عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا مساء الثلاثاء الماضي، ندوة بعنوان "سبعة أشهر من الإبادة الجماعية: قمع متزايد لحركات
التضامن مع
فلسطين" لتسليط الضوء على القمع المتزايد للحركات العالمية المتضامنة مع فلسطين، في ظل استمرار الإبادة الجماعية التي يرتكبها
الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في قطاع غزة منذ أكثر من سبعة أشهر.
حضر الندوة نخبة من الأكاديميين والمدافعين عن حقوق الإنسان، الذين
بدورهم قاموا ببحث السبل الممكنة من النواحي الإنسانية والقانونية والدبلوماسية، لوضع حد للكارثة الإنسانية التي تتصاعد بصورة مرعبة داخل القطاع المحاصر.
المتحدثون هم د. دان كوفاليك ـ محامي أمريكي ومدافع عن حقوق الإنسان
وحقوق العمال، و د. ليكس تاكينبيرغ- مدير العمليات السابق في الأونروا،
والبروفيسور مايكل لينك ـ المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق
الإنسان بالأرض الفلسطينية المحتلة، رجيف هالبر ـ ناشط سياسي وكاتب أمريكي
إسرائيلي، وريتشارد بويد باريت ـ عضو البرلمان الإيرلندي، ود. إليوت كولا ـ أستاذ
اللغة العربية بجامعة جورج تاون، ود. ويليام بوث ـ أستاذ التاريخ اللاتيني في
جامعة كاليفورنيا، وبيل لو ـ محرر مجلة آراب دايجست، والطالبة أسماء أبو بكر ـ
طالبة بجامعة كينغس كوليدج في لندن، والطالب الفرنسي ماسيلو توماس ـ طالب بجامعة
السوربون، والطالبة السويسرية إسلام دميرال.
في كلمته، سلط عضو البرلمان الإيرلندي ريتشارد بويد باريت، الضوء على
التناقضات الصارخة بين مواقف الطلاب والشعوب من الإبادة الجماعية التي يعاني منها
الشعب الفلسطيني، وخاصة سكان قطاع غزة، وبين مواقف الحكومات تجاه الجرائم
المرتكبة نفسها، لافتا إلى أن حكومة بلاده بالرغم من التاريخ المأساوي الذي عايشته تحت
الاستعمار البريطاني، فإن موقفها لا يعد مشرفا كفاية من الإبادة التي يرتكبها
الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
ولفت باريت الانتباه إلى ذكرى المجاعة الإيرلندية التي كانت نهاية
الأسبوع المنصرم، وهو حدث حكومي رسمي يتم إحياؤه سنويّا، وأشار إلى أن هذه
المجاعة، وهي واحدة من أعظم الفظائع التي لحقت بالشعب الإيرلندي، كانت مدبرة بشكل
أساسي من السياسة الاستعمارية البريطانية، من خلال قوانين العقوبات التي فُرضت
على الشعب الإيرلندي آنذاك.
وأوضح باريت أن هذه القوانين أقرب إلى الفصل العنصري، حيث كانت تمارس
تمييزا منهجيّا ضد السكان الكاثوليك، لإخضاع إيرلندا كمستعمرة وخلق انقسامات بين
شعبها لقمع حركات التحرر الوطني. ونتيجة لذلك، انخفض عدد سكان إيرلندا إلى النصف
من ثمانية ملايين إلى أربعة ملايين على مدى أربعين عاما، لافتا إلى أنهم لم يتعافوا
بشكل كامل من هذه المأساة حتى الآن.
أعرب باريت عن غضبه من دعوة الحكومة الإيرلندية للسفير الإسرائيلي لإحياء ذكرى المجاعة، ووصف ذلك بأنه وصمة عار واشمئزاز على نطاق واسع بين جموع الشعب، لافتا إلى أنه أثار هذه القضية في البرلمان الإيرلندي، وأدانها؛ باعتبارها إهانة ليس فقط لشعب غزة وفلسطين، بل أيضا لذكرى أولئك الذين عانوا خلال المجاعة الإيرلندية، ووصفها بأنها تمحو التاريخ والتراث الإيرلندي، وتمثل إهانة فادحة لشعب غزة الذي يعاني.
