للأزهر مؤسسة وشيخا دور غير منكور في قضية
فلسطين، اتضح أكثر في
أحداث غزة، من مواقفه التي تواكب كل حدث، إلى مناشداته التي لا تنتهي لإنقاذ
أهلها، والحفاظ على أرواحهم ومقدراتهم، ومؤخرا طرح الإمام الأكبر الدكتور أحمد
الطيب شيخ الأزهر مسألة مهمة تتعلق بالقضية الفلسطينية، حين قال:
"لا يوجد كتاب في عالمنا العربي يشرح القضية الفلسطينية
للتلاميذ.. لا في المرحلة الإعدادية، ولا الثانوية، ولا في
التعليم الجامعي.. ربما
نجد شابا تخرج من الجامعة ولا يعرف الفارق بين قبة المسجد الأقصى وقبة الصخرة..
لكن أولاد فلسطين ليسوا كذلك.. فهم يتعلمون ويعرفون منذ الصغر عن عدوهم، وأن الأرض
أرضهم.. نريد أن يكون أبناؤنا مثلهم".
نكأ شيخ الأزهر بكلامه جرحا نشكو منه منذ مدة، فقد أصبحت
المناهج
التعليمية في
مصر ـ وغيرها ـ خالية تماما من أي إشارة لفلسطين، أو إشارة لوجوب
تحريرها، أو الحديث عنها بالتصريح أو التلميح، وبخاصة في السنوات الأخيرة لحكم
مبارك، وما تلاها من حكم السيسي، فقد أصبحت مناهج التعليم تمارس ما عرف بسياسة:
تجفيف المنابع، وتجريف المناهج من كل ما له علاقة أو صلة بقيم إسلامية تتعلق
بالعروبة والإسلام، وبفلسطين تحديدا، ما دامت تمس الكيان الصهيوني من قريب أو بعيد.
وقد بدأ هذا التجفيف منذ عهد السادات، حتى تحدث الشيخ الشعراوي أنه
بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد، شكى رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجين من تفسير
الشعراوي للقرآن، وقد كان وقتها يفسر سورة البقرة، شاكيا من خطاب الشعراوي، وأنه
خطاب يبث الكراهية لإسرائيل، مما جعل السادات يخفض مساحة البرنامج، فقد كان يعاد
مرتين، فاكتفى بإعادته مرة واحدة استجابة لهذه الضغوط الممارسة، وإرضاء لأصحاب
المعاهدة الجديدة.
أما المناهج فقد جرى تجريفها بشكل ملحوظ، وبخاصة في عهد وزير التعليم المصري: د. حسين كامل بهاء الدين،
وما تلاه من عهود في فترة حكم مبارك، مما دعا المرحوم الدكتور جمال عبد الهادي،
والأستاذ علي لبن، لإصدار كتيبات، تتحدث عن هذه الجريمة، المتعلقة بحذف كل ما
يتعلق بفلسطين، أو الجهاد، أو الغزوات، وجرى حذف كتب من المناهج التعليمية، كانت
تتحدث عن صحابة من أصحاب المعارك والغزات.
رغم أن الزمن وقتها، كان يسمح بمساحات أخرى تبث الوعي في الناس،
فهناك خطباء الجمعة، والعلماء المهشورون في خطاباتهم، والنقابات في مصر: نقابة
المحامين، والصحفيين، والأطباء، والمهندسين، كانت هذه النقابات في كل مناسبة تتعلق
بفلسطين، سواء كانت دينية أو سياسية، تستغل للحديث والتذكير والتوعية بالقضية،
فدينيا يتم الحديث في مناسبة الإسراء والمعراج، والنصف من شعبان ذكرى تحويل
القبلة، وكلها مناسبات ذات علاقة بفلسطين، من حيث كونها: أولى القبلتين، ومسرى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثالث الحرمين الشريفين.
المأمول من شيخ الأزهر أن يبدأ بشيء عملي فيما أنكره، وهو تقرير مذكرة أو كتيب صغير، من المرحلة الإعدادية والثانوية والجامعية الأزهرية، يقرر على الطلبة، يعرف بقضية فلسطين، فمناهج الأزهر تسمح بهذه المساحة، وتسمح للمشيخة مؤسسة وإدارة أن تضع هذا المقرر،
وما أشار إليه شيخ الأزهر من تسرب الجهل بفلسطين ومعالمها لمتخرجي
الجامعات، هو أمر صحيح، بل أزيده أكثر من ذلك كارثية، فعندما كنت طالبا بالجامعة
الأزهرية درسنا كتابا قرره علينا أستاذنا الدكتور أحمد ربيع، والذي صار فيما بعد
عميدا لكليتنا كلية الدعوة الإسلامية، كان الكتاب رسالته للماجستير، بعنوان: أرض
الميعاد بين نصوص العهد القديم والقرآن الكريم، كان يفند كل نص ديني استند إليه
الصهاينة في أحقيتهم بأرض فلسطين، وما يمكن أن يستند إليه من نصوص قرآنية، وإثبات
أحقية العرب والمسلمين بهذه الأرض، وأنها لم تكن يوما أرضا موعودة للصهاينة أو
اليهود.
وكانت مادة ثرية، أمدتنا بزاد علمي وتاريخي قوي، جعلتنا نقف على أرض
صلبة في التدليل والاستدلال للقضية الفلسطينية دينيا، وأثناء دراستي للكتاب،
قابلني قريب لي منزعجا، من أن زوجة صديقه وهو موظف كبير في بنك، وزوجته أستاذة
جامعية، دار الحديث بينهم فكان كلامها عن أحقية هؤلاء الصهاينة في أرض فلسطين،
نظرا للتاريخ والنصوص، فأعطيته الكتاب الذي كنا ندرسه، فصور لها نسخة كي تقرأه،
يقول لي: لقد فوجئت السيدة بما في الكتاب من حقائق دينية وتاريخية، لم تكن
تتصورها، وشكرته على هذه المادة الثرية والمهة.
فإذا كان التجريف قد طال أساتذة الجامعات، وذلك في عهد مبارك، وقت أن
كانت الجماعات الإسلامية والسياسية والنقابية تعمل على ملف فلسطين، ورفض التطبيع
والتصهين، فما بالنا بعد هذا الكم من التجريف، والتصحر الثقافي والديني، فحديث شيخ
الأزهر حديث عن واقع مرير، نرى آثاره طافحة على جل وسائل التواصل الاجتماعي من
إعلاميين ورموز دينية وثقافية صاروا صهاينة عرب، يحملون الدفاع عن المشروع
الصهيوني على عاتقهم، وإن بدا دفاعهم وحديثهم بشكل يبدو فيه الحرص على القضية، أو
الدفاع عن العقل ومنطقه، كي ينطلي على الناس.
والمأمول من شيخ الأزهر أن يبدأ بشيء عملي فيما أنكره، وهو تقرير
مذكرة أو كتيب صغير، من المرحلة الإعدادية والثانوية والجامعية الأزهرية، يقرر على
الطلبة، يعرف بقضية فلسطين، فمناهج الأزهر تسمح بهذه المساحة، وتسمح للمشيخة مؤسسة
وإدارة أن تضع هذا المقرر، سواء كان مقررا يختبر فيه الطالب بدرجات تحسب له، أو
تكون درجات إضافية تحسب للطالب، ولا تعد مادة رسوب، تشجيعا على دراستها، وعندئذ
يكون الأزهر مشيخة وشيخا قد جمعا بين إنكار المنكر، وفعل المعروف، وهو عمل سيكون
دافعا لآخرين، أو على الأقل قياما ببعض الواجب نحو فلسطين وقضيتها.
[email protected]