كلف رئيس النظام
المصري عبدالفتاح
السيسي، رئيس وزرائه
مصطفى
مدبولي، بتشكيل حكومة كفاءات وخبرات وقدرات جديدة تقوم ببناء الإنسان
المصري، وتستكمل سياسة الإصلاح الاقتصادي، وجذب الاستثمارات، في خبر قابله
المصريون بالسخرية، وعدم التفاؤل بتغيير سياسات بيع الأصول العامة والتفريط في
ممتلكات المصريين وإفقارهم.
ومن المقرر وفقا لتوقعات الصحفي والبرلماني مصطفى بكري،
أن يقدم مدبولي تشكيلة حكومته خلال أيام، ويعرضها بجلسة طارئة أمام مجلس النواب
يتخللها تقديم برنامج الحكومة، وذلك وفقا للمادة (146) من الدستور، فيما توقع
بكري، المقرب من النظام، أن تشمل
الحكومة الجديدة مفاجآت، وتضم خبرات
وكفاءات.
ووافق قرار السيسي، أغلب توقعات المصريين بإعادة تكليف
مدبولي –يعمل منذ العام 2018-، كما خالف توقعات البعض بإحداث تغيير ولو شكلي في
حكومته، وتكليف أسماء كان متوقعا من بينها وزير النقل الحالي كامل الوزير أو رئيس
المخابرات عباس كامل.
لكن ووفق قراءة مراقبين، فإن السيسي نسف بعض الآمال
بإحداث تغيير حقيقي عبر تكليف رئيس وزراء تكنوقراط، وأنه باق على جميع سياساته
وأدواته ووسائله ووجوهه طوال السنوات السابقة، رغم ما أحدثوه من فقر وغلاء وديون،
وخسارة بملفات المياه، والغاز، والأصول العامة، وعجزهم إزاء أزمات إقليمية في غزة
والسودان.
"إعادة سياسات
كارثية"
وفي تلخيصه للحالة المصرية، قال السياسي المصري والقيادي
بالحركة المدنية مجدي حمدان موسى، إن "المشكلة أصلا في مصطفي مدبولي، وليس
فقط في الوزراء الذين سيغادرون الوزارة".
وأكد لـ"عربي21"، أن "إعادة تكليف مدبولي
يعد تكرارا وإعادة لسياسات كارثية سابقة"، مبينا أن "استمراره استمرار
لنفس السياسات ونفس الخطوط ونفس الكوارث".
اظهار أخبار متعلقة
وفي توقعاته لأسماء من سيغادر ومن سيبقى من الوزراء
بحكومة مدبولي الجديدة، يعتقد موسى، أن "ما سيجري هو المعتاد بأي تغيير وزاري
سابق، بخروج كل الوزراء غير المعنيين".
"تغيير ولكن
للأسوأ"
وفي تقديره، قال الباحث المصري في الملف الاقتصادي
والعمالي حسن بربري: "عقب الانتخابات الرئاسية السابقة في كانون الأول/
ديسمبر الماضي، وإثر حلف السيسي اليمين الدستورية في نيسان/ أبريل الماضي وبداية
فترته الرئاسية الجديدة حتى 2030، وجب دستوريا استقالة الحكومة".
القيادي في حزب "التحالف الشعبي"، أوضح في
حديثه لـ"عربي21" أنه "كان من المفترض حينها أن يتم تشكيل حكومة
أخرى جديدة، أو إجراء بعض التعديلات عليها، أو تجديد الثقة في ذات الحكومة، ولهذا
فإن الإبراء الحاصل هذا متأخر جدا، وعكس ما حدث مع حكومة شريف إسماعيل التي
سبقت مدبولي واستقالت عقب انتخابات 2018".
وأكد أنه "بشكل عام فاستقالة حكومة مدبولي، إبراء
دستوري قانوني عادي لكنه متأخر في مراحله"، مضيفا أن "السؤال هنا هو:
هل تحمل حكومة مدبولي الجديدة أي توجه أو تغير جديد؟".
النقابي المصري والناشط العمالي، يعتقد أنها "ستحمل
نفس السياسات الموجودة ونفس الإصلاح الاقتصادي، الذي يعني تطبيق شروط صندوق النقد
الدولي، خاصة وأننا على مشارف وجود شح جديد في العملة، وتقوم الدولة بالإسراع في
عملية رفع الدعم عن السلع أو تحويله إلى دعم نقدي ورفع شرائح الدعم عن الطاقة".
