وافق مجلس النواب
المصري الأحد، على قانون إدارة وتشغيل المنشآت الصحية والذي يسمح للقطاع الخاص والمستثمرين المحليين والأجانب بإدارة وتشغيل وتأجير
المستشفيات العامة والحكومية لمدة تصل من 3 إلى 15 عاما.
وبينما جاء القرار بإجماع البرلمان الذي يسيطر عليه حزب "مستقبل وطن" الذراع السياسي لرئيس النظام عبد الفتاح
السيسي، اعترض عليه بعض النواب واعتبروه تخليا من الحكومة عن دورها في تقديم العلاج المجاني والخدمة الصحية لـ 106 ملايين مصري أغلبهم فقراء وتحت خط الفقر.
وينص القانون على جواز منح التزام المرافق العامة للمستثمرين المصريين أو الأجانب، سواء أكانوا أشخاصا طبيعيين أم اعتباريين، لإنشاء وإدارة وتشغيل المنشآت الصحية، أو لإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية القائمة.
"يوم أسود"
على أن تكون مدة الالتزام من 3 إلى 15 عاما، مع أيلولة المنشآت الصحية بما فيها من تجهيزات وأجهزة طبية للدولة في نهاية مدة الالتزام دون مقابل وبحالة جيدة.
ولاقت بنود القانون اعتراضات واسعة من برلمانين، ومن نقابة الأطباء، محذرين من تبعات ذلك القانون على صحة وحياة ملايين المصريين.
اظهار أخبار متعلقة
وقالت النائبة عن الحزب المصري الديمقراطي مها عبد الناصر: إن التاريخ سيذكر أن هذه الحكومة أجرت المستشفيات، مضيفة: "هذا يوم أسود في تاريخ الصحة المصرية".
وشاركها الرأي النائب أحمد فرغلي، الذي أشار إلى أن الحكومة بهذا تتخلى عن مسؤولياتها، متسائلا أنها فشلت في الإدارة، فكيف ستنجح في الرقابة على القطاع الخاص؟
وأكد نقيب الأطباء أسامة عبد الحي، أن تأجير المستشفيات فيه إضرار بمحدودي الدخل، وطالب في المقابل بتقديم التسهيلات للمستثمر المصري والأجنبي لإنشاء وإقامة مستشفيات خاصة جديدة تضاف للخدمة الصحية.
وحذر النقيب من تبعات القانون على 75 بالمئة من العاملين بالمنشآت الصحية، موضحا أنه يتيح للمستثمر أن يستغني عن الأطباء والتمريض والإداريين وأن يعاد توظيفهم بمعرفة وزارة الصحة بأماكن أخرى، ملمحا إلى أنه "لا يوجد ضمانات لالتزام المستثمر بالنسبة المحددة لعلاج مرضى التأمين الصحي ونفقة الدولة".
بينما قال الكاتب الصحفي مصباح قطب إن القانون "يثبت آخر مسمار في نعش العلاج المجاني".
"تراجع الخدمة"
ويعاني المصريون من تراجع دور المنشآت الصحية الحكومية في تقديم خدماتها مع تقليص ميزانيتها في عهد رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، وقلة مخصصات الصحة بمقابل عدد السكان، وذلك في الوقت الذي ترتفع فيه فاتورة العلاج الخاص، وتواصل فيه جميع شركات الدواء رفع أسعار منتجاتها التي يشكو المصريون من عجزهم عن مجاراتها.
وخصصت موازنة (2024-2025) لقطاع الصحة حوالي 200 مليار جنيه، بنسبة 1.17 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، المقدر بالموازنة بنحو 17.61 تريليون جنيه.
ويبلغ عدد المستشفيات في مصر 1798 مستشفى عامة وتابعة للقطاع الخاص وفقا لآخر الإحصائيات الرسمية المتاحة والصادرة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) عام 2020.
ووفق حصر الجهاز الحكومي لعام 2020، فإن عدد المستشفيات في القطاع الخاص على مستوى الجمهورية يبلغ 1136 مستشفى، ما يعني أن هناك نحو 662 مستشفى حكوميا، هذا إلى جانب آلاف الوحدات الصحية في القرى والنجوع.
ويبلغ عدد الأسرة بالمستشفيات الحكومية نحو 88 ألفا و597 سريرا، و33 ألفا و20 سريرا بالقطاع الخاص بإجمالي 121 ألفا و617 سريرا.
وبحسب صفحة وزارة التعليم العالي عبر الإنترنت، فإن عدد المستشفيات والمراكز الطبية بالجامعات الحكومية يبلغ 115 مستشفى تعليميا ومركزا طبيا.
