يعكس الموقف
المصري من عدوان الاحتلال الإسرائيلي المستمر على قطاع
غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، الذي يبدو متناقضًا، محاولات النظام موازنة عدة اعتبارات داخلية وخارجية.
وعلى الرغم من الدعم الرسمي والإعلامي للقضية الفلسطينية والرفض العلني للحرب على غزة، فإن السلطات تتّخذ إجراءات قمعية ضد المواطنين والطلاب الذين يحاولون التعبير عن دعمهم من خلال التظاهرات، خوفًا من أي اضطرابات داخلية أو تهديدات أمنية.
واعتقلت السلطات المصرية عشرات المواطنين، كانوا يحاولون الترويج لحملات المقاطعة للاحتلال والتضامن مع الفلسطينيين، في أحدث علامة على عدم رغبتها في إفساح المجال أمام الحراك الشعبي بشأن الحرب في غزة بالرغم من الانتقادات الرسمية المتزايدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
بحسب "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، وهي منظمة مستقلة مقرها القاهرة، فإن هناك بعض الطلاب من بين عشرات المحتجزين في ما يتّصل بالاحتجاجات ضد عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وبعضهم اعتقل في تشرين الأول/ أكتوبر عندما امتدّت المسيرات التي سمحت بها السلطات، ضد هجوم الاحتلال الإسرائيلي إلى مواقع غير مصرّح بها بما في ذلك ميدان التحرير في القاهرة.
ولا تفصح الجهات الأمنية عن عدد المعتقلين لديها على خلفية العدوان على قطاع غزة لكن المبادرة المصرية، قدّرت عددهم بحوالي 125 شخصا، لا يزال 95 منهم رهن الحبس الاحتياطي، بتُهم تشمل الانضمام لجماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة.
وفي منتصف أيار/ مايو قرّرت نيابة أمن الدولة العليا المصرية حبس طالبين 15 يوما احتياطيا على ذمّة التحقيقات في القضية رقم 1941 لسنة 2024 حصر تحقيق أمن دولة عليا. ووجهت النيابة لهما خلال التحقيقات، اتهامات بالانضمام لجماعة إرهابية، ونشر أخبار وبيانات كاذبة، وفق المفوضية المصرية للحقوق والحريات.
ملابسات وتهم المعتقلين
كشف المحامي الحقوقي، نبيه الجنادي، الذي يتولى الدفاع عن أحد الطلاب المتهمين في القضية، أن "عدد الطلاب المتهمين في القضية هم ثلاثة طلاب، والقضية برمتها هي سياسية في المقام الأول لأنها في يد نيابة أمن الدولة وليست النيابة العادية، وهم الآن محبوسون على ذمة القضية احتياطيا، ولم يتم السماح لهم بأداء امتحانات نهاية العام".
كذلك، نشرت الحركة ثلاثة بيانات فقط على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عن مساندة الطلاب الفلسطينيين للتعليم في مصر، وإعفائهم من المصروفات الدراسية، وبيانا آخر، يندّد باجتياح رفح الفلسطينية، وبيانا أخيرا عن ضرورة المقاطعة والمطالبة بحظر المنتجات الداعمة للاحتلال.
وأضاف الجنادي في تصريحات خاصة لـ"عربي21": "نحن الآن في مرحلة الحبس الاحتياطي ودور الدفاع الآن هو حول مبررات الحبس الاحتياطي، والدفع بضرورة الإفراج عن المتهمين"، مشيرا إلى أن "عدد المحبوسين من الطلاب هم ثلاثة فقط والباقي من المواطنين العاديين وجميعهم في حبس احتياطي ولم يُحل أي منهم للمحاكمة".
أما بخصوص توقعاته القانونية حيال قضايا المتهمين، فقد أعرب الجنادي عن أمله في أن "تفرج السلطات المصرية عن المتهمين في القضية خاصة أنها لا تتعلق بالأوضاع الأمنية أو السياسية في مصر على الإطلاق".
موقف مصر ظاهره غير باطنه
وصعّدت مصر من حدة انتقادها لدولة الاحتلال الإسرائيلي، على خلفية اجتياح رفح بريا واقتحام
معبر رفح البري من الجانب الفلسطيني والسيطرة عليه والتوغل في محور صلاح الدين (فيلادلفيا) الذي تحكمه قوانين واتفاقيات خاصة على هامش اتفاقية السلام بين البلدين.
ووجهت مصر انتقادات حادة للإدارة الإسرائيلية، على خلفية تخطي ما أسمته في وقت سابق بالخطوط الحمر ما دفعها للانضمام إلى جنوب أفريقيا في دعوتها ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين.
كما أنها اتّخذت موقفا متشددا من عدم فتح معبر رفح لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر إثر نفاد المواد الغذائية والأدوية والوقود وتفشي الأمراض والمجاعة في كل القطاع، وحملت الاحتلال مسؤولية استمرار إغلاق المعبر طالما بقيت السيطرة الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني.
عين على الحرب وأخرى على الشارع المصري
انتقد وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى سابقا، عز الدين الكومي، حصر انتقاد العدوان على قطاع غزة على السلطات والإعلام ونزعه من المواطنين وحظره عليهم، وقال: "للأسف الشديد الدعم المصري للقضية الفلسطينية ليس على مستوى الحدث بالرغم من ارتباط ذلك ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي المصري ويجب دعمه".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف لـ"عربي21": "على الرغم من أن الموقف الرسمي المُعلن هو رفض الحرب والتنديد بالمجازر والدعوة لإنهائها فإنه في الوقت نفسه لا يسمح لأي مواطن أن يعبّر عن رأيه برفض حرب الإبادة الصهيونية في غزة، وقد ظهر ذلك جلياً خلال تحذير جمهور الناديين الكبيرين (الأهلي والزمالك) في نهائيات أبطال أفريقيا والكونفدرالية ومنع رفع الأعلام الفلسطينية".
وفنّد الكومي التهم "المعلبة" والتعسّف في اعتقال "من يخالف هذه التحذيرات أو الخطوط الحمر التي وضعها النظام لمنع التعاطف مع أهل غزة، بتوجيه عدة تهم معلبة مثل الانضمام لجماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة أو ما شابه".
لعل الموقف المصري الهزيل، بحسب الكومي، نابع من حالة الاستسلام التي صاحبت اتفاقية كامب ديفيد في سبعينيات القرن الماضى، وخوف السلطات من تحول الاحتجاجات والمظاهرات إلى الأوضاع الداخلية في الوقت الذي تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية طاحنة، وأصدرت خلالها قرارات اقتصادية قاسية تتعلق بالخطوط الحمر داخليا مثل رفع الدعم وزيادة في عدد من البنود والسلع!