وأكد باريت أن هذه المحنة التاريخية التي لحقت بشعبه، تغرس بعمق
التضامن بين الشعب الإيرلندي مع القضية الفلسطينية، ورفضهم التام لقوانين الفصل
العنصري والسياسات الاستعمارية التي تضطهد الشعب الفلسطيني، وخاصة خطة الحكومة
الإسرائيلية لتجويع سكان غزة في أعقاب الحرب الأخيرة.
وأعرب باريت عن غضبه من دعوة الحكومة الإيرلندية للسفير الإسرائيلي لإحياء ذكرى المجاعة، ووصف ذلك بأنه وصمة عار واشمئزاز على نطاق واسع بين جموع الشعب، لافتا إلى أنه أثار هذه القضية في البرلمان الإيرلندي، وأدانها؛ باعتبارها إهانة ليس فقط لشعب غزة وفلسطين، بل أيضا لذكرى أولئك الذين عانوا خلال المجاعة الإيرلندية، ووصفها بأنها تمحو التاريخ والتراث الإيرلندي، وتمثل إهانة فادحة لشعب غزة الذي يعاني.
في المقابل، أشاد باريت بردود فعل الطلاب والشعب، مشيرا إلى
الاحتجاجات الهائلة وغير المسبوقة خلال الأشهر السبعة الماضية، خاصة في حرم
الجامعات. وأشار إلى زيادة كبيرة في النشاط الطلابي، من خلال الاعتصامات المشابهة
لتلك التي شوهدت في الولايات المتحدة وبريطانيا وأجزاء أخرى من العالم. كما عبر عن
سعادته بالإعلان عن أن احتجاجات الطلاب في كلية ترينيتي، إحدى الجامعات الرائدة في إيرلندا، أدت إلى موافقة المؤسسة على المقاطعة الكاملة، وسحب الاستثمارات، وقطع
جميع الاتصالات مع المؤسسات الإسرائيلية بعد نحو أسبوع من بدء الاعتصام.
واختتم باريت كلمته متحدثا عن أمله في التغيير، على الرغم من الوضع
المزري الذي يعيشه سكان غزة والمعايير المنافقة للحكومات الغربية، وقال؛ إن هذا
الأمل يأتي من مستوى التضامن والتعبئة والاحتجاجات التي اندلعت في جميع أنحاء
العالم، مشددا على أن أي شخص لديه ذرة من الإنسانية، يجب أن يقف مع ضحايا الإبادة
الجماعية في غزة، ويطالب حكوماتهم بقطع جميع علاقاتها مع الأنظمة الدموية التي
ترتكب مثل هذه الجرائم الشنيعة.
في مشاركته، أكد البروفيسور مايكل لينك، المقرر الخاص السابق للأمم
المتحدة المعني بالأراضي الفلسطينية المحتلة، أهمية هذه التحركات الطلابية
المتضامنة مع فلسطين، مشيرا إلى أن هذا التضامن هو نتاج سنوات من العمل والسعي
الفلسطيني لإيصال صوتهم للعالم.
وسلط لينك الضوء على الطبيعة الملهمة للاحتجاجات الطلابية، مشيرا إلى التنظيم الجماعي والإبداعي في التضامن مع هذه القضايا المُلحة، والوقوف ضد
الجرائم البشعة التي تحدث على بعد آلاف الكيلومترات من المتظاهرين.
وأكد لينك أن هذه الاعتصامات والاحتجاجات الطلابية محمية بموجب حريات
التعبير والتجمع العالمية، المنصوص عليها في دساتير العديد من دول الشمال العالمي،
مشيرا إلى أن القانون يعترف بحق المعارضة، وأن الجامعات من المفترض أنها حاضنة
لمثل هذه الحركات، لافتا إلى أنه تاريخيا، نشأت ونمت العديد من الحركات
الاجتماعية المهمة، من الاحتجاجات ضد حرب فيتنام إلى تلك التي كانت ضد الفصل
العنصري في جنوب أفريقيا، في الجامعات في جميع أنحاء العالم.
