نشرت صحيفة "
الغارديان" البريطانية، تقريرا، قالت فيه إن القيادي الفلسطيني
مروان البرغوثي يقضي أيامه في السجن بزنزانة انفرادية، مظلمة وضيقة، ولا وسيلة لديه لمعالجة جراحه، وإصابته في الكتف، بعد أن جُرّ ويداه مُقيدتان خلف ظهره.
ويقول محامون إن دولة الاحتلال الإسرائيلي تريد إرسال إشارة بأنه لا أحد من السجناء الفلسطينيين الذين يحتجزون بدون توجيه اتهامات، آمن.
وفي التقرير الذي أعدّته روث مايكلسن، وسفيان طه، وكويك كيرشنباوم، قالوا فيه إن "مكانة البرغوثي، قد ازدادت خلال سنواته الـ24 عاما في السجن وبات الشخصية التي يجمع الفلسطينيون عليها أنها فوق الخلافات والقادرة على توحيد الفصائل المتعددة".
وهو محروم اليوم من الكُتب والجرائد وجهاز التلفاز الذي كان متوفرا له، فقد اختفى منذ تشرين الأول/ أكتوبر، ومعه اختفى زملاء الزنزانة، كما أن النور الذي يومض في زنزانته طوال الليل يهدف إلى حرمانه من النوم.
وقال محاميه، إيغال دوتان، الذي زاره في سجن مجدو، قبل شهرين: "من الناحية العقلية، فهو رجل قوي إلا أن وضعه النفسي يتدهور، كما ترى. ويكافح للنظر في عينه اليمنى نتيجة واحدة من الهجمات عليه".
وأوضح دوتان، أن "البرغوثي فقد الكثير من وزنه، ولا يبدو في حالة جيدة، ولن تعرفه لو قارنت وضعه الحالي بالصورة المعروفة له".
واتهمت دولة الاحتلال الإسرائيلي البرغوثي، بخمس حالات قتل وتوجيه هجمات ضد الإسرائيليين، وهي اتهامات ينكرها. ويخشى المحامون المدافعون عنه وأنصاره أن معاملة أحد أشهر السجناء الفلسطينيين وانتهاك حقوقه هي رسالة إسرائيلية للآخرين بأن أحدا لم يعد آمنا.
ويقول السجناء السابقون، وجماعات حقوق الإنسان، إن ظروف السجناء الفلسطينيين تغيرت سريعا بعد تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي.
وزاد عدد السجناء الفلسطينيين في الأشهر اللاحقة، حيث كثفت دولة الاحتلال الإسرائيلي مداهماتها لمدن الضفة الغربية، واعتقلت أكثر من 8,755 فلسطينيا، وذلك بحسب مفوضية الأسرى والسجناء السابقين. وقد تم احتجاز معظمهم بدون تهم وتحت قانون الاعتقال الإداري.
اظهار أخبار متعلقة
ومع زيادة أعداد المعتقلين في زنازين مكتظة فإنها زادت الانتهاكات. ويذكر معتقلون سابقون الضرب المستمر والعنف الجسدي وغياب العناية الأساسية، بما فيها
نقص الطعام وعدم توفر الملابس النظيفة، والمواد والبطانيات الصوفية والعناية الطبية.
وقال رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، قدورة فارس: "خلال هذه الحرب، تتعامل السلطات الإسرائيلية مع كل السجناء بطريقة تنتقم فيها من الفلسطينيين. وهم يعرفون ما يمثلون في عقلنا الجمعي وكرموز للمقاومة".
ويرى فارس، وهو سجين سابق وحليف للبرغوثي، أنه "بعد سماعهم كل الأوصاف عن مروان كزعيم محتمل في المستقبل، فقد قرروا، بحسب تحليلي، استهدافه بشكل محدد".
وأخبر البرغوثي محاميه عندما زاروه في آذار/ مارس بسجنه في مجدو، أنه جُرّ إلى منطقة في السجن بدون كاميرات مراقبة وضُربَ. وقال إنه كان ينزف من أنفه وهو يجر من يديه المقيدتين على أرضية السجن قبل أن يُضرب حتى فقد وعيه.
وذكر دوتان أنه شاهد، عندما زاره بعد أسابيع، ثلاث كدمات على جسد البرغوثي. وقال إنه يعاني على الأرجح من خلع بالكتف، وهو في حالة من الألم المستمر، ولكن سلطات السجن رفضت توفير العناية الطبية والفحص الكامل لإصابته.
اظهار أخبار متعلقة
ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر تم نقله إلى ثلاثة مراكز اعتقال وكلها في الحجز الانفرادي. وقال دوتان إنه "ضُرِبَ في عدة مناسبات، في سجن أيلون، منها واحدة شَتَمَهُ فيها حرس السجن وهو يُجرّ على الأرض أمام بقية السجناء".
وترى تال ستينر، من منظمة اللجنة العامة ضد التعذيب في دولة الاحتلال الإسرائيلي أن "ما عانى منه البرغوثي يصل إلى حد التعذيب، وقد أصبح هذا عاديا في كل المعتقلات بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر".
ورفضت مصلحة السجون الإسرائيلية الرد على أسئلة الصحيفة، كما أنها منعت اللجنة العامة ضد التعذيب في الاحتلال الإسرائيلي واللجنة الدولية للصليب الأحمر من زيارة السجون منذ تشرين الأول/ أكتوبر.
