تتطلع
مصر إلى مضاعفة صادراتها الخارجية ثلاثة أضعاف حصيلة الصادرات في العام 2030، من خلال زيادة الصادرات من 15% إلى 20% سنويا، بحسب تصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، دون أن يوضح كيفية ذلك.
وشدد مدبولي على ضرورة تعزيز معدلات الصادرات من القطاعات الإنتاجية المُختلفة، وكذا سُبل تعميق الصناعات المحلية، التي تُسهم بدورها في زيادة نسب الصادرات؛ ما يُعزز بالتبعية من الحصيلة الدولارية من التصدير.
طوال السنوات العشر الماضية، تركزت جهود الحكومة المصرية في ضخ عشرات مليارات الدولارات لدعم مشروعات البنى التحتية وما يسمى المشروعات الوطنية، ولكن أغلبها مشاريع غير إنتاجية، ولا تساهم في زيادة حجم الصادرات، والتوسع بشكل مفرط في الاقتراض.
وأقر مدبولي أن الفترة الماضية التي شهدت الكثير من الصدمات الخارجية المتلاحقة، أثبتت حتمية الاعتماد على استدامة الموارد من العملة الصعبة، مُضيفًا: "الكل أجمع أن الصناعة والتصدير يُعدّان من أهم الموارد المُدّرة للعملة الصعبة".
وأوضح مدبولي أن إجمالي صادرات مصر يبلغ 53 مليار دولار سنويا، وفي حال زيادتها بنسبة من 17-18%، سنويا، سنصلُ بقيمة الصادرات إلى نحو 145 مليار دولار".
مضاعفة حجم الصادرات ثلاث مرات في فترة قصيرة مثل عشر سنوات يمثل تحديا كبيرا، ويتطلب جهداً هائلاً على صعيد تطوير البنية التحتية، وتحسين بيئة الأعمال، وتعزيز التكنولوجيا والابتكار، وتعزيز التجارة الدولية، بالإضافة إلى عوامل أخرى.
اظهار أخبار متعلقة
سِجِلٌ نمو الصادرات المصرية منذ عام 2013 يشير إلى أن تصريحات رئيس الوزراء المصري بعيدة عن الواقع؛ إجمالي الصادرات منذ ذلك التاريخ بلغ 29 مليار دولار، وفي 2023 بلغ 53 مليار دولار، أي بزيادة سنوية 8% فقط، أي أنها لم تتضاعف في العقد الأخير سوى أقل من مرة واحدة .
"أهداف طموحة وخطط غائبة"
لتحقيق هذا الهدف، يقول خبراء ومحللو
اقتصاد لـ"عربي21"، إنه يمكن اتخاذ عدة إجراءات، وهي ذاتها التي أدى غيابها إلى عدم مضاعفة حجم الصادرات خلال العقد الماضي، منها:
تعزيز البنية التحتية: تطوير البنية التحتية اللوجستية والنقل، مثل تحسين موانئ الشحن وتسهيلات النقل، لتسريع عمليات التصدير.
تحسين بيئة الأعمال: تقليل البيروقراطية وتبسيط الإجراءات الحكومية المتعلقة بالتصدير، وتوفير المزيد من الدعم والتشجيع للشركات لزيادة نشاط التصدير.
تعزيز التكنولوجيا والابتكار: دعم البحث والتطوير في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، واعتماد التكنولوجيا الحديثة لتحسين جودة المنتجات وزيادة تنافسيتها على السوق العالمية.
تعزيز التجارة الدولية: التركيز على فتح أسواق جديدة للتصدير وتوسيع الشبكات التجارية الدولية، وتوقيع المزيد من الاتفاقيات التجارية الثنائية ومتعددة الأطراف.
تطوير القطاعات الاقتصادية الرئيسية: تعزيز القطاعات التي لديها ميزة تنافسية، مثل الزراعة، والصناعات التحويلية، والخدمات، والسياحة، والتكنولوجيا.
على الرغم من أن هذه الأهداف تبدو طموحة، فإن تحقيقها يتطلب التعاون بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى استثمارات كبيرة وإصرار على الإصلاحات الهيكلية.
