تقارير

إعلان "عيد الغدير" عطلة رسمية في العراق.. ما دلالاته وتداعياته؟

ما زال بعض السياسيين في العراق يعتقدون بجدوى التحفيز العاطفي للممارسات الدينية في رفع رصيدهم في الشارع العراقي وفي ذلك مجانبة للصواب.. الأناضول
ما زال بعض السياسيين في العراق يعتقدون بجدوى التحفيز العاطفي للممارسات الدينية في رفع رصيدهم في الشارع العراقي وفي ذلك مجانبة للصواب.. الأناضول
أقر البرلمان العراقي ما يُعرف بـ"عيد الغدير" عطلة رسمية في عموم البلاد، بعدما صوت الأربعاء 22 أيار/ مايو على قانون العطل، وسط تخوفات من تأجيج الخلافات السنية الشيعية، وتعميق الطائفية في بلد يضم طوائف متعددة، وشهد أحداثا دامية على خلفيات طائفية معروفة وفق مراقبين.

وكان السيد مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري كرر مطالبته للبرلمان العراقي لاعتماد "عيد الغدير" عطلة رسمية، وجدد مخاطبته للبرلمان في كلمة متلفزة يوم الجمعة 17 أيار/ مايو قال فيها "بعد إكمال الصيام في رمضان يأتي عيد الفطر، وبعد إتمام الحج يأتي عيد الأضحى" ثم تساءل: "وما هو عيد الغدير؟"، ليجيب: “هو إكمال الدين وإتمام النعمة.. وحينما نطالب أن يكون عطلة إنما هي عطلة لإكمال الدين وإتمام النعمة...".

وأضاف: "ولا أقبل أن يزاودني أحد على نبذ الطائفية، إذ إن الجميع عزفوا على وترها، فإن طالبنا بعطلة ليوم الغدير فذلك درء للطائفية، وتفعيل للتعايش السلمي".

وختم حديثه بالقول: "ثم إن صوّتَ البرلمان العراقي مشكورا على هذا المطلب الشعبي الاعتدالي فبها ونعمت، وإن لم يصوتوا فليواجهوا محمدا وعليا خصما لهم، سنة وشيعة".



وفي سياق الجدل المحتدم في المجتمع العراقي بشأن المطالبة بإعلان "عيد الغدير" عطلة رسمية، حذر إمام وخطيب جامع أبي حنيفة في بغداد، عبد الوهاب السامرائي من إثارة الفتنة الطائفية مرة أخرى في البلاد من خلال تلك المطالبة، مذكرا بما شهده العراق من "مرحلة الطائفية والقتل على الهوية.. وما زالت ترسبات هذه المرحلة في نفوس الناس تشكل زاوية مظلمة وخطيرة.. ولكن يأبى البعض إلا أن يعيدنا إليها".

وقال السامرائي: "نأمل أن يكون هناك موقف من الحكومة والبرلمان الذي يُراد له أن يُعقد غدا يحدد هوية البلاد، إما أن تكون هوية وطنية عراقية وهذا ما نريده، أو أن تُحفظ للكل حقوقهم وهوياتهم، وسنرفع الصوت عاليا ليسمع العالم الإسلامي، ولتسمع مكة والقاهرة وكل العالم أن العراق إما أن يكون بلدا لكل المواطنين، وإما أن تُحفظ الهويات جميعا، ولا تُطمس هوية من الهويات".

وأضاف: "لن نقبل ولن نرضى، إما أن تكون هوية لجميع العراقيين، وإما أن تحترم كل هوية من الهويات، فيكون عطلة ليوم الغدير، وعطلة ليوم السقيفة، وعطلة لتنصيب سيدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، شهيد المحراب...".


 
ووفقا للنائبة في البرلمان العراقي عن كتلة "تقدم" النيابية نهال الشمري فإن "التصويت على مشروع قانون العطلات الرسمية الذي يتضمن عطلة عيد الغدير، جاء بسبب ضغط الشارع العراقي بقيادة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لتشريعه أكثر مما هو رغبة من النواب الشيعة داخل البرلمان العراقي".

وأشارت في تصريحات صحفية إلى أن "تشريع قانون في هذه المرحلة أمر غير صحيح، خاصة مع وجود أصوات طائفية ومشاكل وخلافات تحول دور مرور مثل هذه القوانين بصورة صحيحة، بالإضافة إلى أن المكون السني يفتقد حاليا لاستحقاقه في رئاسة البرلمان، ومن المفترض عدم تمرير تشريعات من هذه النوع إلا بوجود رئيس للبرلمان وفق الاستحقاق السياسي".

هذا التشريع الجديد الذي أدرج "عيد الغدير" ضمن قانون العطلات الرسمية في العراق، والذي يثير تخوفات أهل السنة من أن يكون سببا في تأجيج الخلافات الطائفية وتعميقها بين أبناء المجتمع العراقي، يثير تساؤلات حول دوافع هذا القرار ودلالاته، وما هي تداعياته المحتملة على المجتمع العراقي بتكويناته الطائفية المختلفة؟

في تعليقه على الإعلان والجدل قبله وبعده قال الأكاديمي والسياسي العراقي، الدكتور زياد الصميدعي: "ما زال بعض السياسيين في العراق يعتقدون بجدوى التحفيز العاطفي للممارسات الدينية في رفع رصيدهم في الشارع العراقي، وفي ذلك مجانبة للصواب من جهتين".

وأضاف في تصريحاته لـ"عربي21": "الجهة الأولى تظهر في التغيير الغريب والسريع في مستوى الوعي لدى طبقة الشباب الذي يمثل اليوم نسبة 68% من التعداد السكاني.. إذ لم يعد هؤلاء يعيشون في دائرة الوعي المغلقة، وبالتالي استطاعوا تفكيك الذاكرة الجمعية للمجتمع".