وأشار إلى أن "تلك الأدوات متسارعة جدا حتى تصل
الحكومة لاتفاق سريع مع صندوق النقد في الأسابيع القادمة حول المراجعة الثالثة
لبرنامج قرض المليارات دولار الثمانية، ثم يتبع ذلك اتفاق مع الاتحاد الأوروبي
وفقا لآخر اجتماع مع الرئاسة والحكومة".
وخلص للتأكيد على أنه "بالتالي فإن حكومة مدبولي
الجديدة هي استمرار لنفس السياسات، وإن كانت ستتعمق أكثر وتتوغل أكثر على المزايا
الاجتماعية لعموم الشعب، وسط تناقص بقيمة دخول الطبقة الوسطى والفقيرة، ولذا لن
يحدث تغيير وإن توقعه الناس".
"قرار متوقع"
وفي قراءته لخطاب تكليف السيسي لمدبولي، قال الكاتب
والمحلل السياسي أحمد حسن بكر، إن "إعادة تكليف مدبولي بتشكيل حكومة كفاءات
وخبرة كان متوقعا، كما راجت تسريبات عن بقاء عدد من وزراء الحقائب السيادية،
لوزراء الإسكان، والتخطيط، والنقل، والشباب والرياضة، والتعليم، والري والموارد
المائية، والاتصالات".
وأشار لـ"عربي21"، إلى أنه "وفقا لصفحة
الرئاسة المصرية، فإن الحفاظ على محددات الأمن القومي في ضوء التحديات الإقليمية
والدولية من أولويات الحكومة الجديدة".
وتساءل: "ما محددات الأمن القومي المنوط بالحكومة
الجديدة تحقيقها، بعدما فرطت الحكومة الحالية برئاسة مدبولي بأهم مقومات الأمن
القومي، سواء بإضاعة حق مصر التاريخي بمياه النيل، والغاز، وبيع أراضى مصر وأصولها
الاقتصادية بالجملة، ومن قبل التنازل عن تيران وصنافير، وأخيرا السماح لإسرائيل
باحتلال الشريط الحدودي مع غزة والسيطرة على معبر رفح؟".
وعن "الهدف الثاني الذي كُلفت به الحكومة المنتظر
تكليفها، بوضع ملف بناء الإنسان المصري على رأس قائمة الأولويات، خاصة بمجالات
الصحة والتعليم، ومواصلة جهود تطوير المشاركة السياسية"، تساءل بكر، ثانية:
"بناء الإنسان؟ أم انتهاك حقوق الإنسان؟".
ويرى أنه "هدف يثير السخرية، لأن الإنسان المصري في
ظل الحكومة الحالية تُنتهك حقوقه ليل نهار، ويُعتقل ويُحبس احتياطيا دون تهم،
ويُمنع من حق التعبير، وحق الترشح، كما حدث مع المرشح الرئاسي أحمد الطنطاوي،
وغيره، كما أصبح حقه في العلاج من الماضي".
"القمع وحجة
مقاومة الإرهاب"
وأضاف المحلل السياسي، أنه "وكالعادة كان تكليف
الحكومة بتشديد القبضة الأمنية بزعم مكافحة الإرهاب وتحقيق ما يسمى بالاستقرار
التكليف الأهم، لأنه ببساطة تكليف يضمن قمع الأصوات المعارضة الغاضبة من تدهور
أحوال الشعب بكافة المجالات".
وتابع: "كما تضمن خطاب تكليف حكومة مدبولي
المنتظر تشكيلها الاهتمام بملفات الثقافة والوعي الوطني، في حين
انتهجت حكومة مدبولي السابقة سياسة تضليل الوعي الوطني العام وتغييبه عبر منابر
إعلامية، تفتقد الأمانة الصحفية أو الوطنية".
وعاود بكر طرح تساؤلاته قائلا: "هل تسعى الحكومة
الجديدة لتعزيز الخطاب الديني، أم الطعن في ثوابت الإسلام؟"، ملمحا إلى أن
"التوجيهات ركزت على (تعزيز الخطاب الديني المعتدل، على نحو يرسخ مفاهيم
المواطنة والسلام المجتمعي)".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد أنه "الخطاب الذي يتولاه الآن ما أطلقوا على
أنفسهم مصطلح (شيوخ السلطان)، أو مراكز يتولى أمرها حفنة ملحدين، يطالبون بجحد
السنة المطهرة، والطعن في ثوابت الدين والتراث الإسلامي".
وخلص للقول: "من هذا يتضح أن الحكومة المصرية ماضية
فى سياساتها السابقة، التي دمرت الاقتصاد، وفرطت في ثوابت الأمن القومي، وأفقرت
الشعب، وحولت مصر لدولة خوف، بل لسجن كبير، لا أمل فيه ولا عمل".
