نشرت صحيفة "
دويتشه فيله" في نسختها
الإنجليزية تقريرا، تحدثت فيه عن القرار الأخير المثير للجدل الذي اتخذه أمير
الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح بحلّ
البرلمان، وتعليق العمل ببعض مواد
الدستور لمدة لا تزيد عن أربع سنوات.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"؛ إن الكويت معروفة بكونها واحدة من أكثر الدول ديمقراطية في الشرق الأوسط لسنوات، وعلى الرغم من أن هذه الدولة الغنية بالنفط يحكمها نظام ملكي، هو الذي يُعيّن رئيس
وزراء الكويت، إلا أن لديها برلمانا منتخبا يمثل مصالح متنوعة، ومعدل الاقتراع
مرتفع بشكل مستمر، وقد تنتقد المعارضة السياسية النظام الملكي، وإن كان ذلك ضمن
حدود معينة.
لهذا السبب، وصف المراقبون منذ فترة طويلة الكويت، بأنها "واحة
الديمقراطية" و"نموذج ليبرالي" بين دول الخليج
العربي
الاستبدادية. وفي تصنيفات منظمة "فريدوم هاوس" في التقييم السنوي
للحقوق السياسية، تُعد الكويت ولبنان الدولتين الوحيدتين في الشرق الأوسط المصنفة
على أنها "جزئيًا حرّة". لكن كل ذلك قد يكون الآن على المحك. فقد قرر
أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح الأسبوع الماضي حلّ البرلمان
الكويتي، الذي يُمثل محور الممارسة الديمقراطية في البلاد.
لماذا حُلّ البرلمان الكويتي؟
في إعلان متلفز، قال الأمير؛ إنه قرر حلّ البرلمان
إلى جانب تعليق العمل بعدد من مواد الدستور لـ "فترة لا تتجاوز أربع
سنوات". وتأتي خطوة الأمير بعد أسابيع من الجمود السياسي، حيث كان الشيخ مشعل
قد دعا بالفعل إلى إجراء انتخابات مبكرة في شهر آذار/ مارس. وقد تم انتخاب برلمان
جديد في نيسان/ أبريل، لكن رفض أعضاؤه التعاون مع الوزراء الذين اختارتهم العائلة
الملكية، وعندها اتخذ الشيخ مشعل الخطوة الأكثر جذرية بحلّ البرلمان بأكمله.
حيال هذا الشأن، قال الأمير مشعل: "لن أسمح
باستغلال الديمقراطية لتدمير البلاد"، مضيفا أنه يتخذ "قرارات صعبة
لإنقاذ البلاد". ومن المقرر أن تتولى الآن الأسرة الحاكمة و13 وزيرا جديدا
عُيّنوا يوم الأحد مهمة إدارة دولة الكويت.
وأشارت الصحيفة إلى أن أعضاء البرلمان الكويتي، يملكون سلطة أكبر من نظرائهم في دول الخليج الأخرى، فهم من يوافقون على تعيينات
أفراد العائلة الملكية، ويمكنهم مساءلة الوزراء وحتى تعليق التعاون البرلماني معهم.
وتجدر الإشارة إلى أن "الهويّة الوطنية
والثقافة في الكويت تتمحور حول القاعدة المقدسة التي تقول؛ إن عائلة الصباح
[الملكية] لا يمكنها الحكم دون موافقة شعبية"، وذلك حسب ما قاله شون يوم،
الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة تيمبل في الولايات المتحدة، في تحليل
له نُشر في آذار/ مارس، يوضّح كيف نشأ هذا الوضع.
إظهار أخبار متعلقة
لكن على مدار العقد الماضي أو أكثر، أصبح أعضاء
البرلمان أكثر عدوانية سياسيًا، مما تسبب في مزيد من الجمود السياسي، وتراكم مشاريع
القوانين دون المصادقة عليها. وفي بعض الحالات، استخدم أفراد العائلة الملكية
المتنافسون النظام لكسب نقاط بعضهم ضد بعض.