وتابع: "أما الثانية فتتمثل في أن المجتمع العراقي تحول من مجتمع قيمي عشائري إلى مجتمع براغماتي نفعي.. تحركه المصالح والمال لا الممارسات الدينية أيا كانت بل حتى العبادات تحولت إلى عادات يومية" على حد وصفه.

وعن تداعيات ذلك على المجتمع العراقي عامة، وأهل السنة بوجه خاص، فقد  استبعد الصميدعي أن يكون "هنالك ردة فعل من قبل السنة على ذلك، واستبعد كذلك أي تأثير يذكر على مستوى المجتمع ومكوناته المختلفة، فربما يكون ذلك في حدود ضيقة لا تخرج عن نطاق الإعلام والإعلام المضاد فقط".


                                     د. زياد الصميدعي.. أكاديمي وسياسي عراقي

من جانبه قال أستاذ فلسفة الدين والأخلاق بجامعة بغداد، الدكتور إحسان الحيدري: "لكي نكون موضوعيين، ونتحدث من واقع الحدث، فإن واقع العراق حاليا يخلو من أية نزاعات طائفية، والدليل هو الاستقرار الأمني الذي تشهده جميع المدن العراقية منذ أن تم دحر داعش على يد الغيارى من أبناء العراق المخلصين".

وأضاف: "وحينذاك أرخص أبناء المكون الشيعي في جنوب العراق أرواحهم للدفاع عن أبناء جلدتهم من أبناء المكون السني في محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار وديالي، والحمد لله تم تحرير الأراضي العراقية نتيجة التلاحم الوطني بين مكونات الشعب العراقي".

وأكمل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "وسابقا كانت نار الطائفية في أوجها بين عامي 2007 و 2008 التي أشعل فتيلها منفذو الأجندات الخارجية التي لا ترغب في أن يعود العراق معافى قويا لأن مصالحهم الاقتصادية ستتضرر بالدرجة الأولى، فضلا عن أن المشروع الصهيوني يرغب بحرق العراق، وأن لا تقوم له قائمة أبدا".

وعن تداعيات ذلك على أهل السنة أوضح الحيدري أن "اللجنة القانونية ولجنة الأوقاف البرلمانيتين، فضلا عن مجلس الوزراء الذي طرحوا مشروع قانون العطلات الرسمية مؤلفة من شيعة وسنة وأكراد، كما أن الذين صوتوا على القرار هم من أعضاء مجلس النواب العراقي يفوق عدد النواب الشيعة الحاضرين بكثير؛ ما يعني أن السنة والأكراد قد صوت الكثير منهم لصالح هذا القانون الذي يشتمل على عطلة عيد الغدير".


                                  د. إحسان الحيدري.. أستاذ فلسفة الدين والأخلاق

ولفت إلى أن "الشعب العراقي كان قبل عدة سنوات منقسما على نفسه إلى ثلاثة أقسام بشكل عام نتيجة الخلافات السياسية بين الأحزاب الحاكمة، لكن حينما اختلفت الأحزاب الشيعية فيما بينهما، واختلفت الأحزاب السنية فيما بينها، واختلفت الأحزاب الكردية فيما بينها، أُطفئت نار الطائفية، وتشكلت تحالفات سياسية وكل تحالف يحوي بين طياته أحزابا شيعية وأخرى سنية، وثالثة كردية".

وأردف: "وهذا ما نشهده اليوم، والدليل على ذلك عدم انتخاب رئيس مجلس النواب، والمفترض أن يكون من المكون السني لغاية الآن بسب الاختلاف الكبير بين الأحزاب السنية؛ لذلك أقولها وبكل ثقة أنه لا توجد طائفية اليوم في العراق بعد أن ذاق الشعب بمختلف أطيافه ويلات تلك الحروب الطائفية، وبات أكثر وعيا من السابق، ولن يسمح بإثارة نار الطائفية من جديد أبدا".

وفي ذات الإطار أكدَّ الكاتب والأكاديمي العراقي الدكتور سلمان الهلالي أن "الطائفية في العراق انتهت بعد القضاء على الإرهاب وداعش، وثمة تضامن اجتماعي كبير اليوم بين المكونات الدينية والمذهبية والإثنية في العراق، واستقرار وأمن وسلم وإعمار".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "العراق تطور وتلاشت الصراعات الطائفية التي كان يؤججها الإرهاب، وفي ما يتعلق بقضية عيد الغدير فهو اختيار ديمقراطي، وأقره مجلس منتخب ولا أعتقد أن فيه تأجيجا طائفيا، وإنما زوبعة في فنجان قام بها بعض رجال الدين والسياسيين لأغراض انتخابية، وطرح أنفسهم كحماة للسنة" بحسب قوله.


                                            د. سلمان الهلالي.. كاتب وأكاديمي عراقي

وأكدَّ في ختام كلامه أن "المجتمع السني والشيعي اليوم أصبح أكثر وعيا وتفهما، بل وأكثر علمانية ولا يهمه مثل هذه الصراعات".

وكان الحزب الإسلامي العراقي قد أعرب عن معارضته لمقترح اعتماد "عيد الغدير" عطلة رسمية في العراق، وقال المكتب السياسي للحزب في بيان سابق إن "المقترح لا يتوافق مع احتياجات العراق اليوم، وهو مناسبة لها خصوصيتها لدى مكون دون آخر، وستعيد إنتاج دوامة الفعل ورد الفعل بما لا يخدم المصلحة الوطنية العليا".
التعليقات (0)