، بالإضافة إلى
الحزمة المقدمة من الاتحاد الأوروبي. وأضاف أن مصر ستحصل على 3 مليارات دولار من
البنك الدولي، بالإضافة إلى تمويلات من اليابان والمملكة المتحدة ونحو 1-1.2 مليار
دولار من صندوق الصمود والاستدامة التابع لصندوق النقد الدولي.
ومن
جانب آخر، أعلن بيان صادر من وزارة التعاون الدولي وآخر صادر من البنك الدولي أن
هناك حزمة تمويلية ضخمة من البنك الدولي لمصر ممثلة في ستة مليارات دولار على مدار
الأعوام الثلاثة المقبلة، وهي في انتظار اعتماد مجلس المديرين التنفيذيين للبنك
الدولي، المتوقع انعقاده قبل نهاية حزيران/ يونيو المقبل.
مشكلة مصر أخلاقية وهيكلية في آن واحد، فالظلم الاقتصادي والاجتماعي ثمرته الخراب، وإذا كانت هذه الأموال قد تسد حاجة البلاد لمعالجة شح السيولة الدولارية لفترة لن تطول، فإن المرض الهيكلي المزمن سيظل باقيا من خلال إنتاج ضعيف لا يسمن ولا يغني من جوع، أو تصدير بفعل تمدد عسكرة الاقتصاد وانكماش القطاع الخاص، والدخول في مشروعات مظهرية قيمتها المضافة لا تكاد تذكر
وهذا المبلغ هو ضعف
المبلغ الذي صرح به وزير المالية محمد معيط، ومن المقرر أن يتوجه نصف التمويل
وقدره 3 مليارات دولار للحكومة لدعم الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية وبرامج
الحماية الاجتماعية والتحول إلى الاقتصاد الأخضر، بينما يتوجه النصف الآخر وقدره 3
مليارات دولار للقطاع الخاص في صورة استثمارات مباشرة وقروض عبر مؤسسة التمويل
الدولية -ذراع القطاع الخاص- التابعة لمجموعة البنك الدولي.
إن هطول
هذه الأموال في هذا التوقيت ليس صدفة، فهي أموال مغموسة بدم أهلنا في غزة، وهي
عربون لصفقة القرن الكبرى لتهجير أهل غزة، وإذا كان من المسلّم به اقتصاديا أنه لا
يمكن لاقتصاد قائم على الديون وترقيعها أن يصمد طويلا، فإنه في الوقت نفسه لا يمكن
لأموال مغموسة بدم المسلمين من أطفال ونساء وشيوخ أن تقيم اقتصادا أو تحقق رواجا،
ولنا عبرة في الأموال التي انهالت على مصر بعد الانقلاب والمغموسة بدماء أهل رابعة
والنهضة.
إن
مشكلة مصر أخلاقية وهيكلية في آن واحد، فالظلم الاقتصادي والاجتماعي ثمرته الخراب،
وإذا كانت هذه الأموال قد تسد حاجة البلاد لمعالجة شح السيولة الدولارية لفترة لن
تطول، فإن المرض الهيكلي المزمن سيظل باقيا من خلال إنتاج ضعيف لا يسمن ولا يغني
من جوع، أو تصدير بفعل تمدد عسكرة الاقتصاد وانكماش القطاع الخاص، والدخول في
مشروعات مظهرية قيمتها المضافة لا تكاد تذكر وتشغيل العمالة فيها لا وزن لها. ولن
يجني الاقتصاد المصري في نهاية المطاف من وراء ذلك إلا مزيدا من العجز التوأم المزمن
في الموازنة العامة للدولة والميزان التجاري، والعيش في حلقة جهنمية من الديون
وبيع الأصول يكتوى فيها المواطن بضياع كرامته والتهاب ظهره بغلاء الأسعار، مع
فقدان الوطن لموارده وسيادته.
twitter.com/drdawaba