"كلمة السر"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، عزا الخبير الاقتصادي
المصري عبدالنبي عبدالمطلب كلمة السر وراء استقالة حكومة مدبولي الآن، لوجود بعثة
صندوق النقد الدولي في مصر منذ 21 أيار/ مايو الماضي، لإتمام المراجعة الثالثة
للاقتصاد المصري في إطار تمويل الصندوق البالغ 8 مليارات دولار.
وعبر صفحته بـ"فيسبوك" تندر البرلماني فريد
البياضي، حول وصية السيسي، لمدبولي، باختيار وزراء ذوي كفاءة، متسائلا: وهل اختار
مدبولي وزراء حكومته السابقة حتى يختار وزراء حكومته الجديدة؟، متوقعا عدم حدوث أي
تغيير.
وأكد البعض أن إبقاء السيسي على مدبولي نابع من أنه لا
يخالفه الرأي وينفذ تعليماته بكل دقة، طالب آخرون بضرورة تغيير وزراء الأوقاف،
والكهرباء، والزراعة، والتعليم، والصناعة، والتموين.
"سياسات إفقار
وبيع وتفريط وسجل أمني أسود"
وفي 18 حزيران/ يونيو 2018، وبقرار من السيسي، وبعد
استقالة حكومة شريف إسماعيل، شكًل وزير الإسكان مصطفى مدبولي، الحكومة 124 في
تاريخ مصر الحديث، وأول حكومة له، وأصبح أول رئيس للوزراء في ولاية السيسي الثانية
التي شغلها في 2 حزيران/ يونيو 2018.
وضمت حكومة مدبولي الأولى 20 وزيرا من حكومة إسماعيل،
وانضم إليها الفريق كامل الوزير الرجل المقرب من السيسي بمنصب وزير النقل في آذار/
مارس 2019، ليُجرى ثاني تعديل بحكومة مدبولي بـ10 حقائب في 22 كانون الأول/ ديسمبر
2019.
لتشهد وزارته ظهور أكبر قضية فساد بوزارة الصحة تغادر
على إثرها الوزيرة هالة زايد منصبها، ليتم تعديل رابع في آب/ أغسطس 2022، بـ12
حقيبة وزارية، لتستقيل وزارته المكونة من 33 وزيرا اليوم، وسط ترقب لتغييرات ترضي
الشارع المصري.
وبينما يستقيل مدبولي، ويعود بوزارة جديدة يعاني
المصريون مع سياسات حكومته ومن سبقه من حكومات في عهد السيسي، أوصلتهم إلى أزمات
وكوارث بينها أزمة الأسعار المستمرة طوال 10 سنوات.
ولفت مراقبون إلى ارتفاع قيمة فاتورة الكهرباء بنحو 762
بالمئة، وتذكرة مترو الأنفاق إلى 925 بالمئة، والغاز المنزلي لـ1150 بالمئة،
والغاز الطبيعي لحوالي 1525 بالمئة، والبنزين 594 بالمئة، والسولار 809 بالمئة،
وسعر صرف الجنيه رسميا 496 بالمئة".
ويتهم البعض مدبولي، بتنفيذ سياسات رئيس النظام، دون
مراجعة، ونزع الدعم عن الفقراء في مقابل تنفيذ الكثير من الأعمال الإنشائية في
العاصمة الإدارية الجديدة، وبينها على سبيل المثال البرج الأيقوني البالغ تكلفته 3
مليار دولار، وفق حديث للكاتب الاقتصادي مصطفى عبدالسلام عبر صفحته بـ"فيسبوك".
وكانت آخر، قرارات حكومة مدبولي الكارثية رفع أسعار
الخبز المدعم من 5 قروش إلى 20 قرشا بنسبة 300 بالمئة لأول مرة منذ 30 عاما، في
قرار يمس 70 مليون مصري جلهم من الفقراء وجرى تطبيقه السبت الماضي، وذلك بجانب
قرارات متوقعة برفع جديد لأسعار الكهرباء والوقود ونزع كامل للدعم عنهما.
وفي المقابل، عجزت حكومة مدبولي عن القيام بأقل واجباتها
في الرقابة على الأسواق، وضبط الأسعار، وتوفير السلع الأساسية التي تشهد بعضها شحا
وارتفاعا غير مبرر من آن لآخر ، وخاصة السكر والأرز والزيت والبصل وغيرها.