اظهار أخبار متعلقة
وتشير المؤشرات إلى انخفاض أعداد الأسرة بالمستشفيات خلال عهد السيسي، من 123 ألفا و353 سريرا عام 2014 إلى 121 ألفا و617 سريرا عام 2020 بانخفاض قدره 1736 سريرا، وفق بيانات جهاز التعبئة والإحصاء.
وفي مقابل انخفاض عدد الأسرة بالمستشفيات الحكومية بنحو 9 آلاف و229 سريرا، خلال ذات الفترة، فقد زادت أعداد الأسرة بمستشفيات القطاع الخاص بحوالي 8 آلاف و373 سريرا.
وبينما النسبة العالمية لعدد الأسرة هي 2.8 لكل 1000 مواطن، تقل النسبة في مصر عن 1.1 سرير لكل 1000 مواطن.
وتحدثت "عربي21"، إلى عدد من الأطباء المسؤولين، عن قطاعات عمل في بعض المستشفيات العامة والحكومية، وأكدوا أنه لدخول القطاع الخاص المجال الطبي الحكومي جوانب إيجابية منها الحصول على خدمة جيدة، وجوانب سلبية على قطاع من المصريين، وعلى القطاع الخاص الطبي أيضا، مثل عيادات الأطباء ومعامل التحاليل ومراكز الأشعة الصغيرة.
"طفرة.. ولكن بشرط"
طبيبة الأطفال الدكتورة آمال، تقول لـ"عربي21"، إن "القطاع الخاص أفضل بكثير لأنه سيكون هناك طفرة عبر طبيب جيد متوفر، وخدمة جيدة، وعلاج متوفر في جميع الأقسام، بداية من العيادات الخارجية، والاستقبال، والباطنة، والجراحة، وبخاصة فئة الأطفال التي تعاني إهمالا كبيرا مع قلة الإمكانيات".
تلفت إلى أنه "لو تم تأجير بعض المستشفيات الحكومية من قبل القطاع الخاص وتم تقنين الأمر من خلال منظومة التأمين الصحي الجديد؛ هنا سيدفع التأمين تكلفة الخدمة الجيدة المقدمة في الوحدات الصحية أو المستشفيات العامة لو تحولت إداراتها للقطاع الخاص".
اظهار أخبار متعلقة
وحول ما قد يتكلفه المصريون الفقراء مع تلك الخدمات، توضح أن "المواطن يذهب لعيادة الطبيب الخاص ويدفع ثمن الخدمة كما يحددها الطبيب ولا يعترض، ويذهب لشراء الدواء بالسعر الذي يحدده الصيدلي ولا يعترض، ولكنه يعترض على الطبيب والممرضين وإدارة المستشفيات الحكومية لو طلبوا منه شراء دواء أو أداة أو مادة ناقصة، وقد يصل الأمر إلى الاعتداء على الطاقم الطبي الذي لا يجد دواء أو علاجا يعطيه للمريض".
وتبين أنه "في الفترة الأخيرة تم رفع سعر تذكرة دخول المستشفيات الحكومية من 5 إلى 10 جنيهات، ولا يحصل منها إلا على كشف طبيب وصنف علاج واحد، وقد لا يجده في صيدلية المستشفى، بينما كان يحصل على 3 أصناف في السابق، إذًا الخدمة معدومة والأفضل أن يحصل على الخدمة كاملة نظير مال يدفعه".
وخلصت للقول إن "الخصخصة في الصحة وفي قطاع العلاج وخاصة طب الأطفال أفضل كثيرا للمريض، وللطبيب لو حصل على أجر أفضل، ولكن الجمهور تعود على خدمة مجانية لم تعد موجودة في المستشفيات، والأفضل أن يحصل عليها كاملة نظير مبلغ مالي".
"التوقف والغلق يهدد هؤلاء"
من جانبه، يرى طبيب التحاليل الدكتور حسني، أنه "لو دخل القطاع الخاص في إدارة المستشفيات الحكومية والعامة وقام بتشغيلها لا شك أن المواطن المصري سيحصل على خدمة أفضل بكثير من الوضع الحالي، وخاصة في قطاع التحاليل التي تعاني نقصا شديدا في المواد والخامات والإمكانيات والأجهزة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، يؤكد أن "المدير الجديد من القطاع الخاص؛ سيكون حريصا على النجاح والجودة ورفع كفاءة العمل والخدمة، ولكن يجب أن يتم ذلك كله وفق ضوابط في الأسعار، بحيث لا تتعدى الوضع الطبيعي أو المنطقي وألا يتحول المستشفى إلى مستغل".