وأضافت ستينر، أن منظمتها جمعت 19 شهادة من السجناء السابقين الذين وصفوا التعذيب الجسدي والجنسي وأشكال الإهانة الأخرى، وكذا الحرمان من النوم والطعام والدواء. مردفة بأنه "لو كانت هذه هي الطريقة التي سمحوا فيها لأنفسهم بمعاملة البرغوثي، فتخيل ما يفعلوه ببقية السجناء الذين ليس لديهم نفس المكانة".
ووثّق فرع "أطباء من أجل حقوق الإنسان" في دولة الاحتلال الإسرائيلي 10 وفيات في السجون الإسرائيلية منذ تشرين الأول/ أكتوبر، منها خمس حالات حضر فيها أطباء المنظمة عمليات التشريح.
وظهر على حالتي تشريح "علامات خطيرة من العنف والضرب"، فيما وجدوا في حالة أخرى أن "سبب الوفاة هو الإهمال الطبي". وفي أربع حالات جاءت نتيجة الوفاة بسبب الإهمال الطبي القاتل، بمن فيها وفاة عرفات حمدان، 25 عاما، الذي كان بحاجة لحقنات الأنسولين لعلاج مرض السكري ومات بعد يومين من اعتقاله في تشرين الأول/ أكتوبر.
وبدأ كل معتقل سابق وصفه لحالة السجن بالحديث عن نقص الطعام، وفقدان الوزن بدرجة كبيرة. وتظهر قوائم الطعام التي تعدها مصلح السجون الإسرائيلية أن السجناء الفلسطينيين الذين يشار إليهم بـ"السجناء الأمنيين"، يقدم لهم طعام مختلف عن وجباب بقية السجناء، واحدة بدون لحم أو حرمانهم من شراء الطعام من كافتيريا السجن.
اظهار أخبار متعلقة
ففي بيته برام الله، حمل عمر عساف، ذو الـ74 عاما، الذي أفرج عنه في نيسان/ أبريل، كيسا بلاستيكيا صغيرا ووضع إصبعه على منتصف الكأس لكي يظهر الكمية الصغيرة من الأرز التي تقدم كل يوم: "ما رأيته خلال الأشهر الستة الماضية كان غير مسبوق، ولا يمكن مقارنته بما كان في السابق".
واعتقل عساف في مداهمة بيته في تشرين الأول/ أكتوبر واحتجز بدون اتهامات في سجن عوفر بالضفة الغربية. وضحك وهو يتذكر أن المسؤولين الإسرائيليين اتهموه بالتعاطف مع حركة حماس بسبب لحيته، مع أنه يساري.
وتذكر الليلة الأولى التي قضاها في سجن عوفر، وكيف شاهد أشخاصا عليهم آثار الضرب الواضحة: "كدمات وحلقات سوداء حول العين وفي بعض الأحيان يطلق الحرس الغاز المسيل للدموع أو قنابل مطاطية من مسافة قريبة. وشاهدت أشخاصا جروا على الأرض من أيديهم المقيدة".
ولم يحصل المعتقلون الذي أصيبوا بالرصاص المطاطي على علاج للتمزقات. لكن هذا لا يقارن مع السجناء من
غزة في القسم المجاور "كنا نسمع الكلاب تهاجمهم ونسمع صراخهم".
إلى ذلك، كشف تقرير للأمم المتحدة عن المعاملة السيئة التي تعرض لها سجناء غزة الذين اعتقلوا في ثكنات الجيش، وأجبروا على الركوع لمدة تصل إلى 16 ساعة في اليوم وهم معصوبو العيون، وتعرضهم للضرب بأعمدة حديدية والتعذيب بموسيقى صاخبة وتعرضهم لجروح بسبب القيود الضيقة.
وتقول ستينر: "لم تكن لديهم صلة بالعالم الخارجي، وهناك تقارير عن تعذيب شديد ومعاملة سيئة، وهذا هو غوانتانامو إسرائيل وكل شيء يتعلق بالاختفاء القسري".
وربطت منظمات حقوق الإنسان والمحامين والسجناء بشكل مباشر وضع السجون الحالي، بالوزير المتطرف إيتمار بن غفير، الذي تُشرف وزارته على السجون، واختياره القائم بأعمال مصلحة السجون الجديد كوبي يعقوبي، لسياساته المتشددة.
وذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية، الشهر الماضي، أن المخابرات الداخلية، الشين بيت، اشتكت للنائب العام من قرار يعقوبي، تحسين أوضاع السجناء اليهود المحتجزين بتهم إرهابية في وقت تدهورت فيه أوضاع السجناء الفلسطينيين.
اظهار أخبار متعلقة
وقال دوتان: "هذه سياسة موجهة من إيتمار بن غفير، وبالتأكيد كان هناك تحول ولكننا لم نر حتى الآن أي وثيقة تكشف عن السياسة الجديدة". فيما يقول فارس إن معاملة السجناء الفلسطينيين تظهر أن دولة الاحتلال الإسرائيلي "تريد الانتقام".
وتابع بأنه قام بتكليف فريق قانوني إسرائيلي للدفاع عن البرغوثي، ما حسن من معاملته وإن بشكل هامشي "فإنه لا يزال في الحجز الانفرادي ولكن الضرب توقف".