"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ
وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ"(الانفال:
27).
1- أهداف
المقال.
2- التمهيد المعرفي والتاريخي وكيفية تشكل ظاهرة
المراكز الكرتونية.
3-
ماهية وفلسفة مراكز البحوث والدراسات.
4-
البواعث والأهداف والدور الوظيفي.
5- منظومة
عمل مراكز البحوث والدراسات واستحقاقات وكفايات العمل اللازمة (فكريا- تنظيميا-
بشريا- ماليا)
6-
معايير تقييم الأداء والإنجاز.
7-
الأشكال الكرتونية المزيفة.
8-
خطر المراكز الكرتونية على حركة الاصلاح والمشروع الإسلامي.
9-
الواجب فعله.
أهداف المقال
1- تعزيز الوعي الجمعي بماهية وأهمية
وكيفية عمل مراكز البحوث والدراسات.
2- المشاركة في تقويم وتفعيل مراكز
البحوث والدراسات في خدمة مشروع التحرر والإصلاح
3- مواجهة ظاهرة الوجود الكرتوني الوهمي
المانع والقاطع للوجود والفعل الحقيقي، والتي تعد من أهم سياسات الفكر الاستعماري
وروافده في تدجين وتقويض الحركات الإصلاحية، وتضليل وإيهام وتخدير وتنويم الشعوب
المتعطشة للإصلاح والتغيير.
مقدمة تمهيدية لبيان وترسيخ حقائق ومفاهيم معيارية وبيان كيفية
تشكل ظاهرة المراكز الكرتونية
1-
تطور العقل الإصلاحي
من أول وأعظم مقاصد الدين هو الوصول إلى العلم والحكمة والقرار الأصوب والتي لا نصل إليها في عصرنا إلا بمراكز حقيقية للبحوث والدراسات، وليست مسميات كبيرة لمضامين كرتونية فارغة، ومن يعترض أو يعوق أو يتلاعب بذلك فقد وضع نفسه عقبة في طريق المشروع الإسلامي وإن صلى وصام وزكّى وحج وادعى العمل للإسلام لعقود
تطورت
العلوم وتعددت مجالات الحياة وتشابكت وتعقدت علاقتها ببعضها البعض، ولم يعد العقل
البشري وحده قادرا على متابعة وفهم واستيعاب واستشراف والتعاطي مع ما يجرى، فتوصل
العقل البشري إلى مراكز البحوث والدراسات المتخصصة لدعم صناعة القرار، والتي هي أحد
تطبيقات مفهوم الشورى الإسلامية التخصصية، ويكفي أن نجاح المؤسسات والدول الكبرى
الناجحة مرهون بما تمتلكه من مراكز البحوث ودراسات.
فلكل
جسد عقل، وعقل المؤسسات والتنظيمات والأحزاب ونظم الحكم والدول هي مراكز البحوث
والدراسات، وكل عمل بدايته من العقل وإنتاج الفكرة وتصميم الخطة ونظم منهج ومراحل
ومعايير العمل، وبقوة وشمول وتكامل عقل المؤسسة تنجح المؤسسة أو تتعثر وتفشل وتفنى
من الوجود.
ومن أول
وأعظم مقاصد الدين هو الوصول إلى العلم والحكمة والقرار الأصوب والتي لا نصل إليها
في عصرنا إلا بمراكز حقيقية للبحوث والدراسات، وليست مسميات كبيرة لمضامين كرتونية
فارغة، ومن يعترض أو يعوق أو يتلاعب بذلك فقد وضع نفسه عقبة في طريق المشروع الإسلامي
وإن صلى وصام وزكّى وحج وادعى العمل للإسلام لعقود.
ومن
ثم فمن الطبيعي أن تولد مراكز البحوث والدراسات ولادة طبيعية في مخاض من العمل الإصلاحي
الطبيعي الذي يمتلك عقولا قيادية كبيرة تدرك مقاصد الدين وحقائق الواقع، وأسباب
تقدم وتفوق الخصم وضعف وإخفاق العقود والقرن الذي تعيشه الحالة الإصلاحية
الإسلامية.
2- كل
لما خلق له
والعبرة
بنتائجه لا بمجرد وجوده، ومجرد الوجود بلا نتيجة قاطع ومانع عن الفعل الصحيح. الشمس
وظيفتها الضوء والحرارة والكثير من أسباب الحياة، وبغياب الشمس كل يوم تغيب أشعتها
وحرارتها ويأتي الليل، وصنع الإنسان الثلاجة لإنتاج البرودة وحفظ الأطعمة فإذا
فقدت وظيفتها فلا قيمة لها، ومهمة الخلاط إعداد العصائر، وإذا لم توجد الفاكهة فلن
يقوم بمهمته ولن ينتج عصيرا حتى ولو تم تشغيله. وكذلك مراكز البحوث والدراسات
مهمتها ووظيفتها هي إنتاج معرفة وحلول ومبادرات جديدة مبتكرة وفاعلة في الإجابة
على أسئلة وأزمات وتحديات الواقع، والمعيار البديهي لتقييم أدائها وإنجازها هو عدد
ونوع ما تنتجه من موسوعات وكتب وابحاث وورقات عملية؛ تتضمن معرفة جديدة مبتكرة ذات
أولوية ومساهمة بفاعلية في إصلاح وتغيير الواقع، وهي في ذلك بين ثلاث:
1- إنتاج
معرفة جديدة مبتكرة تجيب على أهم وأولى أسئلة وتحديات الواقع، وهي بذلك في مواجهة حقيقية
مباشرة مع أعداء الله تعالى من خصوم المشروع الإسلامي.