وسلط لينك الضوء على الصراع الدائر بين استخدام القانون في خدمة
السلطة، واستخدامه في خدمة العدالة. وأشار إلى أن هذا الصراع واضح حاليّا، لا
سيما في الولايات المتحدة، ودول الشمال الأخرى، حيث تستخدم الجامعات الشرطة
والمحاكم لكبح وقمع اعتصامات الطلاب واحتجاجاتهم. وأشار لينك إلى أن اليمين
السياسي في العديد من البلدان هاجم شرعية هذه الاحتجاجات، واتهمها بمعاداة
السامية، وشوّه سمعة الطلاب المشاركين، واصفا إياهم بالسذج والعنيفين وغير
المنضبطين. وذكّر لينك الجمهور بأن كل حركة احتجاجية طلابية كبرى على مدى العقود الستة
الماضية، واجهت هجمات مماثلة على أهدافها وتكتيكاتها وسذاجتها المفترضة، لافتا إلى أن
رد فعل السلطات دائما ما يكون بهذه الطريقة مع المطالبات التاريخية بالعدالة.
اليمين السياسي في العديد من البلدان، هاجم شرعية هذه الاحتجاجات، واتهمها بمعاداة السامية، وشوه سمعة الطلاب المشاركين، واصفا إياهم بالسذج والعنيفين وغير المنضبطين.
ودعا لينك أولئك الذين لم يشاركوا بشكل مباشر في الاحتجاجات، إلى أن
يدركوا الفرق بين عدالة مطالبات الطلاب، والاعتراضات المتوقعة من أولئك الذين
يدعمون وحشية الاحتلال الإسرائيلي، والذين لا ينقدون الإبادة الجماعية التي ترتكب
حاليّا في غزة، ويدعمون في الوقت نفسه العمى الأخلاقي للاحتلال الإسرائيلي.
واختتم لينك كلمته برسالة للطلاب، الذين لفتوا الانتباه إلى جرائم
الحرب والإبادة الجماعية التي تتكشف في غزة وفلسطين، وأشار إلى الصور النبيلة التي
التقطها الفلسطينيون في رفح وخان يونس، وهم يصنعون ملصقات الدعم والشكر للطلاب في
جميع أنحاء العالم، مما يدل على ضرورة التضامن الإنساني.
في كلمته، سلط الدكتور ليكس تاكينبيرغ ـ مدير العمليات السابق في
الأونروا ومستشار منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية، الضوء على نتائج
الاحتجاجات الطلابية التي وصفها بالشجاعة والواعدة. وشدد على أن هذه الاحتجاجات
جزء لا يتجزأ من العمل الذي تقوم به منظمته، وهي منظمة غير حكومية، تعمل في مجال
العدالة الاجتماعية ومقرها عمان، الأردن.
كما تحدث تاكينبيرغ عن أهمية قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، وكذلك
المواقف الشجاعة للشعوب المختلفة حول العالم، الذين لم ينصاعوا لحكوماتهم التي
تؤيد الدموية والإبادة الجماعية، وقرروا الوقوف ضد الظلم، والمطالبة بوضع حدّ لهذه
الحرب الدامية. وأشار تاكينبيرغ إلى الدعم والتعبئة الكبيرة التي شهدناها خلال
الأسابيع والأشهر الماضية، والتي كان لها تأثير كبير على التضامن العالمي مع
فلسطين، لافتا إلى أن هذا التضامن يدل على الفجوة المتزايدة بين النخب الغربية وبقية
العالم.
وسلط تاكينبيرغ الضوء على ردود الفعل على الطلب الأخير الذي تقدم به
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بطلب إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو
وغالانت، مشيرا إلى الأمل وخيبة الأمل في الوقت نفسه، بسبب هذا القرار. فبالرغم من
أنها خطوة إيجابية، إلا أنه كغيره من المهتمين بالوضع حول العالم، توقعوا أن يمتد الطلب ليشمل جميع المتورطين في ارتكاب
الإبادة الجماعية والتهجير القسري والتعذيب.