"حلم طموح دون خطة"
استبعد الباحث الاقتصادي، إلهامي الميرغني، قدرة الحكومة المصرية على تحقيق هذا الهدف؛ "مضاعفة الصادرات المصرية 3 مرات في 2030 حلم طموح، وحتى يكون قابل للتحقيق يتطلب ذلك معالجة تحديات بيئة الأعمال، وتعزيز تنافسية المنتجات، وتنويع أسواق التصدير، واستغلال الاتفاقيات التجارية، وتفعيل دور القطاع الخاص، ووضع استراتيجية شاملة لتحقيق هذا الهدف".
وانتقد في حديثه لـ"عربي21" تصريحات مدبولي: "الاستسهال في إطلاق التصريحات وإعلان الأرقام دون خطة واضحة يضر كثيرا بثقة المستثمرين في بيئة الاستثمار في مصر، ولا بد النظر إلى آلاف المصانع المتعثرة التي تعاني من ضعف التمويل، وآخرها إلغاء مبادرات إقراض المصانع بـ8% و11% بعد أن اشترط صندوق النقد الدولي إلغاء الفوائد المدعمة للأنشطة الاقتصادية، وبالتالي ارتفعت تكلفة الاستثمار بالنسبة لتلك الشركات، خاصة بعد رفع الفائدة إلى أكثر من 27%".
اظهار أخبار متعلقة
وأشار الميرغني إلى "وجود مشاكل للمنتجين تتعلق بتوفير العملة الصعبة من أجل تدبير شراء مستلزمات وأدوات الإنتاج، وإغراق الأسواق بالمنتجات المستوردة رخيصة الثمن، وكلها تحديات تواجه المصنعين والصناعة المصرية"، مشيرا إلى أن "الحديث عن مضاعفة الصادرات يتكرر منذ 10 سنوات، دون نتائج حقيقية ملموسة، مؤشر على عدم وجود خطة واضحة للحكومة".
زيادة الصادرات وليس زيادة التصريحات
علق استشاري الاستثمار والاستراتيجيات، الدكتور مراد علي، على رغبة الحكومة المصرية في مضاعفة الصادرات 3 أضعافها بالقول: "في البداية، تصريحات رئيس الوزراء عن حجم الصادرات غير دقيقة؛ لأن صادرات مصر كانت 42 مليار دولار في عام 2023، بل انخفضت 20% مقارنة بعام 2022 عندما بلغت 52 مليار دولار بعد زيادة صادرات الغاز الطبيعي لحل أزمة نقص الغاز في أوروبا".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن الصادرات في الربع الأول من عام 2024 زادت 5% فقط، وجاءت بسبب تحسن العلاقات مع تركيا، التي أصبحت أكبر مستورد من مصر، والحكومة لم تفصح عن أي خطط توضح لنا كيفية تحقيق هدفها المعلن، ولا يعدو كونه إعلاميا أكثر منه واقعيا، والوضع الحالي لا يشجع على تحقيق هذا الهدف؛ لأن الاستثمار الأجنبي المباشر حتى الآن هو عبارة عن بيع أصول مصرية أو استثمارات عقارية، كما هو الحال في صفقة رأس الحكمة".
وأشار مراد إلى أن "أزمة نقص الدولار خلال الفترة الماضية أدت إلى إغلاق بعض المصانع أبوابها؛ بسبب عدم القدرة على استيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج. الأمر الآخر هيمنة الجيش على مفاصل الاقتصاد، بما فيها شركات الإنتاج والتصنيع، ومزاحمة القطاع الخاص أدى إلى خروج بعض الشركات من السوق نتيجة غياب التنافسية".
ورهن استشاري الاستثمار والاستراتيجيات مضاعفة الصادرات بالآتي: "تحتاج إلى استراتيجية كاملة في الاقتصاد، وتغيير هيكل الاقتصاد كاملا، وتغيير فكر وفلسفة الدولة بالأساس، بدءا من التعليم والتعليم الفني، ومحاربة التضخم، ومنع الفساد، والسماح بالتنافسية، والشفافية، ومنح حوافز للتصنيع، وتوجيه استثمارات الدولة إلى المشاريع والمناطق الصناعية وليس المشروعات عديمة الجدوى، زيادة الصادرات هي نتاج منظومة اقتصادية كاملة وليس تصريحات إعلامية".