بل إن موازنة العام (2024- 2025)، المقدمة من حكومة
مدبولي، والتي أقرها البرلمان الاثنين، كشفت عن ارتفاع بالضرائب المحصلّة بنسبة 32
بالمئة.
وبسبب سياسات الاستدانة الداخلية لترقيع الموازنة
العامة، والاستدانة الخارجية لاستكمال مشروعات السيسي، في العاصمة الإدارية
والعلمين الجديدة وغيرها تفحلت أزمة الدين الخارجي ليبلغ مع نهاية العام الماضي
168 مليار دولار، تسرق خدمته بين أقساط وفوائد ومتأخرات الدعم المخصص لفقراء
المصريين الذين يقبع نحو ثلثيهم تحت خط الفقر.
وفي نهاية وزارة مصطفى مدبولي، ارتفعت المدفوعات على
فوائد الدين العام حتى نهاية نيسان/ أبريل الماضي بمعدل سنوي بلغ 88 بالمئة، كما
أنه ووفقا لتوقعات الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم نوار، عبر صفحته
بـ"فيسبوك"، فإنه بالسنة المالية الجديدة متوقع وصول قيمة مدفوعات
الفوائد لنحو تريليوني جنيه، بينما دعم السلع الموجه لدعم رغيف الخبز والسلع
التموينية والكهرباء والمياه والبنزين والسولار والغاز يقل عن 300 مليار جنيه.
وقننت حكومة مدبولي عمليات التفريط في أهم الأصول العامة
والشركات الحكومية والأراضي المميزة على السواحل المصرية وفي العاصمة القديمة
والجديدة، عبر طرحها للبيع أمام مستثمرين عرب وأجانب، في ظل شبهة وصول تلك الأصول
التي بيعت بخسا وفق مراقبين، إلى شركات متعددة الجنسيات تقف خلفها إدارة إسرائيلية.
وكانت آخر تلك الطروحات المثيرة للجدل، ما يتعلق بملف
الاستحواذ الإماراتي على منطقة "رأس الحكمة" بالساحل الشمالي الغربي
لمصر المطل على البحر المتوسط، مقابل 35 مليار دولار، والحديث عن استحواذ سعودي
على منطقة "رأس جميلة" الساحلية على البحر الأحمر جنوب شبه جزيرة سيناء
المصرية.
وفي 20 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعلن مدبولي، أن
حكومته حققت 5.6 مليار دولار من خلال التخارج كليا أو جزئيا من 14 شركة منذ بدء
الإعلان عن برنامج الطروحات العامة، ملمحا إلى طرح 50 شركة أخرى من الشركات
التابعة للدولة.
وفي نهاية حكومة مدبولي، ومع بداية حكومة جديدة له، يتم
تسريح عمال بشركة "النصر للملاحات" بسبيكة في شمال سيناء، ودفعهم للخروج
على المعاش المبكر، بعد سيطرة مجموعة "سيناء للتنمية الاقتصادية" التي
يرأسها إبراهيم العرجاني بمشاركة جهات سيادية مصرية.
وما زال التعامل الأمني العنيف هو السمة الغالبة على
وزارة الداخلية في حكومة مدبولي، حيث تواصل ذات السياسات بقمع المعارضين ومنع
إخلاء سبيل أكثر من 60 ألف معتقل منذ انقلاب السيسي منتصف العام 2013، وعدم تنفيذ
القانون ومخالفة إجراءات التقاضي وإعادة تدوير الكثيرين في قضايا جديدة بالمخالفة
للقانون والدستور.
كما أن حكومة مدبولي، كانت اليد غير الحانية على أكثر من
2.3 مليون فلسطيني، إذ شاركت وفق اتهامات مراقبين ومعارضين في حصارهم ومنع الطعام
والدواء عنهم بغلق معبر رفح البري،وفرض الإتاوات عليهم عند المرور منه، دعما
للاحتلال الإسرائيلي، الذي يشن حرب إبادة دموية على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/
أكتوبر الماضي.
وعجزت حكومة مدبولي عن فك رموز أمة مياه النيل أو
تحقيق تقدما في ملف سد النهضة الإثيوبي أو الاتفاق مع أديس أبابا حول الملف الحيوي
الذي يهدد حياة ومستقبل أكبر بلد عربي سكانا.
بل إن حكومة مدبولي وقفت متفرجة على الصراع القائم في
السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، والذي اندلع في نيسان/ أبريل 2023، وما زالت
تبعاته الكارثية تتوالى عبر هجرة آلاف السودانيين إلى الشمال حيث الأراضي المصرية.