وأشار تاكينبيرغ إلى أن هذا الوضع يعكس التقدم التدريجي المتوقع من
الحركات الطلابية، حيث تؤدي خطوات صغيرة في النهاية إلى وضع القضاء على الظلم
المؤسسي بالحجم الذي شهده النضال الفلسطيني.
تحدث جيف هالبر، عالم الأنثروبولوجيا والكاتب الأمريكي/الإسرائيلي،
من القدس، عن أهمية المبادرة التي تقودها المنظمة التي يعمل لديها، وهي منظمة
فلسطينية، حول الدولة الديمقراطية الواحدة. وسلط هالبر الضوء على أهمية الاحتجاجات
الطلابية التي بدأت في الولايات المتحدة، وامتدت إلى أوروبا وأجزاء أخرى من العالم،
مشيرا إلى دورها الحاسم في إظهار التضامن مع الفلسطينيين.
وشدد هالبر على التأثير الأوسع لهذه الاحتجاجات بما يتجاوز التضامن
المعنوي فقط، لافتا إلى أنه في الوقت الذي تهتم الحكومات بالمصالح الاقتصادية
والسياسية، مع التركيز بصورة أقل على العدالة وحقوق الإنسان والقانون الدولي
والسلام، فإن الاحتجاجات الطلابية نجحت في لفت انتباه تلك الحكومات إلى قضايا حقوق
الإنسان. وحذر هالبر من أن القادة السياسيين، بمن فيهم الرئيس بايدن، قد يواجهون
عواقب انتخابية بسبب سياساتهم بشأن غزة وفلسطين.
كما شدد هالبر على فكرة أن هذه الاحتجاجات عززت مكانة القانون الدولي
وحقوق الإنسان في السياسة الدولية، وأظهرت أن الجمهور قادر على الانتفاض والمطالبة
بالعدالة.
في مداخلته، أبدى البروفيسور دان كوفاليك، الأكاديمي الأمريكي ومحامي
حقوق الإنسان، تأييده لما قاله النائب الإيرلندي ريتشارد باريت. مؤكدا أوجه
التشابه بين الوضع في غزة والمجاعات الاستعمارية المختلفة، بما في ذلك المجاعة
الإيرلندية والمجاعة التي عانى منها السكان الأصليون في أمريكا الشمالية من المستوطنين. وشدد كوفاليك على أن الهدف من هذه المجاعات كان الإبادة الجماعية،
بهدف محو السكان الأصليين، وهم في الوضع الحالي هم الشعب الفلسطيني.
وأشار كوفاليك إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تسعى للحصول على
أوامر قضائية ضد نتنياهو وغالانت، بسبب المجاعة التي يفرضونها على الشعب الفلسطيني،
لافتا إلى أننا نشهد محاولة للقضاء على فلسطينيي غزة.
هذه الاحتجاجات عززت مكانة القانون الدولي وحقوق الإنسان في السياسة الدولية، وأظهرت أن الجمهور قادر على الانتفاض والمطالبة بالعدالة.
كما أشار إلى أن العديد من المسؤولين الإسرائيليين كانوا واضحين
للغاية بشأن نيتهم جعل غزة غير صالحة للعيش، وهو الهدف الذي حققوه إلى حد كبير بعد
سبعة أشهر من
العدوان. وقدم كوفاليك تفاصيل عن تدمير آبار المياه والمستشفيات
والجامعات وأجزاء أخرى من البنية التحتية المدنية، بما في ذلك شبكة الطرق وغيرها
من الخدمات.