2- إنتاج
معرفة جديدة مبتكرة تجيب على أسئلة ما ولكنها ليست من أولويات الإصلاح الجاري، وهي
بذلك بعيدة عن مواجهة خصوم الإسلام، وتذهب بالجسد الإصلاحي إلى فضاء مسالم طيب
وديع (كيوت) بعيد عن المواجهة. وبذلك تؤدى دورا وظيفيا حقيقيا لخدمة خصوم المشروع
الإسلامي بالخروج من المواجهة وإيهام وتخدير جموع الإصلاحيين وتنويمهم دون فاعلية،
وتكفي خصوم المشروع الإسلامي همهم، وبذلك كفى القائمين على المراكز الكرتونية خصوم
الإسلام أعباء وتكاليف يقظة ومواجهة العاملين للإصلاح.
3- تكرار
إنتاج المعرفة السابقة، أو تحليل الأحداث والتعليق عليها، أو الأرشفة، أو إصدار الانشغال
بإنتاج كتب وبحوث وهمية بعيدة عن أولويات المرحلة، تفتقر إلى الأهداف والمنهج العلمي
التخصصي، بما يعد بمثابة الجري في المحل واستنزاف الجهود والفرص، وإيهام الأفراد
والجموع العاملة للإصلاح بأنه توجد لدينا مراكز بحوث وأننا نواكب الموضة الجارية
فليطمئن الجميع ويخلدوا إلى النوم.
3- الولادة
غير الشرعية لظاهرة مراكز البحوث والدراسات بعد انقلاب تموز/ يوليو 2013م
أولا:
ما قبل ثورة يناير لم يكن لمراكز البحوث والدراسات ذكر إلا في
القليل من الجامعات، ولم يكن للتنظيمات الدينية ولا الحركات الإصلاحية الاجتماعية والسياسية، خاصة الدينية
منها، أي علاقة بما يسمى مراكز البحوث والدراسات، وعندما يُقترح تأسيس مركز أو وحدة
متخصصة للبحوث والدراسات التربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، من قبل بعض الأكاديميين
أو الإسلاميين المتقدمين فكريا المدركين لأهميتها، كانت تقابل بسؤال: لماذا؟ لا
نحتاجها فكل شيء يُدرس والأمر شورى.
هذه هي
الإجابة الظاهرة التي تخفي خلفها السبب الحقيقي العميق الذي هو مزيج من غياب الوعي،
ووهم العبقرية، ومنح الذات صك الإلهام الإلهي بديلا عن العقل والعلم والتخصص، والخوف
من وجود وحدة جديدة داخل التنظيم تمتلك شرعية علمية ورأيا علميا يسحب جزءا من
سلطاتها، وتخالفها في الرأي وانفراها بالتفكير والتصور والرأي والقرار، مكتفية بوجود
عالم في الشريعة ضمن القيادة ليضفي الشرعية الدينية على القرارات. وفي العمق لهذا
التصور الخاطىء تكمن فكرة المحافظة والوكالة والسيطرة على أفراد التنظيم، التي حذر
منها القرآن الكريم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عمق العمق لهذا الفهم الخاطئ
لحقائق الإسلام يكمن حب القيادة والنفوذ والمنفعة الخاصة.
ثانيا:
منذ بزوغ شمس ثورة يناير المجيدة 2011 حتى انقلاب يوليو 2013 م
لم
تؤسس التنظيمات الدينية (الإخوان- الجماعة الإسلامية- السلفيون.. الخ) ولا الأحزاب
الجديدة التي تم تأسيسها (47)؛ ما يمكن اعتباره مراكز للتفكير والبحث والدراسة في
الواقع والتغيير الاجتماعي والسياسي المطلوب، وإنتاج المعرفة اللازمة لاستكمال
الثورة الشعبية الخالصة، وملاحقة واستثمار ما أنجزه الشعب منفردا، بما يؤشر بداية
وقبل أي تحليل إلى ضعف وعدم جاهزية التنظيمات والنخب، ولجوئها الى مربع الفهلوة.
(الفهلوة
مصطلح مصري نشأ في أوساط العامة يعني عدم المعرفة وغياب الأدوات والاستغراق في
الجهل المركب بوهم معرفة كل شيء، والإفتاء في كل شيء، ومحاولة إنتاج حيل غير علمية
للفعل والدوران في حلقة مفرغة من الفشل وضياع الجهود والفرص).
