طرح إخفاق
البرلمان
العراقي للمرة الثانية في انتخاب رئيس جديد يخلف رئيسه السابق محمد
الحلبوسي،
العديد من التساؤلات حول الأسباب الحقيقية التي تعيق شغل الكرسي المخصص للمكون
السني وفقا للعرف السائد، وذلك بعد مرور 7 أشهر على خلوه.
ولم يحصل أحد المرشحين من أبرز المتنافسين؛ سالم العيساوي (158 صوتا)، ومحمود المشهداني (137 صوتا)، على
أغلبية مطلقة خلال جلسة للبرلمان عقدت السبت، بحضور 311 نائبا من أصل 329، إذ
يحتاج المرشح إلى 165 صوتا على الأقل للظفر بالرئاسة.
"سيناريو مُعد"
وكشفت مصادر سياسية
خاصة لـ"عربي21"، طالبة عدم الكشف عن هويتها، أن "حزب تقدم بزعامة
محمد الحلبوسي بيت النية قبل انعقاد البرلمان لإفشال المضي بجولة ثالثة إذا لم يفز
مرشحهم، محمود المشهداني، بالجولة الثانية، التي جاءت بعد خمسة أشهر من الجولة
الأولى".
وذكرت المصادر أن
"محسن المندلاوي، نائب رئيس البرلمان الأول الذي يدير المجلس حاليا، كان يريد
الذهاب إلى جولة ثالثة، من أجل حسم فوز أحد المتنافسين، وليس كما يروّج بعض الساسة
من أن الأخير هو من أعاق استمرار الجلسة حتى يبقى متحكّما في البرلمان".
وأشارت إلى أن
"الوضع تعقد داخل البرلمان بأزمة افتعلها نواب حزب تقدم، بعد قيام النائب هيبت
الحلبوسي بالاعتداء على رئيس كتلة العزم (السنية) مثنى السامرائي، الذي يدعم
المرشح سالم العيساوي، الأمر الذي دفع المندلاوي إلى رفع الجلسة حتى إشعار آخر".
اظهار أخبار متعلقة
وأكدت المصادر أن
"جلسة الجولة الثانية كشفت تمرد نواب شيعة في البرلمان على زعاماتهم، لأن
الاتفاقات بين الكتل كانت تذهب باتجاه حصول محمود المشهداني على الأغلبية، كونه
مدعوما من رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، وأيده حزب تقدم واعتبره مرشحه".
وشددت على أن
"الحلبوسي يخشى من تولي ابن الأنبار سالم العيساوي رئاسة البرلمان، كونه قد
يؤدي هذا الصعود إلى إبعاد الأول عن المشهد، وإيجاد زعامة بديلة للمحافظة وللمكون
السني، على اعتبار أن من يتولى هذا المنصب يمثل السنة بالكامل".
وبحسب المصادر، فإن
"الحلبوسي يدفع باتجاه إبقاء المنصب شاغرا لأطول مدة، حتى لا تأتي شخصية خارجة
عن إرادته تتولى كرسي رئاسة البرلمان، قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في 2025".
وفي هذا الصدد، حاولت
"عربي21" جاهدة الحصول على رد من حزب "تقدم"، لكن اتصالاتها لم
تتلق أي رد.
صراع مناطقي
من جهته، أكد الكاتب
والمحلل السياسي العراقي، باسم الشيخ، أن "المعطيات المتوفرة على الساحة
السياسية تفيد بأن أطرافا مهمة في المكون السني لا ترغب في حسم موضوع رئاسة
البرلمان، إلا وفق التقديرات والحسابات التي يرونها مناسبة".
وأوضح الشيخ
لـ"عربي21" أن "هذا المنصب يعني الشيء الكثير لحزب تقدم، خاصة
بموضوع الاستمرارية في فرض النفوذ بالمناطق السنية، خلال مرحلة تؤسس للانتخابات
البرلمانية المقبلة، حتى لا يخسر عدد المقاعد التي حصل عليها طوال الفترات السابقة".
ولفت إلى أن
"المؤشرات الحالية تدل على أن الحلبوسي لا يريد وصول أي شخصية من محافظة
الأنبار إلى رئاسة البرلمان، وذلك كي لا يكون منافسا له في هذه الساحة التي يعمل
بها سياسيا بأريحية عالية".
ورأى الشيخ أن
"ما جرى في جلسة الجولة الثانية كان أمرا مدبرا، لأن حزب تقدم صار معلوما
لديه أن العيساوي سيصل للمنصب بعدما حصل على نحو 50 بالمئة من عدد الحاضرين
بالبرلمان، لذلك افتعلوا الفوضى من أجل عدم الذهاب إلى إكمال جولة ثالثة لحسم
الفائز".