وشدد كوفاليك على الدور المهم للولايات المتحدة في هذا الوضع، مشيرا إلى أن هذه الحرب هي حرب أمريكية بقدر ما هي حرب إسرائيلية. وانتقد الميناء الذي
يتم إنشاؤه، بزعم أنه لأغراض إنسانية، والذي روج له بايدن وبلينكن وآخرون. وقال
كوفاليك؛ إنه إذا أرادت الولايات المتحدة حقّا ضمان حصول سكان غزة على الغذاء
والدواء والمياه، فإنها ستضمن بقاء الطرق البرية مفتوحة. وأشار إلى أن معبر رفح تم
إغلاقه بشكل كامل، مما أدى إلى قطع المساعدات الحيوية ومنع الأهالي من الخروج
بحثا عن النجاة، مؤكدا أن الولايات المتحدة متواطئة في هذه الإبادة الجماعية.
في كلمته، ركز الباحث الكندي بيل لو، محرر مجلة عرب دايجست، على ما
وصفه بالإبادة الثقافية التي تحدث في غزة، مشيرا إلى نية الاحتلال الإسرائيلي
المتعمدة لمحو الهوية الفلسطينية، وطمس معالم غزة الثقافية والتاريخية.
وتناول لو في كلمته بيانا صادرا عن جمعية دراسات الشرق الأوسط (MESA)، رصد حجم الخسائر الثقافية التي تسبب بها العدوان الإسرائيلي الأخير
على غزة.
وأعرب لو عن قلقه العميق إزاء تدمير التراث الثقافي والتاريخي في
غزة، مضيفا أن هذا الدمار يمتد إلى الطرق والبنية التحتية، والأهم من ذلك،
المواقع الأثرية والدينية والتراثية الثقافية في غزة. وشدد لو على أن هذه الأعمال
تهدف إلى محو فكرة الشعب الفلسطيني، من خلال التدمير الممنهج لذاكرته التاريخية
ومطالبته باستعادة أراضيه.
كما أعرب لو عن غضبه إزاء تدمير آثار تاريخية يعود عمرها آلاف
السنين، مؤكدا أن هذه السياسة المستمرة منذ أكثر من قرن، تعمد إلى طرد الفلسطينيين
من وطنهم، ومحو حضورهم الثقافي والتاريخي. وانتقد لو تواطؤ القوى الأجنبية، وخاصة
الولايات المتحدة وبريطانيا، في هذه السياسة، مشيرا إلى أن الأصوات الفلسطينية
مستبعدة من المناقشات الدبلوماسية وعمليات صنع القرار.
وقدم لو بيانات مفصلة عن الدمار الثقافي في غزة، واستشهد بمعلومات من
المجموعة الإقليمية العربية في المجلس الدولي للآثار والمواقع التاريخية. وكشف أن
200 موقع من أصل 325 موقعا مسجلا في غزة، ذات أهمية وطنية وعالمية وتاريخية
وأثرية وطبيعية ودينية وإنسانية، قد تم تدميرها أو إلحاق أضرار جسيمة بها على يد
القوات الإسرائيلية، بينها خمس مكتبات عامة وأرشيفات، وأربع مكتبات جامعية، وست
دور نشر، و19 مركزا ثقافيّا واجتماعيّا، وثلاث شركات إنتاج إعلامي وفني، وعشرة
متاحف، وأربع كنائس، وما لا يقل عن 114 مسجدا، وثمانية مواقع أثرية، وسبعة منازل
وأسواق تاريخية، بالإضافة إلى الأراضي الساحلية.
كما سلط لو الضوء على تدمير المقابر التاريخية، بما في ذلك مقبرتان
تديرهما لجنة مقابر الحرب في الكومنولث، ونوه بمحاولاته التواصل مع اللجنة للتأكد
من وضع هذه المقابر والعائلات الفلسطينية التي تحتفظ بها منذ عقود، إلا أنه لم
يتلق أي رد.
في مداخلته، انتقد الدكتور ويليام أ. بوث، أستاذ تاريخ أمريكا
اللاتينية في كلية لندن الجامعية، مفهوم الإمبريالية التنويرية والعالمية، وسلط
الضوء على النفاق الدولي في تطبيق قيم التنوير. وشدد على أنه على الرغم من أن
المُثُل العليا مثل حرية تكوين الجمعيات، وحرية التعبير، والقانون الدولي،
والاستثمار الأخلاقي تعد عالمية كما تدعي الحكومات والأنظمة المختلفة، إلا أنها
تطبق بشكل انتقائي من قبل الأقوياء للحفاظ على هيمنتهم على الأقل قوة.
