نشر موقع
مجموعة
الأزمات الدولية قراءة تناول فيها وضع
مصر الداخلي بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع
غزة قبل أكثر من سبعة شهور.
وقال الموقع إنه يجب على الشركاء الدوليين مواصلة العمل من أجل
تحقيق وقف لإطلاق النار، كحل لمنع امتداد آثار الحرب، مع مواصلة دفع المسؤولين المصريين
لإجراء إصلاحات داخلية.
وتابع الموقع، في القراءة التي ترجمتها "عربي21"، أن القاهرة لحد الآن تمكنت نوعا ما
من تحويل هذه الأزمة لصالحها، معتمدة على المخاوف الغربية من أن يؤدي ما يحدث في
غزة إلى تقويض الاستقرار في مصر. ولكن خطر امتداد آثار الحرب لا يزال قائمًا،
والجرعات المالية التي تلقتها يمكن أن تحجب المشاكل الاقتصادية التي يتطلب حلها
تغييرات هيكلية.
"لذلك يجب على
العواصم الغربية مواصلة رفض أي مقترحات لتهجير الفلسطينيين من غزة، والضغط على
مختلف الأطراف لوقف القتال. كما أن المؤسسات الدولية والجهات المانحة، وبشكل خاص
الدول الخليجية التي تقدم المساعدات إلى مصر، مطالبةٌ بالضغط من أجل الإصلاح
المتمثل خاصة في تخفيف قبضة الجيش على الاقتصاد، وهي خطوات لا غنى عنها لتحقيق
الاستقرار على المدى الطويل".
وقال الموقع إن
مصر في حالة ترقب منذ بداية
الحرب على غزة، وهي تشاهد ملامح كارثة إنسانية على
حدودها الشرقية وتخشى من انتقال أثرها إلى الجانب الآخر من الحدود. ومع بداية
الحرب يخشى المسؤولون المصريون من أن تجبر العمليات الإسرائيلية مئات الآلاف من
الفلسطينيين على الفرار نحو شبه جزيرة سيناء. ولكن هذا ليس التحدي الوحيد الذي
وضعته الحرب أمام مصر، إذ أنها تسببت أيضا باستنزاف العملة الصعبة لتعمق بذلك
معاناة المصريين.
ورفضت مصر
منذ اندلاع الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر 2023 النوايا التي لوح بها مسؤولو
الاحتلال
الإسرائيلي، حول ضرورة تهجير سكان غزة نحو سيناء، والسبب هو حرصها على تجنب أزمة
لجوء قد تهدد أمنها القومي وتعمق عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
اظهار أخبار متعلقة
كما ينبع الموقف
المصري من التضامن المبدئي مع القضية الفلسطينية، والشكوك التاريخية حول نوايا
إسرائيل تجاه الفلسطينيين. لكن القاهرة تخشى أيضا من أن يؤدي تدفق أعداد كبيرة من
الفلسطينيين، من بينهم مسلحون، إلى إحياء المجموعات المتطرفة التي هزت سيناء
لسنوات. ورغم موقف الشركاء الغربيين الرافض لهذه الفكرة بشكل قطعي، وتراجع
احتمالات تحقق هذا السيناريو، إلا أن مصر لا تزال تضعه على رأس قائمة مخاوفها،
خاصةً مع التصعيد الأخير في رفح.
وأضاف الموقع أن
الحرب على غزة كانت لها تبعات هامة على الداخل المصري، خاصة أن القاهرة قبل تشرين
الأول/ أكتوبر 2023 كانت تترنح من ارتفاع التضخم وتزايد الديون. وخلال الأشهر
الأولى للحرب شهِدت مصر اضطرابات حادة في مداخيلها من صادرات الغاز الطبيعي
والسياحة، إضافة إلى تراجع رسوم المرور عبر قناة السويس بسبب مخاوف شركات النقل
البحري من هجمات المتمردين الحوثيين في البحر الأحمر.