لم تؤسس التنظيمات الدينية (الإخوان- الجماعة الإسلامية- السلفيون.. الخ) ولا الأحزاب الجديدة التي تم تأسيسها (47)؛ ما يمكن اعتباره مراكز للتفكير والبحث والدراسة في الواقع والتغيير الاجتماعي والسياسي المطلوب، وإنتاج المعرفة اللازمة لاستكمال الثورة الشعبية الخالصة، وملاحقة واستثمار ما أنجزه الشعب منفردا
ظاهرة
الفهلوة الإصلاحية
المعادلة
المنطقية والعلمية والتاريخية المعيارية التي يجب الالتزام بها:
أي تغيير
اجتماعي وسياسي= 1× 2× 3× 4 × 5
1-
مركز بحوث ودراسات متخصص متكامل المجالات؛ الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية،
يصمم الأسئلة اللازمة للإجابة على أسئلة التحرر من الاستبداد والتحول إلى نظام حكم
شعبي راشد.
2- علماء
من طبقة المفكرين المستشارين منتجي المعرفة الجديدة؛ الموثق إنتاجهم المعرفي
الجديد في مجالات تخصصهم لقيادة وإدارة مراكز البحوث، علما بأنهم يختلفون تماما عن
طبقة العلماء الخبراء والأخصائيين والدعاة والوعاظ والتنفيذيين.
3-
باحثون متخصصون محترفون منتجو أفكار ومعرفة جديدة ومبادرات وحلول، مؤهلون بمعارف
وقيم ومهارات وأدوات
التفكير خارج الصندوق والإنتاج المعرفي الجديد، بما يختلف
تماما عما هو شائع من نقل وتجميع وإعادة تبويب المعارف القديمة وتحليلها والتعليق عليها،
والدوران داخل الصندوق، والتوقف عند توصيف الظاهرة وتحليلها وبيان أسبابها، والعجز
والتوقف عن إنتاج أفكار وحلول لمواجهتها والتغلب عليها.
4-
معايير ونظم ومناهج علمية لإنتاج وتوثيق المعرفة، تمهيدا لإنزالها للواقع للتجربة والاختبار
والتنفيذ.
5-
نظام تمويل مستقل يضمن حرية وطلاقة تفكير وعمل المركز.
المعادلة
غير المنطقية ودون الأخلاقية التي فرضت نفسها:
الفهلوة
الإصلاحية =... × افراد أصحاب عاطفة ورغبة في الإصلاح وحاجة للتكسب يفتقرون للوعي
الإصلاحي اللازم ×... صفر... ×... صفر... × ... صفر... = فشل وضعف مركب..
رغبة
وهرولة سريعة إلى تأسيس أحزاب سياسية للتنافس على السلطة × عدد كبير مبالغ فيه من
الأحزاب × عدم تأسيس أية مراكز للتفكير وإنتاج المعرفة= فهلوة نخبة..
ثالثا:
ما بعد انقلاب يوليو 2013م وحتى كتابة المقال في مايو 2024م
تيار
متدفق من تأسيس عدد كبير من عشرات مراكز البحوث والدراسات المصرية في الخارج، والتي
تتخذ أسماء كبيرة جدا تتجاوز في بريقها المراكز التي تمتلكها الإدارة الأمريكية التي
تنتج المعرفة وتصنع قرارات قيادة وإدارة العالم:
-
البحوث والدراسات، والواقع ملتقى لندوات ثقافية تحكي فيما تمت حكايته من قبل.
- الاستراتيجي،
والواقع أفكار تنفيذية.
- استشرافي،
والواقع أرشيفي لما سبق.
- العالمي،
والواقع الاستغراق في المحلية، ولا التزام بالمعايير العالمية ولا تواصل ولا تعلم
منها.
-
المستقبلية، والواقع تحليل وتعليق وتوصيات تقليدية لما يجرى.
-
الثورية والتغيير، والواقع التحول إلى معارضة بمتابعة ونقد ما يقوم به المنقلب.
-
العلمية وإنتاج النظريات والمبادئ العلمية، والواقع إنتاج آراء لا ترتقي إلى درجة
الفرضيات..
حقيقة
الأمر والله على ما أقول شهيد ورقيب وحسيب: مراكز كرتونية بامتياز.
والبرهان
والدليل اثنان:
الأول: لا
إنجاز معرفيا ولا ميدانيا على مدار 11 عاما كاملة بالرغم من إنفاق الملايين من
الدولارات والجهود، وهذا ما هو بيّن مؤكد للجميع.
الثاني:
غياب الالتزام بالمعايير المنظمة لعمل وإنجاز مراكز البحوث والدراسات المتعارف
عليها عالميا، وهذا ما أبيّنه بإيجاز يعزز الوعي الجمعي ويكشف حقيقة الخدعة الكبرى.