وأشار بوث إلى الاحتجاجات الطلابية باعتبارها دليلا مهما على تطبيق
هذه القيم، موضحا أن تصرفات الطلاب ـ من خلال تنظيم المسيرات والمخيمات
والاحتجاجات ضد الإبادة الجماعية –، تجسد احترام هذه القيم وتطبيقها، كما انتقد
ردود فعل إدارات الجامعات، ليس فقط في بريطانيا، ولكن في العالم كله، حيث ترهيب
الطلاب وشن حملات قمعية هدفها إخراسهم وحرمانهم من حقهم في التعبير عن رأيهم بحرية.
أشار ويليام أ. بوث إلى الأهمية المتزايدة لحملة المقاطعة، وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات في جامعة لندن، التي تم إطلاقها رسميّا مؤخرا، وذكر أن 500 موظف وقعوا على ست تعهدات، بما في ذلك عدم العمل مع الجامعات المتواطئة في إسرائيل.
وسلط بوث الضوء على اعتصام الطلاب داخل غرفة جيريمي بينثام لمدة 34
يوما، حيث عقدوا العديد من المحادثات وورش العمل.
كما تناول بوث في كلمته الدمار الأكاديمي الذي لحق بغزة في أعقاب هذه
الحرب، حيث قُتل ما يقرب من 8000 طالب و100 أستاذ، ودُمرت كل الجامعات.
كما أشار بوث إلى الأهمية المتزايدة لحملة المقاطعة وسحب الاستثمارات
وفرض العقوبات في جامعة لندن، التي تم إطلاقها رسميًا مؤخرا، وذكر أن 500 موظف
وقعوا على ست تعهدات، بما في ذلك عدم العمل مع الجامعات المتواطئة في إسرائيل،
وعدم التعامل مع الشركات المتواطئة في الإبادة الجماعية، ودعم الجامعات والطلاب
الفلسطينيين، ووقف إسكات التضامن، وإنهاء الاستثمارات في شركات الأسلحة، ودعم حملة
مقاطعة البضائع الإسرائيلية العالمية BDS.
الدكتور إليوت كولا، أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة
جورج تاون، تحدث في كلمته عن الأبعاد الجيلية للصراعات السياسية داخل الحرم
الجامعي. وقال؛ إنه من خلال 40 عاما من خبرته في الأوساط الأكاديمية - كطالب وطالب
دراسات عليا وباحث ثم أستاذـ، قد شهد تحولا كبيرا في وعي الطلاب بين الماضي
والحاضر، بعدد من القضايا أهمها القضية الفلسطينية، لكنه أكد أن ثقافة القمع لا
تزال موجودة حتى في المؤسسات الأكثر ليبرالية في الولايات المتحدة.
وروى كولا رحلته الشخصية لفهم فلسطين، التي بدأت خلال سنوات دراسته
الجامعية في مؤسسة ليبرالية، لافتاإلى أنه ينحدر من عائلة يهودية مسيحية، كانت
الصهيونية هي الرواية السائدة فيها، لكن بعد التحاقه بالجامعة، وتعرفه على طلاب
فلسطينيين حدثوه عن تاريخهم وما حدث لعائلاتهم، تغيرت نظرته للقضية، واكتسب فهما
أعمق، لذلك شدد على الدور المهم للرواية الفلسطينية في تثقيف الآخرين حول قضيتهم.
وبالتأمل في البيئة الأكاديمية قبل 40 عاما، أشار كولا إلى أن مناهج
التاريخ الأمريكي والعالمي كانت تهيمن عليها الأساطير التأسيسية للثقافة
الاستعمارية الاستيطانية، وأنه كان من الصعب العثور على دراسات نقدية حول موضوعات مثل الاستعمار الاستيطاني والعبودية ضمن المناهج الدراسية الرئيسية.