ويوضح أنه "يعمل في الرقابة على المستشفيات ويكتشف يوميا أنه لا توجد إمكانيات بالوحدات الصحية والمستشفيات العامة، وفي المقابل يتم رفع قيمة الخدمة لتعادل المعامل الخاصة، وعلى سبيل المثال تم رفع قيمة تحليل صورة الدم الكاملة في المستشفيات الحكومية إلى 100 جنيه، ما يدفع المواطن للجوء إلى القطاع الخاص الطبي للحصول على خدمة أفضل وبنفس السعر".
ويستدرك: "لكن ذلك الأمر على الجانب الآخر، يضر كثيرا بالقطاع الطبي الخاص مثل عيادات الأطباء ومعامل التحاليل ومراكز الأشعة والمراكز المتخصصة في الجراحة أو العيون وغيرها، حيث أنها قد لا تتحمل المنافسة من القطاع الخاص الممول الثري صاحب الإمكانيات وقد يضطر بعضها في النهاية إلى التوقف والغلق".
"الشعب لن يقدر"
وترى طبيبة الأسنان الدكتورة شيماء، أن "القطاع الخاص بلا شك سوف يحسن الخدمة بشكل كبير، ولكن في المقابل لدينا شعب لا يستطيع دفع ثمن جوانتي الطبيب أو جرعة تخدير أو شريط مسكن، ونضطر في أغلب الأحيان لشراء مستلزمات العيادات بالوحدات الصحية لأنها غير متوفرة من الأساس".
وفي حديثها لـ"عربي21"، تضيف: "وقد ندفع أحيانا ثمن العلاج لبعض الحالات، فكيف لكل هؤلاء أن يدفعوا ثمن خدمة لشركة استثمار قطاع خاص تريد التربح من إدارة المستشفيات العامة؟".
لكنها توضح أنه "في المقابل فإن أمر خصخصة المستشفيات العامة أو تأجيرها قد يوقف إلى حد ما عمليات الفساد الحكومي وعمليات الشراء والبيع التي تتم وخلفها تربح مالي لمسؤولين كبار في كل قطاع وإدارة صحية بل ومستشفى".
اظهار أخبار متعلقة
وتؤكد أن "عمليات الفساد نرصدها كثيرا ولا يمكننا إثباتها أو البوح بها ولو تحول الأمر لقطاع خاص لانتهى دور الفاسدين في عمليات التوريد والشراء والبيع وغيرها".
"أجواء سيئة تسبق القانون"
المثير أن القانون يأتي في ظل توجه حكومي نحو بيع الشركات العامة والحكومية الكبرى لمستثمرين أجانب، وفق تعليمات صندوق النقد الدولي، وفي ظل اضطرار السيسي، لمواصلة عمليات البيع والتأجير للقطاعات الحيوية مثل النقل والمواصلات والموانئ والمطارات والشركات الرابحة لأجل سداد دين خارجي فاق 168 مليار دولار نهاية العام الماضي وفوائده وأقساطه، وكذلك الصرف على مشروعاته الإنشائية.
لكن الخطير هنا وفق مراقبين، أنه وفي هذا الإطار يبرز دور المستثمر الأجنبي وخاصة الإماراتي الذي يواصل توسيع قاعدته بشكل مطرد في
القطاع الصحي طوال السنوات الماضية، ما يضع القطاع الحيوي رهن سياسات احتكارية ورفع سعر الخدمة المقدمة ما يقابله انهيار باقي القطاع وعدم قدرته على المنافسة.
وقبل أيام طرحت الهيئة العامة للاستثمار 45 مستشفى حكوميا للإيجار أمام المستثمرين، بينها هليوبوليس بالقاهرة، والعجوزة التخصصي بالجيزة، وكوم حمادة المركزي بالبحيرة، وأبوتيج بأسيوط، وحميات الغردقة بالبحر الأحمر، فيما تم بالفعل تأجير 5 مستشفيات في القاهرة هي: مبرة المعادي، والعجوزة، وهليوبوليس، وزايد آل نهيان، وأورام دار السلام.
"ترفع الأرباح 12 ضعفا على حساب الفقراء"
ومن خلال رصده لملف الصحة المصري قال رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" الباحث مصطفى خضري، في حديث لـ"عربي21"، إن "القطاع الطبي في مصر هو أحد أكبر الأسواق المستهدفة في الشرق الأوسط".