ووجّهت
الحكومة المصرية نداء إلى شركائها من أجل تقديم الدعم، وحصلت على تمويل جديد من
الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، إلى جانب استثمارات هامة من الإمارات
العربية المتحدة. وقد حققت هذه الأموال بعض الارتياح وأبعدت شبح الانهيار
الاقتصادي، ولكن يبقى من غير الواضح إلى متى ستستمر آثار هذه المساعدات. ومن غير
المضمون ما إذا كان للرئيس عبد الفتاح السيسي مكانة بين المصريين، باعتبار أن بعض
التعبيرات الشعبية على الغضب من حرب غزة يمكن أن تفتح المجال للمظاهرات الموجهة ضد
الحكومة بدافع التدهور المتزايد في الظروف المعيشية.
وأضاف الموقع أن
القاهرة تمكنت إلى حد الآن من استغلال معضلتها للحصول على الدعم والاستثمارات من
شركائها الخائفين على استقرارها، ولكن هذا الأسلوب قد لا يصمد طويلا. الاقتصاد
يبقى مصدر قلق، ومصر ستحتاج للحصول على ما يكفيها من العملة الصعبة لتسديد ديونها
في المستقبل. ومن أجل إنعاش الحركة الاقتصادية، بات من الضروري خلق توازن أفضل بين
الشركات المملوكة للدولة (خاصة تلك التابعة للجيش) من جهة، والقطاع الخاص من جهة
أخرى.
وسيكون من الجيد
أن تقوم الحكومة بخطوات لفتح الفضاء العام، من خلال السماح للمجتمع المدني وأحزاب
المعارضة بالتنظم بشكل حرّ، والإفراج عن السجناء السياسيين. ومع أن إقناع حكومة
السيسي بتبني هذه الإصلاحات السياسية والاقتصادية سيتطلب جهودا مضنية، إلا أن تحقق
ذلك لا غنى عنه من أجل تحصين مصر أمام صدمات الحاضر والمستقبل.
اظهار أخبار متعلقة
خطوط مصر
الحمراء في غزة
كان المسؤولون
المصريون وعلى رأسهم رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي قد كرّروا التحذير من
أن أي محاولة للدفع بالفلسطينيين نحو سيناء ستمثل تجاوزا للخطوط الحمراء. ومع أنهم
لم يحدّدوا طبيعة الرد الذي قد يلجأون إليه، إلا أنه من المؤكد أن العلاقة بين
الطرفين في هذه الحالة سوف تتدهور. وفي المحادثات وراء الأبواب المغلقة يذهب بعض
الدبلوماسيين المصريين إلى حد التلويح بأن القاهرة قد تعلق اتفاقية السلام للعام 1979.
وذكر الموقع أن
مصر تتمسك بهذا الموقف لدوافع مبدئية أولا تتعلق بعدم رغبتها في أن تظهر وكأنها
موافقة على تدمير الحركة الوطنية الفلسطينية وآمالها السياسية. ولطالما خشيَ
المسؤولون المصريون من تكرار أحداث نكبة 1948، حين أجبر اللاجئون الفلسطينيون على
الفرار من وطنهم وبعد ذلك منعتهم دولة الاحتلال إسرائيلي الوليدة من العودة. والآن
مع أي نكبة جديدة يمكن أن تجد مصر نفسها مضطرة لإيواء عدد كبير من سكان غزة بشكل
دائم.
وقد تزايد القلق
المصري مع نزوح جماعي لسكان غزة منذ بداية التحركات العسكرية لقوات الاحتلال الإسرائيلي في رفح.
لأنه في 7 أيار/ مايو كانت قوات الاحتلال قد سيطرت على الجانب الفلسطيني من معبر
رفح الحدودي وأغلقته بشكل مؤقت، وفي الأيام الموالية تراجعت وتيرة تدفق المساعدات
الإنسانية لسكان القطاع، وهو ما يهدّد باستفحال الوضع الإنساني المتدهور أصلًا.