في جامعته، بيركلي، على سبيل المثال، كانت مثل هذه المواضيع متاحة في
المقام الأول في الأقسام المتخصصة مثل الدراسات الأمريكية الأفريقية، والدراسات
الأمريكية الأصلية، والدراسات الأمريكية الآسيوية، والدراسات اللاتينية / شيكانو.
بالنسبة للعديد من الطلاب من خلفيته، كان الوصول إلى وجهات النظر النقدية هذه
يتطلب جهدا كبيرا، لذلك كان على أي طالب يرغب في تثقيف نفسه، البحث خارج الأوساط
الأكاديمية المتاحة.
وقارن كولا هذا بالمشهد الأكاديمي الحالي، الذي يتضمن الآن دراسات
نقدية قائمة على التجربة حول الاستعمار الاستيطاني والعبودية وتراثهما الدائم.
وسلط الضوء على التحول نحو فهم هذه القضايا، ليس فقط كأحداث تاريخية، ولكن كهياكل
مستمرة تستمر في تشكيل المجتمع المعاصر.
الطالبة أسماء أبو بكر الفقي، طالبة التاريخ في جامعة كينجز كوليدج
لندن، تحدثت عن الترابط الذي تشهده الحركات الطلابية كافة الداعمة لفلسطين في
الجامعات المختلفة داخل المملكة المتحدة وخارجها، مشيرة إلى أهمية هذه الاحتجاجات في
مثل هذه المؤسسات العريقة.
كما تحدثت عن تجربتها في اعتصام جامعة كينغز كولدج، الذي تم إطلاقه
في 13 أيار/مايو، بعد سبعة أشهر من الالتماسات المرسلة إلى إدارة الجامعة لوقف أي
تعاون مع المؤسسات الإسرائيلية، وسحب الاستثمارات.
وعلى الرغم من عدم وجود اعتقالات رسمية كما حدث في جامعة ييل
والجامعات الأمريكية، فقد لاحظت أسماء تغيرا كبيرا في ديناميكية الطلاب في
الجامعة، خاصة فيما يتعلق بالاستخدام المتكرر لمصطلح "السلامة" من قبل
الإدارة. وقالت الفقي؛ إن كلمة "السلامة" أصبحت تعبيرا ملطفا للقمع،
ومبررا للتضييق على الحركات الطلابية، مشيرة إلى أنه مصطلح أصبح يُستخدم في الرسائل
والإعلانات والمحادثات لخنق الحركة الطلابية. وانتقدت تركيز الجامعة المفاجئ على
مخارج الحريق، ونصب الخيام، وراحة زوار الحرم الجامعي، مشيرة إلى أن هذه القضايا
لم تكن ذات أولوية قبل الاعتصام.
وأكدت الفقي المطالب الواضحة للطلاب؛ أن تقوم الجامعة بالكشف عن
جميع الشركات والمصنعين المتواطئين في الحفاظ على الفصل العنصري الإسرائيلي، وضرورة
سحب استثماراتهم منها، وحماية الطلاب داخل الجامعة والعالم الأكاديمي الأوسع،
والالتزام بإعادة بناء القطاع التعليمي في غزة.
كما انتقدت تجاهل الجامعة مقتل الدكتور ميسرة الريس، أحد خريجيها،
على يد الاحتلال الإسرائيلي في غزة خلال الإبادة الجماعية المستمرة منذ سبعة أشهر،
في وقت تقوم فيه الجامعة بتكريم الخريجين المتوفين الآخرين وتأبينهم، مما يثير
تساؤلات حول هذا التناقض.
كما انتقدت سياسة "الاستثمار الأخلاقي" التي تنتهجها
الجامعة، مشيرة إلى أنه في حين انسحبت كلية كينجز كوليدج لندن بالكامل من
الاستثمارات في الوقود الأحفوري في آذار/مارس 2021 كجزء من مهمتها في خدمة المجتمع، وضمان مستقبل إيجابي للجامعة والكوكب، لم تظهر الجامعة الالتزام نفسه تجاه حياة
الإنسان نفسه حين تعلق الأمر بفلسطين. وأشارت الفقي إلى المفارقة في موقف الجامعة،
الذي يشير إلى حرمان الفلسطينيين من حقهم في تقاسم الكوكب نفسه، الذي يتعرض للقصف
والتسوية بلا هوادة.