خلف السعوديين والإماراتيين
حسب الصحيفة، نتج عن هذا الوضع، شعورٌ بأن الكويت قد
تأخّرت عن الالتحاق بركب جيرانها الأغنياء بسبب الجمود السياسي. وحسب كريستين
ديوان، الباحثة المقيمة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، فإن الناس سيدركون
تباطؤ وتيرة الإصلاح والتنمية في الكويت، خاصة مقارنة بوتيرة التغيير
الدراماتيكية في السعودية. وأضافت أن "البرلمان سيكون هو الملام، لكن هذا
يتعلق أيضا بشخصية الأمير مشعل، وحاجته إلى تعيين ولي عهد وخليفة".
وذكرت المجلة، أن الأمير مشعل تولى السلطة في كانون
الأول/ ديسمبر الماضي، ولا يزال عليه تعيين خليفة له. وعلى عكس الممالك المجاورة،
عادة ما يتعين على أعضاء البرلمان الكويتيين الموافقة على اختيار الأمير، لكن بسبب
القرار الأخير بحلّ البرلمان، لم يعد هذا هو الحال. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي،
يتم تداول إشاعات عن أن قرار الأمير، قد يكون له علاقة بتهديد القوى السياسية الإسلامية. مع ذلك، يرفض الخبراء ذلك، مشيرين إلى أن الإسلاميين خسروا بالفعل السلطة في
الانتخابات الأخيرة في الكويت.
ما هي الخطوة التالية للكويت؟
هل ستستعيد الكويت مكانتها كـ "واحة
للديمقراطية"؟ أم ستسير في اتجاه الاستبداد مثل جيرانها؟ يرى معظم المراقبين أنه من السابق لأوانه الجزم بذلك. وحسب ديوان، فإن "هناك حاليا الكثير من عدم
اليقين بعد أن خرق الأمير القواعد المعتمدة للعبة السياسية"، مضيفة أنه
"لا يوجد دلالة واضحة على أنه لديه مسار ثابت مخطط، وهذا ربما أكثر الأمور
إثارة للقلق".
وقال يوم؛ إن "خلفية الأمير وأسلوب حكمه، تكتسي
أهمية قصوى في تفسير هذه اللحظة غير الليبرالية". وأوضح أن حكام الكويت
السابقين كانوا يضطلعون بأدوار سياسية، وكانوا معتادين على مطالب أعضاء البرلمان،
في حين أن الشيخ مشعل "ليس لديه خبرة سياسية مدنية تقريبا؛ فقد اتخذ مساره
المهني طريقا مختلفا تماما عبر قوات الأمن والدرك، التي تركز على عدم التسوية
مع الخصوم السياسيين وعلى التسلسل الهرمي الصارم. نرى هذا الآن في نهجه القيادي من
الأعلى إلى الأسفل، مع قليل من التسامح مع المقاومة البرلمانية أو الجدال السياسي".
إظهار أخبار متعلقة
من ناحية أخرى، يتفق يوم وخبراء آخرون على أن الكثير
من الكويتيين يفهمون أنه لا بدّ من التغيير. وقد جادل يوم بأن "معظم
الكويتيين... يوازنون بين الرغبة الشديدة في استعادة بعض الوظائف التي كان يتمتع
بها نظامهم السياسي المشلول على المدى القصير، والرغبة في حماية الحريات الدستورية
على المدى البعيد. وتدرك الحكومة ذلك أيضا، على الأقل في الوقت الحالي".
ثقافة التوافق في الكويت
نقلت الصحيفة عن أستاذ التاريخ في جامعة الكويت بدر
السيف، أنه "من المبكر جدًا قول ما إذا كان هذا حالة كلاسيكية من التراجع
[الديمقراطي]، وهي الاستعارة التي يطرحها بعض أصدقائنا في الغرب". وأشار
السيف إلى أن هذه الحالة ليست الأولى من نوعها، فقد سبق تعليق عمل البرلمان في سنة
1976 و1986، وعاد البرلمان في نهاية المطاف وكذلك الدستور. وأكد السيف أن
"هذا هو النموذج الكويتي، مشيرا إلى أن الكويت تمزج بين ملكية وبرلمان
نشطين. وأضاف: "لن نتخلى عن نظام الانفتاح، الذي يسبق الدستور؛ لأنه جاء من
ثقافة غنية ببناء التوافق عمرها ما يقارب 300 سنة". وقد أشار إلى أن
"تعليق عمل البرلمان مؤقتا، لن ينهي ذلك، لننتظر ونرى؛ فهذه تجربة".