وأضاف: "تبلغ قيمة أصول هذا القطاع حسب تقديرات (تكامل مصر)، ما يقارب 498 مليار دولار، ويدر دخلا يقترب من 7 مليارات دولار سنويا بصافي أرباح تقترب من 245 مليون دولار"، مؤكدا أن "هذا الدخل المتدني نتيجة أن 58 بالمئة من خدمات القطاع الطبي في مصر تتم في المستشفيات الحكومية والجامعية".
ويرى أنه "لو تمت عملية الخصخصة كما يخطط النظام الحالي؛ فسوف يصل دخل القطاع الطبي في مصر لما يقارب 11 مليار دولار سنويا، ووقتها سترتفع صافي أرباح القطاع لما يقارب 3 مليارات دولار، أي أكثر من 12 ضعف صافي الأرباح الحالية".
وأوضح الخبير في التحليل المعلوماتي وقياس الرأي العام، أنه "لذلك فإن أحد أهم شروط صندوق النقد الدولي كانت تحرير هذا القطاع من السيطرة الحكومية تمهيدا لخصخصته".
وبشأن ما تقوله الأرقام حول حالة المصريين الصحية، لفت إلى أنه "بحسب تقديرات وزارة الصحة فإن العيادات الخارجية ووحدات الاستقبال بالمستشفيات الحكومية والجامعية استقبلت ما يقارب 39 مليون مريض خلال عام 2023".
ويعتقد خضري، أن "هذا الرقم مؤشر خطير؛ خاصة وأن المستشفيات الحكومية تغطي 58 بالمئة فقط من حجم الخدمات الطبية، مقابل 42 بالمئة يغطيها القطاع الخاص من مستشفيات وعيادات خاصة".
وعن مدى عجز الدولة عن توفير العلاج المناسب لملايين المصريين وخاصة الفقراء ومحدودي الدخل، قال إن "الدولة ليست عاجزة عن علاج المواطنين، ولكن النظام غير راغب في ذلك".
وأشار إلى أن "حجم الإنفاق على القطاع الطبي لا يزيد عن 1.3 بالمئة من حجم الموازنة العامة للدولة، في حين أن المادتين 18 و19 من الدستور الذي تم إقراره في 2014، يخصص 3 بالمئة من الموازنة لدعم القطاع الطبي".
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح كذلك أنه "وبالمقارنة بالمعدلات العالمية والتي تبلغ 9.1 بالمئة من الموازنات العامة للدول؛ فإن النظام المصري ينفق 14 بالمئة فقط من النسب العالمية للإنفاق على القطاع الطبي".
"يد الخليج"
وتحدث الباحث المصري عن خطورة هذا القانون وتأجير المستشفيات على صحة المصريين وقال: "منذ سنوات وهناك جهات عديدة تسعى للسيطرة على سوق الطب في مصر، أهمها دول الخليج، حيث تتبارى الصناديق الاستثمارية الخليجية للسيطرة على المستشفيات الكبرى ومراكز الخدمات الطبية، وتسعى للاستحواذ على كل الشركات الطبية المنظمة والتي لها حصة سوقية في هذا القطاع".
ووفقا لما لدى "تكامل مصر" من بيانات؛ فإن "الصناديق الاستثمارية الخليجية تستحوذ على 47 بالمئة من شركات القطاع الصحي بالبورصة المصرية، وإذا تم تمرير هذا القانون كما يسعى النظام؛ فإن المستهدف هو خصخصة القطاع الطبي وبيعه لتلك الصناديق على الأرجح".
الإمارات التي تقيم علاقات تطبيع واسعة مع الكيان الإسرائيلي سبقت الجميع واستحوذت على جزء كبير من القطاع الصحي المصري الذي يخدم في القاهرة وحدها أكثر من 20 مليون مصري، بالإضافة إلى ملايين اللاجئين والمهاجرين العرب المقيمين بالعاصمة.
وتثير تحركات شركات أبوظبي في هذا القطاع الريبة والشك خاصة مع تمتلك الشركات الإماراتية 15 مستشفى، ونحو 100 معمل تحاليل ومركز أشعة، والاستحواذ على بعض شركات إنتاج الأدوية.
وفي 27 كانون الأول/ ديسمبر 2021، استحوذت مجموعة مستشفيات "كليوباترا" المملوكة لشركة أبراج كابيتال الإماراتية على مجموعة "ألاميدا "الإماراتية للرعاية الصحية.
وفي النصف الأول من 2021، اشترت (ADQ) الحصة الكاملة لشركة "بوش هيلث" الكندية في "آمون للأدوية" المصرية مقابل 740 مليون دولار.