في مداخلتها، تحدثت الطالبة إسلام دميرال، طالبة فيزياء المناخ في
المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا زيورخ (ETH
Zurich)، وعضو
مجموعة طلاب من أجل فلسطين، عن الاحتجاجات الطلابية والقمع الذي يواجهونه. وسلطت
الضوء على الدور المهم الذي تؤديه جامعتها في توفير التكنولوجيا للمؤسسات
الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي، بما في ذلك تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لشركات مثل Google،
مما ساهم في ما وصفته بأول إبادة جماعية مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
وأشارت دميرال إلى المعايير المزدوجة في تصرفات ETH Zurich، مشيرة إلى أنه في حين فرضت الجامعة عقوبات
على 17 مؤسسة مباشرة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أنها لم تفرض عقوبات على أي
مؤسسات إسرائيلية أو الجيش الإسرائيلي.
وبينت دميرال أنها قامت هي ومجموعتها بالدعوة إلى قيام المعهد بإدانة
الإبادة الجماعية، ودعم المقاطعة الأكاديمية ضد المؤسسات المتعاونة مع الجيش
الإسرائيلي.
كما تحدثت دميرال عن استخدام القوة في فض اعتصامات الطلاب المؤيدين
لفلسطين، حيث تستخدم الشرطة الرصاص المطاطي، ورذاذ الفلفل، كما تشن حملة اعتقالات
شرسة، مشيرة إلى أن هذا الرد كان غريبا بالنسبة للشرطة السويسرية، التي كانت تتعامل
بلطف مع الاحتجاجات الطلابية السلمية.
في كلمته، شدد مارسيلو توماس، وهو طالب فرنسي من جامعة السوربون، على
أهمية مواصلة التعبئة الشعبية والطلابية ضد الإبادة الجماعية في غزة، بغض النظر عن
حجم القمع الذي يواجهونه. وأكد التضامن بين الطلاب في مختلف الكليات في باريس
وخارجها، مشيرا إلى القمع المستمر من قبل الحكومة، خاصة في الأسابيع الأولى من
احتجاجاتهم ومعسكراتهم في مؤسسات مثل جامعة السوربون وساينس بو.
وأفاد توماس أن الشرطة اعتقلت أكثر من 80 طالبا في الأسابيع
الأخيرة، مما يدل على جهود الحكومة لسحق الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، وأكد أن
الاستنفار المستمر يبعث برسالة واضحة للحكومة، مفادها أنه لن يتم إسكات الطلاب،
وأشار أن القمع امتد إلى ما هو أبعد من الجامعات، حيث وصل إلى أماكن العمل، إذ يتم
فصل أو استبعاد كل من يحتج ضد الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد
الفلسطينيين.
كما تحدث توماس أيضا عن القمع العالمي لكل الحركات الطلابية، مشيراإلى أنه ليس في فرنسا فقط، بل في كل دول العالم بما فيها الدول العربية مثل مصر، حيث
بدأت الحكومة المصرية في شن حملات اعتقال في صفوف الطلبة الرافضين للإبادة
الجماعية الإسرائيلية.
واختتم كلمته مشددا على أهمية مواصلة النضال، وتوجيه رسالة واضحة
تؤكد استمرار التضامن مع الفلسطينيين، والتصدي للاتهامات بمعاداة السامية
والإرهاب، كما أكد أن نضالهم لا يقتصر فقط على معارضة تصرفات حكومتهم الداعمة
للإبادة الجماعية، بل يتعلق أيضا بالوقوف ضد السياسات الاستعمارية، وتعزيز سبل دعم
العدالة للفلسطينيين الآن وفي المستقبل.