وقد أصدرت وزارة الخارجية بيان استنكار، نددت فيه باحتلال إسرائيل للجانب
الفلسطيني من المعبر. ومع إصرار إسرائيل على المضي قدما في مخططاتها في رفح، أعلنت
القاهرة نيتها التدخل لدعم الدعوى المقامة من جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة
العدل الدولية.
الجهود
الدبلوماسية المصرية
تحرص مصر على
المشاركة بشكل نشط في الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب في غزة أو على الأقل تحقيق
وقف إطلاق نار مطوّل. ورغم تراجع مكانتها الإقليمية، حافظت مصر على دور محوري في
القضايا المتعلقة بغزة، وذلك بسبب الجغرافيا والروابط القائمة منذ زمن طويل مع هذا
القطاع. وخلال السنوات الأولى لحكم السيسي، كانت القاهرة قد اتبعت نهجًا متشددا
إزاء الحركات الإسلامية في الداخل والخارج، وعملت على تشديد عزلة حماس من خلال فرض
حصار صارم على غزة. ولكنها شرعت منذ سنة 2016 في تعديل نهجها في التعامل مع
الإسلاميين ومن ضمنهم حماس، حيث تعاونت مع هذه المنظمة الفلسطينية في محاربة
الحركات المتطرفة في سيناء. وهذا التعديل مكّنها من استعادة دورها كوسيط في مختلف
جولات الحرب بين إسرائيل وحماس في السنوات الماضية.
وقد برزت جهود
مصر بشكل أوضح في نهاية العام 2023، حين قدمت مبادرة لوقف إطلاق النار تنص على
تسليم حماس والجهاد الإسلامي السيطرة على غزة لمجموعة من الكفاءات الفلسطينية
البعيدة عن الفصائل السياسية، في مقابل وقف دائم للأعمال القتالية، وتبادل الأسرى
وعودة النازحين إلى شمال غزة.
التضامن الشعبي
مع غزة
تحظى حرب غزة
باهتمام كبير لدى المصريين، وكثيرا ما كان الرئيس السابق حسني مبارك يسمح
بالمظاهرات المساندة لفلسطين، وإن كانت تحت رقابة مشددة، باعتبارها فرصة لتمكين
المواطنين من التنفيس عن الاحتقان. لكن السيسي ومستشاريه فضلوا غلق الباب أمام هذه
التحركات الشعبية، معتبرين أنها قد تكون مطية للتعبير عن معارضة الحكومة. ولكن مع
تعاظم التعاطف الشعبي مع غزة في ظل ارتفاع أعداد الضحايا، قررت السلطات السماح
ببعض المظاهرات المحدودة، وإن كانت تحت رقابة مشددة من الأجهزة الأمنية.
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف الموقع أن
هذا التغير في موقف السلطات المصرية يعكس مدى عمق المشاعر الشعبية المساندة لغزة،
ويكشف أيضا عن تردد السلطات بين رغبتها في ركوب موجة الغضب الشعبي وغريزتها
المتمثلة في إبقاء الباب مغلقا أمام التعبير عن الآراء السياسية.
وفي الختام،
أشار الموقع إلى أن حرب غزة تذكير بمدى الارتباط التاريخي والسياسي بين مصر
والقضية الفلسطينية، واليوم مع دخول هذه الحرب مرحلةً حرجة، تجد مصر نفسها في وضع
لا تحسد عليه، رغم أنها حشدت الدعم العالمي لموقفها المعارض لتهجير سكان القطاع،
وتمكنت من الحصول على المساعدات والاستثمارات للتعامل مع التبعات الاقتصادية لهذه
الأزمة. ويبقى من الضروري أن تتمسك الدول الغربية وبقية الشركاء بموقفهم الرافض
للتهجير.