ولفت الشيخ إلى أن
"الجميع الآن ينتظر احتمالية تدخل المحكمة الاتحادية العراقية في القضية، على
اعتبارها هي من تحسم كثيرا من الخلافات، لا سيما أنها وضعت أسس عدم تعديل النظام
الداخلي للبرلمان وإضافة مرشحين جدد للمنافسة، في ظل غياب أي نص دستوري عن الجولة
الثالثة".
ورجح الخبير العراقي
أن "الخلاف حول المنصب سيأخذ وقتا أطول من المتوقع، حتى لا يصل أي شخص لرئاسة
البرلمان لمنافسة الحلبوسي على الزعامة السياسية، خصوصا أن الأخير يعتبر مجيء أي
شخصية من الأنبار للمنصب تشكل تهديدا مباشرا لوجوده السياسي".
وفي السياق ذاته، قال
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية بالعراق، عصام الفيلي، إنه "من
الناحية العملية، فإن طبيعة الخلافات داخل البيت السني مدفوعة برغبات من قوى
الإطار التنسيقي الشيعي، هي التي عرقلت انتخاب رئيس جديد للبرلمان".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف الفيلي
لـ"عربي21" أن "بعض القوى السياسية السنية التي لا تستطيع الحصول
على رئاسة البرلمان تريد أن يبقى الوضع على ما هو عليه، حتى لا تخسر قواعدها
الجماهيرية كونها تسوّق نفسها على أنها واحدة من أهم القوى السياسية".
ولفت إلى أن
"واحدا من أهم العوامل التي أعاقت انتخاب رئيس جديد، هو الصراع المناطقي
للشخصيات المتنافسة على رئاسة البرلمان، وتحديدا أن ما يجري بين الحلبوسي والعيساوي
بالأساس هو صراع مناطقي، لأن الاثنين من محافظة الأنبار".
إذا لم يقتنع السنة
لاختيار شخصية واحدة لرئاسة البرلمان، فلن يكون هناك اختيار أمام إعلان صريح من رئيس
البرلمان بالإنابة محسن المندلاوي، الذي طالب من السنة الاتفاق فيما بينهم.
أين إيران؟
وبخصوص الحديث عن عدم
التزام نواب في الإطار التنسيقي الشيعي بقرارات زعامات كتلهم بالتصويت للمشهداني
على حساب العيساوي، قال الفيلي: "لا توجد حاليا كتلة شيعية متحدة، وأن الإطار
الحالي يضم مجموعة من الأضداد، فيه تقاطعات في الأيديولوجيات".
وتابع: "إضافة
إلى صراع الأجيال ورغبة الزعامات الشابة داخل الإطار التنسيقي في الاستحواذ على
مكانة متقدمة، كل هذا خلق كتلة شيعية متخلخلة لا تستطيع تحقيق ما تريده".
وحول حديث البعض عن
غياب الجانب الإيراني عن القصة، قال الفيلي إن "إيران لن تغيب عن المشهد
السياسي العراقي، لأنها تعد العراق جزءا أساسيا من أمنها القومي".
وأردف: "إيران
إذا لم تحضر بنفسها في ملفات اختيار رئيس البرلمان أو الحكومة أو غيرهما، فإن هناك
من يقرأ ما الذي تريده طهران وكيفية التعامل مع أي شخصية تصل لهذه المناصب، حتى لا
تكون مصدر قلق للأخيرة، خاصة في السلطة التشريعية العراقية".
من جانبه، قال المحلل
السياسي، باسم الشيخ، إن "من الواضح جدا عدم تدخل الإيرانيين بشكل مباشر، خصوصا أن الأذرع التي تعمل بالإنابة عنها في العراق هي التي ترجمت المطالب
الإيرانية من خلال ترشيح محمود المشهداني الذي يعد الطرف الأقرب للجانب الإيراني".
وشدد الشيخ على أنه
"لا نستطيع القول إن هناك ضعفا أو تخليا كاملا من الإيرانيين للتأثير في
الساحة السياسية العراقية، لكنهم مطمئنون جدا إلى أن الأذرع التي تعمل نيابة عنها يمكن أن تحقق الأهداف المرجوة لهم من وجود رئيس جديد للبرلمان".
وفي 13 كانون الثاني/
يناير الماضي، عقد البرلمان العراقي جلسة استثنائية لاختيار رئيس له، وانتهت
الجولة الأولى من التصويت، بحصول مرشح حزب "تقدم" شعلان الكريم على 152
صوتا من أصل 314 صوتا، والذي انسحب لاحقا من السباق واستقال من حزب الحلبوسي.
وجاء خلف الكريم، سالم
العيساوي بـ97 صوتا، ومحمود المشهداني بـ48 صوتا، إلا أن مشادات كلامية حصلت داخل
قاعة البرلمان، ما اضطر رئاسة المجلس إلى رفع الجلسة وعدم انعقاد جولة ثانية، على
اعتبار أن المرشحين لم يحصلوا على الأغلبية المطلقة للفوز من الجولة الأولى.